لاتناقشي زوجك

في مقال سابق أوضحت كيف نفى الإسلام تبعية المرأة للرجل، واحتفظ لها بشخصيتها المستقلة واستقلاليتها في أخطر وأهم القضايا، وهي قضية الإيمان بالله، وطاعتة فيما شرع، واوضحت أن المرأة حرة تماما فيما تختار وأنها تتحمل مسؤولية اختيارها كاملة أمام الله. وليس للرجل في ذلك أدنى وساطة بالسلب أو بالإيجاب، فالمرأة إنسان موفور الكرام (ولقد كرمنا بني آدم) الإسراء: 70، مسؤل، حر الاختيار، راشد، وسوي.



 

واليوم – بإذن الله تعالى – أناقش دعوى تبعيتها وانعدام استقلالية شخصيتها عن الرجل في علاقتها الزوجية! واسمحوا لي بأن أناقش هذه الدعوى في صورة أسئلة وإجابات، فعادة ما تكون المعلومة بهذا الأسلوب أرسخ في الذهن، وأسهل في الاستحضار، وهذا ما أتمناه خصوصا في هذا الموضوع الشائك!

السؤال الأول: هل الإسلام يحرم على المرأة مناقشة زوجها وإبداء رأيها؟

 
الإجابة: لا.. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "والله إنا كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهم ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، قال فبينما أنا في أمر أتأمره (أشاور فيه نفسي وأفكر) إذ قالت إمرأتي: لو فعلت كذا وكذا، قال: فقلت لها: مالك ولم هاهنا فيما تكلفك (تعرضك لما لا يعنيك) في أمر أريده؟ فقالت عجباً لك يا بن الخطاب، ما تريد أن تراجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبانا.. رواه البخاري ومسلم.

 

أعتقد أن القضية كما أنها طريفة فهي واضحة الدلالة. وما أحب أن ألفت الانتباه لقيمته الخاصه هو قول امرأة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: "وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبانا".. فليتأمل القارئ من الذي يراجع، وليتأمل كذلك من الذي يغضب! وليتأمل كذلك مدى طول غضبه في قولها: "حتى يظل يومه! فأين إلغاء الشخصية، وأين الكبت الذي يكرسة الإسلام تجاة الزوجة؟

السؤال الثاني: هل الإسلام يحظر على الرجل طلب المشورة من امرأته على أساس أنها غير أهل لتلمس الحكمة منها؟


الإجابة: لا.. أبداً، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالاً : "فلما فرغ من قضية الكتاب (كتاب صلح الحديبية) قال رسول الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقى من الناس فقالت أم سلمه: يا نبي الله أتحبب (أتحب) ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم احداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك (ناقة أو بقرة). وتدعو حالقك فيحلق لك، فخرج، فلم يكلم احداً منهم حتى فعل ذلك، فنحر ودعا حالقه فحلق له فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا..


القصة باختصار أن الصحابة رأوا أن ظاهر شروط صلح الحديبية الذي عقدة النبي صلى الله عليه وسلم مع كفار مكة مجحفة وغير منصفة وفي مصلحة الكفار وليست في مصلحتهم ولا مصلحة الدعوة، فاهتموا لذلك أشد الهم والغم، لدرجة أن حزنهم حال بينهم وبين الاستماع لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنحر ثم الحلق، إذ أنهم محرمين للعمرة.. إنه موقف صعب، وما يؤكد صعوبته أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منهم هذا المطلب ثلاث مرات، غير أن الحزن كان قد تملكهم، فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟


أن أول ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه (فضفض) لامرأته، ولم ير غضاضة في ذلك.

ثانيا: أنه أستمع إلى مشورتها.

ثالثا: أنه نفذ فعلا مشورتها!

فهل الإسلام – بالله عليكم – لا يحترم عقلية المرأة. ولا يجعلها أهلا للمشورة؟


السؤال الثالث: هل الإسلام يكبت المرأة ويحرم عليها أن تغضب من زوجها، وإذا غضبت ألا تنفس عن غضبها؟


الإجابة: لا.. أبدا، عن سعد ابن ابي وقاص رضي الله عنه قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش (يعني من زوجاتة) يكلمنه ويستكثرنه (يطلبن منه أكثر ما يعطيهن) عالية أصواتهن على صوته، فلما أستأذن عمر قمن فبادرن بالحجاب (ستارعنه للاختفاء خلف الستر) فأذن له رسول الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن بالحجاب، فقال عمر: فأنت أحق أن يهبن يارسول الله، ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن. أتهبنني ولا تهبن رسوال الله عليه وسلم ؟! فقلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ" رواه البخاري ومسلم".

أنها قصة توضح مدى السعة النفسية والأحتواء، ولين الجانب وسماحة الطبع رغم "عالية أصواتهن على صوته!" ما المشكلة طالما كان الطلب أو حتى الغضب بأدب ولا يخرج عن حدود اللياقة وأدب الحديث؟! إن الإسلام لا يجعل من ذلك مشكلة إنه أمر عادي بل وصحي كذلك.


السؤال الرابع: هل موافقة الرجل المسلم امرأته في أمر بسيط لا يعجبه، ينتقص من رجولته، ويشينه ويعيره به الإسلام؟


الإجابة: لا.. أبدا، لقد أورد البخاري الخبر الآتي معلقا: دعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت ستراً على الجدار فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء، فقال من كنت أخشى عليك، ما معنى هذه الحادثة؟! معناها أن زوجة ابن عمر أصرت على أن تضع سترا على الجدار- رغم أن ابن عمر – زوجها الرجل – لم يكن يميل إلى ذلك أو يعجبه، ومع ذلك وافق على هذا الأمر، يضيق عليها، أن سعة الصدر والإحتواء والرفق بالآخر مطلوبة خصوصاً إذا كانت الزوجة ملتزمة بالإسلام وتعاليمه، أما غير ذلك من صور العصبية، وضيق الأفق، والاشتباك على سفاسف الأمور. وما تفه منها، فهو حجه على أصحابها وليس على الإسلام!


السؤال الخامس: هل الإسلام يحيل الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة إلى حياة عسكرية يمارس فيها الرجل القائد على المرأة الجندي، كل ألوان الضغوط والجدية، ولا يجعل للترويح أو الملاطفة فيها سبيلا حتى يوصل المرأة إلى مرحلة الإنفجار والثورة المرضية؟


الإجابة: لا.. أبدا، عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي جارية قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن (أسمن) فقال لأصحابه : تقدموا ثم قال: تعالي أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلي فلما كان بعد، خرجت معه في سفر فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال؟! فقال: تفعلين. فسابقته فسبقني، فجعل يضحك. وقال هذه بتلك السبقة "رواه أحمد".


السؤال السادس: هل يرهق الإسلام المرأة بتكاليف منعتة، في الوقت الذي يدلل فيه الرجل بتخفيف التكاليف عنه؟


الإجابة: لا.. أبدا، قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة، والله عزيز حكيم) البقرة:228 وللرجال عليهن درجة: المقصود بها درجة القوامة، وسيأتي الحديث عنها بالتفصيل بأذن الله. ولكن (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) هو القانون العام، الذي يظلل كل تفاصيل الحياة الزوجية، ويحكمها، ويضبط تنفيذها، ولقد أورد الطبري في تفسيرة عدة روايات في تأويل هذه الأدلة، أنقلها لأهميتها ودلالتها: قال بعضهم (ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن، مثل الذي عليهن لهم من الطاعة، فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها).

 


وقال آخرون: (ولهن على أزواجهن من التصنع والمواتاه مثل الذي عليهم لهن من ذلك)، فعن ابن عباس رضي الله عنه: أني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (لهن مثل الذي عليهن بالمعروف).


أرأينا إلى أي مدى وصل العدل والأنصاف إذا كان الإسلام لا يحظر على المرأة مناقشة زوجها وإبداء رأيها، ويحترم مشورتها وحكمتها حتى في الأمور التي لا تعجبه أن يرمي بأنه كبت المرأة أو وحطم نفسيتها؟ أو أنه ألغى شخصيتها؟


وهل من الإنصاف أن يرمي الإسلام بأنه شريعة ذكورية حابت الرجل على حساب المرأة وهو الذي ساوى بينهما في التكاليف إلى المدى الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنه؟ إنني أدعو أمتي بأسرها – خاصة نسأنا – إلى التنبه إلى ما يراد لهن من أستدراج وفقدان ثقة في دينهن، الذي لم ينص تحت غيره من الدعاوي والثقافات، ولم حتى معشار ما يكلفه لهن الإسلام متى ألتزمن به ودعون إليه، وحرصن عليه، مشاركات به الجال في تمسكهم وتنفيذ ما فيه سواء بسواء.


إن سعة الصدر والأحتواء والرفق بالآخر مطلوبه، خصوصا إذا كانت الزوجة ملتزمة بالإسلام وتعاليمه، أما غير ذلك من صور العصبية، وضيق الأفق، والأشتباك على سفاسف الأمور، وما تفه منها، فهو حجة على أصحابها وليس على الإسلام!

 

كتبه الأستاذ عمرو لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 6/4/2004