ما شكل الحياة بلا تلفزيون

ترسخ التلفاز كوسيلة إعلامية إلى حد أنه حصل في إحدى الولايات الأمريكية على الأقل منذ عام 1985 على منزلة الضرورة الشرعية التي تُحمى من الاسترجاع في حالة الدين مع الملابس وأدوات المطبخ وما شابه ذلك.

ووفقاً لإحصاءات أمريكية ازداد استعمال التلفزيون في المنازل في الفترة من عام 1950 إلى عام 1982 من 4 ساعات و25 دقيقة يومياً إلى 6 ساعات و48 دقيقة في اليوم.



ووفقاً لما ورد في تقرير نيلسن (Nielsen report) لعام 1993م يُمضي الأطفال بين الثانية والخامسة  22.9 ساعة في المتوسط أسبوعياً في مشاهدة التلفاز. بينما يُمضي الأطفال بين السادسة والحادية عشرة 20.4 ساعة مشاهدة. وهناك دراسات مسحية أخرى تبين أن هناك أوقات مشاهدة أطول تصل إلى 54 ساعة أسبوعياً لمشاهدين لم يصلوا السن المدرسية بعد. وحتى أشد التقديرات حذراً تدل على أن أطفال ما قبل المدرسة يُمضون أكثر من ثلث ساعات يقظتهم في مشاهدة التلفاز.

أما إذا أردنا الحديث عن مدى تأثير التلفاز في التحصيل الدراسي فيكفي أن نعلم أن الأطفال يقضون 400 ساعة في مشاهدة التلفاز خلال دراستهم. أي زيادة عما يقضونه فعلياً في فصول الدراسة.

وبناء على هذه الإحصاءات فإن الآباء بحاجة إلى التفكير بأسلوب جديد فيما يتعلق بالتلفزيون. ويحتاجون إلى التفكير ملياً في الدور الذي يلعبه في حياة أطفالهم, وفي حياتهم معاً كأسرة. فغالب برامج التلفاز عنيفة أكثر مما يلزم, ضحلة أكثر مما ينبغي, جنسية فوق الحد.

إن حياة الناس الذين يشاهدون التلفاز بكثرة غير متوازنة, فهم يعيشون تحت سيطرته غير آبهين بالأنشطة المؤدية إلى النماء والتطور أو الإحساس بالإنجاز.بالإضافة إلى أن هذه العادة تشوه معنى الوقت وتضعف العلاقات, إذ تُقلّص فرص الحديث والتواصل الطبيعية. والتلفاز لا يحقق الإشباع فكلما شاهدته أكثر كلما تعلقت به, وأصبح الإقلاع شيء صعب.

ومن المثير أن نعلم أن نائب الرئيس السابق المسؤول عن برامج الأطفال لدى شبكة تلفزيون CBS  قال في مقابلة صحفية أنه  لم يكن يسمح لأطفاله خلال فترة نموهم بمشاهدة البرامج في أيام الدراسة, وقال: كان يتعين عليهم الاهتمام بأمور أكثر حيوية من الناحية الفكرية.

وللأسف فإن معظم الأسر العربية يغيب عنها التفكير في كثير من الأمور التربوية, ومنها موضوع التلفاز ومدى تأثيره على الأطفال. ويتركون الأمور تجري على طبيعتها دون تدخل بضبط تربوي ملموس أو فرض سيطرة معينة من أجل مصلحة أطفالهم. فقلما نجد من يحدد ساعات مكوث أطفاله أمام التلفاز وينبه إلى ما يشاهده طفله من خلال الشاشة الصغيرة, بل بالعكس قد تجد أما تفتح التلفاز لطفلها وتتركه ساعات أمامه من أجل أن يتاح لها وقت لأعمال المنزل أو حتى للحديث في الهاتف أو الراحة.

ولو أنك تجرّأت وفكرت في أن تخبرهم بأن يتخلوا عن جهاز التلفاز في بيوتهم؛ لربما كانت ردة الفعل غير متوقعة..! عن أي شيءٍ تتحدث..؟!  التلفاز ..! هو كالهواء الذي نتنفس والماء الذي نشرب!!.

وبالمناسبة نذكر تجربة أجريت في دنفر عام 1974 م على أسر تطوعت للعيش دون تلفاز لمدة شهر, ونعرض فقط وبشكل مقتضب النتائج  والتغيرات في الحياة الأسرية لدى هذه العائلات:

  • مزيد من تفاعل الصغار مع الكبار.
  • شعور حميم بالتقارب الأسري.
  • جو أكثر هدوءاً في البيت.
  • مزيد من المساعدة من جانب الأطفال في البيت.
  • تغيرات في وقت النوم والوجبات.
  • مزيد من اللعب الخارجي.
  • مزيد من اللعب الطفولي المشترك.
  • مزيد من القراءة.
  • علاقات أفضل بين الوالدين.
  • إتاحة الوقت لأنشطة عديدة إضافية

وبعد هذا هل نجرؤ على اتخاذ قرار بإبعاد التلفاز من حياتنا؟ أو على الأقل هل نقوم بتحجيم تأثيره والحد من آثاره وفق قرارات مدروسة. 

مصدر الإحصاءات المذكورة:

وين, ماري: الأطفال والإدمان التلفزيوني. ترجمة عبد الفتاح صبحي. سلسلة عالم المعرفة. العدد 247