ما هو السبيل إلى تغيير نفسك وعيش الحياة التي تستحقها؟

"هل أنا حيث أريد أن أكون؟ وهل أعيش الحياة التي أستحقها؟" هذه كلُّها أسئلةٌ طرحناها على أنفسنا في الشهور القليلة الماضية؛ فالعالم مقلوبٌ رأساً على عقب؛ وهي أسئلةٌ صعبة، وعلى الأرجح أنَّ معظمنا قد اضطُر لأن يجيب عنها في وقتٍ ما. فهل أحببت إجاباتك؟ أم أنَّها أرغمتك على مواجهة حقيقةٍ كنت تعرفها طوال الوقت؟ ما يحتاج للتغيير هو: أنت.



مررنا جميعاً بهذه التجربة، ولحسن الحظ أنَّه وبمجرَّد أن تدرك ما يجب تغييره، يمكنك فعل ما هو ضروريٌّ للقيام به، وقد يكون تغيير نفسك أصعب عملٍ تقوم به على الإطلاق، لكنَّه يستحق ذلك 100٪؛ ذلك لأنَّه ما إن يجري القيام به، حتَّى يتسنَّى لك عيشُ الحياة التي تعلم أنَّك تستحقها.

إنَّ جرد المخزون الشخصي بهذه الطريقة ليس سهلاً، فعليك أن تتحلَّ بما يكفي من الشجاعة والصدق مع نفسك للاعتراف بأنَّك بحاجةٍ إلى التغيير. الآن، يوجد انفصامٌ بين من أنت عليه حقيقةً ومن تعرف أنَّك ستكون عليه، وعندما لا تتوافق هاتان الشخصيتان، فقد يكون من المستحيل عيش الحياة التي تستحقها، وذلك بسبب عدم وجود وضوحٍ في الرؤية أو الهدف. عند وجود هذا الانفصام، فإنَّ أفضل طريقةٍ لخلق تغييرٍ شخصيٍّ مستدامٍ وإيجابي؛ هو غرس حبِّ الذات في نفسك، وتعزيز احترامها، وإعادة التواصل مع نفسك الحقيقية.

1. تنمية الحبّ الذاتي:

عندما يُنمَّى حبُّ الذات، يصبح العمل الصعب أكثر سهولة، وتتحلَّى بالصبر والتعاطف مع النفس. التغيير بحدِّ ذاته صعبٌ بما يكفي، خاصةً عندما تعلم أنَّه لا مفرَّ لك من مواجهة عقباتٍ على طول الطريق؛ لذا فإنَّ تنمية شعورٍ صحيٍّ بمحبة الذات يسمح لك بأن تكون لطيفاً مع نفسك في أثناء مواجهة تحدياتٍ حتمية؛ فمعرفة أنَّك تحب نفسك دون أيِّ شروط، ركيزتكَ عندما تصبح رحلتك صعبة.

قد يكون التخلُّص من هذه الورطة غير مريح؛ فقد تشعر بالضعف حين تواجه أشياء عن نفسك. تتطلَّب عملية التغيير منك التحليَّ بالصبر والتعاطف مع نفسك، فلا بأس أن تكون ضعيفاً مع نفسك؛ فهذا يعني أنَّك صادق. يدور كلُّ تغييرٍ تقوم به في دورة ما قبل التأمُّل، والتأمُّل والإعداد والعمل، والحفاظ على التغيير.

1. 1. ما قبل التأمُّل:

أنت لا تسعَ فعلياً -خلال مرحلة ما قبل التأمل- إلى تغيير سلوكك، وفي بعض الحالات قد لا تدرك أنَّ التغيير ضروري؛ ومع ذلك، فإنَّ التأثيرات الخارجية قد يتردَّد صداها في مستوىً أعمق عندك، ليبلغ فضولك أو اهتمامك بالتغييرات الممكنة ذروته.

1. 2. التأمُّل:

يبدأ التغيير في اهتماماتك وأولوياتك، بمجرد الانتقال إلى مرحلة التأمل؛ إذ تكون قد أدركت أنَّ هناك تغييراً يجب القيام به، وتفكِّر في القيام به فعلياً.

1. 3. التجهيز:

تتعلَّق مرحلة التجهيز بالاستعداد إلى التغيير؛ حيث تقوم فعلياً بالعمل العقلي والتخطيط الاستراتيجي الذي يمكِّنك من فعل ما هو ضروري لإجراء التغيير الذي تريده. وفي ختام هذه المرحلة، أنت تؤمن حقاً أنَّك تستطيع التغيُّر، وستتغيَّر.

1. 4. العمل:

العمل هو المرحلة المنطقية التالية من دورة التغيير؛ إذ تكون قد قمت بكامل عملية التحضير، والآن حان الوقت لتخطو خطوتك، وحان الوقت لاتخاذ هذا الإجراء الأولي الذي سيحفِّز التغيير.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم عن التغيير وأهميته

1. 5. الحفاظ على التغيير:

تبدأ مرحلة الحفاظ على التغيير بمجرد اتخاذ الإجراء الأولي وترسيخ سلوكاتٍ جديدةٍ لفترةٍ من الزمن. تنطوي هذه المرحلة النهائية على التكيُّف مع وضعك الطبيعي الجديد؛ حيث يكون من الهامِّ بالنسبة إليك الاستمرار في الانخراط في الممارسات التي تساعد في ضمان أنَّ هذا التغيير مستدامٌ على المدى الطويل. إنَّه لمن الهامِّ تذكُّرُ أنَّ هذه الدورات لن تسير كما هو مطلوب دوماً، وأنَّ التغيير قد يتطلَّب بضع جولاتٍ ليترسخ؛ ونتيجةً لذلك، فإنَّ حبَّ الذات أمرٌ أساسيُّ للنجاح في تغيير نفسك؛ حيث أنَّ الحفاظ على دورة التغيير -مع كلِّ المقاومة التي تأتي معها- تكاد تكون مستحيلةً بدونه.

في حين يعترف "حبُّ الذات" بقيمتك الأساسية، لكنَّه يتطلَّب أيضاً الاهتمام بهذه القيمة، وذلك من خلال رعاية نفسك بتبنِّيك سلوك المحبة. يمكن أن تتخذ محبتك لذاتك أشكالاً عديدة، من كتابة خطابٍ لطيفٍ لنفسك، إلى أخذ لحظةٍ لإعادة التواصل مع نفسك؛ وأهمُّ أشكاله: التعاطف الذاتي، وعدم الحكم على نفسك، والصبر.

يجب العناية بهذه المفاهيم كما تعتني بالزهور في الحديقة، يمكن أن تساعد ممارسة اليقظة الذهنية في تنمية حبِّ الذات، حيث يعلِّمك التركيز الذهني الكامل كيف تجعل عقلك ممتناً في الوقت الحالي. إنَّ التروي لإبطاء الاعتراف بحقيقة الوقت الحالي، وتبنِّي الإيجابية حول هذا الواقع، مع الاستمرار بملاحظة السلبيات؛ ما هو إلا شكلٌ من أشكال حب الذات.

إقرأ أيضاً: 10 أمور تجعلك تحب ذاتك أكثر

2. تعزيز احترامك لذاتك:

احترام الذات أمرٌ أساسي، ليس فقط للإيمان بقدرتك على التغيير، ولكن للإيمان بأنَّك تستحق الجهد المطلوب لتحقيق ما ترغب به حقاً. لتغيير نفسك للأفضل، ليس عليك أن تصدِّق أنَّك يمكنك أن تتغير فحسب، ولكن يجب أن تصدِّق أيضاً أنَّك تستحق الحياة التي سيجلبها التغيير الإيجابي، فجوهر هذا الإيمان هو احترامك لذاتك. وببساطة، احترام الذات هو انعكاسٌ لما تشعر به حيال نفسك، ويمكن لمحاولة تغيير نفسك أن تسبِّب بعض المشاعر السلبية تجاهها؛ ولهذا السبب، فمن الهامِّ أن نقوم بعملنا في تنمية حبِّ الذات أولاً. من المفيد أن تحرص على معرفة  أنَّك سوف ترعى نفسك بصبرٍ وتعاطف، وبلا قيدٍ أو شرط في المراحل الصعبة، وذلك حينما تكون في طور بدء تنفيذ التغيير ومحاسبة نفسك.

الشعور القوي باحترام الذات الإيجابي أمرٌ بالغ الأهمية، ويعتمد إحساسك باحترام الذات على الأدلة التي جمعتها من تجاربك وعلاقاتك؛ لقد قمت بعملٍ جيد، وبالتالي تشعر بالارتياح، وتعتقد أنَّه يمكنك القيام بذلك مرةً أخرى.

تزوِّدك التجربة الإيجابية بأدلةٍ تعزِّز احترامك لذاتك فطرياً، وعلاقاتك هي فصل ربيعٍ آخر لاحترام الذات الإيجابي؛ وعندما تحافظ على علاقاتٍ صحيةٍ مع الأشخاص الذين تؤمن بهم وتحترمهم؛ يؤمن هؤلاء بك في المقابل، ويجعلك إيمانهم تثق بنفسك أكثر.

يتطلَّب الأمر الكثير من الشجاعة للمضي قدماً والحفاظ على السلوكات الجديدة التي من شأنها الحفاظ على التغيير على المدى الطويل، فإذا كنت لا تصدِّق أنَّك تستطيع أو أنَّك تستحق ذلك، فأنت تخوض معركةً خاسرة.

إقرأ أيضاً: قوانين احترام الذات

3. إعادة التواصل مع نفسك الحقيقية:

العضو الأخير في هذا المفهوم الثلاثي هو الذات الحقيقية، إذ إنَّ إعادة التواصل مع ذاتك الحقيقية أمرٌ حتميٌّ لخلق تغييرٍ مستدام. ليس الأمر أنَّك بطبيعتك غير حقيقي، بل أنَّك تتصرَّف بطريقةٍ لا تتماشى مع الجوهر الذي تعرفه عن نفسك، حتَّى أنَّك قد تشعر كما لو كنت تظهر بمظهرٍ زائف؛ لذلك، سيكون من شبه المستحيل أن تشعر أنَّك متواصلٌ ومتوافقٌ مع نفسك الحقيقية.

يصف الطبيب والكاتب ديباك شوبرا (Deepak Chopra) الذات الحقيقية على أنَّها: "الجزء الأنقى من نفسك"، ولقد لخَّص ببلاغةٍ الخصائص الرئيسة الخمس للذات الحقيقية على النحو التالي: الحبُّ والسلام والاستقرار والوضوح واليقين، وكلُّها مدفوعةٌ بإحساسٍ عميقٍ بـ "الحقيقة".

3. 1. حب الذات:

ينبع حبُّ الذات الحقيقي من الداخل، فليس هناك حاجةٌ إلى طلبه من مصادر خارجية؛ لأنَّه موجودٌ ببساطةٍ وبدون شرطٍ أو نهاية، فهو نبعٌ داخليٌّ لا يجفُّ أبداً.

3. 2. السلام:

السلام هو طبيعة الذات الحقيقية ومرتكزها؛ وقد يتعثَّر بسبب حماقة الحياة اليومية، لكنَّ النفس الحقيقية راسخةٌ ولا ترغب بتغيير تجربتها باستمرار.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح للحصول على السلام الداخلي وراحة البال

3. 3. الرسوخ:

يحدث الرسوخ الذي يُنتِج الاستقرار، عندما تكون الذات الحقيقية في حالة سلامٍ طبيعية، فهناك شعورٌ بالهدوء؛ لأنَّ كلّ شيءٍ يكون تماماً كما يجب أن يكون في هذه اللحظة.

3. 4. الوضوح واليقين:

تزيل الذات الحقيقية احتمالية الغموض؛ لأنَّها لا تتأثَّر بالقوى الخارجية. ونتيجةً لذلك، تصبح واضحةً ومؤكَّدة؛ فهي تعرف اتجاهها وتلتزم به دون تردد.

3. 5. الحقيقة:

وأخيراً، تُصنَّف الذات الحقيقية من خلال فهم انسجامنا الجماعي، فضلاً عن الموضوعية المتوازنة التي تستند عليها كلُّ أفعال الذات الحقيقية، ويلخِّص هذان العاملان ما يحرِّك ذاتك الحقيقية، والذي هو: الشعور العميق بالحقيقة. يمكنك من خلال تقليل المقاومة التي قد تواجهها عند العمل على إعادة التواصل مع ذاتك الحقيقية، تذكير نفسك بلطفٍ بالحقيقة التي تعرفها عن طريق حدسك مسبقاً، وهي: أنَّ ذاتك الحقيقية جيدة.

إنَّ تبني حقيقة ذاتك الحقيقية انعتاقٌ وتحدٍّ، وسيسمح لك بالبدء بتفريق السلوكات والمعتقدات وأنماط الفكر والمشاعر الحقيقية، عن تلك الزائفة. بمجرد امتلاكك القدرة على القيام بذلك بفعالية، لا تكون قد غيَّرت نفسك بنجاحٍ وللأفضل فحسب، بل وبدأت عيشَ الحياة التي تستحقها.

أفكار أخيرة:

أنت قادرٌ على التغيير، وأنت جديرٌ بالحياة التي تستحق. يمكن للحياة أن تكون صعبة، ونتيجةً لذلك قد يتوه أيُّ شخصٍ عن طريقه، ويمكن لظروفٍ غير متوقعة التَّسبُّبَ بصفعةٍ يتلقَّاها تقديرك لذاتك. قد تنسى خلال مسيرتك أن تحبَّ نفسك دون قيدٍ أو شرط، وقد تنفصل مصادفةً عن ذاتك الحقيقية؛ لذا عليك أن تتذكَّر -عندما تصبح مستعداً للالتزام بالتغيير- أن تثق بالناس من حولك؛ وتستكشف الأدلة التي يمكنهم تقديمها، والتي تعزِّز احترامك لذاتك طبيعياً. إضافةً إلى أنَّ الصبر والرحمة مفتاحا حبِّ الذات والبقاء على تواصلٍ دائمٍ مع نفسك الحقيقية؛ والتي هي الجزء الأنقى من نفسك الذي لن يُضلِّلك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة