ماذا تفعلين؟

 

هذا السؤال أوجهه إلى كل امرأة مسلمة- ليس بقصد دس أنفي في حياتها، إنما بقصد لفت انتباهها إلى الجواب، ورغم أنني أعلم أن هذا السؤال من المفروض أن يطرح علينا جميعاً رجالاً ونساء، شباباً وكهولاً، أطفالاً وشيوخاً، إلا أنني اختصصت به المرأة المسلمة لسببين: أولهما لأنها نصف المجتمع عدداً، وكل المجتمع تأثيراً، إذ أنها هي التي تربي وتنشئ نصفه الثاني، أما ثاني السببين، فلأنني أعتقد أن بذلها لدين الله أضعف بكثير جداً من بذل الرجل الذي هو في الأصل ضعيف، وأن طاقاتها هذه المهدرة لابد أن تفعّل وبشدة! إنني أتخيل لو أن امرأة من كل مائة امرأة في أمتنا، التي يبلغ عددها ملياراً ومائتين وخمسين مليونا، بذلت ساعة واحدة للإسلام في يومها، لكان هذا كفيلاً بتغيير واقع أمتنا التعيس في وقت ليس بالطويل.



 

إن امرأة من كل مائة امرأة في أمتنا معناها 6,250,000 امرأة معناها6,250,000 ساعة بذل للإسلام في اليوم معناها 187,500,000 ساعة بذل للإسلام في الشهر معناها 2250,000,000 (ملياران ومائتان وخمسون مليون ساعة) بذل للإسلام في العام!!

 

من أيام العرب المشهورة في جاهليتهم الأولى يوم "ذي قار" يقول التاريخ إنه في هذا اليوم تناسى العرب خلافاتهم لمواجهة غزو الفرس الذي أغار على أرض الجزيرة بجيش كبير، والتفت القبائل في جبهة واحدة لصد هذا العدوان وكان قائدهم يومئذ القائد العربي حنظلة بن ثعلبة الذي أمر بقطع أحزمة الهوادج الموضوعة فوق ظهور الإبل، وأنزل النساء كي يمشين على الأرض وراء المقاتلين، ثم نادى في الرجال بصوت سمعه قلب الجيش وجناحاه: فليقاتل كل منكم عن حليلته!! وكانت هذه الصيحة كفيلة بإشعال الحماس وقتل كل تردد، فانهزم الفرس هزيمة نكراء وولوا مدبرين، وفي معركة أُحد خرجت نساء المشركين وراء الجيش الذي يطلب الثأر من هزيمتهم في بدر وهن ينشدن حاثات الرجال على الحرب:


إن تقبلوا نعانق

ونفرش النمارق!

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق!

 

لقد كان للنساء دور- كما نرى في كسب المعارك وكانت لهن- كما يظهر مما سردنا دراية بقضايا المجتمع كبراها وصغارها، إن المرء ليشعر بالإحراج والدهشة وهو يرى الضلال يرزق بنساء ينصرنه بحمية منقطعة النظير، ويتبنين قضاياه بقوة عجيبة في الوقت الذي يحرم فيه الإيمان من أمثال هؤلاء النسوة عددا ومثابرة!! إن التي أسقطت آخر معاقل الإسلام في الأندلس كانت "إيزابيلا" التي تكاتفت مع "فرديناد" على ذلك، و أبو لهب الذي نزلت فيه سورة المسد لم يكن الوحيد الذي وقف ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت معه امرأته التي ما فتئت تصد عن سبيل الله وتذم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضراوة وحقد! كانت المرأة تسمي الرسول "مذّمماً" لا محمداً!! وتقول: "مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا"، ومشت بهذا الهجاء المسعور في مجالس قريش تسفه وتتطاول وتبث الفتنة وتؤيد الكفر فنزل قوله تعالى فيها: "وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد"، والمرأة كانت من كبراء قريش، ولم تكن تشتغل بالاحتطاب وإنما شبه سعيها بالوقيعة والبذاءة وإيقاد العداوات ضد الإسلام بمن تحمل الحطب للوقود!! تخيلوا!!

 

في انتخابات من الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة كانت امرأة المرشح الديمقراطي تسعى بجبروت لنصرة زوجها، وظن الناس أنه لا محالة كاسب المعركة غير أنه انهزم وانتصر الحزب الجمهوري ، فإذا بالمرأة يخامرها الأسى، وحاولت أن تتغلب على آلامها بالخمر الذي ساقها إلى المستشفى لتعالج من إدمانه! لقد كانت تحاول نسيان الهزيمة، والطموح الذي انفرط عقده من يديها، والآمال التي كانت تبنيها خدمة لها ولزوجها ولدينها ولأمتها، لماذا لا تنشغل نساؤنا بخدمة المثل الإسلامية بهذه القدرة؟ ما الذي يمنعهن؟ وما الذي يشغلهن؟ وماذا يفعلن؟ وما الذي أصابهن؟ لقد كانت الأسرة الإسلامية كلها تهتم بشؤون دينها وقضاياه السياسية والعسكرية! ولم يكن هذا الاهتمام التقاط أخبار أو تسمع أنباء المعارك في شتى الميادين، بل قد يكون مشاركة شفهية من الأمهات والزوجات كتلك التي قامت بها نسيبة بنت كعب الأنصارية رضي الله عنها وأرضاها، فعندما ادعى مسيلمة الكذاب النبوة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه حبيب بن زيد- ابن نسيبة- ليتحدث معه ويستطلع خبره ويحاول رده إلى صوابه، وكان حبيب شاباً مؤمناً جريئاً، فلما رآه مسيلمة قرر قتله! فسأله أولاً: أتشهد أن محمداً رسول الله، قال نعم، قال أتشهد أني رسول الله! فتصامم حبيب، وأشار بوجهه لا أسمع، وكرر مسيلمة دعواه، وكرر حبيب رفضه الصامت المستهزئ المستكبر!

 

وهنا بدأ مسيلمة يقطع الشاب المؤمن عضواً عضواً، وكلما سأله ورفض الإيمان به قطع جزءاً من جسمه فلما استمر تقطيع الأشلاء ونزف الدماء فاضت روح الشاب الجلد وهو يحتقر الباطل ويعز الحق! ولما علمت أمه نسيبة بمصرع ولدها على هذا النحو نذرت ألا تغتسل حتى تثأر لولدها وحتى يقتل مسيلمة، وخرجت المرأة مع ابنها عبد الله واشتركت في معركة اليمامة وقاتلت جيش مسيلمة أشد قتال، وأصابها اثنا عشر جرحاً وهي مقدمة شجاعة، وقطعت يدها خلال المعركة الشرسة، لكن يد الله قتلت مسيلمة ومحت أكذوبته بالدم الغزير وانتصر الحق، وزاح الإفك وعادت نسيبة بعدما وفت

بنذرها····!

 

أكان أحد يستطيع ردها عندما خرجت؟ كلا لقد شهدت من قبل قتال أحد وشهدت بيعة الرضوان في عمرة الحديبية وشهدت فتح مكة ويوم حنين، ومن قبل ذلك شاركت في بيعة العقبة، إنها مثال عال للمسلمة المجاهدة التي شرفت أسرتها ودينها··· بمثل هذه المرأة المسلمة نريد أن تأتم نساؤنا، إن آخر من يحتاجه الإسلام وأمتنا تلك المرأة التي تقضي حياتها أمام المرآة لوضع المساحيق، أو تلك التي تهدر عمرها في الاطلاع على مجلات الموضة، والثرثرة في الهواتف، وليس لها من شغل ولا مشغلة غير أرأيتِ؟ أسمعتِ؟ أعلمتِ؟ إن للحياة في الإسلام معنى و هدفاً وللمسلمين في الحياة دوراً ورسالة، والتي تمضي حياتها فيما ذكرت آنفاً لا تعرف- أصلاً- لا معنى الحياة ولا هدفها في الإسلام، ناهيكم عن رسالتها فيها! وهذا شيء خطير!! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته·

 

عمرو خالد لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 2 يوليو 2005