مفاهيم حول إدارة التغيير، ولماذا يحتاجها القادة

على الرغم من أنَّه يُطلَق عليه أحياناً "الجانب اللين من التغيير"، إلَّا أنَّ إدارة الجانب المرتبط بالأشخاص في إدارة التغيير، غالباً ما يكون العنصر الأكثر تحدياً وحرجاً في التحول التنظيمي للقادة. لا يتطرَّق حديثنا في هذه السلسة إلى إدارة التغيير بشكلٍ عام، ولكن يركِّز في غالبه على التغيير المرتبط بالبشر، وتحدياته بالنسبة إلى القادة.



فعلى سبيل المثال: في عملية الاندماج أو الاستحواذ، إنَّه لمن المؤكَّد أنَّ الجانب التقني (الجانب الصلب) من التغيير أمرٌ معقد، حيث يجب أن تُحَلَّ القضايا المحيطة بالترتيبات المالية للصفقة، تُدمَج طريقة عمل المؤسَّسَتَين ونظم الأعمال، تُتَّخَذ القرارات بشأن الترتيبات المادية للمنظمة المشكَّلة حديثاً؛ ومع هذا، فإنَّ الحصول على تأييد الناس والمشاركة الفعَّالة في التغيير هما ما يحدثان الفارق؛ إذ سيتعيَّن على الأفراد القيام بعملهم بشكلٍ مختلف، وهي الدرجة التي يغيِّرون بها سلوكاتهم وعملياتهم، والتي ستُنجِح أو تُفشِل الاندماج أو الاستحواذ.

أمَّا الجانب الليِّنُ للتغيير فهو في كثيرٍ من الأحيان الجانب الأصعب، والسبب أنَّ القادة يتعاملون مع "بشر".

ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ تغيير الأفكار والمواقف والسلوكات يستغرق وقتاً طويلاً، ومن السَّهِل تخطيط وإدارة التطبيقات والتقنيات، حتَّى الكبيرة منها؛ في حين يواجه القادة صعوباتٍ كبيرةً في قياس التقدُّم الحاصل عند تنفيذ التغيير مع الأفراد، ويُصبِح إثبات التقدُّم ودعمه عمليةً أكثر صعوبة.

تخيَّل معي: بينما يدعم الأفراد الرئيسون (Key people) التغيير، ويدفعون عجلته إلى الأمام؛ يثير شخصٌ ما اعتراضاً ويعود بالآخرين إلى سلوكاتهم القديمة، فيصبح عقبةً أمام قطار التغيير.

غالباً ما يفترض القادة أنَّ كلَّ شخصٍ متأثِّرٍ بالتغيير سيجد ظروف العمل مقنعةً للغاية، لدرجة أنَّه سيقبل طريقة العمل الجديدة تلقائياً؛ لكن في الواقع، يقاوم معظم الناس التغيير، أو لا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم في أفضل الأحوال.

قبل سبر أغوار هذا العالم المليء بالتحديات والمفاجآت؛ دعونا نبدأ الحديثَ عن بعض النقاط الهامَّة حول إدارة التغيير:

مفهوم إدارة التغيير:

تهتمُّ إدارة التغيير بالجانب المرتبط بالناس منه، إذ لا يفيد إنشاء منظمةٍ جديدة، أو تصميم طرائق وعملياتٍ جديدة، أو تطبيق تقنياتٍ جديدة إلَّا القليلَ في حال تُرِك الناس دون اهتمام؛ حيث سيعتمد النجاح المالي والإداري لهذه التغييرات على كيفية تبنِّيها من قبل الأفراد في المؤسسة، وذلك من خلال مدى جودة رسم المخططات التنظيمية أو معالجة المخططات.

إدارة التغيير عموماً نهجٌ منظَّمٌ لانتقال الأفراد والفرق والمنظمات من الحالة الحالية إلى حالةٍ مستقبليةٍ مرغوبة، بغيةَ تحقيق أو تنفيذ رؤيةٍ أو استراتيجية معينة؛ وهي عمليةٌ تنظيميةٌ تهدف إلى تمكين الموظفين من قبول واحتضان التغييرات في بيئتهم الحالية.

توجد العديد من تيارات الفكر المختلفة التي شكَّلت ممارسة إدارة التغيير.

تعريفات إدارة التغيير:

  • إدارة التغيير (1): هي العملية والأدوات والتقنيات لإدارة الجانب المرتبط بالأشخاص من التغيير، بغية الوصول إلى نتائج الأعمال المطلوبة؛ وهي إدارةٌ منهجيةٌ لإشراك الموظفين وتبنِّيهم عندما تُغيِّر المنظمة فلسفة أو طريقة العمل، فهي تُركِّز على كيفية مساعدة الموظفين على تبنِّي التغيير، والإيمان به وتطبيقه في عملهم اليومي.
  • إدارة التغيير (2): هي النظام الذي يوجِّه كيفية إعداد الأفراد وتجهيزهم ودعمهم لتبنِّي التغيير بنجاح، من أجل الدَّفع بالنجاح التنظيمي والنتائج قُدُماً إلى الأمام.

يؤكِّد الواقع أنَّ جميع التغييرات فريدة، وأنَّ جميع الأفراد متفردون في تقبُّلهم وتعاملهم مع التغيير؛ إلَّا أنَّ عقوداً من البحث تُظهِر وجودَ إجراءاتٍ يُمكِنُ اتخاذها للتأثير في الأشخاص، وفي تحوُّلاتهم الفردية أيضاً؛ حيث تقدِّم إدارة التغيير نهجاً منظَّماً لدعم الأفراد في المؤسسات للانتقال من حالاتهم الحالية إلى الرؤية المستقبلية المنشودة؛ وهو ما سنحاول سبر غوره في قادمِ السُّطور.

تاريخ إدارة التغيير:

ينبغي بدايةً أن نُدرِك أنَّ الفلسفات المتأصلة في ممارسات إدارة التغيير في يومنا هذا، مصممةٌ على التخطيط للتغيير، لا على ردِّ الفعل تجاه التحديات التي تواجه التغيير التنظيمي؛ وقد أضحت صناعةً متناميةً مع وجود آلاف الكتب، والعديد من أُطُر الإدارة النظرية التي تتناول كلَّاً من الضرورة والألم المرتبطان بإدارة وتخطيط التغيير.

لكن في العموم، يعود مفهوم إدارة التغيير إلى أوائل ومنتصف القرن العشرين، حيث جرى تطوير نموذج كورت ليوين (Kurt Lewin) المكوَّن من 3 خطواتٍ للتغيير في أربعينيات القرن العشرين، ونُشِر بعدها كتاب إيفريت روجرز (Everett Rogers) بعنوان "نشر الابتكارات" في عام 1962، وجرى تطوير نموذج التَّحوُّل الانتقالي من قبل بريدجيس (Bridges) في عام 1979. ومع ذلك، لم تكن إدارة التغيير معروفةً في بيئة الأعمال حتَّى تسعينيات القرنِ المُنصرم، إلى أن أصبحت عمليات التغيير التنظيمي متاحةً بشكلٍ رسمي في عام 2000.

هنالك أسبابٌ ملموسةٌ للنموّ المتسارع في صناعة إدارة التغيير، ويجري الآن تقليص المدة التي كانت تستغرقها المنتجات أو التكنولوجيا أو الأفكار في التصميم والتطوير والاختبار والنشر من سنواتٍ إلى أشهر، أو أسابيع حتَّى؛ كما تدفع توقعات المستهلكين للحصول على منتجاتٍ أفضل وأسرع وأرخص، الحاجةَ إلى إعادة تنظيم ثقافة العمل لتلبية تلك الطلبات المتنامية.

توجد العديد من الكتب الهامَّة التي تروِّج وتدعم هذه المفاهيم بوضوح، مثل:

  • كتاب "تغيير الثقافة، وتغيير اللعبة" لـ "روجر كونورز" و"توم سميث" (Roger Connors & Tom Smith).
  • كتاب "التغيير أو الموت" لـ "آلان دوتشمان" (Alan Deutschman).
  • كتاب "ما بعد إدارة التغيير" لـ "ليندا أكرمان أندرسون" (Linda Ackerman).
  • كتاب "إدارة سرعة التغيير" لـ "داريل كونر" (Daryl Conner).

بالإضافة إلى ذلك، ظهرت نماذج وشهاداتٌ من جمعية محترفي إدارة التغيير (The Association of Change Management Professionals) لدعم هذه الصناعة المتنامية.

إقرأ أيضاً: دور القائد في بناء الصورة الكبيرة في المؤسسات

مصطلحات إدارة التغيير:

لقد تطوَّرت إدارة التغيير على مدى السنوات العديدة الماضية، وكذلك نماذج وعمليات وخطط إدارة التغيير، والتي جرى تطويرها للمساعدة في تخفيف التأثير الذي يمكن أن يُحدِثَه التغيير في المؤسسات.

إذاً، ما هو نموذج إدارة التغيير؟ وما هي عملية إدارة التغيير، وخطَّة إدارة التغيير؟ وكيف تختلف عن بعضها بعضاً؟

  • نماذج إدارة التغيير: طُوِّرت نماذج إدارة التغيير استناداً إلى البحث والخبرة في كيفية إدارة التغيير بصورةٍ أفضل داخل المؤسسة أو في الحياة الشخصية، وتوفِّر معظم نماذج إدارة التغيير عمليةً داعمةً يمكن تطبيقها على صعيد المؤسسة أو التطوير الشخصي.
  • عمليات إدارة التغيير: تتضمَّن عمليات إدارة التغيير سلسلةً من الخطوات أو النشاطات التي تنقل التغيير من البداية إلى النهاية بكلِّ سلاسة ونجاح.
  • خطط إدارة التغيير: يجري تطوير خطط إدارة التغيير لدعم مشروعٍ ما لتحقيق التغيير، والذي يُنشَأ عادةً خلال مرحلة التخطيط لعملية إدارة التغيير.

مستويات إدارة التغيير:

إذا كنَّا قد أدركنا أهمَّ المصطلحات المرتبطة بإدارة التغيير؛ فما هي إذاً مستويات إدارة التغيير؟

لإدارة التغيير ثلاثة مستوياتٍ هامَّة:

1. المستوى الفردي في إدارة التغيير:

في حين أنَّ مقاومة التغيير ردُّ فعلٍ نفسيٍّ وفيزيولوجيٍّ طبيعيٍّ للبشر، إلَّا أنَّنا في الواقع مخلوقاتٌ مرنةٌ للغاية؛ فعندما يتوفَّر الدعم المناسب خلال أوقات التغيير، يمكننا أن نُظهرَ المرونةَ اللازمة للتكيُّف والنجاح.

تتطلَّب إدارة التغيير الفردي فهمَ كيفية مواجهة الناس للتغيير، وما يحتاجون إليه لكي ينجح ذلك؛ وتتطلَّب أيضاً معرفة ما الذي يساعد الأشخاص في تحقيق ذلك الانتقال الناجح، وما هي الرسائل التي يحتاج الناس سماعها، وممَّن، ومتى. كما ينبغي إدراكُ متى يكون الوقت مناسباً لتعليم شخصٍ ما مهارةً جديدة، وكيفية تدريبه على إظهار سلوكاتٍ جديدة، وما الذي يجعل التغييرات تتوافق وعمله.

تعتمد إدارة التغيير الفردي على تخصصاتٍ مثل: علم النفس، وعلم الأعصاب؛ وذلك لتطبيق أُطُرٍ تمكِّنُ من تنفيذ التغيير الفردي، ويعدُّ نموذج "ADKAR" واحداً من نماذج التغيير الأكثر استخداماً في العالم، ويرجع الفضل إلى العالم بروكسي (Prosci) الذي قضى سنواتٍ في دراسة تجربة الأفراد في أوقات التغيير وكيفية تأثُّرهم به.

المستوى الفردي في إدارة التغيير

2. إدارة التغيير على مستوى الفرق والمشروعات:

بينما يحدث التغيير على المستوى الفردي، غالباً ما يكون من المستحيل على فريق المشروع إدارة التغيير على أساس كلِّ شخصٍ على حدة.

تزوِّدنا إدارة التغيير في المنظمات والمؤسسات بالخطوات والإجراءات التي يجب اتخاذها على مستوى المشروعات، بغية دعم مئات أو آلاف الأفراد المتأثِّرين بهذا المشروع أو ذاك.

تتضمَّن إدارة التغيير في الفريق:

  • أولاً: تحديد المجموعات والأشخاص الذين يتعيَّنُ عليهم التغيير كنتيجةٍ للمشروع.
  • وثانياً: تحديد الطرائق التي سيحتاجونها للقيام بذلك التغيير.

تتضمَّن إدارة التغيير بعد ذلك إنشاء خطَّةٍ مخصَّصةٍ لضمان حصول الموظفين المتأثِّرين على: الوعي الكافي، والقيادة، والتدريب الشخصي (Coaching)، والتدريب المباشر الذي يحتاجونه من أجل التغيير بنجاح؛ ويجب أن تكون قيادة التحولات الفردية الناجحة التركيز الرئيس لأنشطة إدارة التغيير.

تُكمِلُ إدارة تغيير الفريق أو المشروع إدارة مشروعك، إذ تضمن إدارة المشروع تصميم حلِّ لمشروعك وتطويره وتسليمه؛ بينما تضمن إدارة التغيير تبنِّي ذلك الحلّ واعتماده واستخدامه بفاعلية.

يقدِّم نموذج بروكسي (Prosci 3-Phase) نهجاً قائماً على البحث، ومجموعةً كاملةً من الأدوات لتطبيق إدارة التغيير على مستوى الفرق والمشروعات.

إدارة التغيير في الفريق

نموذج منهجية بروكسي لإدارة التغيير

3. إدارة التغيير على المستوى المؤسساتي (التغيير التنظيمي):

إدارة التغيير المؤسسي هي الكفاءة التنظيمية الأساسية التي توفِّر تمايزاً تنافسياً، والقدرة على التكيُّف الفعَّال مع العالم الدَّائم التغيُّر.

تعني القدرة على إدارة التغيير في المؤسسة أنَّ إدارة التغيير الفعَّالة مضمَّنةٌ في أدوار مؤسَّستك وهياكلها وعمليَّاتها ومشروعاتها وكفاءاتها القيادية، ويجري تطبيق عمليات إدارة التغيير باتَّساقٍ وفاعلية على المبادرات، ولدى القادة المهارات اللازمة لتوجيه فرقهم من خلال التغيير؛ بحيث يُدرِكُ الموظفون ما عليهم القيام به من أجل النجاح.

إنَّ النتيجة النهائية لقدرة إدارة التغيير في المؤسسة تبنِّي الأفراد التغييرَ بشكلٍ أسرع وأكثر فعالية، بحيث تكون المؤسسة قادرةً على الاستجابة لتغيُّرات السوق بسرعة، وتبنِّي المبادرات الاستراتيجية، واللحاق بركب التكنولوجيات الجديدة وتبنِّيها، مع أقلِّ درجة من التأثُّر من حيث الإنتاجية. لكن ومع ذلك، لا تحدث هذه القدرة عن طريق المصادفة، بل تتطلَّب نهجاً استراتيجياً لتضمين إدارة التغيير عبر المؤسسة.

إقرأ أيضاً: ما هو التفكير الاستراتيجي؟ ولماذا يحتاجه القادة؟

والسؤال المطروحُ هنا: ما هو مقدار صعوبة إدارة التغيير التنظيمي؟ وهل تنجح كلُّ التغييرات في تحقيق مآربها؟

توجد الكثير من الأسباب، ولعلَّ أهمَّها:

  • أولاً: أنَّ التغيير يتعلَّق بالبشر.
  • ثانياً: مراعاة الاختلافات الثقافية والفكرية والتوجهات المختلفة، وخاصةً في المؤسسات ذات الانتشار الجغرافي الكبير.

أضف إلى ذلك ما يلي:

1. إدارة التغيير ليست حتمية النجاح:

لا يمكن للأشخاص التنبؤ بردود أفعال الأفراد والفرق والمجموعات، فقد يكونون في كثيرٍ من الأحيان غير منطقيين؛ ففي حين تكون أنشطة التغيير فعَّالةً بشكلٍ رائعٍ مع مجموعةٍ ما، تؤدِّي هذه الأنشطة إلى نتائج سلبيةٍ مع مجموعةٍ أخرى؛ كما قد يكون للتواصل صدى جميلٌ مع إدارةٍ معينة، ويكون كارثيَّاً مع إدارةٍ أخرى؛ فما ينجح لدى بعض الناس، ليس بالضرورة أن ينجح مع غيرهم.

2. إدارة التغيير مهارة تواصلٍ بامتياز:

يتعيَّنُ على القائد الذي يقود إدارة التغيير التفاعلَ مع الأفراد الذين يحتاجون إلى التغيير أو يتأثَّرون به. يمكن أن تعزِّز الرسائل الخطية، أو الإلكترونية، وحتَّى مقاطع الفيديو، وغيرها من وسائل التواصل الجماهيري - الرسالة المطلوبة؛ لكنَّها لا تجعل الناس يشعرون أنَّ المؤسسة تُقدِّر حالتهم النفسية وتتفهَّم صعوباتهم.

التغيير ذاتيٌّ في جوهره؛ وفي بعض الأحيان، يحتاج الأشخاص المتأثِّرين بالتغيير إلى من يستمع إلى هواجسهم وإحباطاتهم، وهذا بغضِّ النظر عن كونها صحيحةً أم لا، وذلك قبل أن يقبلوا الواقع الجديد ويتأقلموا معه؛ فقد يكون التواصل الشخصي من أهمِّ أدوات القائد في هذه المرحلة.

3. مشاركة الموظفين في إدارة التغيير:

لا ينبغي للقادة الاستهانةَ بأهمية مشاركة الموظفين عموماً، والقيادة الوسطى ​​والخط الأمامي (Front Line) خصوصاً، في نجاح أو فشل التغيير؛ فنظراً إلى معرفتهم العميقة والدقيقة للتفاصيل التشغيلية للعمليات، يمكنهم توقع المشكلات المحتملة، وردود فعل العملاء المتوقعة أيضاً.

غالباً ما يعتقد القادة -ممَّن ليسوا على درايةٍ كافيةٍ بالتأثير الذي يمكن أن يُحدِثه التغيير- أنَّه من الحكمة إشراك عددٍ أقلَّ من الأشخاص في بدايات عملية التغيير؛ ولكن أثبتت التجارب الواقعية أنَّه في حين يخلق إشراك مزيدٍ من الأشخاص في عملية التغيير عملاً إضافياً، ولكنَّه يدعم جهود التغيير أيضاً، ويبني الالتزام لدى المشاركين، كما أنَّه لمن المرجَّح أن يدعم الموظفون الذين يرون اقتراحاتهم تتمثَّل بالنتيجة النهائية التغييرَ بقوة.

4. تأثير الاختلافات الثقافية في إدارة التغيير:

قد تجعل الاختلافات الثقافية التَّغييرَ صعباً، حيث تختلف الأعراف الثقافية حول العالم؛ لذا يحتاج فريق التغيير إلى أن يكون على درايةٍ بالعادات المحلية، حتَّى مع وجود نظامٍ عالميٍّ يهدف إلى توحيد عمليات المؤسسة. ويجب الحرص على مراعاة هذه المعايير الثقافية:

  1. أسلوب التواصل: يغلب على دولٍ مثل: الدنمارك وألمانيا وهولندا والولايات المتحدة، المباشرة والصراحة في التواصل؛ بينما تميل دولٌ مثلَ الهند واليابان وباكستان والفلبين إلى أن تكون غير مباشرة، وتعتقد أنَّه من الهامِّ جداً لكلا الطرفين أن يحفظا ماء وجههما. في هذه الثقافات، يتجنَّب الأفراد قول لا، وكثيراً ما يعنون "أفهم" بدلاً من "أوافق" عندما يقولون "نعم". كما ويغلب الحياء والتواصل غير المباشر على دول الشرق الأوسط أيضاً؛ وينبغي للقائد أن يقرأ ما بين السطور حينَ التَّعامل معهم.
  2. الالتزام بالوقت: تبدأ الاجتماعات في ألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة - مثلاً - وتنتهي في الموعد المحدد، بحيث يجري تخصيص القليل من الوقت للمقدِّمات والترحيب (حتَّى عندما يلتقي الحضور بعضهم بعضاً للمرة الأولى)؛ فهم ملتزمون بالأوقات الرسميَّة بشكلٍ دقيق. بينما تكون إسبانيا وتايلاند والبرازيل ومنطقة البحر الكاريبي وبعض الدول العربية أقلَّ اهتماماً بالوقت؛ إذ يرون أنَّه لمن غير اللائق التسرُّع في مناقشة جدول الأعمال، وينبغي أولاً البدء بالترحيب والنقاشات الجانبية وإكرام الضيوف، وذلك قبل البدء بالرسميات والحديث حول الأعمال التجارية.
  3. التسلسل الهرمي: لا يوجد لدى أستراليا وكندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة تسلسلٌ هرميٌّ يُذكَر - مع الجميع تقريباً - على أساس الاسم الأول أو الأقدمية في العمل أو مراعاة السن؛ وعلى العكس من ذلك، فإنَّ التسلسل الهرميَّ هامٌّ للغاية في دول الشرق الأوسط والهند وإيران واليابان وبلدانٍ أخرى، حيث يجلُّ الموظفون المبتدئون في هذه البلدان دائماً الأكبر سناً أو الأكثر خبرة أو الأعلى منصباً.

يمكن أن يؤدِّي انتهاك المعايير الثقافية إلى استياءٍ كبير؛ لذا ينبغي أن يكون فريق التغيير حساساً للغاية للمعايير الثقافية المحلية.

إقرأ أيضاً: ما هي المهارات الأساسية للقائد الاستراتيجي؟

دور القادة في إنجاح التغيير في مؤسساتهم:

من الواضح أنَّ امتلاك وممارسة عقلية إدارة التغيير شيئان مختلفان، حيث يريد الكثير من القادة التغيير؛ لكنَّ القليل منهم فقط يساعدون في تحقيق ذلك.

كشفت مقالة فوربس الصادرة في سبتمبر 2013 عن بعض الأفكار المدهشة حول إدارة التغيير ودور القادة في ذلك، فعلى سبيل المثال: على الرغم من أنَّ 55٪ من القادة شعروا أنَّ التغييرات حقَّقت الأهداف الأولية، إلَّا أنَّ مبادرات إدارة التغيير على المدى الطويل كانت ناجحةً بنسبة 25٪ فقط، وهي نسبةٌ ضيئلةٌ جداً وتكشف عن عمق التحدي الذي يواجهه القادة.

قال أكثر من 87٪ من القادة أنَّهم درَّبوا مديريهم للإشراف على عملية إدارة التغيير؛ لكن بمجرَّد تنفيذ التغييرات، لم تستمر. في الواقع، كان التدريب فعَّالاً بين 22٪ فقط ممَّن شملهم الاستطلاع، وقد فهم ثلث هؤلاء أسباب التغيير التنظيمي، لكن لم تصل هذه الرسالة الهامَّة بالكامل إلى الإدارة الوسطى أو مشرفي الخطوط الأمامية؛ لذا ينبغي على القادة تبنِّي ممارساتٍ مبتكرةٍ لقيادة التغيير والنجاح فيه، وهي:

1. تبنِّي القادة لعقلية إدارة التغيير أولاً:

تختلف أسباب عدم تبنِّي العقلية الصحيحة لإدارة التغيير، وقد تكون أحياناً مفهومة، وفي كثيرٍ من الأحيان غير مفهومة.

يواجه بعض القادة صعوبةً في الحصول على الدعم في بيئة عملٍ ترتبط بالتفكير الجماعي (Group-thinking)، بحيث يقتل الانسجام الكبير بين أفراد المجموعة الرغبةَ بالتغيير، كما قد يكون القليل من القادة غير راغبين بمشاركة "رأس مالهم الفكري" و"نفوذهم المهني" لصالح مبادرة التغيير؛ أو قد يرغب بعضهم بتجنُّب المخاطر المهنية التي قد يكون الفشل مآلها.

يتعلَّم العديد من القادة -من خلال التجربة والخطأ- كيفية القيادة بفعَّاليةٍ في أثناء التغيير نفسه؛ لكن ولسوء الحظ، يمكن أن يكون منحنى التعلُّم (Learning Curve) لهؤلاء على حساب منظماتهم.

2. إدارة التغيير:

عندما يقصِّر القادة في تلبية التوقعات، وتصبح فرقهم محبطةً ومشوشةً وغير محفَّزة؛ ستعاني المؤسسة وعالم الأعمال. يجب على القادة أن يديروا التغيير وإلَّا فسيديرهم التغيير، فعندما يقوم القادة بدورهم المناط بهم في إدارة التغيير، تُجرَى التغييرات بكفاءةٍ واستدامة، وتلبَّى توقعات موظفيهم وشركائهم وأصحاب المصلحة والعملاء.

3. إتقان أدوار القادة خلال إدارة التغيير:

هنَّا نسلِّط الضوء على عددٍ قليلٍ -ولكن جوهريٍّ- من المبادئ والأدوار التي يجب أن يتبنَّاها القادة، ويضعونها في الاعتبار عندما يخوضون غمار التغيير، وهي:

  • توضيح الرؤية من خلال التواصل الفعَّال: يتطلَّب دور القيادة في إدارة التغيير أن تساعد الناس في تبنِّي رؤية المؤسسة تجاه التغيير، ويجب أن يحدث هذا من خلال التواصل المستمر، وذلك بغض النظر عمَّا إذا كانت هناك تحدياتٌ بسيطةٌ أو مشاكل يوميةٌ أو تغييراتٌ جسيمةٌ وخطيرة. لذا احرص على أن تكون رسالتك واضحةً ومتسقة.
  • الاستفادة من طرائق التواصل المفضَّلة لدى جمهورك: وهذا يعني الاستفادة القصوى من وسائل التواصل الاجتماعي التي يفضِّلها جمهورك المستهدف من التغيير؛ فلم تعد وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة ترفيه، بل جزءاً من أدواتك للتواصل الفعَّال مع الفئة المستهدفة.
    فقاً لمقالة "Harvard Business Review" التي صدرت في نوفمبر 2015، يقضي الأفراد في المتوسط ​​3 ساعات يومياً على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، حيث يستخدم أكثر من 50٪ من أصحاب العمل هذه المنصات للاتصالات الداخلية؛ وقد أشارت المقالة نفسها إلى أنَّ 17 ٪ فقط من الموظفين قيَّموا قائدهم بدرجاتٍ عالية عندما تعلَّق الأمر بالاتصالات الأخيرة المتعلِّقة بالتغيير، وقدرةِ قادتهم على توصيل رسالة التغيير من خلالها.
  • البقاء على تواصل مع موظفيك: دون هذا التواصل، سيكون لديك وقتٌ صعبٌ لتوضيح رؤيتك والحصول على الدعم المناسب، إذ يتطلَّع موظفوك إليك لتكون مباشراً وشفافاً في تواصلك معهم، ويريدونك أيضاً أن تكون ودوداً.
    استشهد مقال "Harvard Business Review" بدراسةٍ أخرى قال فيها أغلب الموظفين أنَّ منصة وسائل التواصل الاجتماعي المفضلة لرئيسهم التنفيذي، قد سمحت لهم بالتواصل بشكلٍ مباشرٍ أكثر معه، وتعتقد أعدادٌ مماثلةٌ من الرؤساء التنفيذيين أنَّ مثل هذه التفاعلات ساعدتهم في الحصول على فكرةٍ سريعةٍ عمَّا كان يفكِّر فيه الموظفون ويشعرون به، وهو أمرٌ هامٌّ عند مواءمة مبادرات إدارة التغيير مع قدرات موظفيك.
  • التحلي بالمسؤولية والتواصل بشفافية: يجب أن يكون القادة خلال أوقات التغيير مسؤولين عمَّا ينبغي تحقيقه. تعزِّز المساءلة الرغبة بالالتزام لحلِّ المشكلات وإيجاد الحلول المناسبة لتحقيق أفضل النتائج، فأن تكون مسؤولاً حقاً يعني أنَّك على استعدادٍ للسماح للآخرين برؤية ما وراء الستارة لتقييم كيف تسير الأمور بشكلٍ صريح.

في أثناء القيام بذلك، سيتبنَّى فريقك انفتاحاً مشابهاً دون لومٍ على مستويات الأداء، حيث ينظر القادة الخاضعون للمساءلة إلى جميع جوانب المنظمة من: الثقافة، والعمليات، والإدارة، والموظفين؛ لضمان عملهم على النحو الأمثل. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فيجب أن يكون قائد إدارة التغيير على استعدادٍ للاعتراف بالفجوات أو الاختلالات، واتخاذ إجراءاتٍ لمعالجة أوجه القصور بشجاعة.

تذكَّر، غالباً ما تتشكَّل الصور الذهنية للقادة لدى موظفيهم خلال أوقات التحديات والتغييرات الكبيرة؛ ولاحظ أنَّ المبادئ والأدوار المذكورة ترتكز بشكلٍ رئيسٍ على مهارات التواصل، وتساعد القادة في التغلُّب على تحديات إدارة التغيير.

خلال فترات التغيير، لا تدع الناس يشكِّكون في رؤيتك للتغيير وقيادتك المنظَّمة نحوه، والتي قد تقوِّض التزام الموظَّف بمبادرات التغيير وولائه للقيادة وللمؤسسة؛ لتتسرب هذه الشكوك إلى العملاء والشركاء وأصحاب المصلحة.

وأخيراً، كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه، ولا تتنازل عن إدارة التغيير للآخرين أو تتركها للصدفة، معتقداً أنَّ الناس قد يقبلون التغيير بدون توجيه؛ إذ عليك تحمُّلَ المسؤولية الكاملة، وتفهُّمَ عقلية فريقك، والحصول على دعمهم. يتطلَّب دور القيادة في إدارة التغيير: الرعاية والتواصل والالتزام؛ وبصفتك قائداً، فأنت الجسر بين منظمتك والتغيير المنشود.

إذا فهمت دورك والتوقعات من حولك، ووضَّحت رؤيتك، وتواصلت بشكلٍ فعَّال، وحمَّلت نفسك والآخرين المسؤولية خلال عملية التغيير؛ أمكنكَ قيادة التغيير بنجاح، حتَّى في أكثر التغييرات إرباكاً.

 

المصادر:




مقالات مرتبطة