متى يجب أن تتناول أدوية الاكتئاب؟

ليس من السهل أبداً معايشة الاكتئاب، ويمكن أن يصبح الأمرُ أشدَّ تعقيداً حتَّى حين تُضيف العلاج المُوجِّه إلى مزيج معاناتك معَه، ولديك عدة خيارات لمعالجة الاكتئاب بدءاً من خيارات العلاج بالطب البديل وصولاً إلى مُضادَّات الاكتئاب.

وتقول د.لودميلا دي فاريا (Ludmila De Faria) رئيس لجنة الصحة النفسية للنساء التابعة لجمعية الطب النفسي الأمريكية (American Psychiatric Association’s Committee on Women’s Mental Health) موضحةً: "يمكن للدواء أن يسهِّل عملية الشفاء من الاكتئاب ويسرعها". 

لا تُعدُّ مُضادات الاكتئاب فعالةً أو مُجدِيةً لدى جميع مرضى الاكتئاب؛ لكنَّها يمكن أن تكون مفيدةً في حالات عديدة؛ لذا لمعرفة متى يحينُ الوقتُ لتناول الأدوية من أجل علاج الاكتئاب يُشير الخُبَراء إلى وجود العديد من العوامل المختلفة التي يجب أن تأخذَها بالحسبان عند تحرِّي ما إذا كان مُضاد الاكتئاب مفيداً لحالتك أم لا.

علامات واضحة على أنَّك قد تستفيد من الدواء:

يمكن للاكتئاب أن يؤثِّرَ في صحَّتك النفسية والجسدية، وتشمل الأعراض الشائعة لاضطراب الاكتئاب الشديد (MDD) على الحزن، والشعور بالتفاهة وانعدام القيمة، وتبدُّلات في النوم والشهية للطعام، والتعب، والأفكار الانتحارية، وصعوبات التركيز.

تُعَدُّ مُضادات الاكتئاب الخطَّ الدوائيَّ الأول في علاج الاكتئاب، في ظل وجود أصناف مختلفة منها، تُسمَّى بعضُ أنواعها الأكثر استخداماً مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) وَمثبِّطات استرداد السيروتونين والنورإبينفرين (SNRIs).

تُعَدُّ شدة الأعراض الاكتئابية ومدتها اثنتين من أهم العوامل التي ينبغي أخذُها الحسبان عند تقييم الحاجة لمضادات الاكتئاب أو التفكير بتناولها، وبمُجرَّد أن يبدأ الاكتئاب بالتدخُّل وإعاقة نشاطاتك اليومية والتأثير في علاقاتك مع الآخرين ينبغي أن تكون خطوتُك التالية هي البحثُ عن طبيبٍ نفسي أو طبيب رعاية أولية متدرِّب في مجال الصحة النفسية.

يقول الطبيب النفسي "غريغوري سايمون" (Gregory Simon): "لا نُوصي عادةً بالعلاج الدوائي عندما تكون أعراض الاكتئاب خفيفةً أو قصيرةَ المُدَّة؛ أمَّا حين يكون الاكتئاب معتدلاً ويستمرُّ لعدَّة أسابيع فعندَها غالباً ما يُوصى بالعلاج النفسي أو الأدوية، حتَّى إن ظهرَت أعراض الاكتئاب عقبَ خسارة كبيرة في حياة الأشخاص أو تعرُّضِهم لضغطٍ نفسي فقد يستفيدون من العلاج إن استمرَّت تلك الأعراض لديهم لعدَّة أشهر".

شاهد بالفديو: كيف تعيش بعيداً عن الاكتئاب

يمكن أن تساعدك استشارة طبيبٍ نفسيٍّ على تحديد ما إذا كان قد حان الوقت لتجربة الدواء أم لا:

سيعمل الأطباء مع مرضاهم بتمعُّنٍ ودقة في أثناء الاستشارة؛ لتحديد ما إذا كان الدواء هو الخيار الأفضل حقاً ولتحديد أي أدوية الاكتئاب سيكون أكثر فاعلية في حالة كل مريضٍ على حِدة.

يقول د.ستيوارت لوستج (Stuart Lustig) وهو طبيب نفسي والمدير التنفيذي الطبي الوطني للصحة السلوكية في شركة "إيفر نورث" (Evernorth) ولأعمال الخِدْمات الصحية في شركة "سيغنا" (Cigna): "إنَّ استعمال الدواء لعلاج الاكتئاب يختلف من مريض إلى آخر، ويتطلَّب مراجعة لتاريخه الصحي وحالته المرضية الحالية".

يُوضِّح: "يأخذ الأطباء النفسيُّون في الحسبان العلاجاتِ التي جرَّبَها المريض سابقاً كالعلاج النفسي الكلامي، ومشاعر المريض المتعلقة بتناول العلاج الدوائي، وإصابته بأي حالات طبية كامنة غير مُكتشَفة سابقاً، والقابليَّة المُتوقَّعة لظهور الآثار الجانبية لهذه الأدوية، وقدرة المريض على إكمال الخطة العلاجية ومتابعتها حتَّى النهاية".

في حين أنَّك قد تكون مستعدَّاً لتناول الدواء سيستبعدُ الأطباء النفسيون أولاً المشكلات الصحية الأخرى التي من الممكن وجودُها لديك قبل أن يصفوا لك أيَّ دواء؛ فمن الشائع الخطأ في تشخيص المشكلات الصحية الجسدية كقصور الدرقية وداء السكري على أنَّها اكتئاب.

تقول د.كريستين إم. كروفورد (Christine M. Crawford) المديرة الطبية المُساعِدة للتَّحالُف الوطني للأمراض العقلية (National Alliance on Mental Illness) موضِّحةً: "من المُحتمَل أن يُجري الطبيب النفسي أو الطبيب العام فحصاً طبياً؛ فقط للتأكُّد من عدم وجود أي مشكلات طبية كامنة أخرى ربَّما يكون لها دور في الأعراض المزاجيَّة التي يُعانيها مريض الاكتئاب". 

تضيف د.لودميلا: "يُشبه تناولُ مضادات الاكتئاب أخذ المُضادات الحيوية لعلاج العدوى، أو تناول أحد أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم للمحافظة على ضغط الدم ضمنَ الحدود الطبيعية".

ما يمكن توقُّعُه عند تناول الأدوية المُضادَّة للاكتئاب للمرة الأولى:

توجد عدة أمور يجب أخذُها بالحسبان إن كنتَ قد بدأتَ بأخذ أدوية الصحة النفسية للمرة الأولى، وحتَّى في حال ما زلتَ بصدد النظر في الأمر؛ فعلى الرَّغم من اختلاف كلِّ دواءٍ من مضادات الاكتئاب عن الآخر إلَّا أنَّ الآثار الجانبية المُحتمَلة لها تشمل: الغثيان، وزيادة الوزن أو فقدانه، والأرَق، والدوار، وجفاف الفم، وانخفاض الدافع الجنسي، وتُعَدُّ هذه الأعراضُ مُشترَكة بين جميع مضادات الاكتئاب ويجب توقُّعُها في حال تناول تلك الأدوية، قد تكون الآثار الجانبية التي تستمرُّ مُطوَّلاً علامةً على حاجتك للبدء بتحرِّي إمكانية أخذك لأدوية أخرى وفقاً لمشورة الطبيب.

من الهام أيضاً أن نذكر أنَّ مُضادات الاكتئاب ليسَت حلَّاً سريعاً لأعراضك؛ لذا من الطبيعي تماماً أن تستمرَّ في المعاناة من أعراض الاكتئاب خلال الفترة الأولى التي تبدأ فيها بأخذ تلك الأدوية.

تقول د.كروفورد: "لن تكون مضادات الاكتئاب من نوع الدواء الذي سيُشعِرُك مباشرةً بالتحسُّن الكامل بنسبة 100% بمُجرَّد أن تتناولها"، مُضيفةً أنَّه قد يستغرقُ الأمرُ 4-6 أسابيع قبل أن يسريَ مفعولُها بالكامل.

إضافة إلى أنَّ أدوية الصحة النفسية ليسَت الدواء الشافي للاكتئاب؛ إنَّما هي بالأحرى طريقةٌ أخرى يمكنك استخدامها لضبط أعراضه والتخفيف منها، أمَّا د.لورا غيفتمان (Laura Geftman) وهي متخصصة في العلاج ومؤسِّسةُ مركز "ذا كالم، كول آند كوليكتد" (The Calm, Cool and Collected) الخاص بتقديم خدمات الصحة النفسية، فقد وجدَت أنَّ المعالجة الدوائية بالمُشارَكة مع العلاج النفسي وغيرها من طرائق العلاج الشاملة هي العلاج الأمثل، وتحسِّن حياة المريض من خلال تخفيفها لشدَّة الأعراض ومدتها بصورة كبيرة.

في الختام:

يمكن أن يكون اتخاذ القرار بأخذ العلاج الدوائي للاكتئاب صعباً ومُخيفاً حتَّى في البداية؛ وعلى الرَّغم من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بتناول أدوية الصحة النفسية فإنَّ اختيار التحدُّث إلى الطبيب النفسي ليس علامة ضعف أو إخفاق.

تقول د.دي فاريا: "يُشبه تناولُ مضادات الاكتئاب أخذَ المُضادات الحيوية لعلاج العدوى أو تناولَ أحد أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم للمحافظة على ضغط الدم ضمنَ الحدود الطبيعية".

كذلك يمكن للبحث عن دعم طبيبٍ نفسيٍّ أو طبيبٍ آخر حين تبدأ بملاحظة أنَّ أعراضك تزداد سوءاً بشدتها ومُدَّتها، سيساعدكَ على الوقاية من الإصابة بنوبة اكتئاب أكثر شدةً على الأمد البعيد، ولا يُعَدُّ تناول مُضادات الاكتئاب الطريقةَ الصحيحة لدى المرضى كلهم؛ لكنَّها قد تكون طريقةً لإنقاذ حياة معظم المرضى من خلال منع الأفكار الانتحارية لديهم.

المصدر