من تحت الركام والنار: أساسيات النهضة اليابانية

إلى كل من سلّم نفسه لليأس، إلى كل من فضَّل الجلوس واستسلم للأمر الواقع دون أن يحاول، لكل من يعتبر أن الحادث الذي تعرض له هو نهاية حياته ولن يستطيع النهوض بعدها. أقول لهم جميعاً أنت مخطئ وبكل تأكيد أنت ترتكب خطأ جسيماً بحق نفسك.



كان عام 1945م عاماً كارثياً على اليابان، حيث تلقّت قنبلتين نوويتين خلفت عشرات الآلاف من الضحايا القتلى والجرحى، إنها قنبلة نووية وتعلم ما معنى ذلك وما هي توابع إلقاء هذا النوع من القنابل.

ولكن سنوات قليلة ونهضت اليابان بعد تلك الحادثة الرهيبة وأصبحت من أعظم اقتصاديات العالم إن لم تكن أعظمها. فما هو سر اليابان العظيم.

ليكن في العلم عزيزي القارئ أنّ اليابان بلد يفتقد إلى الحد الأدنى من الموارد الطبيعة، فلا نفط ولا معادن ولا حتى بيئة زراعية مميّزة كما هي في الوطن العربي مثلاً، ولكن قارن بين اليابان الفقير من ناحية الموارد الطبيعية وموارد الوطن العربي الغنية، أين هم وأين نحن؟ وكيف أصبحت اليابان بهذا التطور الهائل؟

أقدِّم لك بعض أساسيات النهضة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية والتي كانت أولى لبنات التقدم الحالي، وهي كالتالي:

1- بناء الإنسان: المجتمع الياباني هو مجتمع يهتم بالأخلاق لدرجةٍ عالية ويهتم بتدريس الأخلاق والاحترام لدرجة أنَّ تلاميذ المدارس اليابانية وحتى الصف الثالث، المادة الأساسية للأطفال هي مادة الأخلاق التي يتم فيها تعليم الأطفال مبادئ الأخلاق العامة، ولعل مشهد الجمهور الياباني وهو ينظف مدرجات الملعب في نهائيات كأس العالم في البرازيل خير دليلٍ على كلامي هذا. إن بناء الإنسان السوي هي الخطوة الأولى لبناء المجتمع السليم.

2- الاهتمام بالتعليم: إنَّ تلك الصورة التي يظهر فيها معلِّمٍ ومجموعة من الطلاَّب وسط الدمار وأخرى بعد زلزال فوكوشيما، تعطي فكرة كبيرة عن اهتمام المجتمع الياباني ككل بالتعليم، ولم يكن الاهتمام بالتعليم عن طريق إعطاء الدروس الخصوصية للطلاب في المنازل كما هو الحال في الوطن العربي كله وأقولها كله وشبه متأكد من ذلك، إنَّما اهتم اليابانيون بالبيئة التعليمية فنظام التعليم عندهم مركزي وبذلك يضمنون حصول جميع الطلاب على ذات المنهاج مما يؤدي إلى التساوي بين الطالب الغني والطالب الفقير فالكل متاحٌ له الإبداع ولا علاقة للقدرة المالية بذلك، كما أعطوا المعلم قيمةً كبيرة جداً فالمعلم في اليابان يتمتع بمرتبة اجتماعية عالية ويتقاضى مردوداً مادياً كبيراً مقارنة بباقي الدول، والحصول على مهنة معلم في اليابان ليست بالسهلة فهم يجب أن يكونوا خريجي جامعات ويخضعون للعديد من الاختبارات الكتابية والشفوية وحتى النفسية منها، فالعلم هو أساس بناء نهضة أي أمة من الأمم.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح تساعد المعلّم على غرس حب التعليم في الطلاب

3- العمل بروح الفريق: لقد عمد اليابنيون إلى تطبيق مبادئ حديثة في إدارة أعمالهم، واعتمدوا في ذلك على مبدأ فريق العمل، فالهدف الأسمى هو نهضة الأمَّة وليس نهضة الفرد على حساب الفرد الآخر، وعندما يكون الجميع يعمل كفريق يكون الهمُّ الأكبر لهم هو بناء الأمَّة والوصول إلى بها إلى مصافي الأمم الراقية، وبذلك تحولت فكرة العمل ضمن فريق إلى ثقافة في المجتمع الياباني ككل وترسَّخت لديهم فكرة أن النجاح هو نجاح للجميع والفشل هو فشل للجميع.

إقرأ أيضاً: لا يبنى الحائط بحجرٍ واحد... العمل في جماعة وأهمية فرق العمل

4- النهضة المتكاملة: لم يهتم اليابانيون بجانبٍ واحد من جوانب الحياة فقط، وإنما كان اهتمامهم بكافة مناحي الحياة، فاهتموا بالصناعة والزراعة والتجارة والصيد البحري، ووضعوا القوانين المناسبة لذلك بما يضمن النهضة المتكاملة، ودون أن يطغى جانب على آخر.

 

عزيزي القارئ إنَّ ماسبق هو بعض أهم أسباب النهضة اليابانية العظيمة والتي أبهرت العالم بعد سنوات الحرب العالمية الثانية والدمار الكبير الذي حل بها. لذلك ومن منطلق النهوض بالأمَّة علينا العمل على الاستفادة من هذه التجربة الفريدة من نوعها والعمل على تطبيقها مع مراعاةٍ لخصائص مجتمعاتنا، وأن لا نخضع ونستسلم للظروف، دعنا نبدأ من تلك الخلية الصغيرة من العائلة ولنتوسع شيئا فشيئا حتى نصل إلى ما وصل إليه اليابانيون من تقدمٍ ونجاح.




مقالات مرتبطة