ما هو التأمل ؟

ما هو التأمل ؟

التأمل في أي أمر يعني الدخول إلى العمق سواء كان هذا العمل من أعمال الفكر ؛ أو الروح ... أي محاولة الوصول لمرحلة و درجة من الفهم و المعرفة فوق المعرفة العادية و هذه المعرفة يدرك متعتها من يمر بها .. و هي نفس الحالة الرائعة التي تتملكنا لحظة بصيرة حيث  تتراءى لنا فكرة و تبرز جلية بعد التباس و التي قد  تسمى " إستبصار " ..

 



تماما كما يحدث حيث تقرأ القرآن و تدرك معنى لم يصل له إدراكك من قبل ؛ أو تمر بتجربة فتشعر شعورا لم تشعره من قبل .. هذه الإدارك و الشعور لم يكن ليمتعك لولا أنه عميق جديد لحسك مبهج لروحك التي تجد في طلب معنى لما تمر به من تفاصيل الحياة .

 

لماذا نتأمل ؟

الإنسان أفكار و مشاعر و جسد .. هذه الثلاثية وثيقة الصلة و الارتباط بحيث يؤثر كل منهم في الآخر . و الإنسان في سعيه المستمر في الحياة يحاول الوصول للتوازن الذي يجعله يشعر شعورا طيبا و يتمتع بحالة " عضوية " جسدية طيبة ..

و قد بات معلوما و مثبتا أن حالتنا الجسمانية تتأثر ثأثرا بالغا بما نفكر وبالتالي بما نشعر به أي بحالتنا الانفعالية. فإن كانت هذه الحالة إيجابية؛ كانت النتيجة تمتعنا بمزيد من الصحة الجسمية,, و إن العكس فالعكس .

و لأن ما يرهقنا و يؤلمنا و يشقينا أو يسعدنا هو نوعية أفكارنا ؛ طريقة تناولنا لما يمر بنا من مواقف و خبرات – لهذا كانت حاجة الإنسان الملحة للوصول لحالة من الصفاء و التجرد و السكينة تتيح له التفكر الإيجابي فيما يمر به و تتيح له أن يركز على نوعية أفكار تساعده على النمو و على الشعور الطيب ..

 و هذا هو لب التأمل: محاولة وصول الإنسان لتطويع جسده و تحرره من الضغوطات وصلا لحالة من الصفاء الذهني الذي يتيح له التركيز على نوعية أفكار دون أخرى وصولا لحالة من السلام الداخلي و الصحة الجسمية ..

و مما لا شك فيه أن نوعية الأفكار التي تبني على عقيدة صحيحة ؛ و أفكار إيمانية هي أعظم ما يمكن الإنسان الوصول لهذه الحالة المبتغاة من السلام و الصفاء الداخلي .

 

 

 

استخدام التأمل في العلاج

ثبت كما أسلفنا العلاقة القوية بين المشكلات الإنفعالية  و الحالة الجسمانية للفرد .و هو ما يحسم إمكانية مساعدة الأفراد على الشفاء الجسماني عن طريق تغيير طريقة تفكيرهم و بالتالي مشاعرهم و حالتهم الوجدانية .

هناك الكثير من الأدلة على هذه العلاقة مثل الحمل الكاذب و الذي تظهر فيه علامات الحمل كاملة دون حمل حقيقي. و هناك مثال آخر حيث قدم بعض الأطباء أدوية خالية من المادة الفعالة و أقنعوا المرضى بفعالية هذه الأدوية .. وعند فحص العينة التي تناولت الدواء بمادته الفعالة و الدواء الخالي منه تقاربت النتائج و هو ما يحسم إمكانية التأثر الجسمي بما نعتقد من أفكار,

و هناك الكثير من البحوث و الدراسات التي أثبتت أثر النشاط المعرفي و الانفعالي على مقاومة الجسم و جهاز المناعة الطبيعي ,

فبعد الكشف عن هذا الأثر بين الحالة الوجدانية و الأامراض ظهر تخصص جديد هو علم المقاومة النفسية العصبية "  psychoneure immunology   "

و هو يجمع متخصصين من مجال العلوم الإجتماعية و علم النفس و ميدان  كيمياء جهاز المناعة في الإنسان .

 

 

التأمل الارتقائي

هناك الكثير من أنواع التأمل التي استخدمت علاجيا . و التأمل الارتقائي يعتبر  ثورة طبية حقيقية يستخدم الإنسان فيها قدراته المعرفية و الذهنية و الروحية لشفاء نفسه بنفسه ؛ و أيضا لإثراء حياته النفسية و الروحية .

و في التأمل الارتقائي يركز الذهن مع ترديد مستمر لمعنى إيماني هو ما يساعد على تصور أعمق و جلاء مفاهيم جديدة .

وجد الباحثون أن مع هذه الحالة تنخفض ضربات القلب ؛ و يقل استهلاك الأوكسجين و احتراق السكر في الجسم . كما تزداد موجات ألفا التي سجلها جهاز تخطط الدماغ و هذه الموجات ذات صلة بحالة السكينة العميقة و الهدوء الذي يصاحب التأمل العميق . و الحالة النفسية للتأمل العميق مضادة تماما للقلق و الغضب .

و يتضح أن التأمل هو محاولة لتركيز الذهن على موضوع التأمل و التخلص من المشوشات الداخلية و الخارجية . مع ترديد معنى إيجابي أو " عبارات إيمانية " بإيقاع متكرر كالذكر أو القرآن حتى تظهر معاني جديدة و إدراك جديد لم يخطر من قبل على بال المتأمل .

و كمثال ما نعلمه جميعا عن ترديد بلال لكلمتي " أحد أحد " أثناء تغذيبه .. ما كان يحاوله أن يركز على معنى التوحيد بعمق لاستحضار عظمة هذه العقيدة محاولا بذلك التخفف من الألم أو قل " تهريب جسده " مما يشعر به من ألم عن طريق حشد فكرة محددة و ترديد معناها .

 

التأمل و موجات المخ

و حين نتأمل فإننا ننتقل من مستوى وعي لمستوى آخر ؛ ندخل لمستوى الوعي الذي يتيح لنا إدارة حالتنا الانفعالية عن طريقة حالتنا الجسمانية .

 

ما معنى هذا الكلام ؟

من المعروف أن المخ يصدر 4 موجات في حالات النوم و اليقظة و لكل من هذه الموجات تردد يقاس بالهرتز لكل الثانية و هذه الموجات هي :

موجات ألفا ؛ بيتا ؛ دلتا ؛ ثيتا .

بيتا هي الحالة الي نعيش بها أغلب اليوم و هي ذات التردد العالي و يعمل المخ فيها بسرعة رهيبة بحيث يتناول الصور و الأفكار و كل مدخلات الحواس بسرعة كبيرة و كأنه يطحن الأفكار طحنا , و ما نسعى له هو الموجات ذات التردد المنخفض المتمثل في الفا و سيتا و هي الحالة التي تحدث كنتاج للتأمل .

 

و للتأمل  مجالات

كل منا يتأمل في العديد من الموضوعات و الأشياء كالتفكر في مخلوقات الله عبورا للوصول لخالقها و بديع صنعه و عظيم مقدرته  ؛ التفكر في كلمات الله ؛ التفكر في سنن الله في خلقه  ؛ التفكر في أنفسنا ؛ و كثيرا ما نتفكر في كلمات " جمل ؛ عبارات مأثورة ؛ .. "

تبدو في التأمل محاولات الإنسان المستمرة للوصول للعمق للوصول للمعنى.