محطات من الاسراء والمعراج

 

لئن كانت الأرض تضم بين طياتها الأجيالَ السابقة التي عاشت عليها، فإن السماء لا زالت تتردد في أثيرها الأحداثُ السالفة، وكلَّما دارت الأيام لِنَبلُغَ 27 شهر رَجَب تسارعت إلى أذهاننا ذكرى الإسراء والمعراج رغم أن المحققين صححوا حصوله في 12 ربيع الأول، وعلى كل فالعبرة بالحدث لا بتاريخه.


 

ولعل وقائع هذه الرِّحلة من مكة المكرمة إلى القدس ثم إلى السماوات العُلى محفوظة تكررت على أسماعنا في بعض الخطب والاحتفالات، وهي ثابتة محصورة فيما حَمَلته إلينا الروايات الصحيحة، أما العِبَر والفوائد المستفادة فيها فهي تتجدد تَبَعاً لمواهب الرب سبحانه وتعالى لأهل العلم وعلى ضوء مستجدات الواقع.
 ومن محطات الإسراء والمعراج:
الإسراء رحلة إلى خارج الجزيرة العربية، وجَعْلُ المحطة الأولى في القدس بَدَلَ العروج من مكة مباشرة إلى السماء فيه إشارة إلى:
1.       عالَمية رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى قبل قيام الدولة بالمدينة المنورة.
2.       الصِّلة الوثيقة بين الكعبة المشرفة والمسجد الأقصى فهو أُولى القبلتين.
3.       الرَّبط بين رسالات الأنبياء الموحِّدين - وكل الأنبياء موحدون - عليهم الصَّلاة والسَّلام؛ لأن مُرسِلهم واحد.
وعليه فالإسراء موسم سنوي لإعادة شحذ الهمم والعزم والعهد على الوفاء للمسجد الأقصى الأسير وكلِّ أرض فلسطين من البحر إلى النهر ولدماء الشهداء الشرفاء مما يعين على الثبات أمام الضغوطات الداعية إلى التنازلات.
(فإنّ معَ العُسْر يُسراً) والإسراء والمعراج رحلة تكريمٍ وتثبيتٍ للنبي صلى الله عليه وسلم بعد 12 سنة من البعثة مملوءة بالمشقات ختمت بالمقاطعة والحصار في "الشِّعْب"، ووفاة عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم - مساندُهُ سياسيًّا-، ووفاة زوجته خديجة - مساندته نفسيَّاً -، ومواجهة أهل الطائف لدعوته بالحجارة...
عظمة قدْر الصَّلاة؛ فقد شُرعت في السَّماء، وأجرُ الصَّلوات الخمس كأجر الخمسين، وكانت بمثابة هديَّة حملها معه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمَّته من الرِّحلة، فهل يليق بنا أن نُهمل هديته؟!
سَعَة وعظمة ملكوت السماوات والأرض ودقَّة نظامها يدُل على عظمة الخالق، وهو قادر على تغيير نظامها إذا شاء.
الأنبياء عليهم السَّلام: إخوة متحابُّون وهم صفوة الخَلقِ، وسيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم خيرهم، وإمامهم في الوقوف بين يدي الله. وقد فرحوا بلقائه فاستقبلوه بقولهم: "مرحباً بالنبي الصالح، والأخ [أو والابن] الصالح".
أهمية النصيحة وتبادل الخبرات وتقديمها ولو دون طَلب؛ كما نصح سيدُنا موسى سيدَنا محمداً عليهم الصلاة والسَّلام بطلب تخفيف الصلوات.
خطورة التقليد في الاعتقاد والتَّدين، وأهمية التوثّق من صحة المعتقدات بالدليل واليقين؛ كما يستفاد من ارتداد بعض ضعاف الإيمان يوم الإسراء - رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
يَجْدُر بصاحب القيم والمبادئ السَّامية أن يواجه الإشاعة في مَهْدها ولو صاحبَها الاستهزاء؛ كما ثَبَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تحدَّوه أن يصف بيت المَقْدس فكشفه الله له فوصفه لهم وأقام الحجة عليهم مما اضطر من فيه ذرة إنصاف إلى الإقرار بصدقه!
وختاماً: إذا كان ملائكة السماء وحُرَّاس أبوابها يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم وفَضْلَه ويفرحون باستقباله، فما بالُ بعض أهل الأرض يجهله، أو يتجاهله ويُعرض عن هَدْيه وسنته؟! آن لهم أن يعرفوا أنهم لا يضرون إلا أنفسهم. ولهم نقول: الحقوا بالقافلة قبل فوات الأوان.
 

المصدر: جمعية الاتحاد الإسلامي