من هاهنا يبدأ التغيير

إن من السهولة بمكان أن نقول هذا خطأ, وذلك لا يصلح, وتلك المنظومة أو المجتمع يحتاج إلى تطوير وتغيير.

 إنهاء مجرد كلمات جوفاء, وهي جسد بلا روح، لأنها لم تولد من رحم المعاناة ولم تعانق الصبر، بل إننا نرددها جُزافا، وكم نبدو ظرفاء وربما للأسف أحيانا سعداء عندما نحاول أن ننتقد الآخرين, أو حين نذهب إلى أبعد من ذلك فنحاول أن نغيرهم تشدُّقا منّا، و ظناً أنه هو الأفضل لهم، فهل سألت نفسك يوما إذا كنت أنت الذي يحتاج إلى التغيير؟


النفس البشرية تعشق وتطرب لكلمة " أنا"، فهي تدغدغ المشاعر وترفعك وهما إلى عنان السماء، بل تجعلك تشعر بأنك خيرٌ وأفضل من غيرك، وربما يكون وراء الأكمة النزعة شيطانية.

 الم يتبجح بها الشيطان يوما فقال " أنا خير منه “، ولذلك هي تدفعك لتقول هم الذين عليهم أن يتغيروا، وهم الذين عليهم أن يتطوروا، أما أنا فثابت، والكون يتحرك من حولي أنا، قد يُنكربعضنا ذلك ولكنه موجود في أعماقنا، وتراه يطل علينا بين الفينة والأخرى فانتبهوا له، فإنه شعور فتّانٌ وجميل  ولكنه خطير.

يُحكى أن شابا يافعا كان يردد دوما وابداً إني سوف أغير العالم من حولي، ليكون عالما أفضل، إن الطموح له مذاق خاص لا يعرفه إلا من ارتشف منه، لقد ظل ذلك الشاب يحاول لسنوات بكل إخلاص ومثابرة و بلا انقطاع أن يغير العالم من حوله, فلما بلغ أشده، أدرك انه قد لا يتمكن من تغير العالم، فعزم على تغير وطنه للأفضل.
ومضى من عمره عشرة سنوات أخرى عجاف، ولم يتغير ذلك الوطن الحبيب،  ولما بدء الشيب يشق طريقه في مفرقيه, اطرق مفكرا، ثم قال الآن عرفتها, لابد من أن أغير من بلدي, ويا ليته استطاع  فعل ذلك, ولكن مضت سنوات أخرى من عمره ولم يتغير شيء،  فلما بلغ الستين واعتقد أنه قد أمسك بالحكمة بين كفيه، قال مُتنهداً إذاً السر في البيت, سوف أغير من أحوال أسرتي، واعتقد انه أمر هين ، ولكن مرت الأيام وسنون كأنها ومضة، فإذا به شيخ هَرِم، وقد اشتد عليه المرض، ودنى منه الأجل, فقال لأبناءه وهم من حوله يحفّونه  الآن وجدتها والآن أدركتُها، يا بَنيَّ غيروا أنفسكم، وسيتغير العالم من حولكم.
فهل لابد أن ننتظر إلى الشيخوخة حتى نَعِيها.