ما هو أخماج الدماغ الجرثومية

تصل الجراثيم إلى الجملة العصبية من بؤرة خمجية أولية في أحد الأجهزة أو من اتصال الجملة العصبية المركزية مباشرة بسطح الجسم الخارجي كما يحدث في رضوض الجملة العصبية المركزية المفتوحة أو العمليات الجراحية أو في الناسور التلقائي الذي يرشح سائلاً دماغياً شوكياً .



والبحث عن هذا النا سور ضروري في كل مريض مصاب بخمج جرثومي متكرر في الجملة العصبية المركزية .

وأخماج الجملة العصبية المركزية الجرثومية تكون سحائية أو جنيب السحائية ؛ وأكثر هذه الأخماج شيوعاً هي التهاب السحايا الجرثومي والأخماج جنيب السحائية الأقل مشاهدة وهما خراجة الدماغ والخراجة الشوكية فوق الجافية ( دبل فوق الجافية ) .

الخراجات داخل القحف:

خراجات داخل القحف هما جيوب من القيح في أحد أحياز القحف التي هي الحيز فوق الجافية أو الحيز تحت الجافية أو داخل الدماغ ذاته .

 

الخراجات فوق الجافية:

تنشأ عادة عن انتشار الخمح مباشرة من الجوار كالتهاب العظم والنقي أو التهاب الخشاء أو خمج الجيوب الأنفية . ولذا تكون الأعراض والعلامات الباكرة الأولى هي في البدء أعراض وعلامات خمج المكان الذي تنشأ عنه وهي ألم وانتباج واحمرار فوق مكان خراجة فوق الجافية وحمى مترافقة بزيادة الكريات البيض مع رجحان كثيرات النوى . والعلامات العصبية البؤرية قليلة ودون فرط توتر داخل القحف عادة .

ويحوي الـ س د ش في المرحلة الباكرة عادة بضع كريات بيض مع زيادة خفيفة في البروتين . وإذا لم يعالج الالتهاب الأولي ، يمكن للخمج أن يخترق الجافية ليحدث دبلاً تحت الجافية أو التهاباً سحائيا جرثومياً أو خراجة دماغية . وإذا كان الالتهاب فوق الجافية مجاوراً لجيب وريدي كبير فإنه يتضاعف غالباً بالتهاب وريد خثري مع انسداد الجيب .

ويمكن تحديد سعة الخراجة فوق الجافية بسهولة بالكات ، إذ يمكن رؤيتها بحقن المادة الظليلة في الوريد ، ككتلة في الحيز فوق الجافية ضاغطة الدماغ تحتها . وفي مراحلها الباكرة يمكن معالجة هذه الخراجة بنجاح بالصادات المناسبة ( بعد زرع المادة القيحية من الأذن أو الجيوب ) . وفي بعض الحالات ولا سيما عندما تكون الخراجة واسعة ، أو عندما لا تصغر سريعاً بمعالجتها بالصادات يصبح إفراغها بالجراحة ضرورياً.

الخراجة تحت الجافية:

تنشأ معظم الخراجات تحت الجافية ( الدبل تحت الجافية ) من خمج الجيوب جنيب الأنفية أو عن التهاب الأذن الوسطى . تتبع جراثيم الخمج الأولي قنوات القحف الوريدية ( محدثة في طريقها غالباً التهاب وريد خثري ) عبر الجافية حتى الحيز تحت الجافية وقد تخمج الورم الدموي الرضي تحت الجافية محدثة دبلاً تحت الجافية .

ويتعلق موضع الدبل بموضع الخمج الأولي فأخماج الجيوب الأنفية تمتد عادة إلى الفص الجبهي بينما تدخل أخماج الأذن القحف من الخلف ، فوق الخيمة وتحت الخيمة . ويمكن للتفاعل الالتهابي أن يحدث غشاءً يغلف المجمع القيحي كاملاً . يعاني معظم المصابين بدبل تحت الجافية من علامات وأعراض التهاب الجيوب أو التهاب الأذن قبل بدء الدبل .

 

وعند تكون الخراجة داخل القحف يشتد ألم البؤرة التي انتقل منها الخمج مع صداع ينتشر من منشئه الأصلي ؛ وتظهر الحمى إذا لم تكن قد ظهرت من قبل ، ويرتفع عدد الكريات البيض ويميل المريض للنعاس وقد يقيء . ويحدث غالباً التهاب وريد دماغي خثري ثانوي ويسبب علامات عصبية بؤرية صرعية أو خذلاً شقياً . وفي النهاية يرتفع التوتر داخل القحف ؛ ويمكن للسير الصاعق أن يميت المريض خلال عدة أيام إذا لم يعالج .

وتوحي بالتشخيص قصة الخمج السابق مع الأعراض والعلامات الفيزيائية الموضعية . فإذا أجري بزل قطني يكون السائل الشوكي عالي التوتر وقد يحوي عدة مئات من الكريات البيض مع زيادة في البروتين ولكن يبقى السكر سوياً . إلا أنه لايجوز إجراء البزل القطني فيمن تشتبه إصابتهم بالدبل تحت الجافية لأنه لا يحصل منه على جراثيم كما أن ازدياد الضغط داخل القحف يهدد بحدوث انفتاق دماغي .

يجتاج الدبل تحت الجافية دوماً لإفراغ جراحي . والإفراع الجراحي مع الصادات المناسبة تفرجان عادة الأعراض وتشفيان المريض إذا كشف المرض في مراحله الباكرة ، ولكن التشخيص غالباً ما يتأخر مما يسبب موت ربع المرضى . ويموت معظم المرضى بسبب خثار الجيب الوريدي واحتشاء الدماغ الثانوي أو التهاب السحايا المتعمم .

خراجة الدماغ:

وهي أ كثر خراجات داخل القحف مصادفة . وهي مثل خراجات تحت الجافة وفوق الجافية ، قد تنشأ عن امتداد الخمج المباشر على طول الأقنية الوريدية من الجيوب الأنفية أو الأذن . ولكن معظمها ينشأ عن طريق الدم من خمج في مكان ما من الجسم . وقد تنشأ الخراجات الانتقالية من تجرثم دم عابر من جراثيم تسكن في الأوعية الشعرية الدماغية .

 

تبدأ أولاً بالتهاب دماغ جرثومي بؤري وبعد أيام أو أسابيع ينحصر القيح داخل محفظة ليشكل خراجة حقيقية . وخلافاً للخراجات فوق الجافية وتحتها التي يمكن فيها دوماً تعيين مكان الخمج الأولي ، قد يزول الالتهاب الأولي المسبب لخراجات الدماغ في عدد كبير من المرضى دون إحداث أعراض . ويذكر بعض مرضى خراجات الدماغ قصة عمليات على الأسنان أو خمج تنفسي أو خمج بولي خفيف قبل عدة أسابيع .

وتزيد أمراض القلب الخلقية المزرقة والتحويلات الشريانية الوريدية في الرئة ، في خطر حدوث الخراجة الدماغية ، لأن الرئتين تصفي عادة الجراثيم الدائرة . ويصاب مكبوتو المناعة بخراجات دماغية عديدة ، بينما يصاب ذوو المناعة السوية غالباً بخراجة وحيدة .

ويحدد موضع الخمج الأولي العامل الممرض ، والعوامل المسؤولة هي غالباً : العقديات الهوائية واللاهوائية والجراثيم المعوية . والعنقوديات شائعة عادة في الخراجات الرضية وكذلك المطثيات أحياناً ، وكثير من الأخماج مختلطة . وفي أسباب الخراجات النادرة الفطر الشعي Actinomyces والنوكارديا Nocardia والخراجات الدرنية نادرة في البلدان المتقدمة ولكنها شائعة في البلدان النامية .

يتعلق موضع خراجة الدماغ بمصدرها . فتلك الناشئة عن الأذن الوسطى تغزو الفص الصدغي أو المخيخ ، والناشئة عن الجيوب الأنفية تغزو الفص الجبهي وتلك الناجمة عن رض نافذ تحدث في مكان الجرح . أما الخراجات من منشأ دموي فيمكنها أن تخمج أي مكان في الدماغ ، وإن كان معظمها يحدث في توزع الشريان المخي المتوسط .

معظم الخراجات تحدث أعراضاً مماثلة لأعراض ورم الدماغ ولكن سيرها أسرع . وليس من الشائع أن يعاني مرضى الخراجات الدماغية من الحمى أو من إيلام شديد في القحف أو من ارتفاع عدد الكريات البيض . وإنما تتبدى الخراجة بصداع وعلامات فرط التوتر داخل القحف وعلامات بؤرية تتعلق بموضع الآفة . والنوب الصرعية البؤرية والمتعممة من الأعراض الشائعة .

التشخيص التفريقي :

يجب تفريق الخراجة عن ورم الدماغ وعن احتشاء الدماغ أحياناً . يشتبه بالخراجة دوماً إذا كان المريض يعاني من أحد الأسباب المهيئة التالية :كبت المناعة وأمراض القلب المزرقة والتحويلات الشريانية الوريدية في الرئة ولا سيما إذا أصيب الشخص بخمج جرثومي جهازي حديث . ويترسخ التشخيص بوجود التهاب جيوب قيحي أو سيلان الأذن أو دلائل على التهاب الأذن الوسطى ولاسيما عندما تشير الأعراض والعلامات إلى آفة في الفص الصدغي أو المخيخ .

وإذا كان هناك حمى أو ارتفاع في الكريات البيض ( ولايحدث ذلك عادة ) يكون التشخيص مع الخراجة ولايجوز إجراء البزل القطني بسبب خطر انفتاق الدماغ . والتصوير الطبقي المحوري المحسب مفيد ولكنه ليس دوماً مشخصاً . تظهر الخراجة بالكات كافة قليلة الكثافة محاطة بحلقة من المادة الظليلة . ويشبه هذا المنظر أحياناً الحلقة التي تحيط الورم الأولي أو النقائل الورمية الدماغية أو الاحتشاءات الحديثة . ولكن الحلقة الرقيقة الملساء توحي بالخراجة . بينما تشاهد الحلقة السميكة غير المنتظمة أكثر في الورم الدماغي وقد يحتاج الأمر غالباً للاستقصاء الجراحي لوضع التشخيص .

تبدأ المعالجة بالصادات . ففي الخراجات التي لا يتجاوز قطرها 3 مم تكفي المعالجة بالصادات وحدها عادة ، ويتعلق انتقاء الصادة المناسبة بالعامل الممرض . أما إذا كان العامل الممرض مجهولاً فيعطى البنسيلن والكلورامفينيكول بجرعات عالية لفترة ستة أسابيع ؛وهما عادة فعالان . يساعد

التصوير بالكات كثيراً في تقدير فاعلية المعالجة بالصادات ، وفي تقرير متى يجب اللجوء للجراحة . وحتى بعد الشفاء التام قد تبقى الحلقة الظليلة مدة أسابيع ولا يعني ذلك أن الخراجة لا تزال فعالة . وإذا لم يتراجع حجم الخراجة ولم يتحسن المريض بمعالجته بالصادات ، أو إذا كان هناك شك في التشخيص ، فلابد من الاستئصال الجراحي أو الخزعة .

وإذا اكتشفت الخراجة باكراً وبدأت المعالجة بالصاد ات حالاً وبجرعات كافية فلا يحتاج معظم المرضى للجراحة ويشفون مع قليل من العقابيل التي منها الميل للنوب الصرعية التي يمكن التحكم بها بالأدوية المضادة للصرع . وقد خفضت هذه الطريقة الوفيات بخراجة الدماغ حسب بعض الإحصائيات إلى 5% .

التهاب الجيوب الوريدية وأوردة القشر الخثري:

يمكن للأخماج الجرثومية في الجملة العصبية المركزية أن تسبب التهاباً وريدياً خثرياً مع انسداد ثانوي في جيوب الجافية الكبيرة . ويمكن أن تنسد الجيوب الوريدية الكبيرة دون خمج في المصابين باضطراب تخثر الدم. وأكثر الجيوب تعرضاً للخمج والانسداد هما الجيبان الجانبيان ( كمضاعفة لالتهاب الأذن الوسطى الحاد أو المزمن ) والجيب الكهفي ( كمضاعفة لالتهاب الجيب الحجاجي والجيوب الأنفية ) والجيب السهمي العلوي الذي ينسد عادة بامتداد الجلطة المخيخية من الجيبين الجانبيين أو الجيب الكهفي . وقد تصاب أوردة القشر إما باتصالها مباشرة مع خمج الحيز فوق الجافية أو تحتها ، أو من امتداد الجلطة الخمجية من الجيوب .

وتتعلق أعراض انسداد الجيب الجانبي بسرعة الانسداد وبأهمية هذا الجيب في نضح دم الدماغ ، وبما أن الجيبين الجانبيين مختلفا الحجم، فالانسداد البطيء في الجيب الأصغر لا يحدث أعراضاً . أما انسداد الجيب الجانبي الأكبر فيسبقه عادة صداع ووذمة الحليمتين ( ورم الدماغ الكاذب ) والذي يسمى أيضاً موه الدماغ بالتهاب الأذن . ولا توجد عادة أعراض بؤرية إلا إذا انتشر الانسداد وشمل الوريد الوداجي ، وعندها يحدث ألم وتورم ويمكن جس الوريد في العنق كالحبل . وإذا امتد الانسداد للجيب الصخري السفلي يصاب عصب العين المبعد والعصب مثلث التوائم ( متلازمة غرادينغو ) . وإذا أصيبت بصلة الوداجي حدثت رتة وعسرة وبلع وضعف العنق ( متلازمة ثقبة الوداجي ) .

يحدث انسداد الجيب الكهفي Gavernous Sinus صو رة أكثر صخباً . يحدث هذا الانسداد غالباً بسبب خمج العنقودات في الوجه أو في الجيب . ويبدأ بحمى ومحداغ وغثيان وقيء ونوب صرعية . ينسدل جفن العين الموافقة مع كدمة وشلل عيني يضاف إليها أحياناً فقد حس في توزع الفرع الأول من مثلث التوائم ( كل ذلك ينتج عن إصابة العصب الثالث والرابع والخامس والسادس التي تمر عبر الجيب الكهفي ) وتظهر وذمة الحليمة متأخرة .

 

يتميز انسداد الجيب السمي Sagittal Sinus بصداع وغالباً ، بوذمة الحليمة . وإذا كان بدوه حاداً وأصاب الجيب الخلفي أدى لاحتشاء نزفي في جانبي الدماغ محدثاً أحياناً خزلاً مزدوجاً في الجانبين أشده في الساقين وجذري الذراعين أكثر منه في الوجه واليد .

ويجب أن يشتبه بانسداد الجيب أو بالتهاب الأوردة القشرية في كل مريض مصاب بخمج في الرأس أو العنق وأصيب بعلامات فرط التوتر داخل القحف مع علامات عصبية بؤرية أو بدونها . ويشخص انسداد الجيب بسهولة بالتصوير بالمراي الذي يميز الجلطة عن الدم الجائل في الأوعية أو بتصوير الأوعية عن طريق ، على الرغم من أن هذا الاختبار لايميز بين الخثار الخمجي والخثار اللاخمجي .

معالجة خثار الجيب الخمجي ناجحة عادة بالصادات المناسبة ؛ ولكن أحياناً ، وعلى الرغم من المعالجة ، تنتشر الجلطة لتسبب احتشاءً دماغياً شديداً وحتى موتاً . وعلى الرغم من أن إعطاء مضادات التخثر في خثار الجيوب كان مثاراً للجدل ، ولكن الدلائل الحديثة تدل على أن التشخيص السريع الذي تعقبه معالجة سريعة بالهيبارين ثم بالكومارين يقلل الوفيات ويمنع الأذية الدماغية أو يعكسها .

التهاب الشغاف الجرثومي :

يصيب صمات التهاب الشغاف الجرثومي المنتشرة الجملة العصبية في ثلث أو ربع المرضى وأكثر الأعراض مصادفة هي أعراض السكتة الصمية المتميزة بضعف حركي بؤري فجائي . ويمكن لصمات صغيرة عديدة أن تحدث صورة سريرية تشبه اعتلال الدماغ السمي ، مع تخليط وأهلاس ووسن مع علامات بؤرية عابرة أو بدونها . وإذا توضعت صمة خمجية في وعاء دموي دماغي فقد تؤدي لأم دم ( أم الدم الخمجية ) .

تتكون أمهات الدم هذه في الجزء القاصي من الشرايين بعكس أمهات الدم الخلقية التي تتوضع في الأجزاء الدانية . ويمكن لأم الدم أن تتمزق لتحدث نزفاً شديداً في الدماغ أو تحت العنكبوتية . وقد ذكر شفاء أم الدم هذه بالمعالجة المضادة للخمج .

يحتاج كثير من المرضى لربط أم الدم للوقاية من معاودة النزف . وخراجة الدماغ كغيرها من الاضطرابات الخمجية ، قد تنتج عن التهاب الشغاف الجرثومي الحاد أو تحت الحاد .

المضاعفات العصبية الرئيسية لالتهاب الشغاف الجرثومي :

احتشاء الدماغ

صمات صغيرة متعددة ( اعتلال دماغ منتشر )

علامات وأعراض سحائية

نوب صرعية

خراجات دماغية مجهرية

اضطرابات بصرية

اعتلال أعصاب أو اعتلال أعصاب قحفية

أم دم خمجية

نزف تحت العنكبوتية ( دون كشف أم دم خمجية )

 تصيب علامات احتشاء الدماغ أو اعتلال الدماغ الانصمامي زهاء ثلث الحوادث ، وفي كثير من الحوادث تحدث الأعراض الأولى .

أخماج القناة الشوكية:

تتصل سحايا النخاع الشوكي بسحايا الدماغ وتنغمس في نفس السائل الدماغي الشوكي . وتتشارك معها في كل الأخماج السحائية والأحداث الالتهابية التي تصيب الدماغ . ولكن مجامع القيح فوق الجافية وتحت الجافية يمكن أن تبقى موضعة في القناة الشوكية ولها صورة سريرية مختلفة عن مثيلاتها داخل القحف . وخراجات متن النخاع الشوكي نادرة جداً . وتصل عادة إلى الحبل الشوكي ، كما تصل إلى الدماغ ، بالانتشار عن طريق الدم .

الخراجات الشوكية:

تحدث معظم الخراجات الشوكية فوق الجافية إما في الناحية الرقبية أو الناحية القطنية . وتنتشر من بؤره خمجية في جسم الفقرة المجاورة ( التهاب العظم والنقي ) وأكثر الجراثيم المسببة هي العنقوديات المذهبة . أما الخراجات الأخرى فتنشأ إما عن طريق الدم أو عن امتدادها مباشرة من بؤرة خمجية جنيب الفقرية . وحسب فوعة الجراثيم المسببة تظهر العلامات السريرية سريعاً أو ببطء .

 

وفي كلا الحالتين يكون ألم العنق أو ألم الصدر العرض البارز . يكون الألم عادة شديداً ويكون في مراحله الأولى موضعاً مع إيلام شديد بضغط للسناسن فوق موضع الخمج . ومع ترقي المرض يصبح توزعه جذرياً بسبب تخرش الجذور بالحدث الالتهابي . ومالم يبدأ بمعالجة فعالة ، يظهر تدريجياً ضعف ونقص حس تحت الآفة ( اعتلال نخاعي ) قد يؤدي لشلل سفلي خلال ساعات أو أيام.

تظهر عند معظم المصابين بخراجة فوق الجافية حمى وأعراض حمية مع ارتفاع عدد الكريات البيض . وفي الحالات الأكثر إزماناً قد تكون هذه الموجودات غائبة ولكن سرعة التثفل تكون عالية . وقد لا يبدو بالأشعة تغير في أجسام الفقرات قبل مرور عدة أسابيع على بدء الأعراض حتى ولو كان المريض يعاني من التهاب العظم والنقي . ويتم التشخيص عادة بالتصوير النخاعي الظليل . ويتميز الـ س . د . ش الذي يحصل علية أثناء حقن المادة الظليلة بزيادة عدد الكريات البيض . ونادراً ما تنمو جراثيم بزرعه . وفي الحدثيات الأكثر إزماناً قد يزداد عدد الكريات البيض .

وقد ذكر بعض المشتغلين بهذا المرض مؤخراً الوصول إلى تشخيص دقيق بالتصوير الطبقي المحسب الذي يظهر آفة خارج الجافية محدثة إحصاراً كاملاً أو جزئياً ، هذا بالإضافة إلى بزل الخراجة عبر الجلد للتشخيص الجرثومي . ويتشارك الدبل الشوكي تحت الجافية Spinal Subdural Empyemas ، المسبب عادة من العنقوديات المذهبة ، غالباً مع التهاب سحائي واحتشاء الحبل الشوكي . وفيما عدا ذلك فالحدثيتان متشابهتان من حيث أعراض البدء السريرية . كما أن وسائل التشخيص والمعالجة مماثلة .

يجب بدء المعالجة بالصادات بمجرد الاشتباه بالتشخيص . وفي الماضي كان النزح الجراحي يعتبر إجبارياً في الخراجات الحادة . أما حديثاً فقد اقترحت طريقة غير جراحية باستعمال الصادات المماثلة لتلك المستعملة في خراجات الدماغ ولكن النتائج لا تزال قليلة جداً للحكم على فاعلية هذه الطريقة . تستجيب الخراجات المزمنة للصادات وحدها أحياناً ولكن إذا ظهرت علامات اعتلال النخاع فيجب أن يزال الضغط جراحياً . وتكون نتائجه جيدة عادة إذا لم يكن المريض قد أصيب بالشلل التام قبل إجراء العملية .

يجب أن تفرق خراجات القناة الشوكية الحادة وتحت الحادة عن التهاب النخاع المعترض الحاد أو تحت الحاد وعن الورم الدموي الشوكي فوق الجافية وتحتها والذي يصيب عادة المصابين باضطراب التخثر . ويجب تمييز خراجات القناة الشوكية المزمنة عن الورم . أما في الخراجة الحادة فيتأكد التشخيص بوجود الحمى والانسمام وقصة خمج سابق ، كما يظهر تصوير النخاع الظليل والتصوير الطبقي المحسب الآفة خارج الجافية . أما في التهاب النخاع المعترض الحاد فيكون تصوير النخاع إما سوياً أو يظهر انتباجاً في الحبل الشوكي .

 

وفي الشكل الأكثر إزماناً قد يكون التفريق بين الورم والخراجة المزمنة صعباً ، إذ يمكن لكليهما إحداث تغيرات شعاعية في أجسام الفقرات . يصيب الالتهاب غالباً فقرتين متجاورتين عبر القرص بين الفقري ، بينما يقتصر الورم على جسم كل فقرة على حدة . وإذا بقي التشخيص مشكوكاً فيه تصبح الخزعة أو إزالة الضغط عن الحبل ضرورياً.

 

الأخماج الجرثومية الأخرى :

لقد أصبح خمج الجملة العصبية الدرني والتدرن إجمالاً نادرين الآن في البلاد المتقدمة بالإضافة إلى صعوبة وضع تشخيص نهائي لهما عندما يصادفان.

السفلس ( الافرنحي ) :

تغزو لولبية السفلس الجملة العصبية المركزية في معظم الأحيان بعد دخولها الجسم . وقد يقضي دفاع الجسم على اللولبية ، أو يحيله لخمج مزمن لا تظهر أعراضه إلا بعد سنوات . وأكثر أشكال السفلس العصبي مصادفة هو اللاعرض والذي يكشف بفحص السائل الدماغي الشوكي قليلاً من الكريات البيض وإيجابية اختبارات السفلس المصلية . وقد يتظاهر السفلس العصبي العرضي بالتهاب سحائي حاد أو تحت الحاد ( الشكل السحائي ) يشبه غيره من التهابات السحايا الجرثومية . ويحدث عادة في المرحلة الثانية من السفلس مرافقاً للأعراض الجلدية . ويشتبه بالتشخيص من القصة ومن الأعراض الجلدية إذا وجدت . يؤكد بإيجابية الاختبارات المصلية في الـ س د ش ويستجيب المرضى للمعالجة المضادة للسفلس بالبنسلين .

السفلس الوعائي Vascular Syphilis :

يبدأ بعد الإصابة الأولية بـ 2 - 10 سنوات ويتميز بالتهاب السحايا وبالتهاب الشرايين الصغيرة ويؤدي إلى انسدادها . ويكشف الفحص سريرياً بعض الأعراض السحائية . وتظهر دلائل على احتشاءات بؤرية دماغية أو نخاعية . ويمكن أن يلتبس المرض بالتهاب الأوعية المناعي الذاتي أو حتى بمرض وعائي عصيدي تصلبي دماغي . ويجب أن توجه علامات الحبل الشوكي البارزة والباكرة نحو سفلس محتمل . ويؤكد التشخيص زيادة الكريات البيض في الـ س .د.ش وارتفاع الغاماغلوبولين وإيجابية اختبارات السفلس المصلية . يستجيب المرضى للمعالجة بالصادات على الرغم من أن شفاءهم من الإصابات البؤرية قد لا يكون كاملاً.

الشلل العام General Paresis :

وكان يشاهد بكثرة في المصحات العقلية ولكنه أصبح الآن نادراً . وينجم المرض عن غزو السفلس لمتن الدماغ ، ويبدأ سريرياً بعد 10 - 20 سنة من الخمج الأولي . يتميز الشلل العام بخرف مترقٍ مع أعراض هوسية أو هذيانات عظمة أحياناً . ويتشارك غالباً مع رجفان خشن يصيب عضلات الوجه واللسان . ومن مفاتيح التشخيص حدقة أرغايل روبرتسون وفحص ال س . د .ش الذي يكون دوماً إيجابياً لتفاعلات السفلس المصلية . ويتحسن المرض عادة بالصادات ولا سيما بالبنسلين لكنه لا يشفي تماماً.

 

التابس الظهري Tabes Dorsalis :

وهو مرض سفلسي تصاب به الجذور الخلفية ويظهر بعد 10 - 20 سنة من الخمج الأولي . ويتميز بآلام برقية رامحة وباعتلال عصبي حسي ويصيب بالخاصة الألياف الثخينة ، وفي الطرفين السفليين أكثر من العلويين . يفقد حس الاهتزاز والوضعة مع انعدام المنعكسات الوترية . وتصاب أيضاً ألياف الجملة المستقلة محدثة هبوط توتر قيامي وقرحات اغتذائية في القدمين واعتلال مفصلي رضي . كما يفقد تفاعل الحدقة للنور ( علامة أرغابيل روبرتسون ) والتفاعلات المصلية على الـ س د ش إيجابية عادة ويستجيب المرضى جزئياً للمعالجة بالصادات .

ومن مضاعفات التابس النادرة ضمور العصب البصري المترقي والصمغ الدماغي ( آفة كتلية في الدماغ ) والسفلس العصبي الوراقي والتهاب الجهاز السمعي الدهليزي السفلسي .

 

التدرن Tuberculosis :

يتظاهر تدرن الجملة العصبية المركزية بأشكال مختلفة ، وقد يحدث دون دلائل على خمج فعال في مكان آخر من الجسم . وأكثر الأشكال مشاهدة هو التهاب السحايا الدرني ، الذي يبدأ بصداع تدريجي وصلابة نقرة وحمى ، وبعد بضعة أيام يصاب المريض بتخليط واضطراب التوجه ، وتصاب الأعصاب القحفية ولا سيما العصب السمعي أثناء مرورها في قاعدة الدماغ . ومعظم المرضى يقعون في السبات إذا لم يعالجوا ، ويموتون خلال أربعة أسابيع من بدء المرض .

ويمكن لالتهاب الشرايين المرافق له أن يحدث علامات بؤرية مسبباً فالجاً أثناء سيره . ويجب تمييز التهاب السحايا الدرني عن التهابات السحايا الأخرى الحادة وتحت الحادة ، وليس ذلك سهلاً دوماً حتى بعد فحص ال س .د.ش الذي قد يبدو مرتفع التوتر ويحوي زيادة في الكريات البيض تصل لبضع مئات من اللمفيات والوحيدات . ويكون البروتين مرتفعاً أكثر من 100 مغ/دل ويصل أحياناً إلى مستويات عالية جداً ، وينخفض السكر ، وتكون اللطاخة إيجابية للعصيات الصامدة للحمض في 25% من الحالات .

تنمو عصية السل في المزارع بعد عدة أسابيع من زرعها وقد ذكر حديثاً عن واسمات Makers دقيقة في الـ س د ش تشخص المرض بسرعة ، ويمكن الحصول عليها عن طريق مركز مراقبة الأمراض في الولايات المتحدة الأميركية . وبانتظار الحصول على هذه الوسائل يجب البدء بمعالجة المريض المصاب بالتهاب سحايا تحت الحاد يشتبه بأنه درني ، بالأدوية المضادة للتدرن حتى قبل الوصول للتشخيص القاطع ويجب زرع عينات من الـ س د ش كما يجب البحث بدقة عن السل في أماكن أخرى من البدن . ويكون تفاعل السلين إيجابياً في 75% من هؤلاء المرضى ويمكن بالبحث المتقن كشف دلائل على تدرن جهازي عند أكثرهم .

الأورام الدرنية الدماغية Tuberculomas : وتحدث إما أعراض وعلامات آفة كتلية أو أعراضاً سحائية . يعثر الورم السحائي صدفة ويكشف بالتصوير الطبقي المحوري المحسب كافة وحيدة أو متعددة . ولكن هذا التصوير لا يفرق الورم السحائي عن غيره من أورام الدماغ أو خراجاته . وفي غياب أعراض التدرن السحائية أو الجهازية تصبح الخزعة ضرورية للتشخيص . ويستجيب المصابون بالورم الدرني والمصابون بالتهاب السحايا الدرني للمعالجة المضادة للتدرن ، ولكن الآفات الدماغية تبقى مرئية بالكات مدة طويلة بعد تحسن المريض السريري .

 

ولا يمكن للفحص السريري والكات أن يتنبأ عن النتائج . والتظاهرات الدرنية الشائعة هي التهاب العنكبوتية المزمن المتميز بتغير خفيف في الـ س د ش وبألم مترقٍ وعلامات عصبية في نطاق ذنب الفرس أو الحبل الشوكي . ولتشخيص التهاب العنكبوتية يوصي بتصوير النخاع الظليل الذي يظهر دلائل على تليف أو تحجب ( تقطع ) في عمود المادة الظليلة بدلاً من مظهر تحت العنكبوتية الأملس السوي . ولا يستجيب المرضى جيداً للمعالجة . وقد ينجم اعتلال النخاع الدرني عن غزو عصية الدرن مباشرة من الحيز تحت العنكبوتية .

ويتميز اعتلال النخاع الدرني تحت الحاد باضطراب حسي في الطرفين السفليين أو في الأطراف الأربعة حسب مقر الآفة . وقد تظهر علامات إضافية على التهاب السحايا كالحمى والصداع وصلابة النقرة . يحوي الـ س د ش عادة على زيادة في الخلايا وعلى عصيات المحمل . وقد يظهر تصوير النخاع دلائل على التهاب العنكبوتية ، كتضخم الحبل الشوكي ، أو إحصاراً كاملاً للمادة الظليلة في الناحية الظهرية أو الرقبية .

 

المصدر: بوابة الصحه