ما هي حقوقي المادية مع زوجي؟

 لا أدري لماذا لا تؤثر مشكلة في نفسي وتثير دواعي أسفي وحزني كمشكلة الظلم الواقع على المرأة بسبب عمل المرأة، وما هذا الظلم إلا نتيجة لظلم سابق عندما كانت المرأة حبيسة البيت ورهينة قفص العبودية للرجل، فجاء الذين ادعوا أنهم يريدون تحريرها ففتحوا لها باب العمل والاستقلال عن الرجل، فدخلت منه ظانة أنها تلج باب الحرية فإذا هو باب ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب!



الأخت الكريمة، ذكرت في بياناتك أن موطنك الأصلي وبلد إقامتك هو بلد غربي، ولن آخذ هذا بعين الاعتبار؛ لأن مشكلتك مشكلة عامة عند النساء المسلمات في الشرق والغرب، وكذلك لن أناقش الوجه الخاص منها من أنك تعملين من البيت أي يأتيك رزقك رغدًا وأنت آمنة مطمئنة في بيتك تغبطك كثيرات من النساء، لكن سأناقش الأمر الأعم والأفدح أثرًا، وهو عمل المرأة خارج البيت، ومن العام نستطيع استنتاج الخاص وليس العكس: ذكرت في ردي: ملتزمة وتعمل: حيرتنا في سياق مضطرب "مشاركة"، أن أكثر مشاكلنا ناجمة عن تغييب الإسلام في مجتمعاتنا، وأهم هذه المشاكل وعلى وجه التحديد عمل المرأة، فهل عمل المرأة فُرض في الإسلام حتى يُسأل عنه الإسلام ويُطلب منه أن يوجد حلا لهذه المشكلة؟ أم أن عمل المرأة على الشكل الذي نراه الآن ليس إلا تقليدا غربيا صرفا، وعلى المرأة أن تتحمل كل ما تحملته المرأة الغربية في هذا السبيل وعليها أن تقبل بكل النتائج؟

لن نناقش الحالة الخاصة وهي التي لا ينازع أحد فيها عندما لا تجد المرأة من يعولها من زوج أو أقرباء -كأن تكون مطلقة أو أرملة ولا مورد لها ولا سند- أنه يجوز لها أن تعمل لتكسب قوتها بشرط المحافظة على آداب الإسلام، كأن لا تخلو بالرجال ولا تبدي زينتها لهم ولا تطمعهم في نفسها بمعسول القول أو مشبوه التصرف. بل سنناقش عمل المرأة بشكل عام من وجهة نظر الإسلام ومن وجهة نظر الغرب، ولنر أيها تنطبق علينا، ثم لنلجأ إليه ليحل هذه المشكلة:

1-     فلسفة الإسلام: في أن البنت والمرأة بوجه عام لا يصح أن تكلف بالعمل لتنفق على نفسها، بل على أبيها أو أخيها أو زوجها أن يقوم بالإنفاق عليها لتتفرغ لحياة الزوجية والأمومة، وآثار ذلك جلية واضحة في انتظام شؤون البيت والإشراف على تربية الأولاد وصيانة المرأة والمجتمع من عبث العابثين وهوى نفوس الماكرين.

2-     فلسفة الغربيين: في أن البنت متى بلغت سنا معينة -وهي في الغالب 17 أو 18 سنة- لا يجب على أبيها أو أقربائها الإنفاق عليها، بل يجب أن تفتش عن عمل لها تعيش منه، وقد تدخر منه ما تقدمه بائنة "دوطة" (الدوطة عند النصارى: مال تدفعه المرأة لمن أراد نكاحها لكي ينتفع من ريعه في حياتهما الزوجية) لزوجها المرتقب. فإذا تزوجت كان عليها أن تسهم في نفقات البيت والأولاد، فإذا شاخت وكانت لا تزال قادرة على الكسب وجب عليها أن تستمر في العمل لكسب قوتها ولو كان ابنها من أغنى الناس، وآثار هذه الفلسفة واضحة في تهدم الأسر، وتفكك المجتمع، وتدهور الأخلاق.

يقول الدكتور البوطي: "النظام الغربي يدفع المرأة إلى العمل بسائق مهين من الحاجة والضرورة، فليس لها إلى ذلك خيار وليس لها عن ذلك بديل. ولذلك فقد رأينا كيف تزهق المرأة الغربية أنوثتها من وراء كد يمينها، وكيف تُفصل عن صغارها في سبيل أن توفر لقمة عيشها، وهذا وحده هو المعنى المهين والمرذول لعنوان: التحرر الاقتصادي الذي يُخدع به عندنا المغفلون والمغفلات.

أما النظام الإسلامي فيكفي المرأة حاجاتها أولا، ثم ييسر لها الأنشطة والخدمات الاجتماعية ثانيا؛ كي تملك أولا الخيار أن تعمل أو لا تعمل، ثم كي تملك الخيار ثانيا في انتقاء ما يناسبها من الأعمال، ثم لكي تملك الخيار ثالثا في أن تقصد من عملها خدمة المجتمع والمساهمة في رعايته وإصلاحه.. وهذا وحده هو المعنى السامي والمشرف لعنوان: مسؤولية الرجل أبا أو زوجا عن كفاية المرأة وسد حاجاتها".

والسؤال الذي يُطرح الآن: من يستطيع أن يقول بأننا نتبع فلسفة الإسلام في عمل المرأة؟ ومن ذا الذي لا يرى بكل وضوح أننا سائرون على خطا الغرب حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه بعدهم؟! لذلك عندما حذر المصلحون الأوائل في القرن الماضي من أمثال الإمام حسن البنا والدكتور مصطفى السباعي –رحمهما الله- وغيرهما من مغبة عمل المرأة واتباع سنن الغرب كان لهم كامل الحق، وهانحن نرى بأنفسنا نتيجة عدم الإصغاء لتحذير هؤلاء المخلصين من فساد النيات في التعامل بين الرجل والمرأة وما جره الاختلاط من مآس وخراب بيوت، ويكفي استقلال المرأة عن الرجل ماديا لتشعر أنها لم تعد بحاجة لقوامته عليها وأن كونها تنفق على البيت فلها الحق في أن تكون القوامة بيدها إلى غير ذلك مما نسمعه من نعيق الغربان المتأثرين بأفكار الغرب، والذين لن يهدأ لهم بال ما لم يجدوا بيوتنا خرابا يبابا كبيوت الغربيين!

وهنا يجدر القول: إن شعور الرجل ليس بأفضل من شعور المرأة إذ هو يظن أن هذه القوامة هي حق له، وأنها قوامة تحكّم وتسلط فيستغل هذا الحق ليزيد من تضييق الخناق على المرأة فتصبح هي ومالها رهن تصرفه، أما الحقيقة فالقوامة هي حق من حقوق المرأة على الرجل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون! قال تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" (النساء: 34)، فمن يظن أن هذا التفضيل المذكور هنا في الآية هو بسبب قوة الرجل الجسدية فهو مخطئ إنما هو حاجة المرأة النفسية للدعم العاطفي الذي لا تلقاه إلا عند زوجها حتى لو كانت لاعبة "كاراتيه" أو "مصارعة حرة"!

والإنفاق واجب من واجبات الرجل؛ لأن الذي أرسى هذا التشريع هو الذي جبل المرأة بالنسبة لزوجها أن تكون محل حماية ورعاية لا موئل (ملجأ) حماية ورعاية. فالمرأة عندما تجد نفسها المنفقة على بيت الزوجية تظن أن من ينفق يُشرِف، وهي لذلك صاحبة النفوذ والسلطان فيه، وبالتالي سوف ترى زوجها –من هذا المنظور النفسي الجديد- طفلا يافعا كبيرا يحتاج حماية منها، ولن تجد فيه رجلها الذي تحتاج إلى حمايته! يؤسفني أن أقول بأننا وقعنا رجالا ونساء بين حجريْ رحى، فلا نحن نستطيع الإفلات من هذا الوضع المؤلم ولا نحن نملك تحسينه على مستوى المجتمع ككل؛ لأن المجتمع ليس بأيدينا وإنما هو بأيدي المتحكمين الفعليين في مصائر الشعوب، وما دام الاقتصاد لعبتهم فالمجتمع لعبتهم كذلك، وريثما يتم تفعيل فئات المجتمع المدني على أساس إسلامي -ولو أنني أرجو ألا تكون هذه العبارة الأخيرة مجرد حلم- لا يمكننا فعل أي شيء إلا الرجوع إلى الله سبحانه واتباع نهج التقوى في تعاملنا مع بعضنا.

فبالنسبة لمشكلتك يا أختي العزيزة لا يحق لزوجك أن يمد يده على قرش واحد مما تملكين بدون رضى نفسك، وله أن يمنعك من العمل إذا كان يرى أن خروجك إلى عملك يؤثر سلبا على مهمتك الأساسية في البيت، ولا يحق لك أساسا أن تخرجي للعمل إلا بإذنه، وهذا الشرط منفي في حقك لأنك تكسبين مالا دون أن تخرجي من بيتك. وما بينته هو حكم الشرع، ولا يحق لي أن أجاملك أو أجامل زوجك، إنما الإسلام أكد على استقلالية المرأة عن الرجل في حقوقها المدنية العامة، معلنا حريتها التامة في التصرف بأموالها دون وصاية من أحد عليها ما دامت رشيدة متحررة عن عوامل الحجر والوصاية، وكفى بهذه الآية القرآنية إعلانا لهذا الاستقلال:{وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}، إضافة إلى الآيات الأخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"، "وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}.

ولذلك سؤالك: ما هو حقي من هذه الأموال؟ هو خطأ أساسا لأن هذه الأموال كلها حقك، ويجب على زوجك أن يعلم هذا بكل وضوح، فتتفقان على مبلغ تنفقينه في البيت أو تساعدينه في رفع هذه الديون عنكم، وإن كنت لم تذكري مصدرها اللهم إلا إذا كان مهرك مرتفعا وتكاليف حفل الزواج مرهقا، وهذا لا يتناسب مع بياناتك؛ لأن من تنشأ في بلد غربي ومع ذلك تحافظ على أسوأ العادات الشرقية وهو ارتفاع المهر وحب المظاهر لم تستفد على ما يبدو لا من الغرب ولا من الشرق.

الحل في رأيي أن تكوني أنت وزوجك على مستوى من تقوى الله فيحافظ أحدكما على حق الآخر كأنه يحافظ على حقه هو نفسه، وإذا كنت قد أمنت زوجك على نفسك وقلبك وجسدك؛ لأنه تقي يخاف الله إذا أحبك أكرمك وإذا كرهك لم يظلمك، فما المانع أن تأمنيه على بعض مالك؟! رضي الله عن أم المؤمنين عائشة عندما قالت: "الزواج رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته" فهل وضعك أهلك في مكان أمين؟ إذا كنت تشكّين في هذا فعليك أن تأخذي حذرك من البداية وتفصلي مالك عن مال زوجك دون أن تتأخري في مساعدته إذا احتاج، فقد روى ابن ماجه في سننه أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود كانت من صناع اليدين -أي ذات مهنة ترزق منها- فقالت: يا رسول الله إني امرأة ذات صنعة أبيع منها، وليس لي ولا لزوجي ولا لولدي شيء.. وسألته عن النفقة عليهم فقال: "لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم".

أما كيف السبيل إلى ذلك كي لا يتسبب في مشاكل بينكما؟ فهذا ما لا أستطيع أن أوضحه لك لأنه زوجك وأنت أدرى به مني، وإذا كنت مقتنعة أن هذا المال حقك فلماذا تستحين من المطالبة به؟ ولماذا سمحت له من البداية أن يكون هو المتصرف به؟ سبيلك الوحيد إلى تجنب المشاكل في كل أمر هو الحكمة والمرونة والتفاهم، وليس هناك نزهات جماعية إلى مدينة التفاهم الواعدة لأدلك عليها، فتوكلي على الله وأحسني التصرف مع زوجك، وإذا اضطررت إلى إدخال شخص حكيم من أهلك ليقف إلى جانبك إذا أحسست ظلما فلا تتأخري، فأن تحكِّمي في أمرك أحدا من البداية خير من أن تتفاقم حدة هذا الخلاف لينتهي الزواج بالفشل لا سمح الله.

تذكري أن كل ما تنفقينه عليه برضاك هو صدقة منك، وإذا كنت مُكرهة على الإنفاق فأنا أخشى ألا يكون لك أجر فيه لحديث: "رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وعندنا صفحة الفتوى يمكنك أن تستشيرهم لعلهم يفيدونك أكثر في هذا الموضوع، وأرجو أن تعودي إلى إجابة مشكلة عنوانها: "الإسلام هل ظلم المرأة أم أنصفها؟"؛ لأن فيها ما يفيدك خاصة من حيث الإنفاق المشترك.

أخيرا.. لا أجد خاتمة أفضل لردي هذا مما ذكرته الكاتبة الفرنسية "فرانس كيري" في محاضرتها "ماذا تريد النساء؟" لعل فيه العظة، والعاقل من اتعظ بغيره: "إن المرأة الغربية تفقد حق المساواة المهنية، وحق الكرامة الزوجية أو المنزلية. إنه مع تساوي المؤهلات فإن المرأة لا تجد نفسها إلا في وضعية جائرة تتمثل في أعمال أكثر رتابة وسلطات أقل وأجر أدنى، ويبرر هذا العنف بعلة انصراف المرأة إلى مهامها العائلية التي تجعلها أقل قدرة على أداء مهنتها". ثم تمضي الكاتبة فتتحدث عن مأساة المرأة الغربية في فقدها لحق الكرامة الزوجية فتقول: "لماذا يفشل الكثير من الأزواج والزوجات ويكفون سريعا عن التحاب؟ ذلك لأن علاقاتهم تقتصر على علاقة ما بين المسيطر والمسيطر عليه. فالرجل يأمر والمرأة تطيع، لكن ما من شيء هو أكثر تقويضا من سلطة مجمدة.. إننا غالبا ما نشاهد هذا المخلوق الحر -المرأة- يتحول إلى عبد، وهذه الوظيفة تتحول إلى عبودية، وهذه التلقائية تتحول إلى يأس وقنوط".

وتتساءل الكاتبة: "وعلى من يقع الذنب؟"، وتجيب قائلة: "إننا نتطلع إلى وجه آخر من وجوه الحضارة أحنى على المرأة وأكثر رعاية لحقوقها.. ذلك لأن المكتسبات الشخصية المحددة لم تغمرها بأي نعيم.. إنها ستظل مضطهدة ما لم يُعَد النظر في طريقة حياتنا وفي ثقافتنا، وعاجلا لا آجلا". هل كانت تقصد هذه الكاتبة في قولها وجها آخر من وجوه الحضارة هو الإسلام؟ ولو لم تكن تقصد ألسنا نحن نعرف أنه ما من دين سماوي ولا مبدأ أرضي رعى المرأة كالإسلام؟ فهل ترانا نعود إليه يوما؟ أرجو ذلك، وهي الأمنية الدنيوية الوحيدة لي، لعل الله يكرمني برؤيتها حقيقة قبل أن يواريني الثرى.

منقول

 

موقع الأسرة السعيدة