لماذا تختلف معاني الرموز التعبيرية (الإيموجي) باختلاف الثقافات؟

ثمَّة بعض الأيام التي تكون أكثر إثارةً للأعصاب من يوم الزفاف، وبعض الأمور التي يكون التعبير عنها أصعب من التعبير عن المشاعر التي تنتابك حينما يقترب انعقاد موعدٍ مهم، ولكن حينما كان يمرّ البطل الأولمبي واللاعب المُتوّج بلقب بطولة ويمبلدون للتنس أندي ماراي بأفضل أيامه تمكَّن من التعبير عن تلك المشاعر بشكلٍ دقيق من خلال تغريدة أثارت العالم، بيد أنَّ ما جعل تلك التغريدة مُميّزةً إلى ذاك الحد هو حقيقة أنَّ ماراي استخدم فيها الإيموجي عوضاً عن استخدام الكلمات.



فقد رسم ماراي في تغريدته لحظات استعداده في الصباح، وتوجهه إلى الكنيسة، والأجراس، والصور، والاحتفالات، والمشروبات، والحب، والكثير الكثير من النوم وقد كانت تغريدة ماراي فاتحةً لظهور شكلٍ جديد من أشكال التواصل، هذا الشكل الجديد من أشكال التواصل هو الإيموجي الذي أعلن أساتذة علم اللغويات كـ "فيفيان إيفانس" (Vyvyan Evans) مؤلفة كتاب "رموز الإيموجي: اللغة الكامنة خلف صور الوجوه الضاحكة والقطط المخيفة" (Emoji Code: The Linguistics behind Smiley Faces and Scaredy Cats) بعد وقتٍ قصير أنَّه "صيغة التواصل العالمية الحقيقية الأولى بلا شك" وحتى أنَّها "اللغة العالمية الجديدة".

لذا حينما عيَّنَتْ وكالة (Today Translations) خبير علم نفس الشركات "كيث بروني" بصفته أول مترجمٍ في العالم مختص بترجمة الإيموجي شكَّل هذا سؤالاً مًحيّراً، فإذا كانت الإيموجي اللغة العالمية الموحدة الأولى لماذا نحتاج إلى شخصٍ لترجمتها؟

يبيِّن "بروني" أنَّ سبب ذلك هو أنَّ الإيموجي – بعيداً عن التهويل – هي من حيث الجوهر ليست ذات معنى مُوحّد على مستوى العالم ولا لغةً حقيقية، بل هي "أداةٌ لغوية تُستخدَم بصفتها مكملاً للغة". بمعنى آخر الإيموجي بحدّ ذاتها لا تشكِّل مفردات تواصل ذات معنى ولا يمكن لها أن تكون كذلك، بل إنَّها تُستخدَم لتحسين النصوص ورسائل التواصل الاجتماعي وهي أشبه بنوعٍ من علامات الترقيم الإضافية.

إلّا أنَّ هذا لا ينتقص من القيمة التي تُقدّمها الإيموجي، إذ يعتقد "بروني" أنَّ الإيموجي في العصر الحديث تحلّ مشكلةً كانت ملازمةً للكتابات النثرية ولجميع النصوص منذ أقدم العصور، فقد حرم القصور الكامن في اللغة المكتوبة الجميع، ما عدا الكُتَّاب الموهوبين للغاية، من القدرة على التعبير عن دقائق الأمور، وعن نغمات الصوت التي تُستخَدم في الأحاديث، وعن العواطف في مراسلاتهم.

ما تُقدّمه الإيموجي الآن هو فرصة لكاتبي الرسائل الإلكتروني، والرسائل النصية، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي الذين لا يتمتعون بمهارةٍ كبيرة في الكتابة للتعبير عن عواطفهم في سياق الرسائل وإبداء التعاطف. فمن خلال الإيموجي يستطيعون القيام بذلك بشكلٍ بسيطٍ وطبيعي مثلما يستخدمون تعابير الوجه أو الإيماءات حينما يتحدثون مع شخصٍ ما وجهاً إلى وجه.

كما أنَّ التوقيت الذي صعدت فيه شعبية الإيموجي قد لا يكون مصادفةً كذلك، إذ بعد أن أصبحت عمليات التواصل الإلكتروني التي نقوم بها أقصر وأسرع، وبعد أن بدأت تبدو أشبه بجملٍ نقذفها في محادثاتنا قذفاً أصبح هناك حاجة متنامية إلى إدخال عواطفنا ومشاعرنا إلى تلك الرسائل بطريقةٍ أخرى. فمن دون الابتسامات التي ترتسم على وجوهنا والتعاطف الذي يظهر في نبرة صوتنا من الممكن أن تؤوَّل رسائلنا خطأً بأنَّها رسائل سلبية، أو متعالية، أو حتى فظَّة.

بيد أنَّ الإفراط في الاعتماد على الإيموجي لجسر هذه الهوة يمكن بحد ذاته أن يسبب المشاكل، إذ ربما نستطيع جميعا الوصول إلى عددٍ أكبر أو أقل من الإيموجي نفسها من خلال لوحات مفاتيح هواتفنا الذكية ولكنَّ ما نعنيه حينما نستخدم تلك الإيموجي قد يختلف اختلافاً شديداً حقيقةً اعتماداً على الثقافة، واللغة، والعمر.

ففي حين قد يُعَدُّ رمز الإبهام المرفوعة إشارةً تدل على الموافقة في الثقافة الغربية قد يُعَدُّ هذا الرمز في اليونان والشرق الأوسط إشارةً بذيئةً ومهينة حتى.

في المقابل يُستخدَم رمز الملاك، الذي يمكن أن يعني في الغرب البراءة وامتلاك الخصال الحميدة، في الصين بوصفه إشارةً إلى الموت وقد يُعَدُّ تهديداً.

ويستخدَم رمز التصفيق كذلك في الغرب للتعبير عن الإشادة أو لتقديم التهاني، بيد أنَّه يُعَدُّ في الصين رمزاً لممارسة الحب ربما بسبب تشابه الصوت الصادر عن التصفيق مع صوت القُبَل.

وربما يكون الأكثر إثارةً للدهشة هو أنَّ الرمز المتبسم ابتسامةً خفيفة لا يُستخدَم في الصين للإشارة إلى السعادة على الإطلاق، إذ بما أنَّه الأخير بين سلسلة الإيموجي الإيجابية الموجودة فقد يعني استخدام هذا الإيموجي ضمنياً عدم الثقة، أو عدم التصديق، أو أنَّ أحدهم يسخر منك.

وقد سُلِّطَ الضوء على أحد علامات افتقار الإيموجي إلى امتلاك معاني موحدة مُستخدمة حول العالم في دراسةٍ أُجريَت للتعرف على طريقة تعبير المسلمين عن أفكارهم الخاصة برمضان في العام 2017. حيث قال "حمدان أزهر" من موقع (prismoji.com) أنَّ معظم التغريدات التي كُتِبَت باللغات الإنكليزية، والألمانية، والإسبانية، والتركية احتوت على إيموجي القلب الأحمر، في حين كان أكثر الإيموجي استخداماً في التغريدات المكتوبة باللغات العربية، والأوردو، والفارسية هو الهلال.

وقد صُنِّفَ إيموجي اليدين المتشابكتين من بين أبرز ثلاث أيموجي مُستخدَمة لدى الناطقين باللغات الإنكليزية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والتركية، والفارسية، والإندونيسية في حين أنَّه احتل المرتبة التاسعة لدى الناطقين باللغة العربية ولم يكن أبداً من بين الإيموجي الأكثر استخداماً لدى الناطقين بالأوردو.

ربما يعود هذا إلى كون اليدين المتشابكتين ليستا مرتبطتين تقليدياً بالصلاة في الإسلام على الرغم من أنَّه يحمل في الغرب أهميةً دينيةً كبيرة. وفي اليابان، التي يرجع إليها أصل الإيموجي، يُستخدَم هذا الرمز عادةً بمعنى "رجاءاً" أو "شكراً لك" من دون أيَّة دلالات دينية بالضرورة.

وعلى الرغم من أنَّنا نستخدم الإيموجي بِنيَّة أن يفسرها من يراها بشكلٍ أو بآخر إلَّا أنَّ استخدامها في السنوات الأخيرة أوقع عدداً من الناس في متاعب قانونية ومنها هذه الحالة التي حدثت في أوائل هذا العام في إحدى بقاع العالم. إذ بعد أن عاين مستأجرٌ محتمل أحد العقارات أرسل رسالةً إلى صاحب العقار تتضمن سلسلةً من الإيموجي التي تُعبِّر عن الاحتفال. ولسوء الحظ تراجع المستأجر المُحتمل عن قرار استئجار العقار ولكنَّ صاحب العقار كان قد أوقف عرضه للاستئجار في السوق. ولكنَّ القاضي أصدر حكماً في وقتٍ لاحق مفاده أنَّ الإيموجي تعني ضمنياً نيّة الشخص استئجار العقار – وعُوِّض صاحب العقار بمبلغٍ يُعادل 2000 دولار عن الأضرار التي لحقت به.

ولكن إذا راعى الناس المعنى الذي تحمله هذه الصور الصغيرة في الثقافات المختلفة من المؤكد حسب "بروني" أنَّها ستكون قوةً موحِّدة تجمع العالم بدلاً من أن تفرقه، حيث تختتم حديثها بالقول: "إنَّ حسناتها تفوق سيئاتها، وإذا كنا واعين للهفوات الناجمة عن نقص المعرفة التي يمكن أن تُحْدِثها الإيموجي أمكننا استخدامها لإزالة الغموض عن معاني معينة والنظر بعين التقدير إلى العواطف الضمنية الموجودة في الرسائل التي نتلقاها من الأشخاص بطريقةٍ لم تكن ممكنةً من قبل".

 

المصدر




مقالات مرتبطة