مفهوم العقود الذكية وفوائدها واستخداماتها

عند سماعك لمصطلح "العقد" فأول ما يتبادر إلى ذهنك أنَّه كتابة اتفاق بين طرفين أو أكثر بالمرور بمراحل عدة تبدأ بالتواصل مع المحامي الذي يقوم بدور الوسيط بين الأطراف، فيستمع لهم ليصيغ العقد والذي يحدد المعلومات الأساسية والبيانات اللازمة لإبرام العقد ويحدد نوعه والقانون المطبَّق عليه وما يقع على كل طرف من التزامات ومسؤوليات.



يحتاج ذلك إلى صياغة قانونية ولغوية دقيقة تضمن عدم وجود ثغرات يمكن من خلالها لأحد الأطراف التحايل وتغيير الشروط المُبرَمة في العقد أو الإخلال بأحدها، فلك أن تتخيل صعوبة العملية، كما أنَّها تحتاج إلى كثير من الوقت، ولا يمكن الاستغناء عن إبرام العقود في حياتنا، فعند بيع منزل أو سيارة أو شراء عقار أو القيام بتحويلات مالية تحتاج إليها.

الآن يمكنك التخلص من تلك التعقيدات بالاعتماد على العقود الذكية، فلا تحتاج إلى وكيل عقاري أو مستشار أو مساعد عند شراء عقار ما مثلاً؛ بل يمكنك توفير الوقت والجهد في مختلف المجالات وليس المجال العقاري فقط، فالتكنولوجيا اليوم ساعدت على جعل كثير من الأعمال المعقدة سابقاً تتسم بالبساطة، ولتعرف مفهوم العقود الذكية والفرق بينها وبين العقود التقليدية، يجب عليك متابعة القراءة.

مفهوم العقود الذكية:

مفهوم العقود الذكية

ظهر مصطلح العقود الذكية من قِبل "نيك زابو" (عالم كمبيوتر وخبير في التشفير) في عام 1996، ونشر عدداً من الأبحاث التي توضح مفهوم هذا المصطلح الذي يشير إلى تعاقد بين طرفين، لكن بشكل مختلف عن السابق، فالعقد الذكي عبارة عن برنامج معلوماتي يعتمد على تقنية "بلوك تشين" التي تتيح نقل المعلومات الآمنة وتخزينها وإجراء معاملات رقمية دون جهاز تحكم مركزي أو وسيط.

يهدف هذا البرنامج إلى تنفيذ أمر معين استوفى شروطه، والعقد مكتوب في كود يحدد شروط الاتفاقية والمعاملات بعيداً عن الوسطاء أو السلطات المركزية أو العامل البشري عموماً، ومبدأ العمل أن يتم وضع قواعد مختلفة تؤكد كيفية الموافقة على مختلف المعاملات، وتلك القواعد تسمح بالتنفيذ التلقائي للنشاطات بالاعتماد على المدخلات التي تقدِّمها الأطراف المتعاقدة في العقد الذكي.

عند تطابق النشاطات يُسمَح بالمعاملة، ومن ثمَّ العقد آلي وذاتي التنفيذ، والكمبيوتر هنا هو من يتولى مسؤولية التخزين والتحكم بالتنفيذ، ولا تعتقد أنَّ العقود الذكية معقدة كما تبدو عند قراءة مفهومها؛ بل إنَّها بسيطة، فالأمر يشبه أنَّك تقدِّم عملاً لجهة معينة، فإن استوفيت الشروط، حصلت على المقابل المادي المتَّفَق عليه سابقاً.

كيفية إنشاء العقود الذكية:

كيفية إنشاء العقود الذكية

يتطلب إنشاء عقد ذكي تحديد الشروط أو الالتزامات التي تؤثر في الأطراف المتفقة بشكل خاص التي لا يمكن بغيابها تنفيذ العقد الذكي، فمثلاً إن لم تقم الشركة بالدفع في الوقت المحدد، لا يُنفَّذ العقد، وفيما بعد يتم دمج العقد الذكي في "بلوك تشين"؛ إذ نبدأ بـ "البلوك تشين" الداخلي ليقوم بالاختبار، ومن ثمَّ نشر العقد على "البلوك تشين" الحقيقي، وعموماً، فإنَّ العقد الذكي يتكون من ثلاثة أجزاء أساسية، وهي كما يأتي:

1. الموقِّعون:

قد يشتمل العقد الذكي على موقِّع أو موقِّعين عدة، وهم الأطراف ممن يمكنهم استخدام العقد الذكي؛ إذ توضَع الشروط بموجبهم.

2. موضوع الاتفاق:

 قد يكون الموضوع مجرد مكوِّن يوجد في بيئة العقد الذكي، لذلك يكون للعقد الذكي حق الوصول والتنفيذ المباشر دون وجود عوائق أمام ذلك.

3. بنود محددة:

يتم كتابة البنود بطريقة رياضية حصراً باستخدام لغة برمجة تتناسب مع بيئة العقد الخاصة.

استخدامات العقود الذكية:

يمكن استخدام العقود الذكية في مختلف مجالات حياتنا، وأبرزها:

1. نظام التصويت الحكومي:

جميعنا نعلم أهمية الحفاظ على أمان سير عملية التصويت وإبعادها عن التلاعب، لذلك تُعَدُّ العقود الذكية الحل الأمثل لجعل عملية التصويت أقل عرضة للتلاعب من السابق، فتصبح الأصوات محمية بشيفرة ويصعب فكها.

كما أنَّ نقل التصويت ليصبح عبر الإنترنت يزيد عدد الناخبين؛ وذلك لأنَّ الوقوف في صف واحد والانتظار وتقديم الاستمارات والهوية أدى إلى انخفاض عدد الناخبين سابقاً لسوء وانخفاض فاعلية نظام الانتخاب المعتمَد.

2. الرعاية الصحية:

يعمل "البلوك تشين" على تخزين السجلات الصحية للمرضى بشكل مشفر، فلا يصل إلى تلك السجلات إلا بعض الأشخاص المحددين، ومن ثمَّ يحافظ على خصوصية المرضى، إضافة إلى ذلك، يمكن مشاركة السجلات مع شركات التأمين الخاصة فقط، كما يمكن الإشراف على الأدوية بشكل منظم، وكل ذلك يساهم في سير عمل الرعاية الصحية بانتظام وسلاسة.

3. العمليات المالية:

تجعل الطرائق التقليدية الخدمات المالية صعبة نوعاً ما، ولكنَّ العقود الذكية تتضمن أدوات تسيِّر العمليات المالية بأمان، فتمنع التسلل إلى سجلات المحاسبة مثلاً، وتوجِّه المدفوعات إلى أصحابها، وتفحص الأخطاء، وتمكِّن المساهمين أيضاً من المشاركة في صناعة القرارات بشكل شفاف بعيداً عن التلاعب.

4. سلاسل التوريد:

يقلل "البلوك تشين" المخاطر التي تتسم بها العملية التقليدية نتيجة الأنظمة الورقية، والتي تتسم أيضاً بأنَّها عملية شاقة تمرُّ بقنوات عدة لتحصل على الموافقات المطلوبة، بينما يساعد استخدام العقود الذكية على إدارة المخزون وأتمتة المهام والمدفوعات، فيتم تقديم نسخة رقمية للأطراف المشاركة في السلسلة بشكل آمن.

إقرأ أيضاً: تحسين العمليات اللوجستية وتسليم البضائع باستخدام الذكاء الاصطناعي

5. صناعة العملات المشفرة:

من خلال العقود الذكية أصبحت معاملة الأصول الافتراضية ممكنة، بحيث يقوم مستخدمو العملات الافتراضية باستبدال أو شراء الرموز المميزة وإعادة البيع، وجميعها تُعَدُّ عقوداً ذكية.

6. وكالة عقارية:

سابقاً يحتاج العقد إلى وجود وسيط عقاري وثقة بين الأطراف، أما الآن فالعقد الذكي يلغي الحاجة إلى وسيط عقاري، فالأطراف المشاركة يمكنها برمجة عقد ذكي يقوم بوظيفة الوكيل العقاري.

7. تأمين سفر:

أنشأ فريق من مبرمجي الكمبيوتر في لندن عام 2015 نظام تأمين سفر آلياً بالاعتماد على العقود الذكية، فلا تضطر الشركة المعنية لمعالجة طلبات المسافرين، وفي حال تأخُّر الرحلات لأسباب طارئة يتم تعويض المسافرين تلقائياً، وبالطبع العقد الذكي في هذه الحالة مرتبط بقاعد بيانات المطار ليتم تفعيله.

ما هي منصات العقود الذكية؟

ما هي منصات العقود الذكية

توجد منصات عدة للعقود الذكية، ومنها:

1. منصة "إيثريوم" (Ethereum):

منصة إيثريوم

وهي أشهر منصة للعقود الذكية، وتُعَدُّ الرائدة عالمياً في وقتنا الحالي؛ وذلك لأنَّها الخيار الأفضل، وقد تم إطلاق هذه المنصة في عام 2015، ثمَّ نمت بسرعة كبيرة، وتسمح المنصة للمستخدمين بإنشاء العقود الذكية في مختلف المجالات، وتتميز العملية بالسهولة وقلة الخطورة.

2. منصة (Hyperledger Fabric):

منصة Hyperledger Fabric

تقع في المرتبة الثانية، وتُعَدُّ المنصة المنافسة لـ "إيثريوم"، وأيضاً انطلقت في عام 2015 وحققت نجاحات كثيرة من خلال تطويرها لأدوات إنشاء العقود الذكية لتصبح العملية أكثر كفاءة.

3. منصة (Nem):

منصة Nem

تعتمد هذه المنصة على لغة البرمجة "جافا" الشهيرة، لذلك يفضِّل كثير من المطورين والخبراء الاعتماد عليها في إنشاء عقود ذكية أمنة.

4. منصة (Stellar):

منصة Stellar

انطلقت هذه المنصة في عام 2014، وتُعَدُّ من أقدم منصات العقود الذكية، وتتميز بأنَّها آمنة؛ وذلك لأنَّها قليلة التعرض للهجمات والمشكلات مقارنة بغيرها.

إقرأ أيضاً: مستقبل الدفع الإلكتروني: هل ستحل العملات الرقمية محل النقود التقليدية؟

فوائد ومزايا العقود الذكية:

يمكننا عَدُّ العقود الذكية بمنزلة ثورة في مجال العقود لما تمتلكه من فوائد ومزايا، وإليك أهمها:

1. الأمان:

العقود الذكية آمنة لاعتمادها على تقنية "البلوك تشين"، ومن ثمَّ فهي محمية من القرصنة، فلا يمكن التسلسل والوصول إليها وإجراء تغييرات في شروط العقد أو إزالة أي شرط منها.

2. الكفاءة العالية:

تحدَّثنا سابقاً عن أنَّ العقود الذكية لا تحتاج إلى وجود وسطاء أو سلطات للمراقبة التي تجعل عملية التنفيذ تستغرق وقتاً أطول، ومن ثمَّ يمكن بواسطة العقود الذكية التخلص من البيروقراطية التي تسيطر على العقود التقليدية العادية، وهذا يختصر الوقت.

3. قلة التكاليف:

يمكن عَدُّ العقود الذكية أرخص ثمناً من العقود العادية، فتنفيذها أقل تكلفة.

4. التلقائية:

العقود الذكية ذاتية التنفيذ لا تحتاج إلى إعطاء الأوامر بالتنفيذ عند إتمام الشروط المتَّفَق عليها.

5. الاستقلالية:

العقود الذكية فقط تخص الأطراف المتعاقدة، وهي مستقلة عن المحامين وكتَّاب العدل، فأطراف العقد لديهم الكود الخاص الذي يحدد ما إن كانت الشروط مستوفاة أم غير مستوفاة، لذلك فهي محمية من التلاعب من قِبل الطرف الثالث.

6. نسخ احتياطي:

في حال فقدان أي بيانات، يمكن بسهولة استعادة النسخ الأصلية، فجميع البيانات والمستندات مخزَّنة على "البلوك تشين".

7. الدقة العالية:

العقود العادية تحدث فيها أخطاء نتيجة عدم الملء اليدوي الدقيق لها، وهذا الأمر غير موجود في العقود الذكية.

في الختام:

العقد الذكي عبارة عن تطبيق أو برنامج يعتمد في تشغيله على "البلوك تشين"؛ إذ يتيح إمكانية إبرام اتفاقيات بين طرفين عن طريق تحميل التزامات عبر "بلوك تشين" دون وجود وساطة أو رقابة للتنفيذ، ويتم تنفيذ الأمر تلقائياً عند تنفيذ الشروط المتَّفَق عليها بين الأطراف المعنية، ولا يمكن تغيير تلك العقود أو حذفها بعد نشرها، فالحماية عالية ولا يمكن التسلسل إليها، وهذا يضمن سلامة سير العمل ودقته.

تتمتع العقود الذكية بالقدرة على الدخول إلى مختلف المجالات، لذلك يمكن الاستفادة منها في الرعاية الصحية مثلاً والسفر وصناعة العملات المشفرة والأعمال العقارية والمالية المختلفة، ومن مزاياها التلقائية في التنفيذ عند استيفاء الشروط وتقليل التكاليف، فلا تحتاج إلى محامٍ يتابع العمل، فهي مستقلة وتخص الأطراف المتعاقدة فقط، وهذا يعطيها الكفاءة العالية التي تميِّزها عن العقود التقليدية.




مقالات مرتبطة