مدرسة النبي (صلى الله عليه وسلم)

 

النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا: أجمل ما في سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم - العطرة أنّها مدرسة لا تنضب، ومن دروسها نستقي ما يعيننا في ديننا ودنيانا، وها هو النبي يعلمنا كيف نثق بالله وبنصره في قصة عدي بن هاشم الذي كان يتردد في دخول الإسلام لأنّه كان يضم الفقراء والضعفاء، فيخبره النبي أنّ الله سيفتح عليهم حتى الحيرة وتخرج المرأة لتطوف لا تخشى إلا الله، ويسلم الرجل من الثقة في عينه ونبرة صوت النبي، وها هي الثقة بالله تتجلى في وعد النبي بفتح القسطنطينية وترنو أنظار المسلمين لها حتى يتحقق الحلم على يد محمد الفاتح، والآن نحن نمشي على نهج سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونرفع دعوة التمسك بالأحلام وتحقيق الأهداف وكلنا ثقة بنصر الله وإعزازه لنا وأجدر الناس بهذا الأمل هم الشباب الأقدر على التخيل وأصحاب الإمكانات الذهنية الصافية التي لم تلوث بعد، ويجب ألا نستصغر أي فكرة أو نستغربها، يجب أنْ نعلم حق العلم أنّ ديننا به من القوة ما يكفل تغيير الناس بحق، فما بالنا بمن اعتنق من خلاله فكرة بناءة أو حلماً لمستقبل أفضل بشأن نفسه أو بلده أو أمته.



 

وأعظم الأمثلة على ذلك نجدها في تاريخنا الإسلامي ومنها نموذج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي تغير من شخص يسوقه جهله لصنع إله من العجوة إلى شخص يقف أمام الحجر الأسود مؤكداً أنّه لا يضر ولا ينفع وأنّه لا يقبّله سوى لتقبيل النبي إياه، ويأمر بقطع شجرة الحديبية خشية أنْ يقدسها الناس، ويتحول من إنسان غليظ القلب يئد ابنته وهي تنفض عن لحيته التراب إلى إنسان رقيق ووجل القلب يبكي خوفاً على بعير عثرت ويذكر أصحابه الذين يقعون في المعاصي بكلمات الله ويسعد بتوبتهم ويقول لأصحابه "هكذا افعلوا إذا رأيتم أخاً لكم زلّ زلة فسدّدوه ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه"، وهاهو نموذج الخنساء التي رثت أخاها صخراً عندما مات، بدلاً من الدموع دماً تحتسب بعد الإسلام استشهاد جميع أبنائها، وها هو سيدنا علي كرم الله وجهه لا يخاف من النوم على سرير النبي رغم احتمالات موته لأنّ حلمه يتطلب ذلك، وهاهم المسلمون يتحملون عذاب المقاطعة في شِعْب بني طالب 3 سنوات لأنّ حلمهم أقوى من العناء الذي يلاقونه.

 

الفكرة والحلم بدايتا كل نجاح: يجب أنْ نعلم أنّ وراء الإنجازات الكبيرة والنجاحات وتحقيقها أحلام راودت أفراداً أخذوها مأخذ الجدية مثل السد العالي وقناة السويس وإمارة دبي، كذلك كانت وراء الإنجازات أفكار أناس التف حولهم بقية الجموع مثلما فعل عمار بن ياسر يوم اليمامة يقول للناس: "زينوا القرآن بالأفعال" فوضع للناس حلماً أمامهم ليبلغوا به النصر.


نستطيع أن نتغير

نعيش الآن في عصر أصبحت فيه سمة مميزة لكل أصحاب العقول وأصبحت الأسئلة التي تنشد إجابات شافية تستعصي على صاحب الضمير الحي الذي يأبى أنْ يعيش في واقع لا يرتضيه لنفسه ولا لأمته الإسلامية ولا لبلاده، ولا يكاد أحد يختلف على مدى التردي الذي وصلت إليه أحوالنا على جميع الأصعدة وفي كل المجالات، ولعل أهم هذه الأسئلة التي قد ترد في الأذهان هو: هل حقاً من الممكن أنْ نتغير؟ هل يخبرنا التاريخ والعلم بأنّه بالفعل يمكن لشعوب وحضارات وصلت إلى القاع أنْ تطفو إلى السطح مرة أخرى؟ الإجابة هي نعم، فلله سنن كونية لا تتغير بتغير الزمان والمكان ولا تفرق بين شعوب وأخرى أو دين وآخر أو حضارة وأخرى، ومنها أنّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ليعملوا ويجتهدوا ويروه من أنفسهم صبراً، ولعل هذا القانون كان وراء فكر أئمة مثل ابن القيم الذي قال: إنّ الله ينصر الأمة العادلة وإنْ كانت على غير الإسلام، ولا تنتصر تلك المسلمة التي لا تأخذ بأسباب العمل وإقامة العدل والقسط في الأرض، هذا جانب من الأمر.

 

الجانب الآخر هو أنّ الفهم الصحيح لهذا الدين يقودنا إلى استنتاج مهم وهو أنّ الإسلام قادر على تغيير الأفراد إذا اعتنقوا مبدأ هذا التغيير وحلموا بأنْ يصلوا إلى غاية وصورة معينة، والأمثلة في هذا الصدد لا تعد، ولعل أبرزها وأكثرها ذكراً في سياق التاريخ الإسلامي هو نموذج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كيف أنّ رجلاً كان من الجهل بدرجة تجعله يصنع تمثالاً لإله من الحلوى قبيل سفره، فإذا جاع أكل هذا التمثال الذي كان يعبده منذ فترة وجيزة، ثم يصبح هو الرجل الذي ينظر بحكمته إلى الحجر الأسود قائلاً له: "والله إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّلك ما قبلتك، وكيف أنه كان بدرجة من القسوة بدرجة لا يهتم معها بتلك الفتاة الصغيرة التي يحفر التراب ليئدها تنفض عن لحيته الغبار فيتحول إلى إنسان ترى على وجهه آثار مجرى الدموع من رقة القلب ووجله، ويبكي خشية أن تعثر بعير في عهد إمارته فيسأله الله عنها، ويبلغ من الحكمة والحلم أن يبلغه أن أحداً من أصحابه قد تتابع في الشراب فيرسل إليه سورة غافر يذكره بالله في سورة رقيقة فيتوب الرجل ويقول عمر لمن حوله: هكذا افعلوا إذا وجدتم أخاً لكم زل زلة، فسددوه ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه". هذا الدين يغير بالفعل من أراد أنْ يتغير وقرر أنْ يعتنق حلماً جديداً لغد أفضل.

لعل نموذج سيدنا عمر أبلغ مثال على ذلك، ولا يقتصر الأمر على الرجال فحسب، فها هي الخنساء امرأة كان ينفطر قلبها حزناً على أخيها صخر لما مات، ورثته بدلاً من الدموع دماً في الجاهلية، ها هي في الإسلام يستشهد أبناؤها جميعاً وتحتسبهم عند الله، فإذا أردنا أنْ نتغير فسنتغير وسيعيننا الله الذي أخبرنا أنّه عند ظننا به، ويجب أنْ نفهم هذا الحديث فهماً أعمق يجعلنا نشمل الدنيا ونصرة الله لنا فيها من خلال ظننا به وثقتنا بنصره، فقد عودنا النبي أنْ نثق بالله مصداقاً لقوله سبحانه "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض"، وذلك من خلال قصص كثيرة جاءت في السيرة منها قصة عدي بن حاتم الذي أخذ بالثقة التي تحدث بها الرسول معه مؤكداً أنّ الله سيفتح على المسلمين الحيرة حتى تخرج منها المرأة لتطوف ببيت الله لا تخشى إلا الله، كذلك روى الرسول للصحابة أنّه ستفتح القسطنطينية ومدح أميرها وجيشها فحصل استبشار الصحابة وتطلعهم لتحقيق هذا الحلم حتى أتمه الله على يد محمد الفاتح وهكذا كان رسولنا يبشر بتحقيق الغايات والأحلام لمن تطلع إليها وعمل على تنفيذها بقلبه وجوارحه وكل ما يملك من أسباب.


إنّ دعوتنا لنحلم بما هو أفضل لأنفسنا وأمتنا وبلادنا هي قربى لله عز وجل إنْ أخلصنا النية ويدخل في نطاق هذا كل فئات الناس ولكننا نخص بالذات فئة الشباب الذين أخبرنا الرسول أنّه يشم فيهم رائحة الجنة، والذين قامت على أكتافهم نهضة العقيدة الإسلامية، على أيدي جيل الشباب من الصحابة، لأنّ التفكير العملي لابد وأنْ يهز الشباب لمثل هذه الأحلام والطموحات التي يمكن أنْ تصوغها مخيلاتهم بصفاء قلوبهم الخضراء الغضة ولأنّ سنة الحياة أنّ جيلاً يسلم جيلاً، ولأنّ الشباب قادرون بإذن الله عز وجل على رؤية هذه الأحلام مُحَقَّقَة في حياتهم ولن نخجل من الإفصاح عن أفكارنا وأحلامنا لأنّ سنة النبي تعلمنا أنّه تبنى حتى أكثر الأفكار غرابة وخيالاً ومنها فكرة سيدنا سلمان بحفر الخندق، والتي كانت مستحيلة في أذهان المحيطين.

 

ولنعلم أنّ أعظم الإنجازات في تاريخ البشرية كانت نتاج فكرة بدأت في ذهن شخص لم يستصغرها، مثلما حدث في معركة اليمامة حيث قلب سيدنا خالد موازين المعركة لصالح المسلمين بخلق هدف وحلم لهم ينشدوه وذلك بإعادة توزيع الجيش حسب الفئات من مهاجرين وأنصار وحملة قرآن وغيرهم ليتنافسوا في نصرة الدين وإعطاء هذا الشرف للرهط الذي ينتمون إليه وهناك أفكار كانت خيالاً مثل السد العالي وقناة السويس ومدينة دبي كلها تحولت إلى حقيقة ترتبت عليها نجاحات أكبر وفرص عمل عديدة.

 

لقد قمت بتجربة عملية عندما كنا في زيارة للبحرين والتقينا هناك 700 من الشباب والشابات الذين لم تتعد أعمارهم الـ 23 عاماً وعقدنا ورشة عمل لصياغة أفكارهم وخرجنا بعد 3 ساعات بـ120 فكرة ما بين السياسة والعمل والأفكار الطريفة، ولمست في هؤلاء الشباب هذا الأمل بتحويل أفكارهم وأحلامهم إلى مشروعات تملأ عليهم حياتهم وترسم نموذجاً لمستقبل أفضل، الحلم حق لكل مسلم ومن حقك بل ومن واجبك إذا أردت أنْ تصنع الحياة معنا وأنْ تستمر في الركب أنْ تحلم وتعيش الحلم بكل جوارحك على أنْ تتحلى بصفات ثلاث وهي: الإرادة والتضحية والصبر، وفي النهاية اعمل بيقين أنّ الله لن يخذلك وأنّه ناصر جنده.

 

عمرو خالد مجلة المرأة بتاريخ 14 سبتمبر 2004