مغامرات صحفي في عالم السحر

في أحد المنازل لاستخراج الآثار:

صابر عبد اللطيف: يحتاج أي مهتم بعالم السحر والسحرة أن يطلع على هذه المغامرة التي تكشف كثيرا من خبايا هذا العالم الذي يحيطه الغموض والإثارة والخوف. هي مغامرة مثيرة لصحفي مصري تقمص باقتدار شخصية ساحر، وخرج منها بتفاصيل ومعلومات وتجربة لم يكن من المتاح التعرف عليها للكثيرين. استطاع من خلالها الصحفي محمد عبد الله سكرتير تحرير جريدة الأسبوع المصرية، اختراق العالم السري للسحرة، وفك الكثير من جوانب الغموض فيه... "إسلام أون لاين.نت" التقت به لتعرف تفاصيل مغامرته مع العالم السري للسحرة فحكى لنا قصته مع السحر، وقال:



كيف تصبح ساحرا؟

بدأت المغامرة عندما أردت كشف زيف السحرة، فترددت على الكثير منهم متظاهرا بأنني مريض تارة، أو بي مس من الجان تارة أخرى، ومع كثرة التردد عليهم صرت ملما بحركات الساحر وسكناته، وملما بأصول المهنة. خاصة أنني كنت قد اشتريت الكثير من كتب السحر المنتشرة في السوق، وحفظت بعض ما بها من طرائق السحر والشعوذة.

ثم اخترت لنفسي اسما مستعارا أمارس من خلاله مغامرتي كساحر، فاخترت اسما يلقي الرهبة في نفوس سامعيه، وهو: الشيخ محمد بن عبد الله شمس الدين المراكشي من المغرب، وقمت بنشر عدة نبوءات في الصحف المصرية عن أحداث أتنبأ بحدوثها مستخدما عبارات فضفاضة ومستعينا بحس الصحفي في طرح التخمينات، كما أرسلت العديد من البيانات لوسائل الإعلام وعليها توقيعه، ورقم هاتفه كنوع من الدعاية وسط الجمهور.

وكانت المفاجأة أنني تلقيت نحو 350 مكالمة تطلب العلاج والشفاء من الجان، أو حل المشكلات الزوجية، بل واستخراج الآثار وتحويل الجنيهات إلى ملايين أحيانا! فقمت بانتقاء 150 حالة للتعامل معهم، من بينهم سفراء، ورجال أعمال وسياسيون بارزون، وضباط شرطة، وزوجاتهم.

بعدها قمت بعمل ملفات للحالات التي أتعامل معها، بحيث يحتوي ملف كل حالة على بيانات الشخص واسم والدته وزوجته ورقم هاتفه، وشكواه وعمله وثروته، وأصدقائه وكل ظروفه العائلية. وعندما كانت تأتيني السيدة كنت أسألها عن كل شيء عن زوجها وتعاملاته وكذلك صديقاتها ووظائف أزواجهن ومشاكلهن، كما قمت أحيانا بالتحري عن المتردد أو المترددة عليَّ بشخصي كصحفي بدون تنكر، فلما تعود السيدة أو الرجل، أقوم بعرض كل مشاكله عليه فيدهش ويصدق أنني صاحب بركات فعلا و"سري باتع"... وعرض علي بعضهم أموالا فرفضتها بحجة أنني أمارس السحر لوجه الله!

 

وكيف تتحايل على عجزك؟

وفي أحيان أخرى فشلت في علاج المريض فطلبت طلبات غريبة مثل شراء بخور الزنكموش، وبالطبع يعجز المريض عن شراء البخور لأنه لا يوجد بخور بهذا الاسم أصلا، ثم أدعي أن الجان لن يحقق طلباتنا إلا بتحقيق هذه الطلبات المستحيلة. وبهذا أخرج من المأزق الذي كان يتكرر كثيرا، والغريب أن بعض الحالات شُفيت بالإيحاء، وأصبحوا يؤمنون بأنني صاحب "سر باتع"، وهو ما أسخر منه أصلا.

ومن الحالات الغريبة التي قابلتني: حضر إليَّ رجل أعمال يطلب تحويل 250 ألف دولار إلى 10 ملايين جنيه مصري، فوعدته بذلك، وعندما عاد في المرة الثانية أبلغته بأن الجان طلب نوعا من البخور غير موجود إلا في إيران. وذلك لتعجيزه وحتى لا ينكشف أمري ويعتقد أنني فشلت في ذلك.

كما اتصل بي من يطلب استخراج الآثار طبقا للخرافة القائلة بأن "الشيخ" المتصل بالجن بمقدوره فك الرصد، أي أن الجان "محبوس" لحراسة الآثار المصرية القديمة من 7 آلاف سنة، وأن الجن يحتاج للزئبق الأحمر كي يسترد عافيته ويستخرج الآثار من باطن الأرض. وحقيقة الأمر أن الساحر يحدد مكان الآثار عن طريق أصدقائه من مفتشي الآثار وأمناء مخازن الآثار، ويقوم باستخراج الآثار مقابل الحصول على ثلث ثمنها، وثلث لصاحب الأرض المستخرج منها الأثر، وثلث للمهرب، وقد طلب مني بعض الأهالي استخراج الآثار من منازلهم، وبالفعل قمت بالحفر في منازلهم، وأخبرتهم أن استخراج الآثار يحتاج لأكثر من جلسة للتعزيم وتحضير الجان، ولكن لم أعد ثانية.


الصحفي في أحد البيوت يتظاهر بتحضير العمل

لقاء مع ساحر

وفي أثناء المغامرة اتصل بي أحد الدجالين المجاورين لمشهد السيدة زينب بالقاهرة، لمشاهدة أعماله، ودخلت إلى حجرته المظلمة بهيئة الشيخ المراكشي المزيف، فوجدت امرأة تطلب حل مشكلتها، فقام الساحر بإحضار إناء به ماء، ولصق مادة الشمع الأحمر بغطاء الإناء بحجة أن الشمع الأحمر يستدعي الجن لإحضار العمل، في حين أنه يخفي تحته "العمل"، ودعا المرأة إلى مشاهدة الإناء بنفسها للتأكد من خلوه من أي أعمال، ثم وضع الغطاء على الماء، وأشعل النار تحت الإناء حتى يغلي الماء، ويذوب الشمع الأحمر بفعل الحرارة ويسقط العمل في الإناء، ويطلب من المرأة رفع الغطاء لترى "العمل" أمامها.

فأردت أن أكشف حيلته، وبعصا في يدي كسَّرت بعض الأشياء الموجودة داخل الحجرة، فشتت انتباه الساحر، فوضعت يدي بسرعة في الإناء وأخذت العمل، ولما طلب الساحر من المرأة رفع الغطاء لم تجد شيئا سوى الماء، فادعى أن الخادم (من الجن) نصراني وأنه يعانده، وسيحاول مرة أخرى، ثم عاود الساحر عزائمه مرة أخرى، وفي هذه المرة ادعيت أنني أكلم الجان، وأصدرت أصواتا غريبة، ثم ارتميت على الأرض وأحدثت ارتباكا في الحجرة، حتى تمكنت من إلهاء الساحر وسرقة العمل من الإناء، فلما طلب من المرأة كشف الغطاء لم تجد شيئا للمرة الثانية.

فاغتاظ مني قائلا بلهجة تهديدية: فيه إيه يا شيخنا؟!! فرددت عليه: عذرا يا شيخ فلقد حدث تداخل في الاتصال معي من الجان الخاص بك. فأمر الساحر بإخراج المرأة من الحجرة، ثم هددني قائلا: ماذا تريد بالضبط؟! فعرفته بهويتي الصحفية، فإذا به ينادي مساعديه وأعطاهم الأوامر بضربي، فهددته بالاتصال بكبار المسئولين، وذكرته بزملائه المشعوذين الذين دخلوا السجن، فامتثل وتركني لحال سبيلي، وهددني بالإيذاء إن أفشيت سره.

وأذكر أنه عقب قيامي بنشر تفاصيل المغامرة اتصل بي الكثيرون من الذين اطلعت على أسرارهم وهددوني بالقتل إذا أفشيت أسرارهم. والطريف في الأمر أن المشعوذين يتعاونون مع الشرطة، ويمدون المباحث بكافة أخبار المترددين عليهم.

 

كيف يخدع الساحر ضحاياه؟

ويكمل الصحفي صاحب المغامرة قائلا: للأسف فإن أغلب المترددين على السحرة والمشعوذين من النساء، كثير من هؤلاء السحرة تخصصوا "سفلي"، أي يأتون الأعمال الحقيرة والقذرة، فيخبرون المرأة أن الجني يريد معاشرتها جنسيا عبر الساحر كشرط لشفائها وتستجيب المرأة، وتحت هذا البند قام الكثير من السحرة بالزنا واغتصاب النساء نيابة عن الجن!!، وهناك فتيات كثيرات فقدن عذريتهن مع السحرة بعد أن يختلي بها في حجرته المظلمة.

ولا يفوت أن نذكر بأن العطارين، وبعض أصحاب المكتبات يعملون على ترويج بضاعة السحرة والمشعوذين، حتى يبيعوا بخورا أكثر، وكتبا أكثر، فيجمعوا بذلك أرباحا طائلة. والدافع الرئيسي لهؤلاء الدجالين والمشعوذين والسحرة هو جمع المال، وكذلك ممارسة الفاحشة مع النساء.

وربما يتساءل البعض: كيف يتمكن الساحر من خداع الناس؟ وأتصور أن الساحر يتمتع بشخصية فريدة، وله قدرة كبيرة على الإقناع، وعلى درجة عالية من الثقافة والذكاء، ويعرف تفاصيل كثيرة عن المترددين عليه. إذ يقوم الساحر بعمل ملف لكل شخص يتردد عليه، يشمل كل بياناته، فإذا حضر إليه الشخص المسحور ذكر له الساحر بياناته، فيندهش الشخص من معرفة الساحر "الشيخ" لكل هذه المعلومات رغم عدم وجود معرفة سابقة بينهما.

والواقع أن الساحر أو الدجال يكون شبكة من الأفراد تتقاسم معها المكاسب المادية التي يستولون عليها من ضحاياهم. فالعراف أو الساحر يكون له في منطقة نشاطه مساعدون يقومون بجمع الأخبار والمعلومات عن الشخص الذي يتردد عليه لو لمرة واحدة، فإذا حضر ثانية يطلب منه الساحر "أثرا" ويذكر له كل مشاكله وتفاصيل حياته، فيندهش الشخص ويسلم قياده للساحر.

 

يستخرج الآثار من باطن الأرض

كما أن مساعدي الساحر يجلبون له الزبائن، فأي شخص تظهر عنده بوادر مشكلة مرضية أو نفسية أو زوجية، يسرع المساعد على الفور لينصح الشخص بمعاودة الساحر قائلا له: "الشيخ فلان لديه العلاج لمشكلتك"، ويكرر عليه ذلك على مدار أكثر من يوم، سواء في المسجد، أو في الشارع، كما يعمد مساعد الساحر أن يجلب الزبائن ذوي المكانة الاجتماعية مثل رؤساء الشركات أو مشايخ القرى؛ فهؤلاء رؤساء في مواقعهم، وعندما يسيطر عليهم الساحر يمكنه بسهولة السيطرة على المرؤوسين فشيخ القرية يتبعه أهالي القرية.

وللأسف فإن البيئة الثقافية للمجتمع تساعد على نمو فكر الدجل والشعوذة والسحر؛ فالتراث الشرقي (الهندي والتركي والعربي) مليء بالخرافات، فلدينا حكايات ألف ليلة وليلة، وسيرة أبي زيد الهلالي، والخضرة الشريفة، وسيف بن ذي يزن، وكل الأبطال في هذه السير تعرضوا للسحر.

كما أن ضعف مستوى الأطباء، وجهل الكثير منهم بأصول المهنة يدفع المرضى إلى اليأس من الشفاء والعلاج، وبالتالي يطرقون باب المشعوذ أو الساحر يطلبون منه العلاج. وعندما يطرق المريض باب المشعوذ، يستغل المشعوذ نفسية المريض جيدا ويحاول فهمها، مستغلا أن المريض يبوح بكل مشاكله، ويقول "للشيخ كل حاجة" بما فيها أدق أسرار حياته، فالوزير إذا ذهب للطبيب يحافظ على هيبته ولا يحكي له شيئا، وعندما يذهب للشيخ يكون كالطفل الصغير الذي يقف أمام أمه ويحكي له كل شيء ويفضفض عن كل همومه، وفي ذات الوقت فإن الساحر لا يسمح له بمناقشة أي شيء، وينفذ أوامر الشيخ/ الساحر على علاتها وغرابتها، فإذا صادف وشُفي المريض، ينسب النجاح للساحر.

 منقول

 

موقع الأسرة السعيدة