لروّاد الأعمال والمشاريع الناشئة: كيف تقوم بتسعير منتجك أو الخدمة التي تقدمها؟

في هذا الجزء سأتحدث عن سياسة التسعير التي تأتي برأيي مباشرةً بعد فكرة المشروع والموقع بالأهمية، مستعيناً بقراءة سريعة في كتاب المخبر الإقتصادي ل تيم هارفرد..


وقبل أن أبدأ هناك نصيحة مهمة جداً.. كلما زادت الفائدة التي يحصل عليها المستهلك من السلعة أو الخدمة التي تقدمها كلما زاد الثمن وبناءً على ذلك أنصحك أن تضع السعر، كي تكسب ولاء عميلك، وليس بناءً على قوانين العرض والطلب.
سياسة التسعير

برأيي، يجب أن يكون سعر منتجك في البداية أقل من أسعار المنتجات الموازية له كي يُلفت نظر المستهلكين، ويجب أن تراعي أسعار المنطقة التي تقيم بها مشروعك وإياك وأن تكون بخيلاً بموادك الأولية وخاصة في بداية مشروعك وهناك عدة سياسات للتسعير سأتكلم عن بعضها.

هناك قانون ومسلّمة اقتصادية لاجدل فيها تقول “القوة تأتي من الندرة“، فكما تحدثت سابقاً، يجب أن تختار منتجاً غير مشبعاً في السوق وتبيعه بسعر أقل من منافسيك.

وكمثال على ذلك موقع سلسلة مقاهي ستاربكس في مدينة لندن  هي أهم ميزة تتمتع بها هذه السلسلة حيث تقع على شوارع مزدحمة وبالقرب من محطات مترو يمر بها آلاف الركاب جيئة وذهاباً كل يوم.
فهامش الربح الجيد الذي تجنيه هذه السلسلة لايرجع إلى جودة المنتَج التي تقدمه وإنما الموقع ثم الموقع ثم الموقع، ولكن الزبون ليس مضطرا دائما لأن يدفع مقابل هذه الندرة إذا تجاوز الأمر حده..

كقبة الألفية في لندن Millennium Dome، والتي بنتها الحكومة احتفالاً بمرور الألفية الثالثة، وتفتخر بكونها أكبر مبنى محمول في العالم، ولكن كانت كارثة تجارية لأن تفردها بذلك لم يكن مُقنعاً للزبائن بأن تغطي ثمن بناءها، فالمشاريع التجارية التي تتمتع بقوة الندرة ليس بمقدورها إجبارنا على أن نغطي هذه التكلفة بشكل قسري، ولكن بإمكانها الإختيار بين مجموعة من الإستراتيجيات التي تجعلنا ندفع مبالغ أكثر.
أحد المعالم الأساسية في لندن هي عين لندن London’s Eye وهي عجلة ضخمة جدا يشاهد منها الركاب معالم المدينة، وذلك أثناء دوران العجلة حول محورها وبالقرب منها مقهى كوستا !

حيث لايوجد سواه مقهىً ملاصق للعين ويتمتع بقوة ندرة كبيرة جداً، ولايرجع ذلك لجودة منتجات كوستا أو المزايا الإضافية التي يضعها في منتجه أو في خلطته السحرية للكابوتشينو، وإنما إلى الموقع.
والآن كيف يسترد مقهى كوستا ذلك المبلغ الهائل الذي دفعه مقابل الإستثمار بموقع بهذه الندرة؟

سيُجيب البعض بأن يرفع سعر كوب الكابوتشينو من 3 دولار إلى 6 دولار، ولكن بذلك يمكن أن يخسر الكثير من الزبائن الغير مستعدة لدفع هذا المبلغ مقابل كوب من الكابوتشينو، فالزبائن غير مضطرين للدفع في النهاية، فلن تتوقف حياتهم إذا لم يشربوا الكابوتشينو!

فالكابوتشينو إذاً هي سلعة مرنة  Elastic Good ، أما لو كان منتجك عقاراً أو ابتكاراً مهماً في عالم الطب فهنا الزبائن ستضطر لدفع المبلغ الذي تطلبه وتكون سلعتك غير مرنة   InElastic، إذاً يجب عليك أن تنتبه إلى هذه الملاحظة الهامة.

 وينتهي به المطاف بإفلاسه وإغلاقه للمشروع كمثال قبة الألفية، ولكن هناك حل آخر قد نظن بأنه حل أفضل من الأول، وذلك بأن يخفّض المقهى سعر كوب الكابوتشينو من 3 دولار إلى 1 دولار فيغطي بذلك تكاليفه وأجرة الموظفين مع ربح هامشي صغير يعتمد على كمية المبيعات التي سيبيعها في اليوم.

ولكن إن لم يتمكن من مضاعفة أرباحه مئات المرات لن يتمكن من تحقيق ربح كبير، فهنا المقهى واقع حدي سيفين، إما أن يحقق هوامش ربح عالية من بيع كميات قليلة من الكابوتشينو، أو هوامش ربح قليلة من بيع كميات كبيرة من الكابوتشينو.

ولكن هناك حل ليتخلص من ذلك  وهو حل وسطي بين هذين الحلين المتطرفين.. وذلك بأن يبيع القهوة ب 1 دولار للزبائن الغير مستعدين لدفع أكثر من ذلك، أو دعونا نقول الحساسين للسعر و ب 3 دولار للزبائن المستعدين لدفع سعر أعلى أو غير الحساسين للسعر.

ولكن كيف سيكون ذلك ؟! هل يضع لوحة يكتب عليها: #الكابوتشينو للزبائن المقتصدين 1 دولار #الكابوتشينو للزبائن المسرفين أو غير المقتصدين 3 دولار !

الجواب: كلا، الحل سيكون أفضل من ذلك بكثير..

# شوكولا ساخنة 2.20 دولار
# كابوتشينو- 2.55 دولار
# كافيه موكا  2.75 دولار
# موكا الشوكولا البيضاء 3.20
# كابوتشينو كبير 3.40

والترجمة كالآتي

# شوكولا ساخنة – لاشيء مميز 2.20 دولار
# كابوتشينو – لاشيء مميز 2.20 دولار
# اخلطهم معاً-أشعر بالتميز 2.75 دولار
# استخدم مسحوقاً مختلفاً  – أشعر بالتميز الشديد – 3.20 دولار
# اجعله ضخما – أنا الآن في قمة التميز – 3.40

لن يتكلف المقهى كثيراً عند إعداد كوب كبير أو إضافة نكهات للمشروب، فكل المنتجات السابقة تكلفة إعدادها في ستاربكس نفس التكلفة تقريباً، ولكن هذه إحدى الطرق للكشف عن الزبائن المستعدين للدفع أكثر من غيرهم.

إذا فهذه الطريقة تمكن المقهى من عدم خسارة ماكان سيكسبه من الزبائن الأقل حساسية للسعر وتقوم بالكشف عن الزبائن المستعدين للدفع أكثر من غيرهم.
إستراتيجيات وضع السعر

هناك ثلاث استراتيجيات سعرية لوضع السعر..

1- استراتيجية استهداف الفرد:
أو ما أسميه باستراتيجية السمسرة، وهي الإستراتيجية التي يمارسها سماسرة العقارات والباعة المتجولون وبائعي السيّارات، حيث يطلبون من كل فرد سعر يختلف عن الآخر وذلك حسب الفكرة التي يكونوها عن كل شخص وحسب نظرتهم الأولى.

وهذه الطريقة لن تلقى رواجاً في بعض المشاريع، كما أنها تتسم بالصعوبة في تطبيقها وتطلّب وجود كميات كبيرة من المعلومات عن الزبون وقد تسيء بسمعتك كما فعلت مع شركة أمازون حيث كانت تضع لكل شخص سعر خاص حسب الكوكيز.

# الكوكيز عبارة عن ملفات نصية تحتوي كميات قليلة من المعلومات التي يحملها جهازك الإلكتروي عندما تزور من خلاله موقعنا. عندما تتصفح مواقع أخرى أو تستخدم مواقع لها نفس الكوكيز فإنهم يميزون هذه الكوكيز وبالتالي الجهاز الذي تقوم بالتصفح من خلاله.

للكوكيز عدة مهام، كمساعدتنا في معرفة كيف يتم استخدام الموقع، تركك تتنقل بين الصفحات بشكل جيد، تذكر التفضيلات الخاصة بك، وعموما تطوير تجربة التصفح الخاصة بك. كما يمكن للكوكيز أن تساعد في رؤيتك لإعلانات تكون مهمة بالنسبة لك على الموقع-

وحسب هذه الكوكيز تطلب المواقع سعر مرتفع أو منخفض، وكان هناك احتجاجات عنيفة على ذلك من قبل الزوار عندما لاحظوا ذلك وأصبحت سمعة شركة أمازون على المحك وتعهدت ألا تتبع هذه الطريقة مرّة أخرى.

2- استراتيجية استهداف المجموعة:
أي تقديم أسعار مختلفة إلى أفراد جماعات محددة كالأماكن السياحية والتي تسمح بدخول مواطنيها بتكلفة منخفضة مقابل التكلفة المرتفعة التي تطلبها من الأجانب,، كمنتجع ديزني وورلد حيث لن يجد السُيّاح الأجانب ذلك مشكلة كبيرة بما أنهم سيزورونه لمرة واحدة، ولكن السكان المحليين سيفضلون مكاناً آخر يقضون فيه عطلة نهاية الأسبوع إذا كان سعر الدخول إلى المنتجع مرتفع.

وهذه الإستراتيجية أقل فاعلية من الأولى ولكنها أسهل في التنفيذ وقد تكون جيدة في أماكن وسيئة في أماكن أخرى، كباصات النقل الداخلي عموماً، كأن تطلب سعر معين لطلاب المدارس والأطفال وسعر أعلى للركاب الآخرين، ولكن بهذه الطريقة تكون قد خسرت السعر الأعلى الذي سيدفعه الراكب البالغ مقابل قبولك بسعر منخفض سيدفعه طالب المدرسة.

أما الإستراتيجية الثالثة -الأفضل برأيي- هي استراتيجية إدانة الذات

أو أن تجعل الديوك الرومية تُصوّت لصالح عيد الشكر Thanksgiving والتي تحدثت عنها في بداية هذه المقالة حول ستاربكس.