من ذاق عرف...

 

ما هو التهجد؟ ما هى أوقاته؟ ما ايضا ثوابه؟ التهجد.. وأسرار عبادة عجيبة.. وتأثيرها على كل انسان فى حياته العامة وفى علاقته بالرحمن!



 

يقول الله عز وجل "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً *". هيا أخى الحبيب ماذا تنتظر؟ "فتهجد به نافلة لك". ويعلمنا الله تبارك وتعالى أنه لا يتساوى ابداً من أقام الليل ومن غفل فيه، يقول الله عز وجل: "أمن هو قانت آناء اليل ساجداً وقائماً يحذر الأخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون". انظر إلى حالة: "قانت أناء الليل ساجداً وقائماً". يا لسعادة من ذاق هذه اللحظات وخاصة فى الثلث الأخير، حينما يتنزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء - نزولا يليق بجلاله - الدنيا يقول: "هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه..". من ذاق هذه اللحظات عرف نعم فهو من "الذين يعملون". أما "الذين لا يعلمون" فيكون فى هذه الأثناء مشاهداً للتلفزيون أو منشغلاً بالانترنت.. أيعرف حديث النبى صلى الله عليه وسلم: "أن من ساعة لا يوافقها عقد مسلم يسأل الله خيراً إلا اعطاه إياه ما تسال"!؟ "يحذر الآخرة ويرجو رحمه ربه" هكذا دائما حال الموافقة فى كل زمان ومكان وسبيله إلى الجنة واحد.. إلا وهو قيام الليل.


لقد كان كل أمره عجباً..

دخل رجلان من الصحابة على السيدة عائشة، فقالا: يا أم المؤمنين.. حدثينا بأعجب ما رأيت من أحوال النبى صلى الله وسلم فقالت: وبم أحدثكم؟ لقد كان كل أمره عجباً.

قالت: أتانى ليلة صلى الله عليه وسلم فدخل معى فى اللحاق حتى إذا مس جلده قال: "ذريبى أتعبد لربى ساعة"، فقلت له: أحب قربك وأوثر هواك فقام يصلى، وأخذ يبكى واستمر يصلى ويبكى حتى كانت دموعه تقطر على الحصير، وما زال يصلى ويبكى وتتساقط دموعه على الحصير حتى جاء بلال يؤذنه بصلاة الصبح، فقال له: ما يبكيك يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم "ويحك يا بلال، وقد نزلت على الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتدبرها. ثم تلى قول الله تبارك وتعالى: "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم وبتفكرون فى خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار*". ثم قال صلى الله عليه وسل: "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها..".


عبادة عجيبة... تأثيرها بالغ على كل إنسان..

هيا جرب لمدة أسبوعين فقد وستجد أن هواك أصبح قيام الليل والوقوف بين يدى الله تبارك وتعالى.. وحينئذ تولد من جديد.. سبحان الله وكأن قيام الليل "عصا سحرية" تفعل بها ما تشاء!!


شعار المؤمن

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورم قدماه فيقولون له: أما قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول صلى الله عليه وسلم: "أفلا أكون عبداً شكوراً" وكان يراوح بين القدمين من التعب والاجهاد. رسول الله مستمتع بالقيام.. وكيف لا يستمتع وهو بين يدى مولاه؟

إنه شعار المؤمن "أفلا أكون عبداً شكوراً". احرص أن يكون شعارك.

 

ابك على حالك

من الأمور العجيبة.. أن البخارى قد روى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى المرض فلم يصلى ليلة أو ليلتين.. هل تفهم ما أقصد؟ اوردها البخارى فى صحيحه: أن رسول الله لم يصل بالليل ليلة أو ليلتين، فلم يكن هذا حال النبى إنه استثناء فالقاعدة أنه يقوم الليل كل يوم !!!
يا الله !! إننا على العكس تماماً. أيها المسكين! ابك على حالك واعزم أكيد على القرب من الله واحرص على قيام الليل.


ترى.. ما إحساسك الآن!؟

وانظر إلى اهتمامه صلى الله عليه وسلم بقيام الليل وغرس ذلك فى الصحابة رضوان علله علهم.. رأى النبى صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص يوما فقال له: "يا عبد الله! لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيامه". ضع نفسك أخرى الحبيب مكان عبد الله واستشعر نصيحة النبى صلى الله عليه وسلم لك.. وتذكر أيام رمضان.. لقد كنت مواظباً على قيام الليل وتركته الآن وكأن رسول الله يتحدث عنك.. ترى ما إحساسك الآن وأنت فى هذا الموقف أمام النبى صلى الله عليه وسلم؟ إنه موقف صعب.
وانظر إذا كنت فى الموقف الاحسن وكنت مقيماً لليل.. انظر مدى فرحة النبى صلى الله عليه وسلم بك.

كن بهمة عبد الله بن عمر

قال صلى الله عليه وسلم "نعم العبد عبد الله - بن عمر -- لو كان يقوم الليل" يقولون: فما ترك عبد الله بن عمر قيام الليل بعدها أبداً وكاد لا ينام إلا قليلاً ويحزن ويغضب إذا عرف عن صحابى أنه ترك قيام الليل.. وليكن عبد الله بن عمر نموذجا أعلى لك ولنا جميعاً.. هيا كن بهمته وانو الآن، واجعل هذه الصفحات ختام عهدك بالكسل وحب النوم. همة عالية وقلب حى.. أين انت يا عبد الله؟ نحتاج لأمثالك الكثير..


لا عذر لكم بعد اليوم

خرج النبى صلى الله عليه وسلم يوما ليلاً فذهب إلى فاطمة وعلى يوقظهم لقيام الليل فطرق عليهم الباب (يبدو أنهما كانا نائمين) فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا تصليان؟" فقال على: أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا!! فتركهم النبى صلى الله عليه وسلم غاضباً، يقول على: فوجدته وهو مدبر يضرب بيده على فخذه يقول: "وكان الإنسان أكثر شىء جدلاً".

أليست هذه مقولتك دائما: إننى أضبط المنبه كل يوم ولكن لا أستيقظ.. ماذا أفعل لقد فعلت ما بوسعى!!
لا أجذ لك إلا كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم "وكان الإنسان أكثر شىء جدلاً" انتهى عهد الاعذار.. ابداً من جديد.


خاص بالنساء ولكن!!

استيقظ النبى صلى الله عليه وسلم ليلاً فوجد جيع زوجاته نائمات.. فقال صلى الله عليه وسلم: "من يوقظ صواحب الحجرات؟ فلرب كاسية فى الدنيا عارية يوم القيامة" نبينا محمد كان يحب أن يوقظ أهله ليقوما الليل ويهنئوا بأسعد وأحلى الأوقات ولكن وجدهن نائمات". فكان التعليق الذى جعلهن فى حال آخر طير النوم من عيونهن: "فلرب كاسية فى الدنيا عارية يوم القيامة". إن الموقف خاص بالنساء نعم ولكن هل من المعقول أن نتسحب أنت تاركاً مضمار السباق مطمئنا نفسك بأن هذا للنساء.. افيقوا يا مسلمين.

لك الحق إنك لم تذق

وبعد أن انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة ذاب الرقاع، نزل المسلمون فى مكان يستريحون فيه، واختار الرسول صلى الله عليه وسلم نفراً من أصحابه للحراسة، وكان من بينهم عمار بن ياسر، وعباد بن بشر رضوان الله عليهم جميعاً، طلب عباد من عمار أن ينام ويستريح فى أول الليل على أن يقوم هو بالحراسة، وفى ظلام الليل وبين الصخور والصمت، وقف عباد يصلى وبينما كان مستغرقا فى تلاوته ملحقاً فى فضاءات الأنس بالله وحلاوة الوقوف بين يديه.. وإذا بالأعداء يرمونه فى الظلام بسهم فى عضده فنزعه ومضى فى صلاته، ثم رموه بسهم آخر نزعه ايضاً واستمر فى صلاته ثم ركع وسجد ومد يده إلى صاحبه يوقظه، فنظر عمار إلى الدماء تنزف من أخيه فقال له: هلا أيقظنى أول القرآن فلم أحب أن اقطعها، ولولا حرصى على الثغر الذى أمرت بحفظه لآثرت الموت على قطع الآيات التى كنت أتلوها. تخيل هذا الموقف.. لم يؤثر فيك أليس كذلك!؟ لك الحق فى ذلك إنك لم تذق بعد.. ولكن ربما ذقت معنى أن ينسى الواحد منا الأمة ولا يشعر بها إذا التقى بحبيبه ووقف بين يديه.. يسأله إمارات الحب والرضى!!

 

عمرو خالد بمجلة المرأة اليوم بتاريخ 11/11/2003