ما المقصود بعملية التآكل الجيولوجي وما هي أنواعها؟

تختلف التضاريس التي تكوِّن بيئتنا من جبال وتلال وهضاب وسواحل ووديان وغيرها، لكن هل تسألتم يوماً كيف تكوَّنت هذه التضاريس؟ وما هي العوامل التي أدَّت إلى نشأتها؟ في مقالنا هذا سنتعرَّف إلى إحدى العمليات الجيولوجية التي لها دور كبير في تكوين معظم هذه التضاريس؛ ألا وهي عملية التآكل؛ لذا تابعوا معنا.



ما هي عملية التآكل الجيولوجي؟

يُقصد بعملية التآكل أنَّها: العملية الجيولوجية التي يحدث فيها اهتراء المواد الترابية وانتقالها بفعل قوى الطبيعة كالرياح والمياه؛ والتي تساهم أيضاً في عمليات مماثلة كالتجوية وتكسير أو إذابة الصخور، ولكنَّ هذه العملية تنطوي على الحركة. والتآكل عكس عملية الترسيب؛ والتي يحدث فيها ترسب للمواد الترابية وتراكمها فوق بعضها لتشكيل الأراضي.

تحدث معظم عمليات التآكل بواسطة الماء أو الرياح أو الجليد "على شكل الأنهار الجليدية"، فإن كانت الرياح مغبرَّة وكانت المياه أو الجليد موحلَين، فهذا يعني أنَّ التآكل يجري؛ إذ يُشير اللون البني إلى أنَّ أجزاء من الصخور والتربة عالقة في الماء أو في الهواء، وتنتقل من مكان إلى آخر، وتُدعى هذه المواد المحمولة بالرواسب.

أنواع التآكل الجيولوجي:

فيما يأتي بعض أهم أنواع التآكل:

1. التآكل الفيزيائي:

التآكل الفيزيائي هو وصف لعملية تآكل وتغيير الخصائص الفيزيائية للصخور دون المساس بتركيبها الكيميائي الأساسي.

غالباً ما يسبب التآكل الفيزيائي صغر حجم الصخور أو جعلها أكثر نعومة وسلاسة، وفي بعض الأحيان يخلِّف التآكل الفيزيائي للصخور رواسبَ طينية، وهذه الرواسب تتكون من شظايا دقيقة من صخور قديمة نُقِلَت من مكانها الأصلي بفعل حركة الهواء أو الماء.

ترتبط الانهيارات الأرضية وغيرها من أشكال الحركات الجيولوجية بالتجوية الفيزيائية؛ إذ تتسبب هذه العمليات بإزاحة الصخور من سفوح التلال وانهيارها في أثناء تعثرها بالمنحدرات.

يمكن أن يساهم نمو النباتات في التآكل الفيزيائي أيضاً بعملية تُدعى بالتآكل الحيوي؛ إذ تُكسِّر النباتات المواد الترابية عندما تتجذر، وأيضاً يمكنها إحداث شقوق في الصخور التي تصادفها.

من الممكن أن يساهم الجليد والماء في التآكل الفيزيائي أيضاً؛ وذلك لأنَّ حركتهما تجبر الصخور على الانهيار والتصدُّع، وتتحطَّم الصخور وتتفتت بينما يتآكل بعضها الآخر.

مثلاً: نرى غالباً أنَّ صخور الأنهار أكثر نعومة من الصخور الموجودة في أماكن أخرى؛ وذلك لأنَّها تآكلت عن طريق الاحتكاك والتصادم المستمر بصخور الأنهار الأخرى.

2. التآكل بفعل الماء:

الماء السائل هو العامل الرئيس للتآكل والتعرية على الأرض؛ إذ تحمل الأمطار والفيضانات والأنهار والبحار والمحيطات والبحيرات أجزاء من التربة والرمال وتزيل الرواسب ببطء.

ينتج عن هطول الأمطار أربعة أنواع من تآكل التربة وهي: التآكل بالرذاذ، وتآكل الألواح، وتآكل الحواف، وتآكل الأخاديد.

  1. يصف التآكل بالرذاذ تأثير تساقط قطرات المطر، والتي يمكنها تشتيت جزيئات التربة الدقيقة حتى 0,6 متر.
  2. يصف تآكل الألواح أو تآكل الورقة التآكل الناجم عن الجريان السطحي للماء وما يعريه بجريانه.
  3. يصف تآكل الحواف التآكل الذي يحدث عندما يتطور الجريان السطحي للماء إلى تيارات منفصلة كالحواف.
  4. يصف تآكل الأخاديد المرحلة التي تُنقَل فيها جزيئات التربة عبر قنوات أرضية كبيرة؛ إذ تحمل الأخاديد المياه لفترات وجيزة من الوقت في أثناء هطول الأمطار أو ذوبان الجليد، وتتظاهر على شكل وديان صغيرة أو شقوق خلال مواسم الجفاف.

3. تآكل الوادي:

تآكل الوادي هو عملية التآكل التي تحدث في ضفاف الأنهار والجداول وفي أثناء جريان الماء فيها؛ مما يؤدي إلى إنشاء وديان أكبر باستمرار.

يُعَدُّ وادي نهر السمك في جنوب ناميبيا أكبر وادٍ في أفريقيا ونتج عن تآكل الوادي.

وعلى مدى ملايين السنين تآكل نهر فيش في صخرة النيس الصلبة ونحت وادياً يبلغ طوله حوالي 160 كم وعرضه 27 كم وبعمق 550 م.

4. تآكل السواحل:

المحيط لديه قوة تعرية وتآكل هائلة تسبب تآكل السواحل؛ أي تآكل الصخور أو التراب أو الرمال على الشواطئ؛ مما يؤدي إلى تغيرات في شكل الخطوط الساحلية بأكملها.

في أثناء عملية تآكل السواحل تضرب الأمواج الحصى والرمال، وتبدأ التيارات البحرية والأمواج بنقل الرمال والشظايا بعيداً عن السواحل؛ الأمر الذي يسبب تحرُّك الساحل إلى الداخل باستمرار وببطء شديد مع مرور الوقت.

يسبب تآكل السواحل تأثيرات كبيرة في المدن والقرى والنظم البيئية الساحلية، فقد تهدد بوصول المياه إلى المنازل وحتى غرقها.

على سبيل المثال كادت منارة كيب هاتيراس أن تتدمر نتيجة تآكل السواحل، وهذه المنارة بُنيَت على ساحل أوتر بانكس عام 1870م؛ وهي عبارة عن سلسلة من الجزر الحاجزية قبالة ساحل ولاية نورث كارولينا الأمريكية.

في ذلك الوقت كانت المنارة على بعد 457 متراً عن المحيط، ومع مرور الزمن تسبب المحيط في تآكل معظم الشاطئ بالقرب من المنارة، ومع حلول عام 1970م، كانت الأمواج المتدفقة على بُعد 37 متراً فقط من المنارة؛ الأمر الذي عرَّض الهيكل للخطر، واعتقد معظم الناس أنَّ المنارة ستنهار خلال أيَّة عاصفة قوية ستحدث؛ لذا عمدوا إلى تحقيق إنجاز هندسي كبير أُنجِز في عام 1999م، ونقلوا المنارة مسافة 880 متراً إلى الداخل بعيداً عن المياه.

تؤدي القوة الضاربة لأمواج المحيط إلى تآكل المنحدرات الساحلية أيضاً، ويمكن نتيجة فعل التآكل والتعرية إحداث مناظر طبيعية استثنائية على السواحل، فمثلاً يمكن أن يسبب التآكل ثقوباً تشكل كهوفاً، وعندما تتسرب المياه عبر الجزء الخلفي من الكهف يمكن أن تشكل قوساً؛ ونتيجة الضرب المستمر للأمواج قد يسقط الجزء العلوي للقوس تاركاً وراءه أعمدة صخرية تُدعى بمداخن البحر.

تُعَدُّ الأكوام البحرية المتبقية في منتزه Twelve Apostle Marine National Park في فيكتوريا أستراليا واحدةً من بين أكثر معالم التآكل الساحلي شهرة في العالم.

5. التآكل بفعل الرياح:

تُعَدُّ الرياح عاملاً قوياً في حدوث التآكل؛ إذ تنقل التيارات الهوائية الغبار والرمل والرماد باستمرار من مكان إلى آخر، فهي تستطيع صنع كثبان وتلال من الرمل شاهقة الارتفاع بعاصفة واحدة، فمثلاً يصل ارتفاع الكثبان الرملية في قسم Badai Jaran في صحراء Gobi في الصين إلى أكثر من 400 متر.

يمكن للرمال التي تهب عليها الرياح بقوة وسرعة هائلتين في المناطق الجافة والحارة أن تنفجر؛ مؤدية إلى تآكل الصخور الناعمة ببطء، واحتكاكها بالصخور بشكل مستمر يعمل على تلميعها ومنحها مظهراً يُدعى بورنيش الصحراء.

يمكن أن تسبب الرياح تآكل المواد الصخرية حتى يتبقى القليل منها فقط، فمثلاً عندما نشاهد صخرة فيها فتحات في مركزها أو أحد جانبيها؛ فهذه الفتحات منحوتة بفعل قوة التآكل والتعرية الخاصة بالرياح.

على سبيل المثال التكوينات الطباشيرية الهائلة في الصحراء البيضاء في مصر؛ هي عبارة عن فتحات تهوية منحوتة منذ آلاف السنين بفعل الرياح التي تهب على المناطق المسطحة هناك.

من الأمثلة الأكثر تدميراً عن التآكل بفعل الرياح هي العواصف الترابية التي سُمِّيَت بوعاء الغبار في الثلاثينيات بأمريكا الشمالية، بعد أن أصبحت صحراء جافة نتيجة سنوات الجفاف وسوء الإدارة الزراعية؛ إذ تآكلت ملايين الأطنان من التربة السطحية بفعل الرياح القوية لدرجة أنَّ العواصف في تلك الفترة الزمنية سُمِّيَت بالعواصف الثلجية السوداء، وقد دمرت هذه العواصف الترابية الاقتصاد المحلي وأجبرت آلاف الأشخاص الذين كانوا يعتمدون على الزراعة إلى الهجرة والتخلي عن أراضيهم وممتلكاتهم.

6. التآكل بفعل الجليد:

يتسبب الجليد عادةً - إن كان على شكل أنهار جليدية جارية - بتآكل الأرض وإنشاء تضاريس مميزة؛ إذ تتحرك الأنهار الجليدية ببطء عبر المنحدرات وعبر الأرض في المناطق المتجمدة، وتأخذ كل ما يعترض طريقها معها من حبيبات الرمل الناعمة إلى الصخور الضخمة.

تتناثر الصخور التي تحملها الأنهار الجليدية وتحتك بالأرض تحتها؛ مما يؤدي إلى تآكل الأرض والصخور؛ وبهذه الطريقة تطحن الأنهار الجليدية الصخور وتكشط التربة.

تحفِّز الأنهار الجليدية المتحركة تشكُّل الأحواض والوديان شديدة الانحدار، وغالباً ما تظهر الرواسب المتآكلة والتي تُدعى بالركام فوق ضفاف الأنهار الجليدية وحولها.

غطَّت الأنهار الجليدية الهائلة أجزاءً واسعة من نصف الكرة الشمالي عدة مرات في تاريخ الأرض، وكانت تُعرف هذه الفترات بالعصور الجليدية، وقد نحتت هذه الأنهار في تلك العصور الكثير من المناظر الطبيعية الحديثة لأمريكا الشمالية وأوروبا.

شكَّلت الأنهار الجليدية سابقاً ما يُعرَف الآن ببحيرات Finger في ولاية نيويورك الأمريكية، وشكَّلت ونحتت المضائق والخلجان العميقة على طول ساحل الدول الاسكندنافية، وكذلك تسبَّب النهر الجليدي بتآكل خليج كيب كود في ماساتشوستس.

واليوم وفي أماكن مثل جرينلاند وأنتاركتيكا تستمر الأنهار الجليدية في عملية تآكل الأرض، لكن يصعُب على العلماء قياس سرعة التآكل والتعرية وأنماطها بسبب سمك الصفائح الجليدية الكبير، ومع ذلك فإنَّ الصفائح الجليدية تتآكل بسرعة ملحوظة تصل إلى نصف سنتيمتر كل عام.

إقرأ أيضاً: تأثير الكوارث الطبيعية على البيئة

7. التآكل الحراري:

يصف التآكل الحراري تآكل التربة الصقيعية على طول النهر أو الساحل، ويمكن أن تتسبب درجات الحرارة الدافئة بجعل التربة الصقيعية الغنية بالجليد تقطِّع السواحل إلى أجزاء كبيرة طافية كجزر عائمة؛ حاملةً معها التربة السطحية والعديد من النباتات.

يمكن لهذه الجزر العائمة المتآكلة أن تتفكك في المحيط أو أن تصطدم بقطعة أخرى من الأرض وتندمج معها؛ مما يساعد على نشر حياة جديدة وإحداث مناظر طبيعية مميزة.

إقرأ أيضاً: الطاقة المتجددة: أنواعها، وفوائدها، وسلبياتها

في الختام:

لقد تعرَّفنا في هذا المقال إلى المقصود بعملية التآكل الجيولوجي، وتحدَّثنا عن أنواعها المختلفة المتمثِّلة في التآكل الفيزيائي وتآكل الوادي والسواحل والتآكل بفعل الماء والرياح والجليد والحرارة وغيرها.




مقالات مرتبطة