لماذا لا نستطيع صناعة الماء؟

قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ}، هذه الآية التي تلخص فائدة مادةٍ تُعَدُّ أساس بقائنا وبقاء أي كائنٍ على قيد الحياة، فلا حياة بلا ماءٍ، فالماء هو عماد الأرض، وهو الذي يجعلها قابلةً للعيش عليها، فهذه المادة البسيطة والمعقدة في نفس الوقت التي تدخل في تكوين أساس شتى الأجسام والمواد، يحتاجها كل كائنٍ يتنفس ليستمر في العيش والنمو، وتوجد في الطبيعة في كل مكانٍ؛ في البحار، والأمطار، والتربة، والنباتات، والحيوانات، والبشر، وكل شيءٍ تقريباً، لكنَّ السؤال الهام هنا، هو لماذا لا يمكننا صناعتها؟ سنتعرف في هذا المقال إلى السبب الذي لا نستطيع من ورائه صناعة الماء، فتابعوا معنا.



ما هو الماء؟

الماء هو مادةٌ ذات تركيبٍ كيميائيٍ ليس لها لون ولا رائحة ولا طعم، ومؤلفة من ذرتين صغيرتين من عنصر الهيدروجين موجبتي الشحنة وذرةٍ كبيرةٍ من عنصر الأوكسجين سلبية الشحنة.

يوجد الماء في الطبيعة بثلاث حالاتٍ، وهي الحالة السائلة كما نراه في مياه الأمطار والأنهار والبحار والبحيرات، والحالة الصلبة كما في الجليد والثلج، والحالة الغازية كما في بخار الماء، ويُعَدُّ الماء من أكثر المركبات توفراً في الطبيعة، وأهم ما يحتاجه جميع الكائنات الحية؛ إذ يدخل في تركيب العديد من المواد وفي جميع العمليات البيولوجية التي تكوِّن أجساد الكائنات الحية من نباتات وحيواناتٍ وبشرٍ.

الماء جزيءٌ قطبيٌ غير متماثل الشحنة، لا يتوفر تحت الظروف الطبيعية بصيغته الشائعة والنقية H2O، ويظهر الماء معدوم اللون عند حصره بكميةٍ قليلةٍ، إلا أنَّ لونه الحقيقي كلون البحار وهو اللون الأزرق الذي ينتج عن امتصاصه الضعيف للضوء عند الأطوال الموجية الحمراء.

خصائص الماء الكيميائية والفيزيائية:

فيما يأتي أهم خصائص الماء الكيميائية والفيزيائية:

  1. الماء سائلٌ ليس له طعمٌ ولا رائحةٌ ولا لونٌ.
  2. يتميز بالقدرة على الامتزاج والتفاعل مع العديد من المواد الكيميائية المختلفة.
  3. ناقلٌ للكهرباء وموصلٌ سيئ لها.
  4. الإذابة: يعمل الماء مذيباً للكثير من الأملاح والمواد الأخرى، وعلى الرغم من توفره بالطبيعة بشكلٍ كبيرٍ، إلا أنَّه لا يوجد بصورةٍ نقيةٍ 100%؛ إذ غالباً ما يحتوي على العديد من الأملاح والمواد الغازية المذابة فيه، ونتيجة خاصية المياه القطبية؛ أي عدم تماثل الشحنة وتوافر الأيونات الحرة ضمنه، فإنَّه يُعَدُّ من أفضل المذيبات الكيميائية.
  5. التعادل الحامضي: يُعَدُّ الماء متعادلاً كيميائياً، فدرجة قلويته وحامضيته تساوي 7.
  6. الشكل الكروي: يمتاز الماء كغيره من السوائل بأنَّه يأخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه، لكن بالأصل شكله كرويٌ؛ إذ يرتبط الهيدروجين مع الأوكسجين برابطةٍ تساهميةٍ، وينجذب كل جزيء ماءٍ للجزيئات المائية الأخرى بروابط مغناطيسيةٍ (كهروهيدروجينيةٍ)؛ الأمر الذي يعطيه شكله الكروي.
  7. التوتر السطحي: يُعَدُّ الماء ذا توترٍ سطحيٍ مرتفعٍ مقارنةً بباقي السوائل؛ وذلك نتيجة التجاذب القوي بين جزيئاته؛ الأمر الذي يفسر تحرك المياه الجوفية ضمن الشقوق والأقنية في التربة والصخور وارتفاعها حتى تصل إلى الشقوق والأقنية في التربة والصخور، ويستمر بالارتفاع حتى تصل قيمة توتره السطحي إلى التعادل مع قيمة الجاذبية الأرضية، كما تفسر حركة الماء وارتفاعه ضمن الأوعية الخاصة بالنباتات والأشجار، وهذه الخاصية تجعل بعض أنواع الحشرات تسير فوق سطحه بكل سهولةٍ.
  8. شذوذ الماء: يتميز الماء بظاهرة الشذوذ التي تظهر بتغير حجمه وكثافته عند تغير درجة حرارته، ويختلف الماء بهذه الخاصية عن باقي السوائل الأخرى؛ فحين يتجمد يزداد حجمه وتنقص كثافته؛ الأمر الذي يجعل القسم المتجمد يطفو فوق السطح السائل، وتساعد هذه الخاصية على حماية الكائنات البحرية وخاصةً في المناطق القطبية من الحرارة المنخفضة؛ إذ يعمل الجليد المتراكم على سطح الماء عازلاً حرارياً يحمي من درجات الحرارة المتدنية التي تؤذي وتؤدي إلى موت الكائنات في تلك المياه.
  9. السعة الحرارية النوعية: يحتاج الماء إلى مقدارٍ كبيرٍ من الطاقة كي ترتفع درجة حرارته، ويستطيع امتصاص الحرارة بفاعليةٍ كبيرةٍ؛ وهذا يساعد على تنظيم درجات الحرارة في البيئة المحيطة بالماء.

شاهد بالفيديو: 10 أسباب تجعلُنا نشرب الماء بكثرة

لماذا لا نستطيع صناعة الماء؟

لقد بات العالم يعاني من مشكلة قلة أو انعدام مياه الشرب، وبدأت هذه المشكلة تتفاقم وتزداد يوماً بعد يومٍ، ولطالما كان تأمين مياه الشرب وخاصةً في البلدان النامية والفقيرة أمراً صعباً، وإن توفرت تكون مشبعةً بالشوائب والجراثيم والطفيليات نظراً لعدم قدرتهم على تعقيمها، ناهيك عن أنَّ الكثير من المناطق النائية والفقيرة لا تملك أي مصدرٍ لمياه الشرب.

لقد قالت الأمم المتحدة في أحد تقاريرها إنَّ نحو 20% من الناس في العالم لا يحصلون على مياهٍ صالحةٍ للشرب؛ ونتيجةً لذلك، نشبت صراعاتٌ وحروبٌ لمحاولة الشعوب إيجاد المياه والسيطرة على المناطق التي تتوفر فيها مياه الشرب؛ الأمر الذي سينعكس سلباً على كل شيءٍ، وهنا السؤال، نحن يائسون في الحصول على الماء ونحتاجه بشدةٍ، لماذا لا نصنعه بكل بساطةٍ؟

إذا فكرنا في عملية صناعة الماء نظرياً، سيبدو الأمر سهلاً؛ إذ نأخذ ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين، ونضعهم معاً فيتشكل لدينا الماء، ولكنَّ هذا غير صحيحٍ، وفي نفس الوقت إن حاولنا دمجهم وربطهم معاً سيحدث انفجارٌ يمكن أن يكون مدمراً.

لنستطيع تكوين الماء، يجب دمج ذرتي الهيدروجين مع ذرة أوكسجين، وحتى ترتبط المدارات الإلكترونية بين الذرات الثلاث، لا بد من إنشاء زخمٍ كبيرٍ وسريعٍ من الطاقة، وفي هذه الحالة لن يكون صعباً تأمين مصدر الطاقة اللازم، فما نحتاجه هو شرارةٌ صغيرةٌ؛ ذلك لأنَّ الهيدروجين قابلٌ للاشتعال بشدةٍ والأوكسجين يساعد على زيادة عملية الاحتراق، وهذا الأمر خطيرٌ جداً. ولإنتاج الماء، يتطلب الأمر اندماج الكثير من ذرات الأوكسجين والهيدروجين وإذا تم تطبيقه معملياً، فسيؤدي ذلك إلى انفجارٍ مدمرٍ يطيح بكل ما حوله.

لذلك لا يمكننا صناعة الماء، فالأمر يتطلب مخاطرةً كبيرةً ومنطقةً فارغةً واسعة النطاق بشكلٍ كبيرٍ؛ ولهذا لجأ الإنسان إلى وسائل بديلةٍ كتحلية مياه البحار والمحيطات وتنقية مياه البحيرات والأنهار، وصناعة السدود والخزانات لجمع مياه الأمطار ومعالجتها واستثمار الينابيع الجوفية وغيرها.

خلق الماء من الجو المحيط:

نحن محاطون بالماء دائماً، فالهواء في الغلاف الجوي حولنا يحتوي على بخار الماء بنسبٍ مختلفةٍ بين منطقةٍ وأخرى وبين فصلٍ وآخرٍ، وهذا البخار الذي ينتج عن تبخر المحيطات والبحار والأنهار والبحيرات يشكل في الأجواء الحارة والرطبة ما يقارب 6% من الهواء، ونحو 0،07% من الهواء في الأجواء الجافة والباردة.

كما نعلم أنَّ الماء يمر بدورةٍ كاملةٍ تبدأ بتبخر المياه على الأرض وانتقالها كبخارٍ إلى الغلاف الجوي وتجمعها حتى تكون السحب، وبعد وصول السحب إلى مرحلة الإشباع ينهمر المطر ويبدأ بالتجمع في المسطحات المائية والبحار والأنهار ويختزن داخل التربة وجوف الأرض، لتعاود دورة المياه بالدوران من البداية.

لكن نحن نتكلم هنا عن البخار الموجود ضمن الهواء المحيط بنا وليس البخار والماء في الطبقات العليا من الجو، وكيفية امتصاص جزيئاته من الهواء وتكثيفها وجمعها لنشكل الماء الذي نحتاجه.

هذا ما قام به المخترع "ماكس ويسون" الأسترالي، الذي اخترع ما سماه بـ "طاحونة ويسون"، هذه الطاحونة التي تعمل عن طريق شفراتٍ عالية الحساسية تم تصميمها بشكلٍ عموديٍ يجعلها تتحرك بفعل أضعف نسمات الهواء، وتوصل هذه الشفرات بمبردٍ يقوم بتبريد الهواء المار خلال الشفرات في أثناء دورانها؛ وهذا يساعد على تكاثف بخار الماء، وبعدها يتم جمعه وتخزينه ضمن مستوعباتٍ، وكما قلنا إنَّ الهواء المحيط بنا مليءٌ ببخار الماء؛ لذلك تستطيع "طاحونة ويسون" جمع ما يقارب 9828 ليتراً من المياه يومياً.

كذلك اخترع "ديفيد ريتشاردز" و"جوناثان رايت" آلةً تعمل على تبريد الهواء وتكثيفه بمبدأ مشابهٍ لـ "طاحونة ويسون"، إلا أنَّها تختلف عنها بأنَّها تعمل على وقود الديزيل، وتكلفتها نحو 28000 دولار، وحجمها صغيرٌ قابلةٌ للطي وتشبه عربة السحب، وتنتج في اليوم ما يقارب 454 ليتراً من المياه، بينما تعمل "طاحونة ويسون" على طاقة الرياح، ولكنَّ تكلفتها مرتفعةٌ تقدر بنحو 43000 دولار، وحجمها كبيرٌ ليس من السهل نقلها.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب ستجعلك تعيد التفكير بأهمية شربك للماء

استمطار السحب الصناعي:

الاستمطار الصناعي للسحب أو تلقيح السحب هو عملية زيادة كمية الأمطار التي تنزلها السحب، وتلجأ لها العديد من الدول التي تعاني من قلة الأمطار أو احتباس الأمطار نتيجة عدم اكتمال دورة المياه في الطبيعة، وتتم عن طريق استخدام طائراتٍ مصممةٍ للتحليق في الظروف الجوية السيئة، أو صواريخ تحوي المواد الواجب حقنها في السحب، أو عن طريق الأجهزة الأرضية كمضادات الصواريخ؛ إذ تعبأ القذائف خاصتها بالمواد المطلوبة وتستهدف السحب الركامية.

المواد المستخدمة في عملية حقن السحب هي مادة يوديد الفضة والثلج الجاف وبعض الأملاح الأخرى، كذلك يتم استخدام بعض المولدات الأرضية أحياناً لتوليد كمياتٍ كبيرةٍ من بخار الماء المشبع بمادة يوديد الفضة الذي يرتفع في الجو ويرتبط بالسحب.

يعمل يوديد الفضة على زيادة كثافة السحب وتحويل قطرات المياه الموجودة داخلها إلى بلوراتٍ ثلجيةٍ ثقيلة الحجم، ونتيجة حرارة الجو وأشعة الشمس تذوب البلورات وتشكل الأمطار.

ساهمت عملية تلقيح السحب والاستمطار الصناعي في التقليل من انعكاسات قلة هطول الأمطار، ولجأت نحو 40 دولةً حول العالم إلى تطبيق هذه التقنية، من بينها بعض الدول العربية كالسعودية وعمان والإمارات، لكن تجدر الإشارة إلى أنَّ الأملاح المستخدمة في هذه التقنية لها تأثيراتٌ سلبيةٌ كبيرةٌ في صحة الإنسان والحيوان والنباتات والبيئة بشكلٍ إجماليٍ؛ لذا يجب الاستعاضة عن هذه العملية بحلولٍ بديلةٍ، وعدم استخدامها إلا في الحالات الاضطرارية.

إقرأ أيضاً: 11 فائدة للماء في الحفاظ على الصحة

في الختام:

لقد تحدثنا في هذا المقال عن الماء وخصائصه الكيميائية والفيزيائية، وعن سبب عدم استطاعتنا صنع الماء، وذكرنا آليتين لإنشاء الماء من الجو المحيط، بالإضافة إلى عملية استمطار السحب الصناعي، على أمل تحقيقه للفائدة المرجوة منه.

المصادر:1،2،3،4،5،6،7




مقالات مرتبطة