ملخص كتاب التعلّم التجريبي لدايفيد كولب - الجزء 2

للتعلم التجريبي أنواعاً كثيرةً وأسساً مختلفة تحدث عنها العديد من العلماء منذ القدم إلى يومنا هذا، ويُعتبر كتاب التعلّم التجريبي لدايفيد كولب واحداً من أشهر وأهم الكتب التي تناولت هذا الموضوع، وفيما يلي سنتوقف عند أهم الأفكار التي وردت في الجزء الخامس من هذا الكتاب.



بُنية المعرفة:

(ليست التجربة والخبرة حجاباً يُبعدُ تفكير الإنسان عن الطبيعة، وإنّما هي وسيلة اختراق مستمر في صميم الطبيعة) جون ديوي

لا يُمكن تقدير سلوك الإنسان بشكلٍ كامل دون اختيار المعرفة المتراكمة ثقافيّاً طبيعتها، تنظيمها، والعمليات التي يُسهم فيها المتعلمون الفرديون ويشتركون في تلك المعرفة. تتشكلُ أساليب التعلم الفرديّة بواسطة بنيّة المعرفة الاجتماعيّة، ومن خلال الأعمال الفردية الإبداعيّة، وتتشكل المعرفة بواسطة الأفراد. لفهم التعلم بشكلٍ كامل يجب أن نفهم طبيعة وأشكال المعرفة البشريّة والعمليات التي تتولدُ بواسطتها هذهِ المعرفة ويُعاد توليدها.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتزيد آفاق المعرفة لديك

الإدراك مقابل الإحاطة، نظرية المعرفة الثنائيّة:

لعلّ هذه النظرية العامة المختصرة لتاريخ الفلسفة المعرفيّة كافيّة لتطوير مساهمة نظرية التعلّم التجريبي في مسألة اكتساب المعرفة، فسيكفي انعكاس اللحظة على دارة التعلّم التجريبي لتوضيح حدود فلسفة المنطقي أو التجريبي، كل على حدة، كأساس معرفي للتعلّم التجريبي. حيثُ يقوم التعلّم التجريبي على أساس نظرية معرفة ثنائيّة. التجربة الملموسة التجريبيّة، أي فهم الواقع بعمليّة الإدراك المباشر. والفهم المجرد المنطقي، أي فهم الواقع عن طريق عمليّة التسويّة للفهم المجرد، وبالتالي فنحنُ أمام بياجيه في موقع التفاعلي الداخلي.

تختلف المعرفة التفاعليّة الداخليّة لنظرية التعلم التجريبي بعدة نواح عن التفاعليّة الداخلية لبياجيه للمعرفة الجينيّة، فالتفاعليّة الداخلية لبياجيه هي بالتأكيد منطقيّة في روحها.

الجدليات الشك واليقين:

إنّ الموقف الصحيح إزاء إيجاد المعرفة ليس دوغماتيّة الإدراك أو الإحاطة وليس الشك المطلق بل موقف الشك الجزئي الذي تُتخذ فيهِ معرفة الإحاطة مؤقتاً لتُختبر بمواجهة الإدراك والعكس بالعكس. الفرق الحرج بين المعرفة الذاتيّة والاجتماعيّة هو حضور الإدراك كسبيل للتعرف في المعرفة الذاتية، ويجب التوضيح أنّ القسم الإدراكي من المعرفة الذاتيّة هو كل ما يمنعنا من فقدان هويتنا ككائنات بشرية فريدة، بحيث نُبتلع في حلقات التغذية الراجعة لغرض منظومة المعرفة الاجتماعيّة التي تُحفظ حاسوبيّاً باطراد. ولأنّنا ما زال بوسعنا أن نتعلم من تجربتنا الذاتيّة، لأنّهُ بإمكاننا أن نُخضع الرموز المجردة لمنظومة المعرفة الاجتماعيّة لقسوة بحثنا الذاتي في هذهِ الرموز وتجربتنا الشخصيّة معها، لذا فإنّنا بذلك أحرار تماماً. إنّ هذهِ العمليّة في اختيار الاعتقاد هي ما نشعر بهِ حين نعلم أننا أحرار في أن نرسم مصيرنا وقدرنا الذاتي.

بنية المعرفة الاجتماعيّة:

فرضيات عالميّة:

بما أنّ المعرفة الاجتماعيّة جميعها تُكوّنُ بالتعلّم، فمن المعقول أن نشتبه بوجود بعض التشابه بين بنية المعرفة الاجتماعيّة وبنيّة عمليّة التعلّم. إذ قد تعول بعض منظومات المعرفة إلى حد كبير على الإحاطة، كما يحتمل أن تتكل على الإدراك، البعض منها موّجه نحو الامتداد والتطبيق العملي، وتتجه أخرى نحو القصد والفهم الأساسي.

الشكليّة والميكانيكيّة- تحليل نظريات العالم:

المستندة إلى الإحاطة:

يستند البحث في العلم الحديث بشكلٍ أساسي على الأسس الميتافيزيقية (الغيبية) للشكليّة والميكانيكيّة، فالنسخ المعاصرة للشكليّة الواقعيّة تُدمج كثيراً من خصائص الميكانيكيّة كالتركيز على موقع الزمان والمكان، وبالتالي يكون هذان الجذران المجازيان غير قابلين للتمييز.

ثمة ست خطوات أو تصنيفات في التحليل الميكانيكي:

  • التخصص في مجال الموقع بالزمان والمكان، في الميكانيكيّة كل شيئ موجود موجود في مكان ما، خلافاً للشكليّة التقليديّة، حيثُ يوجد الشكل مستقلاً عن حيثيات الزمان والمكان.
  • تحديد الخصائص الأوليّة.
  • توصيف القوانين التي تحكم الخصائص الأوليّة.
  • توصيف الخصائص الثانويّة.
  • مبادئ ربط الخصائص الثانويّة والخصائص الأوليّة.
  • قوانين الانسجام بين الخصائص الثانويّة.

المعرفة الاجتماعيّة كأنظمة حيّة للتحقق والاستدلال:

العلاقة مابين المعرفة ومجالات التحقق والمساعي:

لا توجد المعرفة فقط في الكتب، الصيغ الرياضيّة، أو الطرق الفلسفيّة، إنّها تستلزم أن يقوم المتعلمون النشيطون بالتفاعل مع هذه الرموز وتفسيرها وتفصيلها. لذلك يجب أن تتضمن البنيّة المتكاملة للمعرفة الاجتماعيّة أنظمة حيّة فاعلة للتحقيق، والدراسات التخصصيّة في التعليم تتشارك بقيم ومعايير متشابهة تعبر عن الطريقة التي يُمكن من خلالها إنشاء معرفة اجتماعيّة صالحة ومستدامة. الدراسة التخصصيّة، المهن، والحرف هي ثقافات متماثلة تختلف تقريباً في كل الأبعاد المترافقة مع تخصصها.

بنية المهن والتطوير المهني:

بما أنّ التعليم هو عمليّة مستمرة مدى الحياة وبما أنّ المعرفة يتم اكتسابها من خلال العمل كما هو الحال في الجامعة، فهناك سبب يدفعنا للاشتباه بوجود تشابه شكلي مماثل ما بين بنية المعرفة/ التعليم وهيكليّة المسارات المهنيّة. على أيّ حال يُمكننا رؤية المزيد من العلاقات المنظوميّة ضمن مخطط التصنيف المهني الذي طورتهُ آن روي. في كتابها علم نفس المهن وضعت روي مخططاً ثنائي البعد يُوضحُ الفئات الثمانيّة العامة للمهن مع المستويات الستة للتطور في كل فئة. الفئات والمسارات المهنية هي:

  • الخدمات (من العاملين في مجال الخدامة حتّى اختصاصي المعالجة).
  • المتعلقة بالأعمال (من الباعة المتجولين حتّى المتعهدين).
  • المنظمات (من السعاة حتى الرؤساء).
  • التكنولوجيا (من العمال حتّى المُخترعين).
  • العمال الميدانيون خارج المباني (من العمال حتّى الاختصاصين).
  • العلوم (من المساعدين حتّى العلماء).
  • الثقافة العامة (من المكتبة حتّى المتعلمين).
  • الفنون الترفيهية (من فنيي الديكور حتّى الفنانين).

نظرية التعلّم التجريبي في التطور:

(إنّ من عادة الطبيعة أن تقسم ماهو متحد، وأن تجمع ماهو مجزأ). غوته

ثمة خصائص للتعلّم لا يُمكن تجاهلها، فهو جازم وماض قدماً واستباقي. فالتعلّم يقودهُ الفضول لمعرفة الواقع الراهن. بالزمان والمكان وتوقع المستقبل. قد كان جون ديوي من أفاد أنّ دورة التعلّم التجريبي لم تكن دائريّة، وإنّما حلزونيّة لولبيّة تملئ كل حلقة التجربة بإمكانيّة الحركة من الدافع الأعمى وحتّى حياة الاختيار والهدف.

التعلّم والتطور كتفاعلات بين الفرد والبيئة:

تركّز نظرية التعلّم التجريبي في التطور على التفاعل بين الخصائص الداخليّة والظروف الخارجيّة، أي بين المعرفة الشخصيّة والمعرفة الاجتماعيّة، وذلك دون نكران حقيقة النضج البيولوجي والإنجازات التطوريّة (بمعنى استمرار وثبات البُنى المعرفيّة الإدراكيّة التي تنظم التفكير والفعل). إنّ عملية التعلّم من التجربة هي ما يصوغ الإمكانات التطوريّة ويفعلها، وهذا التعلّم هو عمليّة اجتماعيّة، وبالتالي فإنّ منهج تطور الفرد تشكلهُ المنظومة الثقافيّة للمعرفة الاجتماعيّة.

التفريق والتكامل في التطور:

ينشأ عن جدليات التعلّم تقدم تطوري إنساني يتصف بالتفريق والتكامل المتسلسل للأداء بشكلٍ متزايد. فمفاهيم التفريق والتكامل المرتبي أساسيّة فعلياً لكافة نظريات التطور المعرفي وتطوّر الراشدين. لقد استُعير هذا المبدأ في التطور السيكولوجي من الملاحظات البيولوجيّة للنشوء والتطور التي تظهر تفريقاً وتكاملاً فيزيائيّاُ متزايداً كلما تحرك المرء صعوداً في المقياس الفيولوجيني خصوصاً في نشوء الجملة العصبيّة.

للتفريق سمتان هما ازدياد تعقيد الوحدات وتناقص ترابط الأجزاء. يجب على منهج التعلم والتطور أن يُهذب ويُميز ويُتقن ضروب التجربة وتغيُرات السلوك، بينما يزيد في الوقت نفسه استقلال الأداء بين هذهِ الأقسام.

نظرية التعلّم التجريبي في التعلّم:

يُمكن وصف الطريقة التي يُشكل بها التعلّم منهاج التطور من خلال مستوى التعقيد التكاملي في أساليب التعليم الأربعة: التعقيد العاطفي في التجربة الملموسة الذي ينتج عنهُ درجة أعلى من الوجدان، التعقيد التصوري في الملاحظة العكسيّة الذي ينتج عنهُ مستوى أعلى من الملاحظات، والتعقيد الرمزي في الفهم المجرد الذي يقضي إلى مفاهيم بدرجة أعلى، والتعقيد السلوكي في التجريب العلمي الذي ينتح عنهُ مستوى أعلى في التصرفات.

تتسم عمليّة التطور الإنساني إلى ثلاث مراحل فسيحة لتطور النضوج هي: الاكتساب، التخصص، الدمج والتكامل.

المرحلة الأولى: الاكتساب

تمتدُ هذهِ المرحلة من الولادة حتّى المراهقة وتسم اكتساب قدرات التعلّم الأساسيّة والبنى المعرفيّة الإدراكيّة.

المرحلة الثانيّة: التخصص    

تمدت هذهِ المرحلة عبر مرحلة التعليم الرسمي الأساسي، أو التدريب المهني والتجارب المبكرة لسن البلوغ في العمل والحياة الشخصيّة.

المرحلة الثالثة: التكامل

تؤدي الإنجازات في ما يتعلق بالتطور التخصصي الوادرة في المرحلة الثانيّة إلى تحقيق الأمان والإنجاز الاجتماعي، مدفوعاً غالباً من خلال إخضاع احتياجات الرضا بالإنجاز الشخصي. 

سابعاً:

التعلّم والتطور في التعليم العالي:

تُعتبر المؤسسات التعليميّة، حسب نظرية التعلم التجريبي، الراعي المحافظ للمعرفة الاجتماعيّة، وإنّ المسؤوليّة الأولى من مسؤوليات هذه الرعايّة هي خلق الشروط الكفيلة بجعل المعرفة الاجتماعيّة متاحة للمتعلمين الأفراد من أجل تنميتهم.

تتضمن هذهِ المسؤوليّة التطوير الفردي للمشاركين في هذهِ المؤسسات في كامل المراحل التطويريّة الثلاث للتعلم التجريبي:

  • الاكتساب: إعداد المتعلمين في المهارات الأساسيّة بحيث يُمكنهم الوصول إلى أدوات المعرفة الاجتماعيّة واستثمارها.
  • التخصص: انتقاء المتعلمين وتجميعهم في مجالات مختصة من المعرفة بحيثُ تلائم مواهبهم وتوافق حاجاتهم الاجتماعيّة.
  • الدمج والتكامل: تطوير المؤهلات الفردية للمتعلمين جميعهم باتجاه الابتكار والعقلانيّة والحس السليم.

التطوير الاختصاصي وعملية التعزيز:

يُعتبر انتقاء الطلاب وتربيتهم اجتماعيّاً في مجالات مختصة من المعرفة الاجتماعيّة ملائمة لاهتمامهم ومواهبهم المحرك التطويري الرئيسي في التعليم التخصصي، ويحدث هذا التطور من خلال عمليّة التعزيز.

التعلّم الاحترافي والتكيف مع المهنة:

إنّ التخصص من خلال عمليّة التعزيز هو قوة رئيسيّة في التعليم الجامعي عموماً، ولكن ثمة سبب للاشتباه بأنّ هذهِ العمليّة مركزيّة بالنسبة للتعليم المهني، ومن وجهة نظر التحكّم الاجتماعي تبدو المهن كأنها نشأت أصلاً في مجال النشاط الإنساني (الطب، الدين، القانون) حيثُ لا تصلح للحكم على الأداء على أساس النتائج.

ثماني مشكلات للتعليم المهني جميعها مرتبطة بمعضلة التعليم المتخصص مقابل التعليم التكاملي:

  • المهن مختصة لدرجةٍ أنّها أصبحت غير متجاوبة مع مستويات معينة من المشكلات الاجتماعيّة التي تتطلب وجهات نظر تخصصية بينيّة أو مهنيّة كالمشكلة المدنية.
  • البرامج التعليميّة في المدراس أصبحت صارمة ومعيارية للغاية بحيث لا يستطيع الكثير من الاحترافيين أن يؤدوا نوع العمل الذي يرغبونهُ.
  • أصبحت ضوابط الدخول في المهن صارمة لدرجة أن بعض الأنواع من المتقدمين يواجهون نوعاً من التمييز ضدهم.
  • أصبحت شروط المهن والقاعدة المتطورة للمعرفة الأساسيّة والتطبيقيّة تقاربية في معظم المهن لدرجة أنّهُ من الصعوبة بالنسبة للإبداعات أن تحدث سوى مجالات المحتوى التخصصي العالي في الحدود المهنيّة.
  • لم يعد المهنيون متجاوبين مع حاجات أصناف كثيرة من الزبائن أو المستفيدين من الخدمات.
  • لا يؤمن التعليم المهني تدريباً لأولئك الخريجين الذين يرغبون بالعمل كأعضاء ويُصبحون مدراء ضمن مشاريع العمل الاحترافية.

التعلم في المدرسة وفي العمل:

إنّ عمليّة اكتساب المعارف والمهارات والقيم التي تبدأ في المدرسة تمضي قدماً وتستمر في مواقع العمل. حيثُ يُكافأ الأداء الناجح الذي يقوم بهِ الشخص في مجال تخصصهِ عن طريق تعيينهِ لتولي تحديات أكثر تعقيداً ضمن هذا المجال، مع ذلك هناك نقطة تحول في معظم المسارات المهنيّة حيثُ تتغير فيها متطلبات العمل، مما يتطلب على نحو متزايد تبني وجهة نظر تفاعليّة في عملية التعلم.

إدارة عملية التعليم:

لإدارة عمليّة التعليم في الجامعات بطريقةٍ تهتم بأساليب التعليم الشخصيّة المختلفة للطلاب، وترعى عملية تطوير هؤلاء الطلاب، يجب تحديد وتبني وإدراة سمات النظام التعليمي التي تؤثر وبفعاليّة في عمليّة التعليم.

بيئات التعلم:

  • البيئات التعليميّة المركبة ذات الطابع العاطفي، هي التي يكون فيها على تجربة مايكون فعليّاً أمراً احترافيّاً في مجال الدراسة.
  • البيئات التعليميّة الحسيّة المركبة، تلك التي يكون هدفها الرئيسي هو فهم شيئ ما على أن تكون قادراً على تحديد العلاقة ما بين المفاهيم.
  • بيئات التعليم الرمزية المركبة، هي تلك التي يشارك فيها المتعلم في محاولة حل المشاكل التي تحتمل عادةً جواباً صحيحاً أو حلاً أفضل.
  • البيئات التعليميّة السلوكيّة المركبة، هي التي يكون التركيز فيها على التطبيق الفاعل للمعارف والمهارات على مشكلة محددة، لا تتطلب المشكلة حلاً يكون هو الحل الصحيح أو الأفضل.

هنا نكون قد أنهينا الجزء السادس والسابع من هذا الكتاب، وسنتابع تلخيص الجزء الأخير منهُ في المقالة القادمة.

التعلّم التجريبي

التجربة كمصدر للتعلّم والتطوّر

الاشراف العلمي: حمزة الدوسري
عدد الصفحات: 301 صفحة
الوزن: 465 غ
القياس: 17×25 سم
ثمن الكتاب: 18 $

احصل على نسختك الآن




مقالات مرتبطة