محركات البحث والسيطرة المعلوماتية

تشهد محركات البحث هذه الأيام طفرة و نموا متزايد مع بروز  منافسة شديدة بين عمالقة محركات البحث والمتطلعين إلي القمة ولعل أبرزهم ياهو (yahoo) و وعملاق البحث جوجل(google) من جهة و(bing) الصاعد من رحم  شركة مايكروسوفت التي تتبنى إستراتيجية "نحن نريد أن نكون النجم الوحيد على القمة " من خلال سعيها الدءوب بالإطاحة بالأستاذ المبجل جوجل من عرش  الصدارة.



 وفي ظل الصراع القائم للاستحواذ على المحتوى الرقمي والتنافس على تقنيات محركات البحث والولوج إلي الجيل الثالث منه, فان الانترنت ينظر له للمرحلة الثانية (web2) أو ما يعرف بالويكي , وهو ما يمثل تحدي أمام محركات البحث و خاصة مع بروز  رغبة وشعور عالمي من مستخدمي الانترنت بحاجة محركات البحث إلي  التغيير وإيجاد  محركات أكثر تطورا واحترافية في ظل عجز( كوكتيل محركات البحث) من الإلمام بمحيطات من  المعلوماتية الرقمية المتدفقة والتقنيات المتطورة و اللا متناهية وفي ظل التصنيفات البرمجية  بمختلف اللغات العالمية  .

القرصنة وانتهاك الخصوصية

وفي ظل النمو العالمي لشبكة الانترنت سواء كان على مستوى الاستخدام أو المحتوى  فإن محركات البحث العالمية أصبحت محل انتقاد عالمي لاتجاهها نحو انتهاك الخصوصية وكشف أسرار المستخدمين وتتبع أنشطتهم وعاداتهم وتقديمها كوجبة ساخنة للاعبين دوليين من وكالات استخبارات وكبريات الشركات التجارية.

إن القرصنة وانتهاك الخصوصية الفردية بمفهومها الواسع ليست مجرد اختراق موقع أو بريد الكتروني بل يتعدها إلي القرصنة بمعناها  المعلوماتي والجسدي ( المادي) والاتصالي و الإقليمي والوطني .

إن الخصوصية وفقا لتعريف لجنة CALCUTTالبريطانية   ( حق الأفراد في الحماية ضد التدخل في الحياة الخاصة وشؤونهم وشؤون عائلاتهم بوسائل مادية مباشرة أو عن طريق نشر المعلومات عنهم ).

وهو ما تسعى إلية محركات البحث ووكالات الاستخبارات العالمة حيث تقوم محركات البحث - بتطوير برمجياتها لتستطيع السيطرة على الشبكة العنكبوتية والتحكم فيها  – فهي تقوم  بعمليات جمع وتبويب وتخزين وتحليل بيانات الاستخدام على نحو واسع ، مستخدمة برمجيات الكوكيز و برمجيات العناكب أو غيرها من حزم النبضات / البتات اللاصقة sticky bits التي تخزن في كمبيوترات الزائرين أو من خلال تتبع رسائله الالكترونية  من اجل مساعدة الموقع على التعرف على الاتجاهات الخصوصية للزائر ومساعدته في تحديد اتجاهات الإعلان وتقديم المحتويات .

والمشكلة المثارة أن غالبية مواقع محركات البحث ومقدمي خدمة البريد الالكتروني  لا تطلع المستخدم بذلك أو قد تعلمه ولكن تستخدم ذلك بطرق غير أخلاقية وغير قانونية.

شراهته جمع المعلومات

كتب الفقيه الفرنسي ميلر – Mellor   في عام 1972 ، " أن الكمبيوتر بشراهته لجمع المعلومات على نحو لا يمكن وضع حد له ، وما يتصف به من دقة ومن عدم نسيان ما يخزن فيه ، قد يقلب حياتنا رأسا على عقب ويخضع فيها الأفراد لنظام رقابة صارم ويتحول المجتمع بذلك إلى عالم شفاف لتصبح فيه بيوتنا ومعاملاتنا المالية وحياتنا العقلية والجسمانية عارية لأي مشاهد أو متلصص.

ولو كان يدرك ميلر ما ستؤول أليه فتوحات عصر المعلومات ، من تطور وابتكارات غيرت كثير من الحياة البشرية  وأصبحت غول يجمع محيطات من المعلومات بكل تفاصيلها  ومكوناتها الدقيقة ,وهو ما يؤدي إلي ظهور وسائل تقنية لمواجهة هذا الخطر ، لكنها تجيء لاحقة على المخاطر والاختراقات التقنية ، لهذا تظل المخاطر اسبق في الحصول ، وتظل الحماية في موضع متأخر عنها كما يوصفها المحامي يونس عرب.

هيمنة المعلوماتية

وتعتبر مسألة هيمنة المعلوماتية أمر حساس على المدى البعيد وخاصة عند تحكم شركة واحدة بغالبية المعلومات على الإنترنت ويصبح مصدر المعلوماتية واحد.وفي هذا السياق أطلق  محرك البحث Ask.com حملة إعلانية الكبيرة في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية ضد هيمنة المعلوماتية ورفض التحكم وسيطرة المعلومات من قبل شركة واحدة...والمستهدف هنا بشكل غير مباشر هي شركة جوجل ... وتحذر الحملة من  مخاطر هيمنة وإدارة شركة واحدة  على أكثر من 75% من معلومات الإنترنت .

وغالبية المحللين في مجال الإعلام والأعمال يقولون بأن يوماً ما جوجل سوف يتحكم بجزء كبير من معلوماتية العالم وهذا بالطبع سيكون كابوس العصر.

كشف أسرار المستخدمين

فمحرك البحث الشهير  جوجل يدخل دائماً في معترك "اختراق الخصوصية" بداية من بريدها الإلكتروني "جي ميل" مروراً ببرنامج "جوجل إيرث" وأخيراً متصفح الإنترنت كروم الذي أطلق مؤخرا وسرعان ما لقي هجوماً شديداً من السلطات الألمانية بزعم أنه يكشف أسرار المستخدمين.حيث أطلق المكتب الفيدرالي لأمن المعلومات في ألمانيا تحذيرات إلى المواطنين الألمان توصي بتجنب استخدام برنامج تصفح الإنترنت جوجل كروم Chrome الذي تم إطلاقه مؤخرًا، وذلك لأنه يتيح لشركة جوجل الوصول إلى الكثير من المعلومات الشخصية لمستخدميه.

وتبرر الحكومة الألمانية ذلك بشروط الاستخدام التي وضعتها جوجل عند تثبيت البرنامج حيث أعطت لنفسها الحق الحصري بتقديم المحتويات الخاصة بالمستخدم سواءكان لنشرها أو عرضها، وهو الأمر الذي يشير إليه البند رقم 11 في اتفاقية الترخيص التي تظهر عند تثبيت البرنامج.ويرى فريق من الخبراء إجراءت الحكومة الألمانية ناتجة عن احتكار الشركات الأمريكية للحصة الأكبر من متصفحات الإنترنت، إذ يحظى إنترنت إكسبلورر وفاير فوكس وسفاري بالنسبة العظمى من مستخدمي الإنترنت، في حين أن المتصفح الوحيد الذي تم تطويره في أوروبا وهو Operaاوبرا لا يحظى بشعبية كبيرة.

أكبر وكالة استخبارات في العالم

وفي ظل الهيمنة التكنولوجية والبرمجية  لمحركات البحث العالمية تبرز العديد من المخاوف لدى دول العالم المختلفة  من تحول محركات البحث والبريد الالكتروني  إلي هدف أخر في ظل لاعبين آخرين يسعون للاستفادة من هذا المخزون المعلوماتي في تتبع الأشخاص وجمع المعلومات عنهم وهو ما أشارت إلية  إحدى الدراسات التي أجرتها  جامعة جراتس النمساوية ، من أن محرك البحث جوجل يعتدي على الخصوصية لأن الشركة تعرف أكثر من أي منظمة أخرى معلومات الأفراد والشركات، لكنها ليست ملتزمة بقوانين البلاد الخاصة بحماية البيانات، وحذر الباحثون النمساويون من أن محرك البحث يمكن أن يتحول إلى أكبر وكالة استخبارات في العالم وذلك باستخدام البيانات التي جمعها من مستخدميه عبر برامجه المختلفة، وأضافوا أنه حتى إذا لم تستخدم جوجل هذه الإمكانية حالياً فإنها قد تضطر إلى استغلالها في المستقبل من أجل مصلحة حملة أسهمه.

وقال رئيس معهد نظم المعلومات والإعلام الرقمي بجامعة جراتس النمساوية إن من الخطورة أن يسيطر كيان واحد مثل جوجل على عملية البحث على شبكة الانترنت، لكن الأمر "غير المقبول" هو أن جوجل في الواقع تشغل الكثير من الخدمات الأخرى ومن المرجح أنها تعمل مع لاعبين آخرين.

خزن البيانات الشخصية

وبعد هذه الاتهامات باختراقها للخصوصية، رحب الاتحاد الأوروبي بقرار شركة جوجل الأمريكية صاحبة أكبر محرك بحث على الإنترنت، بخفض المدة التي تخزن فيها البيانات الشخصية لمستخدمي خدماتها بمعدل النصف.وكانت الشركة قد أعلنت، أنها ستقوم بتخزين عناوين بروتوكول الإنترنت "IP" للأجهزة الشخصية لمدة تسعة أشهر، بدلاً من 18 شهراً.

وتشير جوجل إلى أنها تستخدم عناوين بروتوكول الإنترنت والمواد التي يتم البحث عنها وتقوم بتخزينها لتحسين الخدمات التي تقدمها لعملائها، فيما يؤكد المدافعون عن الخصوصية أن هذه المعلومات ربما يساء استخدامها.وتأتى هذه الخطوة في ظل الضغوط المتزايدة من الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى حماية خصوصية المواطنين، ورغبته في حفظ محركات البحث للبيانات الشخصية لمستخدميه لمدة لا تزيد على ستة أشهر. ووصف المفوض الأوروبي جاك باروت هذا القرار، بأنه خطوة تجاه الالتزام بمبادئ الخصوصية الأوروبية وقوانين حماية البيانات بالاتحاد الأوروبي.

ظاهرة السيطرة المعلوماتية

لقد أصبحنا أمام ظاهرة السيطرة المعلوماتية  النرجسية على شبكة الانترنت, فما نرغب فيه ننشره وما لا نرغب فيه لا نسمح بالحصول علية ولا أدل على ذلك من منع الولايات المتحدة الأمريكية لمحرك البحث جوجل ايرث(الأرض) من عرض المواقع العسكرية الأمريكية وكذلك الإسرائيلية بينما الدول الأخرى مكشوفة من أول نقطة إليأخر حرف  .

وتسعى الحكومات إلي تقديم  طلبات معلوماتية لمحركات البحث للحصول على معلومات شخصية عن المستخدمين بل وصل الأمر إلي منع بعض العلوم المتخصصة كالعلوم الكيميائية والفيزيائية  والعضوية الخ من إدخالها في  المحتوى الشبكي  .

إن محركات البحث تخضع لشروط انتهاك الخصوصية من خلال تعاون جوجل وقسم إم إس إن في مايكروسوفت وفرع ياهو الصيني مع الحكومة الصينية في تلبية مطالبها الخاصة بتصفية نتائج البحث.

وكشف باحثون كنديون أخيرا أن النسخة الصينية من برنامج «سكايبي للدردشة» عبر الإنترنت يحتوي على  تعديل يسمح بالدخول على غرف الدردشة وتسجيل المعلومات على أجهزة كومبيوتر خادمة، تملكها الشركة الصينية «توم» التي تشارك  (سكايبي)وأيضا فضيحة ( سبرينت نيكستل) التي تعرضت لموقف حرج عام 2005 بعد الكشف عن تعاونها مع وكالة الأمن القومي في خطة إدارة بوش للتجسس دون إذن قضائي كما أورد في تقرير خدمة نيويورك تايمز.

إلا أن محركات البحث فيما يبدو أنها متجه نحو حماية سمعتها التي شوهتها قضية انتهاك الخصوصيات من خلال قيام محركات البحث بمبادرة من «جوجل» و«مايكروسوفت» و«ياهو» ومجموعة من المنظمات الحقوقية,لتقدم مدونة بقواعد السلوك الدولية لحماية حرية التعبير عن الرأي والخصوصية على الإنترنت في مواجهة التدخل الحكومي.

وتعد هذه القواعد نقطة البداية لمبادرة جديدة تحمل اسم مبادرة الشبكة الدولية والتي تلزم الشركات بـ«تجنب تأثير القيود الحكومية على حرية التعبير أو تقليلها»، وذلك حسبما ورد في المسودة النهائية للوثائق التي حصلت عليها نيويورك تايمز.

أين العـــــــــرب؟

وما نبحث عنه يطرح تساؤلات تقول  أين العرب من الاستثمار في مجال  محركات البحث  و البريد الالكتروني ؟؟
...فإذا ما كانت حال الإجابة تقــول: الاستثمار في محركات البحث عملية مكلفه لكنها في هذه الحالة ضرورية لا مفر منها لحماية الفرد العربي من الاختراق والتلصص فلقد أثبتت الكثير من الدراسات أن محركات البحث تعتبر ثاني خدمات الشبكة العنكبوتية  العالمية من حيث الأهمية وكثافة الاستخدام ، بعد خدمات البريد الإلكتروني، حيث أن 84.1 % من المستفيدين من العنكبوتية يستخدمون محركات البحث للوصول إلى المعلومات التي يحتاجون إليها من الشبكة, يقول الباحث محمد عبد الفتاح : إن المجتمع العربي يعاني من خاصية التسامي غير المنطقي في تعامله مع التقنيات الحديثة... و إن هذه الخاصية تحرم المجتمع العربي من فكرة التراكمية التي هي أساس التطور التقني حيث ظهرت محركات البحث اللفظية وكادت أن تختفي ولم تظهر محركات بحث لفظية عربية غير عدد قليل لا يتعدى أصابع اليد الواحدة. ولم تتكون لدى المجتمع العربي  تجربة تراكمية تقنية تؤهله للتعامل مع الجيل الثالث من هذه التقنية.
 
وإن اللحاق بأي تقنية حديثة دون هضم لكل التقنيات والخطوات المنطقية المؤدية لها يعد هدر للموارد والمقدرات ، وإن التمادي في هذا التوجه يعد اخطر من تجاهل التقنية بشكل كلي.
 
إن محركات البحث لم تعد ترفا بحثيا أو معرفيا  فحسب بل أصبحت صناعة استثمارية تتقنها العقول المفكرة وتستثمرها لتصل قيمتها إلي أكثر من 80 مليار دولار في محرك البحث جوجل وأكثر من 45 مليار دولار لياهو .

إن الجهود العربية الفردية الساعية لإنشاء محركات بحث عربية لا ترقى إلى مواصفات و معايير محركات البحث العالمية، وتعاني من مشاكل تقنية وبرمجية جمة ونقص في الخبرات التقنية العالية الاحتراف وبالتالي تظل غير قادرة على  المنافسة عربياُ أو عالمياً.

أن الشروع في إعداد محركات بحث عربية جادة تبرز قدراتنا وإمكانياتنا،  هو ضرورة تقنية وعلمية وأمنية واقتصادية.
فمحركات البحث تلعب دورا محوريا في  تحسين معدل ظهور المحتوى الرقمي على الشبكة, وتقدم للعالم عقولاً عربية مبدعة ومبتكرة، ومن ثم تساهم في وضع عالمنا العربي عالمياً على الخريطة العالمية للمعرفة والمعلوماتية وتساعده في ولوج عالم اقتصاد الانترنت واستثماراته . بالإضافة إلي أنها  تساهم في الحد من اختراق الخصوصية العربية وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أصبح فيها كل عربي متهم.
 
النواة الأولى لمحركات البحث العربية

وقد برزت جهود هنا و هناك لعمل وصناعة محركات بحث تعمل في البحث على المحتوى الرقمي العربي أولا لتنتقل في مرحلة أخرى إلي اللغات العالمية الأخرى وقد اكتسبت الإمكانيات والقدرات البشرية والتكنولوجية

فمحرك البحث  عربي (http://www.araby.com/) على سبيل المثال  والذي أطلقته مجموعة مكتوب عام 2006م ويوفر خدمة مجانية البحث في المواقع العربية النصية والصورية والوسائطية ويتميز بنظام الفهرس في المعلومات ويعتبر من أفضل محركات البحث العربية وهي خطوة تحتاج إلي دعم ورعاية ليصبح على قدر كبير   من القبول لدى المستخدم العربي.

أما محرك البحث أين (http://www.ayna.com/) فهو يحاول الانطلاق عبر العديد من الخدمات المتميزة والتي من ضمنها البحث في النصوص  والوسائط و الصور وتجميع الأخبار .

ويعتمد محرك البحث أين طريقة التخزين والبحث الديناميكي ويتميز بميزة جمع المحتويات وتصنيفها في مجموعات بالإضافة لخدمة البريد الالكتروني, ويدعم أين اللغة العربية والانجليزية والفرنسية  .
 

وقد احتل المركز الأول كأفضل محرك بحث عربي عام 2005م ومع إضافة ميزة دعم الإعلانات وجلبها وخلق فرصة تجارية عبر الانترنت يكون لامس بداية الطريق نحو التطوير والبحث المستمر  وسعى أين إلي إدخال  خدمة البحث عبر الجوال أو ما يسمى الواب (WAP/GPRS) ومع ميزة البحث الآمن فان محرك البحث أين تجربة عربية تستحق الإشادة ومع ذلك لازال ينتظره الكثير من الجهد التقني والإمكانيات  التكنولوجية التي تمتلكها محركات البحث العالمية الأخرى .
 
أن صناعة محركات البحث تعتبر ضرورة حضارية وأمنية يستلزم التفكير في الاستثمار فيها  من اجل خلق فرص استثمارية بحثية تتسم ببعد خدمي مجاني وبعد تجاري  استثماري وقادر على المنافسة العالمية .

فهل نحن العرب قادرون على عمل محركات بحث عربية قادرة على المنافسة عالميا وفي الوقت نفسه نعمل على حماية امتنا من التجسس وانتهاك الخصوصية المعلوماتية سواء كانت فردية أو وطنية أو إقليمية أم سنواصل السير إلي مالا نهاية فيما نحن علية؟!