ماهية التفكير وهندسة عناصره

ماهية التفكير وهندسة عناصره

د.عبدالله علي

التفكير يشكل حلقة الوصل بين دوائر العقل الأربع وهي: التساؤل والتفكر والإنشغال الذهني والإبداع ..

وقد يكون التفكير سكونياً (استاتيكياً) يرتكز في العقل دونما اندفاع نحو إنجاز ملموس، وكذلك قد يكون حركياً (ديناميكياً) يتبلور على شكل إنجازات ملموسة تجري في صورة الأقوال والأفعال والممارسات، وحتى يكون الأمر مثمراً وفعّالاً لابد أن يكون هناك مزج بين الطبيعة الإستاتيكية والحركية الديناميكية لعملية التفكير وإلا تحولت الطاقة التفكيرية لدى الإنسان إلى طاقة كامنة تشبه ثروات الأرض الدفينة في باطنها لا يمكن الإستفادة منها إلا بعد عمليات استصلاح واستكشاف وتفعيل.



ويترتب على ضعف أو عدم الإستخدام الأمثل للقدرة التفكيرية لدى الإنسان نتائج غير محمودة وغير مريحة للنفس والمجتمع وذلك في الدنيا والآخرة، ومن هذه الأمور:
1- تبديد طاقةٍ أنعمَ اللهُ تعالى بها على الإنسان وإضاعتها وتشغيلها في غير الإتجاه المطلوب وبالطريقة التي لا تتفق مع غاية الخلق والوجود ورسالة الحياة والتكليف الرباني للإنسان.
2- ارتداد الطاقة الذاتية لدى الإنسان إلى ذاتها فتعمل على تخميد طاقات وقدرات أخرى في النفس والجسم إضافة إلى تخميد ذاتها بذاتها مما يولد الإحباط والملل والشعور بالعجز والكسل والهم والغم وبالتالي تبلد الإحساس وخدر الإرادة وشلل القدرات.
3- قلة الإنجازات النوعية المُفضية إلى الإحساس (الإتقان) وهذا يؤدي بدوره إلى ما يلي:
1- إضاعة الوقت والحياة.
2- الضيق والقلق والحسرة.
3- الهم والغم والاسف.
4- ضعف الثقة بالنفس.
بينما الإنجاز النوعي يؤدي إلى تبديد ذلك ويعمل على إدخال البهجة إلى القلب وتعزيز الثقة بالنفس وهذا يؤدي إلى بروز وبزوغ أفكار نوعية جديدة تساهم في زيادة إنتاجية التفكير وتميز مجالاته ونوعية أدائه.


2- عناصر التفكير:
قد يبدو للوهلة الأولى أن عملية التفكير تتكون من عناصر يصعب تحديدها وإيضاح معالمها، وذلك لإرتباطها بأشياء غير مرئية وغير ملموسة، ولكن مُقدمات ونتائج ومتعلقات التفكير تُحدد عناصره، حيث يمكن القول: إن عناصر عملية التفكير هي التالية:
1- السمع، حيث يُشكل رافداً رئيسياً للتفكير بما يزوَّد العقل من مُدخلات ومعطيات علمية وإخبارية وتواصلية مع محيطه ومنه.
2- البصر، ومؤداه في عملية التفكير تتشابه مع الدور الذي يؤديه السمع في هذا المجال إلا أن حدود تأثير السمع تتفوق على حدود البصر وتتعدى مجالاته.
3- العقل، وهو المكان الأرحب لعملية التفكير ومبتدئها البيئة الطبيعية لمعالجة الأفكار وتشكيلها وتحويلها إلى قناعات ورؤى أو تبديدها ونسيانها أو تأخير عطائها وذلك باحتضانها لتبدأ العطاء في الوقت المناسب بالتنسيق ما بين العقل والجوارح.
4- المادة التفكيرية التي تعتمل في داخل العقل من حيث طبيعتها ووضوحها ودرجة تعقيدها وأهميتها وأولويتها ومقدار ضغطها على الدماغ والنتيجة المتوخاة والمترتبة عليها.
5- مُدخلات العملية التفكيرية (Inputs) من قدرات عقلية وإلهام وخواطر وتجارب حياتية وأنماط معيشية.
6- مُخرجات العملية التفكيرية Out-puts)) من قناعات ورؤى وأقوال وأفعال، إما يُختزن في العقل الباطن أو يهوي في عالم النسيان.
7- التغذية الراجعة (Feed back) من نتائج تقويم ومشاهدة ومراجعة وملاحظات ونصائح ترد من الآخرين وتساهم في تعديل أنماط التفكير وتحسينه وتطويره.
وفي ضوء ذلك لنا أن نتأمل قول الله تعالى:
(وَلاتَقفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) [الإسراء: 36].
(وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك: 10].
(ألَمْ نَجْعَل لَّهُ، عَيْنَيْنِ"8" وَلِسَاناً وَ شَفَتَيْنِ"9" وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ"10").


3- مُتعلقات التفكير:
مدى التفكير:
يتعدى مدى التفكير مدى السمع والبصر بالإضافة إلى أنه قد يتعدى حدود الزمان والمكان حيث يغوص الإنسان في تفكيره في أحداث الماضي وحقائق اليوم وآفاق المستقبل ويمكن أن يكون ذلك في لحظات زمنية قصيرة، وقد يكون موضوع التفكير في بلد معين فينتقل إلى مكان آخر ثم إلى مكان ثالث في قارة أخرى دونما تحديد أو إخبار لنوع المادة التفكيرية حيث إن هذا الحيّز التفكيري لا يعلمه إلا الله تعالى ثم الإنسان نفسه.


منطقة التفكير وخصائصها:
قد يُعتقد أن منطقة التفكير هي فقط في العقل (الدماغ) وحده، ولكن أمر يتعدى ذلك ليشمل العقل والفؤاد (النفس) ومدخلاته ومخرجاته والحيّز المكاني بين العقل ومدخلاته ومخرجاته، وتمتاز هذه المنطقة بميزات وخصائص متعددة تتجلى خلالها نِعَمُ الله تعالى على الإنسان، وتشكل مصدر قوة الإنسان كما أنه رمز من رموز الحريّة والتكريم الإلهي للإنسان حيث لا تستطيع قوة مهما عظمت أن تخترق حدود المنطقة التفكيرية للإنسان دون إرادته وموافقته وخاصة إذا تسلّح الإنسانُ بسلاح العقيدة والإيمان الصادق بالله تعالى وحقق فهماً صحيحاً للنفس والكون والحياة.


ومن خصائص منطقة التفكير ما يلي:
1- كونها شأناً خاصاً بكل إنسان لا يعمله إلا الله تعالى ثم الإنسان نفسه بما علمه الله تبارك تعالى وبما استودع فيه من أسرار.
(فَإنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأخْفَى) [طه/ 7].
2- سريّة محتواها وصرامة حدودها.
3- كونها عصيّة على الإختراق، وأقفالها لا تُفتح إلا بطواعية الإنسان نفسه.
4- أحياناً يصعب تحديد معالمها بدقة وخاصة حين ارتباطها بمتعلقات زمانية ومكانية، وتفاوت القدرات والأمزجية والرغبات لبني البشر.
5- السعة والإحاطة والتبويب والتصنيف لمحتوياتها ومكنوناتها.
6- يمكن أن يشترك أكثر من فرد ببعض محتويات منطقة التفكير وذلك بتوحيد المدخلات وإشتراك الغاية والهدف والمبتغى الحياتي أو الظرفي.
(وَالْمُؤمِنُونَ والْمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بَالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إنَّ اللهَ عَزيزٌ حَكِيمُُ) [التوبة/ 71].
(وَتَعاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
7- تتفاوت قدرات ومجالات وعناصر المنطقة التفكيرية من شخص إلى آخر وتتنوع طبقاً لما وهب الله تعالى كل إنسان، وطبقاً لما هُيَّئ الإنسان له في هذه الحياة وفق قوانين الأنفس والآفاق والأدوار التكافلية لبني الإنسان ولباقي مخلوقات الله تعالى في هذا الكون.
8- من الناحية الفسيولوجية تحتل منطقة التفكير قمة الهرم الجسماني وتعلو بذلك على مكان السمع والبصر والذوق والشم والقلب.


المصدر: كتاب هندسة التفكير الإبداعي

بلاغ .كوم