ما رأيكم لو انقلب الوضع؟

 

ما رأي حضراتكم لو كانت للنساء القيادة العامة في كل أمور الحياة وكن هن القيمات على الرجال، وثار الرجال لذلك مطالبين بالمساواة؟ وما رأيكم لو اشتدت هذه الثورة حتى لم تجد النساء مفراً من الجلوس مع الرجال مرغمات في محاولة للاستماع إليهم وتلبية مطالبهم، أعتقد أنه موقف مثير وطريف يستحق التسجيل والمتابعة، ووجه الطرافة يكمن في أنه موقف مقلوب وغير معتاد، أما وجه الإثارة فيكمن في الغموض الذي من الممكن أن تكون عليه مطالب الرجال، يا ترى إذا كان الوضع هكذا ماذا يطلب الرجل من باب مساواته مع المرأة القائدة؟ هل يطلب مثلاً أن تستبدل خشونته بنعومتها؟ ومكابدته في طلب الرزق باحتضان الذرية والتكفل برعايتهم في المأكل والمشرب والاستشفاء؟ وحمله السلاح دفاعاً عن العرض والأرض والدين بالخدمات الاجتماعية الأيسر بذلاً والأقل إرهاقاً؟



 

إن هذه المطالب ليس لها علاقة بالمساواة والذي ينادي بها اختلطت عليه الأمور، وأطلق دعوة جادة أراد بها هزلاً! ليس من المساواة أن يقوم مفتول العضلات بنفس أعباء من هو أقل منه قوة، وإلا فما ميزة عضلاته تلك ولم خلق عليها؟ وليس من المساواة لمن جبل على ضبط انفعالاته أن ينكص على عقبيه في كل موطن يحتاج لذلك ويطالب بأن يكون في نفس موطن من كانت طبيعته الانفعالية غير ذلك، وإلا فما قيمة هذه الخاصية ولم فطر عليها·· السؤال الذي أطرحه الآن هو: هل جأر الرجل بهذه المطالب يعتبر فعلاً مطالبة بالمساواة؟ وهل المناداة بهذه المطالب تعتبر فعلا مفخرة له يزهو بها؟ أترك الجواب لحضراتكم! وأدعو إلى الوضع الحقيقي الذي نحياه وهو الوضع العكسي، والذي تطالب فيه المرأة بالمساواة المطلقة مع الرجل، إن المطالبة بالمساواة المطلقة التي يجأر بها البعض لتكون المرأة مثل الرجل تماماً خصوصاً في بعض ميادين العمل ليست مفخرة بل هي إهدار لأنوثتها وفي بعض الظروف إهدار لكرامتها الإنسانية.

 

ليس كل ما في الغرب حلو وجميل حتى ننادي به في ديارنا خصوصاً فيما يتعلق بوضع المرأة!·· لن يرفع من قيمة المرأة، ويزيد من زهوها بنفسها ويشعرها بمساواتها للرجل حين تعمل محصلة تذاكر في الحفلات العامة، أو شرطية تنظم المرور وهي واقفة في الحر والبرد بالساعات تتابع ببصرها حركة السيارات والمشاة، هل لكي تشعر المرأة بالمساواة مع الرجل أو لكي تصل إليها لابد أن تعمل ميكانيكية، وأن تغسل الشوارع وأن تفتت الصخور في المحاجر، وأن تحمل القمامة فوق ظهرها حتى يقصم، هل لكي تنال الفتاة مساواتها بالشاب لابد أن تمارس الملاكمة، والكيك بوكس، وحمل الأثقال، وهل المساواة لا تنال إلا بمثل هذه الأمور، والتي سقتها على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر!

 

في الموضوع الذي نحن بصدده نشرت منظمة الصحة العالمية - شرق البحر المتوسط في تقرير لها، أنه: وفي جميع الأحوال لا يليق بالمرأة أن تعمل في المجالات التي لا تلائم طبيعتها، وأن تدخل في أي ضرب من ضروب الصناعة والحرف الشاقة، فالمجالات التي تحسنها المرأة وتتناسب معها كثيرة ومتعددة، كميدان التعليم والطب والتمريض والرعاية الاجتماعية، والكتابة والنشر وبعض الوظائف غير المرهقة، وتستطيع فوق كل ذلك أن تغشى الأسواق في حشمة ووقار فتبيع وتبتاع·· أوافق على هذا الكلام وأنا مستريح البال.

 

إن الدول الصناعية التي يطالب البعض بتقليدها في كل شيء لم تنظر لعمل المرأة على أنه مساو للرجل··· ولذلك اختلفت الأجور التي يتقاضاها الرجال عن الأجور التي تتقاضاها النساء كما يلاحظ ذلك من بعض الإحصائيات العالمية حيث نجد أن هذه تتراوح ما بين (59% - 79%) من الأجور التي يتقاضاها الرجال في الأعمال المتماثلة وهذا الوضع إذا لم يكن هناك ما يبرره - من حيث الأداء، والانتظام - يكشف زيف المساواة التي تتشدق بها تلك الدول، هي أو من ينادي أو يسوق لها ولأفكارها في ديارنا! إن عدم المساواة في الأجور بين الرجال والنساء في نفس الأعمال التي يقوم بها كلاهما ظلم للمرأة وعنصرية ضدها، نرفضه نحن المسلمين وندعو الدول التي تتبناه للرجوع عنه، إن الدعوة إلى المساواة المطلقة ليست حكمة ولا فضيلة، ويدرك ذلك كل من كان له لب ويفكر في الموضوع بنزاهة سواء كان مسلما أو غير مسلم!

 

نشرت جريدة الهيرالدتريبيون الدولية، في عددها رقم 32650 بتاريخ 16/شباط/فبراير1988 أن الدكتورة روزفريش أستاذة الصحة العامة بجامعة هارفارد، قامت بدراسة أجرتها على 5398 امرأة تتراوح أعمارهن مابين 20-21 عاماً وتقدمت بنتائج هذا البحث إلى الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، وخلصت من دراستها إلى النتائج التالية: والتي أعرضها على زاعمي المساواة المطلقة:

 

1-     بينت دراسة جامعة هارفارد إضافة إلى دراسة أجرتها جامعة ألبرت أن الأعمال النشيطة التي تمارسها المرأة تؤثر جداً في إنتاج الاسترجينات التي تتحكم في الإنجاب.

2-     أشارت هذه الدراسة مع أخرى أجرتها جامعة كندية أن النساء اللواتي يمارسن الأعمال المجهدة يصبن باضطراب الإخصاب حتى لو استمر الطمث لديهن على وضعه النظامي.

3-     تصاب اللاعبات الرياضيات النشيطات باضطراب في الدورة الطمثية، ويصبحن غير مخصبات، طالما يقمن بالممارسة الرياضية، ويمكن أن تعود الخصوبة إلى وضعها الطبيعي بالتوقف عن الممارسة الرياضية، وأضافت الباحثة نصيحتها إلى النساء قائلة: لا يمكن للمرأة أن تعمل كل شيء··· بمقدور كل واحدة منكن أن تصبح نجمة رياضية أو لاعبة أولمبياد شهيرة··· ولكنها إذا رغبت في إنجاب طفل عليها أن تتوقف عن اللعب، ذلك أن المستوى الأدنى من التمارين يمكن أن يكون له عواقب ضارة على الجهاز التناسلي لدى المرأة.

يغلب على ظني أن الباحثة تقصد النشاط الرياضي المجهد جداً، التي تصبح به المرأة بطلة رياضية، وأنها لا تقصد النشاط الرياضي المعتدل الذي يحافظ به المرء على صحته وقوامه، أو حتى الألعاب الرياضية المختلفة غير التي ذكرناها في بداية المقال، والتي يهواها المرء ويجد ذاته فيها، وتنفعه مواهبه لتأديتها·

أرجوكم لا أريد أن يتصل بي أحد ويقول لي: كيف تحرم الرياضة على المرأة فإنني لا أحرم الرياضة على المرأة، كل الذي فعلته أنني أوردت رأي أهل التخصص في الميدان، وأنني عقبت عليه بما غلب على ظني من فهم، وما استقر عندي من قراءات أخرى غير تلك التي أوردتها الباحثة، الذي أراه في الموضوع أن دعوى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في الأنشطة المجهدة، وأكرر: ميادين الأعمال والأنشطة المجهدة دعوة ظالمة للمرأة وأنها دعوى مريبة، وأن الذين ينادون بها اختلطت عليهم الأمور سواء كانوا حسني النية أو غير حسني النية وكلا الفريقين موجود!

 

وهذا ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة فيما يخص القيمة والكرامة الإنسانية أو قضية الثواب والعقاب التي ساوى فيها الإسلام بين كل منهما، مساواة مطلقة قال تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" النحل 91 ومن أصدق من الله قيلاً؟ اللهم لا أحد!. 

 

عمرو خالد يكتب لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 30 أبريل 2005