ما هو التراث؟ وما هي أهميته وأنواعه؟

التراث هو الروح التي تنبعث من التاريخ، فتتجلى عبقرية الأجداد التي نستلهم منها الحكمة والإلهام، هو كتاب لم يكتمل بعد، وكل جيل يكتب فيه صفحة، فالتراث، هو تاريخ حضارة المجتمع، وهو روحه وذاكرته التي تمتد عبر الأجيال، مُحمَّل بالقصص والتقاليد والعادات التي تعكس هويته وثقافته.



يعد التراث جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية والعالمية، فهو يعكس التنوع الثقافي والتاريخي للبشرية، ويمثل مصدراً هاماً للفهم والتواصل بين الشعوب والأجيال المختلفة.

إنَّ الحفاظ على التراث وتوثيقه ونقله إلى الأجيال القادمة في ظل عالم يتسارع فيه التغير هو أمر هام جداً، فهو يمثل الروابط التي تربطنا بجذورنا ويمنحنا فهماً أعمق لهويتنا الثقافية وانتمائنا التاريخي، فهو تعبير حي عن تراكم الخبرات والمعارف التي انتقلت من جيل إلى آخر.

تعريف التراث:

التراث، قاعدة أساسية تشكل جوهر الهوية الثقافية للشعوب والمجتمعات، يعكس التراث جوانب متعددة من حياة الإنسان، بدءاً من الفنون والعلوم وانتهاءً بالعادات والتقاليد والطقوس، فالتراث هو:

1. حسين محمد سلمان:

"التراث بمعناه الواسع هو ما خلَّفه السَّلَف للخَلَف من مادیات ومعنویات أیَّاً كان نوعها".

2. إدريس قرورة:

"التراث هو شكل أو نمط روحي ممتد عبر حقب زمنیة طویلة، جمعي شارك فیه مجموع الأجداد والآباء والأسلاف، یشمل جملة كبیرة من التراكمات لمختلف النشاطات الإنسانیة فردیة كانت أو جماعیة، والعدید من التیارات الفكریة، والثقافیة، والسیاسیة، والاقتصادیة، وإن تناقضت أحیاناً".

3. محمد عابد الجابري:

"التراث هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي، سواء ماضينا أم ماضي غیرنا، سواء القریب أم البعید".

4. رمضان الصباغ:

"التراث هو الموروث الثقافي والديني والفكري والأدبي والفني، وكل ما يتصل بالحضارة أو الثقافة، وتراثنا هو الموروث عن السلف سواء كانوا ممن يقطنون نفس المنطقة أمغيرها؛ أي إنَّ تراثنا هو الموروث في كل أنحاء العالم، كالقصص والحكايات والكتابات وتاريخ الأشخاص وما ظهر من قيم وما عبَّر عن هذه جميعاً من عادات أو تقاليد أو طقوس".

التراث هو المعبر عن شخصية الأمة في ماضيها وحاضرها، وهو كل ما قد تركه الجيل السابق للجيل اللاحق، فهو يعبر عن كل ما يتصل بالإنسان سواء أكان مادياً أم معنوياً، فهو مخزون ثقافي متنوع يشتمل على القيم الدينية والحضارية والتاريخية والشعبية.

أهمية التراث:

أهمية التراث 

1. الحفاظ على الهوية الثقافية:

تظهر أهمية التراث في الحفاظ على الهوية الثقافية بوضوح من خلال دوره في تعزيز التمسك بالجذور الثقافية والتاريخية، فيعد التراث جزءاً أساسياً من الهوية الثقافية للأفراد والمجتمعات، ويعكس تراث الشعوب وتقاليدهم وعاداتهم وقيمهم.

عندما يحافظ الفرد على التراث ويمارسه، يسهم ذلك في تعزيز شعوره بالانتماء والانتساب إلى هذه الهوية الثقافية، ويعمل على نقل هذه الهوية من جيل إلى جيل وتحقيق التواصل بين الأجيال المختلفة، وتعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وهذا يسهم في بناء مجتمع يتمتع بالتفاهم والتلاحم.

2. نقل الخبرات والمعارف:

يحتوي التراث على تجارب ومعارف وخبرات تراكمت عبر الزمن، والتي يمكن أن تكون ذات قيمة هائلة للأجيال اللاحقة، على سبيل المثال، يمكن للتراث أن يشمل الفنون الحرفية التقليدية، والطرائق الزراعية التقليدية، وطرائق البناء التقليدية، والطقوس والممارسات الدينية والاجتماعية التي تمتد لعدة أجيال.

من خلال توارث هذه المعارف والخبرات، يتمكن الأفراد من الاستفادة من تجارب الأجداد وتطبيقها في حياتهم اليومية، وهذا يسهم في تحسين الحياة وتطوير المجتمعات، إضافة إلى ذلك، فإنَّ توثيق ونقل التراث يسمح للأجيال الشابة بفهم تجارب الأجيال السابقة والاستفادة منها في بناء مستقبل أفضل.

3. تعزيز الانتماء والهوية:

يساهم التراث في بناء الانتماء الوطني والانتماء المجتمعي، فيشعر الأفراد بالتقارب والتماسك من خلال المشاركة في الممارسات والفعاليات التراثية.

4. تعزيز السياحة والاقتصاد المحلي:

يعدُّ التراث مصدراً هاماً لجذب السياح إلى المناطق الثقافية والتاريخية، وهذا يؤدي إلى زيادة الإقبال على الخدمات السياحية المحلية وتحسين الدخل السياحي، على سبيل المثال، تُعد القرى التاريخية والمواقع الأثرية والمهرجانات التقليدية عامل جذب قوياً للسياح، وهذا يدعم الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية المحلية.

كما يسهم التراث في تعزيز الاقتصاد المحلي، وذلك من خلال دعم صناعات الحرف التقليدية والصناعات اليدوية، ويؤدي ذلك بدوره إلى زيادة فرص العمل وتحسين مستوى الدخل للسكان المحليين، وهذا يساهم في تعزيز التنمية المستدامة ورفع مستوى المعيشة في المجتمعات المحلية.

5. المحافظة على التنوع الثقافي:

يعزز التراث المحافظة على التنوع الثقافي ويحترم التعددية الثقافية في العالم، ومن خلال الحفاظ على التقاليد والعادات واللغات والفنون الشعبية، يمكننا الحفاظ على التنوع الثقافي وتعزيز فهم واحترام الثقافات المختلفة.

6. المساهمة في التنمية المستدامة:

من أهمية التراث أنَّه يسهم في التنمية المستدامة من خلال الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة، وتشجيع السياحة المستدامة وتطوير البنية التحتية بشكل متوازن ومستدام.

إقرأ أيضاً: عوامل قيام الحضارات

أنواع التراث:

أولاً: التراث المادي

يشير التراث المادي إلى الموارد والمخلفات الثقافية التي تحمل قيمة تاريخية وثقافية وتعبر عن تراث البشرية، يتمثل هذا التراث في مجموعة متنوعة من المواد والمواقع والمخلفات التي يمكن رؤيتها ولمسها وحصرها، والتي تشمل المدن التاريخية والمعالم الأثرية والمناظر الطبيعية الفريدة.

كما يشمل التراث المادي أيضاً العناصر المتنقلة، مثل الصور واللوحات والمنحوتات والمخطوطات والعملة النقدية والأرشيف السمعي والبصري والسينمائي، ووفقاً لاتفاقية حماية التراث العالمي عام 1972 فيقسم التراث المادي إلى:

1. الآثار:

تشمل الأعمال المعمارية، وأعمال النحت والتصوير على المباني، والعناصر ذات الصفة الأثرية، والنقوش، والكهوف، والتكاوين التي تتمتع بقيمة استثنائية من وجهة نظر التاريخ أو الفن أو العلم.

2. المجمعات:

تشمل مجموعات المباني المنفردة أو المتصلة، التي تتمتع بقيمة عالمية استثنائية بسبب عمارتها، أو تناسقها، أو تكاملها مع المنظر الطبيعي، من وجهة نظر التاريخ أو الفن أو العلم.

3. المواقع:

تشمل الأعمال البشرية، أو المشاريع المشتركة بين الإنسان والطبيعة، إضافة إلى المناطق التي تتضمن المواقع الأثرية، والتي تتمتع بقيمة استثنائية على الصعيد العالمي من حيث التاريخ أو الجمال أو الإثنولوجيا أو الأنثروبولوجيا.

4. التراث الطبيعي:

ويشمل:

  • المعالم الطبيعية التي تتكون من التشكيلات الفيزيائية أو البيولوجية، أو من تجمعات هذه التشكيلات، والتي تتمتع بقيمة عالمية استثنائية من حيث الجمال أو الفن.
  • التشكيلات الجيولوجية أو الفيزيوغرافية، والمناطق المحددة بدقة التي تعد موطناً للأنواع الحيوانية أو النباتية المهددة بالانقراض، والتي تتمتع بقيمة عالمية استثنائية من منظور العلم أو الحفاظ على الموارد.
  • المواقع الطبيعية أو المناطق الطبيعية المحددة بدقة، التي تتمتع بقيمة عالمية استثنائية من منظور العلم أو الحفاظ على الموارد أو الجمال الطبيعي.

ثانياً: التراث اللامادي

وفقاً لاتفاقية اليونسكو للحفاظ على التراث غير الملموس 2003، فإنَّ التراث الثقافي غير المادي هو: «مجموع الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات – وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية – التي تعدها الجماعات وأحياناً الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي»، ووفقاً لذلك يمكن تقسيم التراث اللامادي إلى:

1. التراث الشفهي والمعرفي:

ويشمل القصص والأساطير والأغاني التقليدية، والمعارف والمعتقدات التي تنتقل شفوياً من جيل إلى جيل.

2. التراث اللامادي الاجتماعي:

ويشمل الطقوس والممارسات الاجتماعية والدينية، والمهارات اليدوية التقليدية، والاحتفالات والمهرجانات التقليدية.

3. التراث اللامادي الفكري:

ويشمل اللغة والحروف والفلسفة، والمعرفة العلمية التقليدية.

4. التراث اللامادي الروحي:

ويشمل الممارسات والتقاليد الروحية والدينية، والطقوس والصلوات التقليدية، والمواقف الروحية المميزة.

الحفاظ على التراث وتطويره:

الحفاظ على التراث وتطويره

منذ فجر الحضارة والثقافة، أدى التراث دوراً حيوياً في تشكيل هوية الشعوب والمجتمعات، ومن ثم تحمُّل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على الروابط التاريخية والثقافية التي تميز كل مجتمع عن غيره.

إنَّ الحفاظ على التراث وتطويره يعد تحدياً مستمراً في ظل التغيرات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية التي تواجهها المجتمعات اليوم، فعلى الرغم من أهمية الحفاظ على التراث للحفاظ على الهوية الثقافية وتاريخ الأمم، إلا أنَّ تطويره أمر ضروري أيضاً لتأمين استمراريته وتفعيل دوره الحيوي في تنمية المجتمعات، وللقيام بذلك إليك مجموعة من الخطوات التي يمكن القيام بها:

1. إنشاء منظومة خاصة بحماية التراث:

إنشاء منظومة خاصة معنية بالحفاظ على كافة أنواع التراث وتطويره هو أحد الأساليب الفعَّالة للحفاظ على التراث الثقافي والمادي، يمكن تأسيس هيئة أو جهة خاصة معنية بالحفاظ على التراث، تكون محددة الأهداف، لها صلاحيات ومهام محددة تتضمن جمع المعلومات والبيانات المتعلقة بالتراث وتوثيقها، وتنظيم الفعاليات الثقافية والتربوية لتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على التراث.

2. توثيق التراث:

توثيق التراث هو أمر يقع على عاتق حكومات الدول، فيجب توثيق التراث المادي واللامادي باستمرار، ويمكن ذلك من خلال التصوير الفوتوغرافي، والتسجيل الصوتي والمرئي، وكتابة الوصف التاريخي والثقافي للمواقع والممارسات التراثية.

3. التعليم والتوعية:

يمكن تحقيق الحفاظ على التراث من خلال توعية الناس بأهميته وقيمته، وهذا أيضاً يقع على عاتق الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، ويمكن اتخاذ الخطوات الآتية للمساعدة على تحقيق التوعية بأهمية الحفاظ على التراث وتطويره:

  • إقامة حملات توعية عامة تستهدف الجمهور المحلي والعالمي، سواء من خلال وسائل الإعلام التقليدية أم الرقمية.
  • تنظيم فعاليات ثقافية متنوعة مثل المعارض والمهرجانات وورش العمل لزيادة الوعي بالتراث وتعزيز الانتماء إليه.
  • تضمين المناهج التعليمية للأطفال والناشئة وحتى المراحل الجامعية موضوعات مختلفة عن التراث وكيفية المحافظة عليه.
  • تنظيم دورات تدريبية وورش عمل للمعلمين والموظفين الذين يعملون في مجال التراث، لتحسين مهاراتهم وتعزيز قدرتهم على تعليم الآخرين.

4. الحفاظ على المواقع التاريخية:

يجب المحافظة على المواقع التاريخية والآثار من خلال الصيانة المنتظمة واتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها من الأضرار البيئية والبشرية.

5. دعم الصناعات اليدوية التقليدية:

يمكن دعم الصناعات اليدوية التقليدية التي تعكس التراث الثقافي للمجتمع، وذلك من خلال توفير الدعم المالي والتدريب على المهارات التقليدية.

6. الترويج والتسويق:

يمكن الترويج للتراث المحلي والتسويق له بشكل إيجابي لجذب الزوار والمهتمين به، فهذا يعزز الوعي بقيمته ويعزز الدعم المجتمعي للحفاظ عليه.

7. التعاون الدولي:

التعاون الدولي هو جزء أساسي من جهود الحفاظ على التراث، فيشير إلى التعاون بين الدول والمنظمات الدولية والمؤسسات ذات الصلة، لتبادل المعرفة والخبرات والموارد من أجل حماية والحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي، وبذلك يمكن للدول:

  • تبادل الخبرات والممارسات الناجحة في مجالات الحفاظ على التراث، من خلال إقامة برامج تبادل المعلومات والزيارات الدورية بين الخبراء والمتخصصين، وتبادل البحوث والدراسات الأكاديمية المتعلقة بتقنيات الحفاظ وإدارة المواقع التراثية.
  • تقديم المساعدات المالية والتقنية للدول ذات الاحتياجات الخاصة في مجال الحفاظ على التراث.
  • وضع التشريعات والمعايير الدولية التي تحدد المعايير الدقيقة لحفظ التراث وإدارته.
  • تنفيذ المشاريع المشتركة لحفظ التراث.

8. البحث والابتكار:

تشجيع البحث الأكاديمي والابتكار في مجالات الحفاظ على التراث واستخدامه بطرائق جديدة ومبتكرة.

إقرأ أيضاً: تأثير العولمة على المجتمعات والثقافات

اليوم العالمي للتراث:

اليوم العالمي للتراث

اليوم العالمي للتراث world heritage day، الذي يُصادف 18 من شهر أبريل من كل عام، يُعد مناسبة هامة للتأكيد على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للبشرية وتعزيز الوعي بأهميته، اعتُمِدَ هذا اليوم العالمي من قبل اليونسكو (المنظمة العالمية للتربية والعلم والثقافة).

يُحتَفَل باليوم العالمي للتراث بطرائق مختلفة في مختلف أنحاء العالم، فيُنظم العديد من الفعاليات والندوات والمعارض والعروض الثقافية وورش العمل التي تستهدف زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على التراث والتعبير عن التزام الجماعات والمجتمعات والحكومات في هذا الصدد.

يتم تحديد موضوع مختلف لليوم العالمي للتراث كل عام، فيُعرض هذا الموضوع بوصفه محوراً رئيساً للنقاش والتفكير وتبادل الأفكار والتجارب، وقد يتناول هذا الموضوع جوانب مختلفة للتراث مثل التراث الثقافي، والتراث الطبيعي، والتراث المادي، والتراث اللامادي، والحفاظ على التراث في مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية والثقافية الحالية.

في الختام:

التراث هو جزء لا يتجزأ من هويتنا وتاريخنا وتراثنا الثقافي، فيحمل قصصاً عميقة وقيماً تميز كل مجتمع عن المجتمعات الأخرى، ويمثل جسراً بين الماضي والحاضر، وتحمله الأمم بكل فخر ليعبر عن تراثها الثقافي والتاريخي، أما مسؤولية الحفاظ على هذا التراث فهي مسؤولية جماعية يتحملها الجميع، سواء الحكومات أم المؤسسات أم المجتمعات المحلية أم الأفراد.

لذا يجب علينا أن نوحِّد جهودنا لحماية والحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للأجيال الحالية والمستقبلية، علينا أن نتَّخذ خطوات عملية لتوعية الناس بأهمية التراث وتعزيز قيمه، وتطوير استراتيجيات فعَّالة للحفاظ عليه وتنميته بشكل مستدام.




مقالات مرتبطة