ما هي الصفقة

التبادل والصفقة

نبيل حاجي نائف

إذا كنت بحاجة لشيء ما أو رغبت به فسوف تسعى للحصول عليه , وهذا يكون إما بالعمل على تحضيره أو صنعه , أو بالقوة والصراع , أو بالسرقة والاحتيال.أو ( بالتبادل ) أي إجراء صفقة مع الآخرين , أو بالتعاون مع الآخرين لتحقيقه . ففي الصفقة تقدم أشياء وتأخذ أشياء , وتتبادل شيئاً مقابل شيء (أي أنك تدفع الثمن)



 فالتفاوض والمساومة وإجراء الصفقة هو محاولة الحصول على الشيء المطلوب من الآخر ببديل مناسب متوفر لدينا ويقبل به الآخر , وتحقيق المساواة ليس ضرورياً . يمكن أن يحدث عدم مساواة في الأخذ والعطاء ولكنه يكون مقبولاً من القائمين بالصفقة . فعدم المساواة لا يمنع من إجراء الصفقة . والصفقة يمكن أن تجري فيما بين الأفراد , أو بين الفرد والمجتمع , أو بين الأفراد والطبيعة( مثل الزراعة) . والتجارة هي المثال الواضح على الصفقة . وفي الصناعة تحدث الصفقة أيضاً ولكن بشكل معقد, وكذلك في الحياة الاجتماعية وفي السياسة.

إن الصفقة تمارس لتحويل الصراع والتنافس إلى مشاركة وتعاون واتفاق وحذف أكبر كمية من الخسائر و جعل الجميع يستفيدون أو يربحون , فالصفقة تعتمد التفاوض والمشاركة والتعاون ويراعى أن تكون المكاسب متوازنة وموزعة على الجميع, فالصفقة تسعى لتحقيق حاجات وأهداف القائمين بها.
التبادل
إن التبادل يتضمن إعطاء شيء مقابل شيء , عطاء وأخذ أو أخذ وعطاء , وليس هناك تبادل بالعطاء فقط أو بالأخذ فقط . فالسرقة والسلب ليسا تبادلاً فهما أخذ فقط , وكذلك التبرع و التصدّق وتقديم المساعدة (مع أنهم عطاء مادي مقابل أخذ معنوي ) ليس تبادلاً فهم عطاء من جهة واحدة , وكذلك كل إجبار على العطاء دون الأخذ أو العكس ليس تبادلاً وبالتالي لا ينشئ صفقة , لذلك لا تنطبق عليه صفات وخصائص الصفقة.
إن التبادل من أهم آليات تشكل البنيات نتيجة مشاركة بنيتين أو أكثر في الأخذ والعطاء , فالتبادل هو الذي ينشئ التجاذب وبالتالي الترابط . أن ما معي يجذبك لكي تأخذه وتضمه إليك , وكذلك ما معك يجذبني لكي أخذه , وهذا ينشئ قوى تؤدي إلى إجراء التبادل . وبعد إجراء التبادل ينتهي التجاذب , إلا إذا كانت هناك قوى لتبادل جديد . فتكرار الأخذ والعطاء لا بد منه لاستمرار التجاذب.
إن الأخذ والعطاء أو تبادل البنيات هو أساس تشكل وترابط البنيات في المجال الفيزيائي , فالقوى الأربعة النووية القوية , والنووية الضعيفة , والكهرطيسية , والجاذبية , هم أساس تشكل وتماسك كافة البنيات الفيزيائية , فكل البنيات في هذا الوجود تشكلت بناءً على تأثير هذه القوى . وهذه القوى الأربعة كلها تنشأ نتيجة تبادل ( أخذ وعطاء ) لبنيات جزئية . فقوى تماسك البروتونات مع بعضها ومع النيترونات في النواة , تنتج عن تبادل ( الغليونات ) وهي التي تشكل القوى النووية القوية , وتنتج القوى النووية الضعيفة عن تبادل (جسيمات w   , Z) , وكذلك تنتج القوى الكهرطيسية عن تبادل الفوتونات وهذا ينتج الذرة وخصائصها الفيزيائية والكيميائية, وكذلك تنشأ قوى الجاذبية نتيجة تبادل (الغرافيتونات) كبنيات جزئية . وكافة التفاعلات الكيميائية تعتمد على تبادل أو مشاركة الالكترونات , وهذا يعني أن التبادل أو الصفقات تجري في المستوى الفيزيائي والمستوى الكيميائي
والأخذ دون العطاء أو العطاء دون أخذ بين بنيتين لا ينشئ بنيات جديدة , فالأخذ دون العطاء يجعل البنية المأخوذ منها تتناقص إلى أن تضمحل أو تنهار وتتفكك , يمكن أن يحدث انجذاب مؤقت , ولكنه سوف يتوقف بعد نفاذ ما يمكن أخذه كما في الافتراس والسلب والسرقة . وكذلك العطاء دون الأخذ ينتهي بعد فترة ولا يستمر.
أنواع وأشكال الصفقات
هناك نوع من الصفقات أو التبادلات يحدث بين عدة بنيات , ثلاثة أو أكثر , ويكون الأخذ والعطاء في هذه الحالة ليس بين بنيتين فقط , فكل بنية تأخذ من بنية وتعطي لبنية غيرها , أي لا تعطي لنفس البنية التي أخذت منها , وهنا يمكن أن تتكون لدينا سلسلة مترابطة من البنيات . ويمكن أن تتشكل في بعض الأحيان من سلسلة الترابط حلقة مغلقة من التبادلات المتسلسلة المتكررة, وعندها تتشكل بنية جديدة نتيجة ذلك وهناك أمثلة كثيرة: دورات الطبيعة والبنيات الاجتماعية والاقتصادية البسيطة.
وهناك نوع ثالث من تبادلات ( أو الصفقات ) وهي التبادلات الجماعية المشتركة وغير المتسلسلة للبنيات والخدمات, كما في المجتمع أو أي بنية معقدة أخرى فالكل يأخذ ويعطي بشكل متداخل , وهنا تنشأ الوظيفة أو الدور . وعندما يتوازن وينتظم الأخذ والعطاء تتكون بنيات اجتماعية جديدة , وهذا النوع من التبادلات يكون متغيراً ومتحركاً ومعقداً وبالتالي متطوراً, ويجب أن يكون هذا التحرك ضمن حدود تتحملها ترابطات البنيات المشاركة في هذه التبادلات , وانهيار وتفكك هذه البنيات مرتبط بقوة الرابطات وتماسكها . وغالبية البنيات الاجتماعية يصعب إنهيارها أو تفككها بسهولة , ولكي يحدث ذلك يجب حدوث تناقضات كبيرة وواسعة في الأخذ والعطاء, أي تضارب وظائف وأدوار البنيات الداخلية . لقد تصور روسو وغيره هذه الصفقة الواسعة على شكل عقد اجتماعي بسيط ولكنه كان أعقد بكثير مما توقعوا فهو من أعقد الصفقات.
 أسباب ودوافع المبادلات بين البشر
أن قدرات البشر المختلفة والظروف المختلفة لا تسمح لهم بالحصول على كافة حاجاتهم بسهولة متساوية , فالقدرة على إنتاج السلع والخدمات ( أو توفرها ) غير متساوية لدى البشر . فالإنسان الذي يسهل عليه الإنتاج الزراعي يمكن أن يصعب عليه الإنتاج الصناعي . فلكل إنسان قدراته وظروفه التي تؤهله أو تسمح له بإنتاج أو امتلاك سلع أو خدمات دون أخرى . وكذلك الجماعات والدول لكل منها قدراتها وظروفها التي تحدد إنتاجها وامتلاكها للسلع والخدمات . وهذا ما يستدعي الحاجة للمبادلة فيما بينهم.
ويجب لكي تجري مبادلة أن تختلف شدة الحاجة إلى البنيات المراد تبادلها , بالإضافة إلى اختلاف الكم المتوفر منها , بين القائمين بالمبادلة و إلا لن تجري مبادلة . فتوفر الهواء أو الماء المتاح للجميع , مع أن الجميع بحاجة إليهم لا يستدعي إجراء مبادلة بهم . وكذلك إذا كان لدي نقود ولديك أيضاً نقود ونحن معاً بحاجة إلى طعام فلن تجري مبادلة النقود بيننا . ونسبة توفر السلع بالإضافة إلى درجة الحاجة لها يقرران شكل وطبيعة المبادلة .
التبادل قبل ظهور السوق
" إن السوق هو نظام توزيع وتبادل , ولكن هناك نظماً أخرى غيره , والحقيقة أن السوق في معظم التاريخ البشري لم يكن إلا وسيلة ثانوية للتوزيع والتبادل . فقد اعتمدت معظم المجتمعات الغابرة على أنظمة للتبادل أطلق عليها بعض علماء الأنثربولوجيا اسم ( الإنتاج العائلي) و ( التبادل المشترك ) و ( إعادة التوزيع ) . وقد حل السوق في المجتمع الرأسمالي الحديث محل معظم هذه الأشكال . فنظام الإنتاج العائلي من أقدم أشكال التبادل . وتذكرنا العبارة التي يتم بها توزيع السلع في الأسر المتوسطة إلى يومنا هذا تقريباً , وإن كانت أعم في المجتمع الزراعي التقليدي .
فالكل يعمل , والكل يشارك في ثمرة العمل , وهذا النظام معقول لنا في الأسرة . فلا يخطر ببال الوالدين أن يمتنعا عن إطعام أولادهم لأنهم يعملون أقل , ولا يحتاج الأولاد إلى شراء معيشتهم اليومية أو مقايضتها , فهذا شيء متوقع , ولا تقترن الأسعار بالسلع والخدمات , وإنما يؤدى العمل ويستفيدا "  
إذا طبقنا مفهوم الصفقة والتبادل والأخذ والعطاء على ما ذكر نجد أنه لا بد من حدوث أخذ وعطاء لكي تتم أي صفقة . ولابد من وجود بنيتين (أو أكثر) يجري التبادل بينهما لإنجاز الصفقة , ولكن في حالة وجود بنية واحدة فلا مجال للصفقة ( لا يجري الإنسان صفقة مع نفسه) , وبدلاً منها يكون هناك أنظمة أو قواعد تضبط وتنظم العلاقات ضمن هذه البنية , وهذه القواعد تكون قد نشأت أثناء تشكل هذه البنية نتيجة مشاركة وصفقات بين البنيات الجزئية التي كونت هذه البنية . ولكن بعد تشكل تلك البنية تصبح الصفقات الداخلية مقننة ضمن قواعد محددة معتمدة لا تخرق و إلا تفككت البنية أو ضعفت .
ما هو العرض والطلب ؟
إنه تبادل المعروض مقابل المطلوب , وكل من يقوم بالتبادل يقوم بالعرض والطلب معاً , فالتاجر يعرض البضاعة أو السلع مقابل ( أو يطلب ) النقود , و الزبون يطلب البضاعة ويعرض النقود مقابلها.
في السوق عندما يزداد أو ينقص ما هو معروض عن ما هو مطلوب , تنشأ عوامل أو قوى تعمل على توازن المعروض مع المطلوب . والعرض والطلب هما النواة التي تشكل منها السوق.
إن زيادة الحاجة لشيء ما يزيد الطلب عليه , وكذلك العكس فانخفاض الحاجة لشيء يخفض الطلب عليه . هذه الآلية هي التي تنمي وتطور البنيات الاجتماعية والاقتصادية فزيادة الحاجة لأشياء معينة تؤدي إلى زيادة الطلب على هذه الأشياء , فهناك ارتباط بين الحاجة والطلب , وبالتالي ارتفاع إنتاج هذه الأشياء, وهذا يساعد في نمو وتطور هذه البنيات الاجتماعية بما فيها الإنسان .
وبالنسبة لنا نحن البشر ولأننا نحيا حياة اجتماعية فكل نشوء لحاجات جديدة لفرد أو لجماعات يولد قوى لإنتاج هذه الحاجات وهذا يؤدي لنمو أو تطور الأفراد والجماعات نتيجة لتلبية حاجاتها.
أن التبادل وإجراء الصفقات يحقق ويؤمن حاجات القائمين بها والدور الهام للصفقات هو تحقيق النمو ( أو الربح ) للبنيات القائمة بها , فعندما يتوفر فائض من أشياء أو سلع معينة لدى شخص ما وهو ليس بحاجة لها , ويجد من يطلب هذه الأشياء لأنه بحاجة إليها ويقدم أشياء مقابلها مفيدة , عندها سوف يرحب الاثنان بالمبادلة ويستفيدان معاً .
والأمر الهام في الصفقة هو: أنه يتم تحويل شيء أو سلعة إلى شيء أو سلعة أخرى , أي يحول الشيء غير المفيد إلى شيء مفيد , وهذا يساهم في النمو والتطور للقائمين بالصفقة .
والتبادل لا يحدث فقط للسلع بل للخدمات أيضاً , فالتاجر في الواقع يقدم الخدمات أيضاً فهو يسهل وصول السلع من المنتجين إلى المستهلكين ويساعدهم في تحقيق صفقاتهم , وهناك الكثير من الصفقات التي يسهلها الوسطاء, وتوجد بأشكال كثيرة.
وللمعرفة والمعلومات دورهم الهام في التبادل وإجراء الصفقات , فمعرفة مصادر السلع وخصائصها وأسعارها, وكذلك معرفة من بحاجة إليها يساعد كثيراً في إجراء الصفقات.
الصفقة والعرض والطلب
إن الذي يسعى ليحقق مطالبه أو ليفرض خياراته وأهدافه على الآخرين يجب عليه أن يعطي , أي يبذل الجهد أو المال لكي يحقق ذلك . فالذي يعرض سلعته أو بضاعته للبيع وهو مضطر لذلك إنه على الأغلب سوف يبيعها بسعر أقل , أي أنه لا يستطيع بيع سلعته بنفس ثمنها إذا كان هو طالب البيع . ففي حالة عرض عليك بائع سلعة وهو شديد الرغبة في بيعها فإنك على الأغلب سوف تشتريها بسعر أقل مما لو كنت أنت ترغب بشرائها ولم يقم البائع بعرضها عليك . فالذي يريد أن ينفذ خياراته أو دوافعه يجب أن يدفع مقابل ذلك . وهذه الظاهرة يعرفها التجار تماماً ويستغلونها بفاعلية ، فيجعلون المشتري يظن أنه يحقق خياراته هو، وأن البائع لا يسعى إلى فرض خياراته لكي لا يدفع الثمن أي أن البائع ليس مدفوعاً أو مجبراً على بيع بضاعته بل الزبون هو المدفوع لشراء حاجته وبالتالي عليه هو دفع ثمن الأعلى , فبواسطة التلاعب بالعرض والطلب يحقق التاجر المكاسب بجعل الزبون يدفع مقابل تحقيق خياراته . طبعاً هناك أيضاً آليات وعناصر كثيرة تتحكم بالعرض والطلب والبيع والشراء.
المهم أن ينظر إلى الصفقة بكافة نتائجها وليس لنتائجها الأولية فقط فالصفقة التي تحقق رضا طرف مع بقاء الطرف الآخر غير راض عنها , ليست جيدة لأن تلك البقايا يمكن أن تؤثر في المستقبل بطريقة سلبية وتجعل النتيجة النهائية للصفقة سيئة , فالصفقات التي تستعمل الغش والاحتيال الذي لابد أن يكشف في المستقبل هي صفقات سيئة.
إن الصفقات لا تساعد وتنمي فقط البنيات التي تقوم بها بل هي أساس بناء وتشكل البنيات الجديدة من البنيات الموجودة , فللصفقات دورين هامين جداً:
الأول : تنمية وتطوير البنيات القائمة بها والمساعدة في نموها وتكيفها أو استمرارها.
والثاني : تشكيل بنيات جديدة مؤلفة من البنيات القائمة بالصفقة , فالصفقة تنشئ قوى ترابط وتماسك للبنيات القائمة بها , لذلك كانت الصفقات أهم بكثير مما نتصور.
الصفقات الإجبارية أو المفروضة
إن كل من يملك قوى كبيرة إن كانت قوة سلطة أو قوة جسمية أو عسكرية..., يمكنه أن يستخدمها في صفقاته مع الآخرين , فهو ليس بحاجة إلى تقديم نقود أو أشياء عينية أو خدمات ليجري المبادلة فلديه تلك القوى التي يستطيع استخدامها في إجراء صفقته .
ففي حالة السلب أو النهب تستخدم القوة أو الخديعة... لغرض الأخذ فقط ( لأن الصفقة لم تعد موجودة ) , فالقوة هي مقابل ما يأخذ , والطرف الثاني في هذه الحالة لا يأخذ شيء و يعطي مجبراً .
فالاستبداد والطغيان والديكتاتورية من المسببات الصراع الأساسية في المجتمع لأنها تلغي الصفقات المتوازنة.
لقد سعت العقائد والأديان والعادات والأعراف الاجتماعية وكذلك التشريعات والقوانين وأيضاً المعارف والعلوم , لكي تكون ضامنة وحامية ومنظمة للصفقات التي تتم بين البشر أو بين بنيات المجتمع . وكانت العقائد والتشريعات فعالة في تنظيم وضمان الصفقات بين البشر , مثل صفقات البيع والشراء وصفقات الزواج وباقي الصفقات الاجتماعية
تأثير الصفقات على بعضها
يمكن تشبيه الصفقة بدارة كهر بائية مغلقة ( أو أي دارة سيالات ) فالصفقة الثنائية تكون دارة بسيطة واضحة , ويمكن أن تحدث تأثيرات بين الصفقات وهذا يشابه اتصال الدارات الكهربائية مع بعضها , وهناك عدة طرق وعدة أنواع من هذه الاتصالات . ولكن في حالة الصفقات فالأنواع وعدد طرق الاتصالات تكون أكثر من حالاتها في الدارات الكهربائية وكذلك أعقد منها.
و مثال على تأثير الصفقات على بعضها البعض هو السوق, فتعدد البائعين والشارين و بالتالي تعدد الصفقات بالسوق يؤثر كثيراً على هذه الصفقات و يجعلها مختلفة عنها فيما لو كانت كل صفقة هي صفقة منفردة ومستقلة خارج السوق , ودخول وسيط أو غيره على صفقة يزيد من عناصرها الأساسية و تصبح مؤلفة من ثلاثة أو أربعة أو أكثر و هذا يغير من خصائصها . و أعقد مثال على تأثير الصفقات على بعضها أو تداخلها مع بعضها هو التفاعلات الاقتصادية الدولية فهناك الصفقات الثنائية و الثلاثية و المتعددة الأطراف والتي يوجد فيها الكثير من الأنواع و الأعداد وتتداخل مع بعضها.
الصفقة السيئة
 عند القيام بالصفقة يمكن أن تحدث عدة أمور تؤدي إلى إرباكها وتصبح سيئة ويخسر الطرفان أو أحدهم ، فالصفقة التي تتم بعد خصام وصراع هي على الأغلب خاسرة للطرفين .
صفات الصفقة الخاسرة
1.       يطلب أحد الطرفين أو كلاهما المكاسب أو الربح غير الواقعي وغير المتاح.
2.        يتم صرف مجهود ووقت ومواد إضافية زائدة في مجال غير مناسب وغير متفق مع خصائص وأوضاع الصفقة.
3.       يسبب أحد الطرفين أو كلاهما الانزعاج أوالضرر للآخر, وبالتالي يجعله يسعى إلى تعويض هذا الإزعاج عن طريق زيادة مطالبه أو أرباحه في الصفقة والتي لا يمكن أن تتحمل ذلك ، وبالتالي يؤدي هذا الوضع إلى صعوبة إتمام الصفقة ، ويصبح على الطرفين تحمل بعض الخسائر بدلاً من الأرباح المتوقعة.
لذلك يجب أن لا يحدث هذا أثناء إتمام الصفقة لأن هذا ينعكس على الطرفين سلباً , ويمكن أن يحول الصفقة إلى صراع . أي يعيدنا إلى الخلف , فنحن نريد ونسعى إلى تحويل الصراعات إلى صفقات وليس العكس.
إن سعة أفق ومعارف الطرفين ونظرتهما الواقعية والعملية للأمور تمكّن من إتمام الصفقة الجيدة بأكبر مكاسب للطرفين وأقل خسارة ، ونحن نشاهد ما يثبت ذلك أثناء صفقاتنا التجارية أو غيرها من الصفقات ، فمثال : الزبون دوماً على حق يطبقه التاجر الناجح فهو يجعل هدفه إرضاء متطلبات ورغبات الزبون (الممكن إرضاؤها) بغض النظر عن طبيعة هذه الرغبات.
الأخذ دون مقابل والعطاء دون مقابل , والصفقة غير المتوازنة
إننا نلاحظ أن السرقة والاحتيال والغش والخداع والسلب...... هي أعمال تؤدي إلى أخذ دون مقابل أو أن ما يؤخذ لا يتوازن مع ما يعطى ، أي أن هذه الأعمال تؤدي إلى إلغاء الصفقات أو إقامة صفقات غير متوازنة، وبالتالي تكوين خلل ونشوء قوى ومؤثرات ترد على الخلل لإعادة التوازن .
لا يمكن الأخذ بدون مقابل دون حدوث خلل إلا إذا كان هناك فائضاً كبيراً أو أن الأخذ لا يحدث إخلالاً بالتوازن ولا ينشئ قوى ترد عليه ، و إلا يجب التعويض عما يؤخذ بطريقة من الطرق ، وبآلية مناسبة وعناصر مناسبة لكي يبقى الوضع مستقراً ولا تنشأ قوى وأوضاع تهدد الاستقرار . وهذا يشبه توازن الشحنات في الكهرباء، فعند أخذ شحنة كهربائية من بنية معينة سوف ينشأ إخلال في توازن وأوضاع وترتيب الشحنات في هذه البنية ، وسوف تنشأ قوى وتيارات تسعى إلى إعادة توزيع الشحنات وتحقيق التوازن ، وهذه القوى والتيارات سوف يكون لها تأثيراتها على كافة الشحنات الموزعة في البنية، وبالتالي تتغير خصائص هذه البنية .
فنحن إذا أخذنا من أية بنية متوازنة جزأً منها سوف يختل توازن هذه البنية في أغلب الحالات، ولإعادة التوازن يجب التعويض المناسب بالقوى والعناصر عما أخذنا , هذه الحالة لها ما يشابهها في العلاقات البشرية ، ولكن بشكل معقد ومتداخل لوجود آلاف التوازنات العاملة عند الأخذ والعطاء ، يمكن إعادة التوازنات المختلة إلى توازنها بطرق وآليات كثيرة ومتنوعة.
كشف وتحديد الصفقة
إن المساواة, العدالة, الظلم, الإنصاف, الاستحقاق, الربح, الخسارة, الثقة أو عدم الثقة, إخلاف الوعود, الكذب, الاحتيال... كلها مفاهيم تابعة ومتعلقة بالصفقات .
لذلك كلما مر معنا أحدها , وفي أي وضع أو علاقة كان , فمعنى ذلك أن هناك صفقة جارية ويجب إظهارها وتوضيحها لكي يتم التعامل معها بفاعلية وبشكل مناسب وذلك بالسعي إلى تحقيق توازنها.
فوجود الصفقة يقتضي وجود أطرافها , وبالتالي يجب تحديدهم وتعيين خصائصهم, وكذلك يجب تحديد نوع وطبيعة الصفقة الجارية , ثم السعي لتحديد الشروط والاحتمالات الممكنة أو المتاحة لتوازن هذه الصفقة.
عوامل عدم توازن الصفقات
إن الصفقة تتزن إذا تحقق رضا أطراف الصفقة , والصفقة المتزنة لا تنتج أو تخلّف قوى تحدث صراعاً أو تؤدي إلى صراع في المستقبل ،أي القوى الناتجة هي إيجابية . فهي تنتج قوى تسعى إلى تكرار مثل هذه الصفقة.
وليس ضرورياً أن تكون الصفقة المتزنة متساوية أو متكافئة واقعياً , المهم أن تحقق رضا الأطراف، وأن لا تخلّف قوى مستترة مخفية ضارة. وأهم العوامل التي تمنع توازن الصفقة أو تعيق توازنها هي:
1.       عدم المعاملة بالمثل (الكيل بمكيالين ) أفضلية "الأنا أو النحن " دوماً. إن تباين أو اختلاف التقييم عند القائمين بالصفقة أو الكيل بمكيالين له أسبابه ، فأحياناً ما يقيم أحد الأطراف أو كلاهما ما لديه بقيمة أعلى مما يستحق ، مقارنة بما لدى الآخر، لأنه فعلاً يشعر بقيمة أكبر لما لديه ، فهو يشعر بالجهد الذي بذله لتحقيقه بالإضافة إلى شعوره بانتمائه له ، وله معزّة خاصة عنده , بينما الموجود لدى الآخر غير محسوس ولا يشعر به بصورة دقيقة فأغلبه مجهول بالنسبة له، بعكس الذي لديه فهو يحسه ويعيه بصورة دقيقة وواضحة- هذا بغض النظر عن درجة حاجته إليه- , فالأنانية والفردية لها ما يبررها فزيولوجياً وعصبياً ونفسياً وفكرياً ، ولكن ليس لها ما يبررها اجتماعياً . فالأفراد متشابهون في أفضلية كل منهم بالنسبة لنفسه ، وكل منهم هو المرجع الأساسي للوجود وللقيم ( بالنسبة لنفسه ) , وأحياناً يشعر أحد الأطراف أن ما لديه أدنى مما لدى الآخر وأن الآخر لا يدرك ذلك .
2.       طلب الربح غير الواقعي من بعض الأطراف أو كلهم.
3.       سوء التواصل وسوء التفاهم وله عدة عوامل .
4.       انخفاض دقة المعارف والأحكام لدى أحد الأطراف أو لدى عدد من الأطراف.
5.       عدم تكافؤ أطراف الصفقة الذي يؤدي إلى إبرام صفقة ذات توازن كاذب ، فالقوي يفرض خياراته ويجبر الضعيف على قبولها ويحقق صفقة متوازنة في الشكل وليس في المضمون.
6.       عدم ضمان أو ضعف ضمان الصفقات غير المنجزة.
7.       تغير الأوضاع يمكن أن يؤدي إلى تحول الصفقة المتوازنة إلى صفقة غير متوازنة.
ولكي تتوازن الصفقات بين الأفراد أو بنيات الجماعة يجب أن تفرض آليات تقييم تختلف عن آليات التقييم الفردية , فكل ما لدى الفرد يقيم بالنسبة للجماعة بقيم قد تختلف عما يقيمه هو وذلك نتيجة لسببين:
الأول : تنظيم وتتوحد كافة التقييمات الفردية مع بعضها وتساويها.
والثاني : تتظيمها مع ما يناسب بنية الجماعة ، فربما يكون المفيد للجماعة لا يناسب غالبية أو حتى كافة أفراد هذه الجماعة بشكل مباشر ، ولكنه يفيد بقاء واستمرار الجماعة ككل أو يفيد الأفراد والأجيال القادمين مستقبلاً ، أو ينمي ويطور بنية الجماعة، لذلك يتم اعتماده .
ففي الحروب والأزمات وفي الكوارث الكبيرة وكذلك في عمليات التنمية الوطنية تكون بنية الجماعة هي المؤثرة والمتحكمة وليس بنية الأفراد .

المصدر:الحوار المتمدن