مغالطة الوصول إلى الهدف: لماذا لا يجعلك تحقيق أهدافك سعيداً؟

يسعى الجميع في عالم فيه الجميع مهووس بالأهداف إلى تحقيق شيء عظيم، وغالباً ما نفترض أنَّنا سنكون سعداء بمجرد حصولنا على وظيفة أو علاوة أو ترقية أو كسب دخل معين أو الذهاب في إجازة أو شراء منزل أو الزواج أو إنجاب طفل أو الانتقال إلى مدينة أفضل؛ إذ نعلق آمالنا في السعادة على مجموعة متغيرة من الأهداف.



هذه العقلية هي فخ فكري نفسي يعرفه معظم الأشخاص المميزين، والحقيقة هي أنَّ لحظة الإنجاز على الرَّغم من كونها مُجدية، إلا أنَّها عابرة، فعندما ينصبُّ كلُّ عملك الشاق على هدف معين، فما الذي يبقى لدفعك إلى الأمام بعد تحقيقه؟

يقول الكاتب الأمريكي "تال بن شاهار" (Tal Ben-Shahar): "أنشطة السعي وراء الأهداف تنشط مراكز المكافأة في الدماغ، وتوفر إحساساً يومياً بالإنجاز"، لكن بمجرد تحقيق هذا الهدف، فغالباً ما يكون أقل إرضاءً ممَّا كان متوقعاً، وفي كتابه "السعادة: تعرَّف إلى أسرار الفرح اليومي والرضى الدائم" (Happier: Learn The Secrets To Daily Joy And Lasting Fulfillment)، يطلق عالم النفس "تال" في جامعة هارفارد (Harvard) على الأمر اسم مغالطة الوصول إلى الهدف (arrival fallacy).

لقد صاغ الدكتور مصطلح "مغالطة الوصول إلى الهدف" بعد أن اختبر آثاره عندما كان لاعباً من النخبة الشابة في رياضة الاسكواش، وقال: "اعتقدت أنَّني إذا فزت بالبطولة سأكون سعيداً، وهذا ما حصل بالفعل، لكن بعدها عاد الضغط نفسه والتوتر والفراغ"؛ إذ يعرِّف مغالطة الوصول على أنَّها: "الاعتقاد الخاطئ بأنَّ الوصول إلى وجهة ذات قيمة يمكن أن يحافظ على السعادة، فمغالطة الوصول هي التوهُّم بأنَّنا بمجرد أن نحقق هدفنا أو نصل إلى وجهتنا، سنصل إلى السعادة الدائمة".

إنَّه اعتقاد قوي بأنَّك عندما تنجز شيئاً رائعاً، ستكون سعيداً في النهاية، بدلاً من التركيز على الاستمتاع بالتقدم نحو الوجهة المرجوة؛ فنادراً ما يجعلك الوصول إلى وجهة سعيداً كما تتوقع، ويسمي مستشارا الإدارة، "جورج بارسونز" (George Parsons) و"ريتشارد باسكال" (Richard Pascale)، الأمر بمتلازمة بلوغ القمة (summit syndrome)؛ والذي يصيب الأشخاص الذين لا يركزون على أهدافهم فقط، لكن على شغفهم بالأدرينالين الذي يأتي من تحدي أنفسهم باستمرار.

كما قالا: "يجهدون أنفسهم لفترة طويلة جداً ممَّا يصيبهم بالاحتراق الوظيفي، وعندما يحاولون بعد ذلك إصلاح الوضع، فإنَّهم يدركون إدراكاً مؤلماً أنَّهم لا يَعون الصورة الكبيرة لهدفهم".

إنَّ السعي إلى تحقيق الأهداف ليس مشكلة؛ فالسعي يصبح فخاً فقط عندما تركز عليه لتحقيق سعادتك في الحياة، وبمجرد تحقيق الهدف، غالباً ما تكون التجربة أقل إرضاءً من المتوقع، ويؤكد الدكتور "تال" أنَّ مغالطة الوصول هي سبب معاناة بعض نجوم هوليوود (Hollywood) من مشكلات الصحة العقلية، ويوضح: "يبدأ هؤلاء الأفراد غير سعداء؛ لكنَّهم يقولون لأنفسهم: لا بأس، لأنَّني عندما أحقق هدفي، سأكون سعيداً"، وعندما ينجحون في ذلك، قد يشعرون بالرضى لفترة وجيزة، إلَّا أنَّ هذا الشعور لا يدوم.

يوضح: "هذه المرة، إنَّهم غير سعداء؛ لكنَّهم دون أمل؛ لأنَّهم قبل ذلك كانوا يعيشون في ظل الوهم والأمل الزائف بأنَّه بمجرد تحقيق أهدافهم، سيكونون سعداء"، فأحياناً نركز بشدة على جانب واحد من الحياة على حساب الاحتياجات الأخرى في حياتنا، فمن السهل جداً أن نشعر بالنقص عندما نحقق هدفاً واحداً فقط، بينما نواجه صعوبات في مجالات أخرى من حياتنا؛ فتصبح الحياة بذلك غير متوازنة.

يؤكد مؤسس شركة بيس كامب (Basecamp)، "جيسون فرايد" (Jason Fried) أنَّه لا يضع أهدافاً أبداً، ويُعبِّر عن ذلك بقوله: "يختفي الهدف ما إن تحققه، فبمجرد أن تصل إلى هدفك، لا يبقى موجوداً، ويمكنك دائماً تحديد أهداف أخرى؛ لكنَّني لا أعمل بهذا الأسلوب".

شاهد بالفيديو: 8 أخطاء شائعة في تحديد الأهداف

الإنجاز لا يعادل السعادة:

إنَّ تحقيق أيِّ هدف مثل الحصول على ترقية أو شراء منزل، وما إلى ذلك، يترافق مع عواقب قد لا نتوقعها دائماً، والتي غالباً ما تجلب عملاً أكثر بكثير ممَّا تجلب السعادة المطلقة، وفي حالات كثيرة، يكشف تحقيق الهدف عن هدف آخر أكثر صعوبة؛ فالسعي وراء الأهداف لا ينتهي أبداً.

كما كُتب على موقع ذا سكول أوف لايف (The School of Life): "الحياة هي عملية انتقال من قلق ورغبة معينة إلى أخرى؛ فلا يوجد هدف يعفينا من البحث عن هدف جديد، والعنصر الوحيد المستقر في حياتنا هو الشغف؛ والوجهة الوحيدة هي الرحلة".

الحل الذي اقترحه "تال" هو الاستمتاع بالتقدم نحو تحقيق الهدف؛ فعندما تركز على العملية وتستمتع بها، فإنَّك تستمتع بالنمو، كما قال الفيلسوف الألماني "فريدريك نيتشه" (Friedrich Nietzsch) في كتابه "المسافر وظله" (The Wanderer and His Shadow): "النهاية والهدف: ليست كلُّ نهاية هدفاً؛ فنهاية اللحن ليست هدفه، لكن مع ذلك، إذا لم يصل اللحن إلى نهايته لما وصل إلى هدفه أيضاً".

فيجب أن نحاول إعطاء رحلة الوصول إلى هدف ما مزيداً من الاهتمام؛ فالسعي نحو هدف ما يمكن أن يكون مصدراً أقوى للسعادة من تحقيقه، ومن المفيد البحث عن السعادة في النمو الذي يوفره إحراز تقدم تدريجي نحو الهدف.

نحن نحتاج بصفتنا بشراً إلى الشعور بأنَّنا في رحلة ذات مغزى، وأنَّنا ننمو ونحسِّن أنفسنا باستمرار، فاختر أهدافك بحكمة، إذا كان عليك ذلك؛ فمن السهل تجاهل العملية والتركيز على الصورة الكبيرة.

فخ مغالطة الوصول هو السبب الذي يجعلك تحلم بأن تحصل على ترقية أو شراء منزل أو الحصول على مكافأة؛ فالشيء الوحيد الذي سيجعلك سعيداً حقاً هو الاستمتاع بالإجراءات اليومية البسيطة التي تساعدك على إحراز تقدم حقيقي في الحياة والوظيفة.

لقد كتب "تال": "يتطلب تحقيق السعادة الدائمة أن نستمتع بالرحلة في طريقنا نحو وجهة نعدُّها ذات قيمة؛ فالسعادة لا تتعلق بالوصول إلى قمة الجبل ولا بالتسلق بلا هدف؛ السعادة هي تجربتك في أثناء التسلق نحو القمة".

إقرأ أيضاً: أهم 9 أمور في الحياة للإنجاز والسعادة

في الختام:

الاعتراف بمغالطة الوصول لا يعني أنَّك يجب أن تقبل حياة متوسطة بلا هدف؛ فقد قال البروفيسور "تال": "نحن بحاجة إلى أهداف وإلى التفكير في المستقبل"، ونصيحته هي التخطيط لأهداف متعددة متزامنة، داخل وخارج حياتك العملية، وبعد ذلك استمتع بالرحلة في كلِّ خطوة على الطريق نحو شيء ذي معنى بالنسبة إليك، وركِّز على عملية تحقيق الأهداف، بدلاً من التركيز فقط على نقطة النهاية.




مقالات مرتبطة