معنى السعادة الدائمة وإمكانية تحقيقها

يقول الكاتب الأمريكي بريان كريستيان (Brian Christian) في كتابه "أكثر البشر إنسانية" ( The Most Human Human): "ليس هناك ما يبعث على الإحباط أكثر من عبارة "وقد عاشوا جميعاً في سعادة دائمة"؛ ممَّا يعني: "ومن ثم لم يحدث لهم أيَّ شيء مثير للاهتمام أو جدير بالملاحظة مرة أخرى لبقية حياتهم".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون سكوت إتش يونغ (Scott H Young)، ويخبرنا فيه عن تجربته في الحفاظ على نمط حياة هادئ، وعدم السعي إلى السعادة الدائمة.

هناك ما يجذبنا جميعاً نحو الرغبة في أن نعيش "السعادة الأبدية"، ونحو ذلك الوقت الذي تنتهي فيه صراعاتنا، وأن يكون لدينا أخيراً تلك الحياة التي نطمح أن نحياها، فغالباً ما ينتقد الناس هذه الفكرة على أنَّها مجرد خيال؛ فلن تكون الحياة مثالية أبداً؛ لذا اقبلها كما هي.

ربما يكون النقد الأفضل هو أنَّه حتى لو تمكنا من العيش في سعادة دائمة، فلن نرغب في ذلك.

النهايات السعيدة والوقت النفسي:

إذا كنت توافق على أنَّ الرتابة تزيد من إحساسك بالوقت، فإنَّ السعادة الدائمة لها سمة أكثر شراً؛ فقد تبدو عبارة "إلى الأبد" في الواقع أقصر كثيراً.

أعتقد أنَّه من الخطأ افتراض أنَّ ما هو ممتع، وما هو مثير للاهتمام (بالمعنى الذي يوحي بأنَّ الوقت يمر ببطء) هما الأمر نفسه؛ فقد نشعر بأنَّ بعض الأنشطة ممتعة، وبأنَّ الوقت فيها يمر ببطء في الوقت نفسه، مثل: السفر، والمغامرات، والمسابقات الممتعة، وقد تكون الأنشطة الأخرى مزعجة ومملة، مثل المهام الروتينية التي لا معنى لها.

لكن هناك كثير من الأمثلة؛ فلا يوجد ارتباط بين الصفتين، والسعادة الدائمة التي يمكن أن تُعطي شعوراً بالرضى والمتعة لكنَّها ليست مثيرة للاهتمام إلى حدٍ كبير هي المثال الأول، فقد تؤدي ممارسة بعض الأنشطة المجهدة إلى الشعور بأنَّ الوقت يمر ببطء، ولكنَّه قد يكون مزعجاً أيضاً.

أنا أقوم بهذه الموازنة لأنني أعتقد أنَّنا جميعاً منجذبون انجذاباً حدسياً إلى حياة ممتعة؛ فانتهاء قصص طفولتنا بسعادة دائمة هو مجرد مثال واحد، وعيش حياة ممتعة، وخاصة إذا كانت تنطوي على لحظات من التعب أو التعاسة، يتطلب مزيداً من الجهد المتعمد.

الصراع لتجنب "السعادة الدائمة":

لقد بدأت الشهر الأول من عملي بوصفي مدوناً بدوام كامل بعدم فعل الكثير، وبعد خمس سنوات من محاولة موازنة عملي مع الكلية، والسفر، والعمل، بدا لي أنَّ القيام بواحدة من هذه الوظائف أمر سهل للغاية، واخترت أن استمتع بمكافآت كل جهودي السابقة.

على الرَّغم من كسلي، فقد أنجزت كثيراً في الواقع، مثل مضاعفة عدد المشتركين في نشرتي الإخبارية والوصول إلى ثاني أفضل شهر مالياً في تاريخ عملي، لكن ما أزعجني لم يكن أنَّني كنت بحاجة إلى الكفاح من أجل استمرار عملي، بل أنَّني أستطيع أن أعيش بهذه الطريقة إلى الأبد؛ فقد وصلت إلى أقرب ما يمكن من لحظة "السعادة الدائمة"، وقد أزعجني ذلك.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات توصلك إلى السعادة

القلق الوجودي من الحياة الباهتة لكن الممتعة:

تؤمن الوجودية بأنَّنا لا نكتشف هدفنا؛ بل يجب أن يخترعه كلٌّ منا، ويأتي مصطلح "القلق الوجودي" من مدرسة الفلسفة هذه؛ فهو يأتي من اليأس من التساؤل عن السبب، وعدم الحصول على إجابة للأسئلة الكبيرة في الحياة.

بصرف النظر عمَّا إذا كنت تتخيل نفسك وجودياً، فإنَّ القلق هو جزء من الحالة الإنسانية؛ فعندما تكافح من أجل هدف ما قد تشعر بعدم الراحة، لكن تركيزك على هدفك يسمح لك بالعيش ضمن هذه القيود، وعندما تصل إلى الهدف المحتوم يسيطر السؤال "وماذا الآن؟" على أفكارك.

ما أزعجني بشأن لحظة شعوري بالسعادة الدائمة هو أنَّني أدركت إمكانية الانجرار وراء تلك الحياة المتمثلة بالعمل كلَّ يوم، والمحافظة على نمط حياة واحد، والاستسلام لهذه الحياة، وكأنَّني أدخل في غيبوبة ممتعة.

غالباً ما يبدأ المدوِّنون عملهم بحماسة لتحقيق انطلاقة جديدة، لكن عندما يصلون إلى مستوى عالي من النجاح يفقدون الشغف والحماسة، ويتوقف الصراع، وربما تكون حياتهم التي يعيشونها ممتعة، ولكنَّها لم تعد بتلك الطاقة والقوة.

التعب الذي تسبِّبه السعادة:

أخبرني أحد الأصدقاء ذات مرة أنَّ رواد الأعمال الأكثر نجاحاً وبالنظر إلى حياتهم المهنية، أشاروا إلى فترة بداية شركاتهم على أنَّها كانت الأسعد، ولا أعرف ما إذا كان هذا صحيحاً، ولكنَّني أعتقد أنَّه يتناسب مع هذه الصورة.

فبداية الشركة (أو الحياة) مليئة بالصراعات، وأنت تحاول تحقيق الأهداف التي حددتها، وبمجرد أن تصل إليها يصبح من الأسهل أن تبقى في حالة توازن لطيف، وإذا نظرنا إلى الوقت من الناحية النفسية، يعدُّ التوازن (سواء كان لطيفاً أم لا) مصدر قلق، لأنَّه يسرع وتيرة الحياة ممَّا يمنحنا عدداً أقل من اللحظات التي نتذكرها أو نختبرها بكثرة.

يعدُّ التوازن أيضاً ومن منطلق الوجودية مصدر قلق، والافتقار إلى الهدف المبتكر (سواء كان مؤقتاً أم مدى الحياة) هو ما يسبب القلق، فنحن بحاجة إلى بعض النضال لنكون سعداء.

إقرأ أيضاً: الانزعاج الكامن في الشعور بالسعادة

عدم الاستقرار أبداً وتجنب الحياة الساكنة:

أكبر التداعيات لهذا التسلسل الفكري هو أنَّ الاستقرار؛ أي فكرة اختيار نمط حياة ثابت طويل الأمد، هو أمر خطير بطبيعته، وهذا استنتاج يصعب قبوله؛ إذ لست متأكداً حتى إذا كان بإمكاني قبول ذلك، ويبدو أنَّه يتجاهل كلَّ حكمتنا الثقافية (على الرَّغم من أنَّ حكمتنا الثقافية تفضل أيضاً التوظيف الآمن على ريادة الأعمال المحفوفة بالمخاطر التي أتجاهلها بسعادة).

ما مقدار الروتين الذي تحتاج إلى قبوله لتعيش الحياة التي تريدها؟ هل هناك مقايضة صارمة بين بعض أهداف نمط الحياة، وبين قدرتك على إطالة الوقت، والعيش في مغامرة؟

على سبيل المثال: أرغب في النهاية في الزواج، وإنجاب الأطفال يوماً ما، فهل يعني ذلك الاستقرار في روتين ثابت؟ يكتب الكاتب ديريك سيفرس (Derek Sivers) عن الزواج واختيار العيش في بلدان جديدة كلَّ بضعة أشهر، وبالكاد يستقر.

السؤال الأكبر هو ما مقدار الركود في روتيننا الذي يحدث عن طريق اختيار نوع نمط الحياة الذي نريده، وكم يحدث بوصفه نتيجة ثانوية لانجذابنا إلى الروتين اللطيف؟

إقرأ أيضاً: ما هي فلسفة السعادة البسيطة عند أبيقور؟

سعادتي الدائمة:

استغرق الأمر مني سبع سنوات من العمل قبل أن أصل إلى هدفي في إدارة الأعمال التجارية بالإنترنت بدوام كامل. أنا بالتأكيد لا أريد أن أفقدها، لكن الآن بعد أن حققته، أعتقد أنَّه سيكون من المثير للاهتمام محاولة تحقيق التوازن بين الحفاظ على نمط حياة لطيف مع الاستمرار في محاولة الحفاظ على متعة الكفاح.

المصدر




مقالات مرتبطة