مَن الذي يصنع حياتنا؟

مَن الذي يصنع حياتنا؟ هل نصنعها بأيدينا؟ أم أن الظروف هي المسؤولة عن صنع حياتنا؟

مَن المسؤول عن الحالة الصعبة للأمة؟ مَن السبب في تأخرنا؟ مَن السبب في عدم ثبات الشباب على التدين؟ مَن المسؤول عن عدم وجود شاب مسلم متفوق رياضياً على سبيل المثال؟



مَن يصنع حياتنا؟ إرادتنا أم الظروف؟

يرى علماء النفس أن هناك ثلاثة مؤثرات هي التي تصنع حياة الإنسان:

·               المؤثر الوراثي (الجيني(

·               المؤثر التربوي

·               المؤثر البيئي

وبهذا، فإن هذه المؤثرات الثلاثة هي التي تحكم تصرفات الشخص وردود أفعاله في الحياة.

إن فرويد، ومن معه، يفسرون صفة العصبية أو البخل مثلاً في الإنسان بإرجاعها إلى العامل الوراثي، ويعتقدون أن مثل هذا الشخص لا يد له في كونه عصبياً أو بخيلاً، لأن العامل الوراثي هو المتحكم. كذلك يفسر فرويد، ومن معه، السلوك السيئ لبعض الأفراد تجاه زوجاتهم، على سبيل المثال، بإرجاعه إلى العامل التربوي، فيرون أن هذا الشخص، عندما كان طفلاً لابدّ أنه رأى والده وهو يهين زوجته، مما جعل هذا الطفل يسلك السلوك نفسه تجاه زوجته عندما كبر. وهذا كله خارج على إرادته، لأن العامل التربوي هنا هو المتحكم. ومن وجهة نظر فرويد، يمكننا أن نفسر عدم ثبات شاب على طاعة الله تعالى، بإرجاع ذلك للعامل البيئي. فالبيئة حول هذا الشاب مليئة بالفتن، لذلك لا يستطيع الشاب الثبات رغماً عن إرادته، لأن العامل البيئي هو المتحكم وليس إرادة الشاب.

ولكن، هل هذا الرأي صحيح؟

هذا الرأي خطير للغاية. فهل لنا أن نسأل كيف سيحاسبنا الله تبارك وتعالى، إن لم نكن نحن المتحكمين في أفعالنا، بل الظروف والمؤثرات الثلاثة هي التي تحدد حياتنا؟

لئن كان هذا رأي علماء النفس، وهو أنه لا إرادة لنا في تصرفاتنا، فلنستمع إلى رأي الإسلام ورده على السؤال المطروح هنا، وهو: مَن المسؤول عن صنع حياتنا؟ هل هي الظروف؟ أم هي الإرادة الشخصية للفرد؟

يُعتبر رأي علماء النفس سابق الذكر من وجهة نظر الإسلام خطأً كبيراً. فالإسلام يقر بأن الشخص يقع تحت المؤثرات الثلاثة السابق ذكرها، ولكنه يقرر أن الله تعالى قد منحنا السلاح لقهر هذه المؤثرات الثلاثة، ويتمثل هذا السلاح في ما أعطاه الله لنا من إمكانات. لذا فإننا يوم القيامة سنحاسب على كيفية استغلالنا لما أعطاه الله لنا من إمكانات في قهر المؤثرات والظروف. فكلما نجح الإنسان في استغلال إمكاناته في قهر المؤثرات، كان من أهل الجنّة، وكلما قهرت المؤثرات إمكانات الشخص كان حسابه شديداً عند الله تعالى.

الإمكانات التي أعطاها الله لنا هي طاقة داخلية وضعها الله في كل شخص منا، للكفاح والتحمل والصبر. فهذه الطاقة موجودة، وعند استدعائها يمكنها قهر أي شيء. فلنفجر ما في داخلنا من طاقة.

أنبياء الله جاءوا في وجود مؤثرات وظروف أصعب بكثير من ظروفنا الآن. سنتناول اليوم نموذجاً نجح في الدُنيا والدين، هذا النموذج تعرض لمؤثرات دنيوية شديدة، ومع ذلك نجح وقهر المؤثرات.

هذا نموذج هو سيدنا يوسف(ع). ومن قصة سيدنا يوسف سنؤمن بأنه يمكننا أن ننجح كما نجح هو.

انظر إلى ما تعرض له يوسف من مؤثرات الدنيا:

·               عندما كان طفلاً كان محل كره إخوته وغيرتهم وحسدهم.

·               تم إلقاؤه في البئر وعمره لا يزيد على 12 سنة. ويقول الله تعالى: (غَيَابَتِ الجُبِّ) لما كان من عمق البئر.

·               تم بيعه كعبد وظل عبداً لمدة 10 سنوات.

·               ألقي في السجن بعدها مدة 10 سنوات أخرى.

·               عندما بلغ 40 عاماً بدأ حياته كعزيز مصر.

فها هي 40 عاماً مرت من حياته من العذاب، ولكنه نجح في الحياة على الرغم مما تعرض له من مؤثرات.

فما هي الإمكانات التي مكنته من النجاح؟

·               الصبر: يجب أن نتعلم الصبر لتحقيق النجاح.

·               الموهبة: موهبته في تفسير الأحلام. وقد أعطى الله كلاً منا موهبة تمكنه من النجاح.

·               العلم: علم الاقتصاد، وقد تعلم سيدنا يوسف الاقتصاد من عزيز مصر، فكونه عبداً لم يمنعه من أن يتعلم ويستفيد من عزيز مصر.

وهذه هي مفاتيح النجاح لأي فرد: صبر، وعلم، وموهبة. وبهذه الإمكانات نجح سيدنا يوسف وأصبح عزيز مصر، الذي قاد المشرق العربي كله وأنقذه من كارثة المجاعة. فاستغلال الإمكانات يجعل قهر المؤثرات شيئاً ممكن التحقيق.

هذه هي حال يوسف(ع) ونجاحه مع الدنيا، فهيا بنا نرَ سيدنا يوسف والدين.

تعرض يوسف(ع) لفتنة عظيمة كان يمكن أن تجعله يفقد دينه، ألا وهي فتنة النساء. إن قصة يوسف(ع) وفتنة النساء لم تترك عذراً لأحد. فالسيدة هي امرأة العزيز، ذات منصب وجمال، وهو يوسف، شاب قوي جميل أعزب، أمامه سنوات طويلة ليتزوج، وهو عبد، يُقبل منه مالا يُقبل من السيد، وهو غريب يُقبل منه مالا يُقبل من أهل البلد. ومن الفتنة أنها هي التي كانت تعرض نفسها عليه وتقول: (هَيْتَ لَكَ)، وغلَّقت الأبواب، فهو في مأمن من الفضيحة، وهي التي تدعوه، وقد دعته مرات كثيرة؟ ولقد راودته عن نفسه. ولكنه على الرغم من كل المؤثرات (قالَ مَعَاذَ اللهِ إِنّهُ رَبّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إنّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمُونَ)، وهي تقول عن مدى مقاومته لها إنه "استعصم"، أي أنه نجح في قهر المؤثرات والفتن، ونجح في الدنيا والدين.

إمكانات سيدنا يوسف(ع) التي جعلته ينجح دينياً:

·               الصبر: الصبر عن المعصية، والصبر على الطاعة.

·               الدعاء: (وَإِلّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنّ) واستعانته بالله تعالى على الفتن.

فماذا عنك أنت؟ هل ستنجح كما نجح؟ هل ستقهر المؤثرات؟ هل ستقول لا للمعصية؟

أيّها الشباب، كيف سيكون حالكم بعد هذا المقال؟ هل ستظل هذه الشحنة الإيمانية بداخلكم؟ أم أنها ستتبدد أمام أول معصية تعرض عليكم؟ قال الله تعالى (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (سبأ/ 20)، فظن إبليس فينا أننا رغم قراءتنا هذا المقال وتأثرنا به، إلّا أننا سنضعف أمام ما يعرضه لنا من المعاصي. فهل سنكون عند ظن إبليس؟ لا. بل كلنا أمل في أن يكون جميع من يقرأ هذا المقال، إن شاء الله، هو من فريق المؤمنين الذي تتحدث عنه الآية.

يا كل القراء: في إمكاننا أن ننجح. فإذا كان سيدنا يوسف(ع) قد نجح تحت كل هذه المؤثرات، فسننجح نحن إن شاء الله.