كيفية دمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع

طفل واحد من بين عشرة أطفال يعاني من إعاقة ويُصنَّف من ذوي الاحتياجات الخاصة، هذا ما أشار إليه التحليل الإحصائي الأشمل الذي أجرته منظمة اليونيسيف في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر في عام 2021، وبناءً عليه يبلغ عدد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم ما يقارب 240 مليون طفل.



الرقم المكتوب في الإحصاء ليس صادماً، والنسبة الكبيرة للأطفال من ذوي الإعاقة ليست مخيفة؛ بل المخيف هم الذين يحاولون تهميش هذه الفئة، وتحييد هؤلاء الأطفال عن درب الحياة وإقصائهم في سجون منفردة، متناسين التنوع والاختلاف الذين يضيفونه إلى المجتمع، وما يترتب عليه من ثراء وتمايز.

لذا إنَّ دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع أمر واجب وحتمي له موجبات كثيرة غير قابلة للنقاش، أما ما سنناقشه في هذا المقال فهو كيفية دمجهم في المجتمع.

من هم الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة؟

قبل الدخول في صلب موضوعنا عن كيفية دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، لا بد لنا أن نعرِّف تعريفاً دقيقاً الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة (Children with Special Needs)، الذين يمكننا أن نشير إليهم بأنَّهم الأطفال المختلفون عن الأطفال العاديين، من ناحية القدرات الجسدية أو العقلية أو الحسية أو اللغوية أو التعليمية أو الخصائص السلوكية لدرجة تستوجب على المربي تقديم خدمات خاصة في التربية وخدمات مساندة، من أجل تلبية احتياجات الطفل الفريدة.

يشار إلى هذه الفئة من الأطفال من قِبل بعض الناس بمصطلح "الأطفال المعاقين"، ولكنَّ معظم التربويين يفضلون مصطلح "الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة" كونه لا يحمل أي مضامين سلبية من شأنها التقليل من قيمتهم أو وسمهم بالعجز.

إنَّ الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة هم الفئة التي تملك اختلافاً جوهرياً عن الأطفال المتوسطين أو العاديين الذين يشار إليهم في اللغة الإنجليزية بمصطلح (Average Children) أو (Normal Children).

ماذا يعني دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع؟

إنَّ دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع هو مصطلح يدل على إشراك هذه الفئة في النشاطات المجتمعية اليومية، وتمكينهم من القيام بالمهام والأدوار التي يقوم بها أقرانهم من الأطفال العاديين، كما ينطوي مصطلح الدمج على التأكد من وجود سياسات مجتمعية فعالة ومؤثرة تتيح للأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة إثبات وجودهم وفاعليتهم.

إنَّ عملية دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع تعني تفعيل دورهم المجتمعي عن طريق المشاركة في الفعاليات والنشاطات، واستخدام الخدمات العامة بسهولة التي تندرج ضمنها المكتبات ووسائل النقل وخدمات الرعاية الصحية والمدارس وغيرها، وإنشاء علاقات اجتماعية مع المحيطين.

يشمل الدمج جميع القطاعات في المجتمع، وخاصة القطاعات التعليمية التي يكون الدمج فيها عن طريق إتاحة الفرصة لذوي الاحتياجات الخاصة لتلقي تعليمهم المدرسي وقبل المدرسي في الحضانة ورياض الأطفال إلى جانب أقرانهم من الأطفال العاديين، وتأمين المستلزمات اللازمة لذلك، من أجل تمهيد البيئة أمامهم لعملية الاندماج، وكسر جميع الحواجز والعوائق التي تحول دون انخراطهم التام مع زملائهم.

لا تتوقف عملية الدمج على هذا القطاع فقط؛ بل تتعداه إلى كافة القطاعات كما أسلفنا، ونقصد القطاعات الطبية والمهنية والاجتماعية وغيرها.

وإنَّ دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع هو مساواة الطفل من ذوي الإعاقة مع أقرانه العاديين، ومنحه جميع الحقوق التي يحصلون عليها، وتوفير البيئة التي تساعده على تحصيل هذه الحقوق مثلهم. والدمج هو تحقيق لمبادئ العدالة والمساواة، وهو أسلوب أخلاقي واجتماعي، ولعلَّ أولى وأهم خطواته هي تعريف الآخرين بوجود هذه الفئة وحقوقها، وتعليمهم أصول تقبُّل التنوع والاختلاف، والتأكيد على المساواة بين الأفراد بعضهم بعضاً وعدم وجود أفضلية بينهم.

أهمية دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع:

تكمن أهمية دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع في تحقيق نوع من التفاعل الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة، وتعويد أبناء المجتمع جميعهم على تقبُّل الاختلاف وعدم النظر إلى الآخرين بدونية وانتقاص بحكم اختلافهم.

إنَّ نسبة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع لا يستهان بها؛ لذا إنَّ تهميش هذه الفئة والتقليل من أهميتها وأهمية قدراتها يحرم المجتمع من توظيف جميع القدرات الكامنة لدى أفراده، ومن المعروف أنَّ نسبة كبيرة من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يمتلكون قدرات عقلية فذة أو سمات إبداعية واضحة؛ لذا يُعَدُّ دمج هؤلاء مع باقي أفراد المجتمع إشعاراً لهم بالمساواة التي تكون حافزاً على إطلاق إبداعهم وتفوقهم نحو النور، والاستفادة منه في تقدُّم المجتمع وتطويره.

من الناحية المادية، يوفر دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع التكاليف المادية الباهظة، التي من المفترض أن تُنفق في إنشاء مراكز خاصة بهم لتأهيلهم وتعليمهم، ومن ثمَّ فإنَّ الاشتراك بالخدمات العامة مع الأطفال العاديين، يوفر المال ويعطي نتيجة أفضل في تعليمهم وإنشائهم للعلاقات الاجتماعية، اعتماداً على فطرة الأطفال السليمة في كونهم كائنات اجتماعية وسريعة التعلم وخاصة من بعضهم بعضاً.

من الجدير بالذكر أنَّ عملية الدمج تساهم في تعزيز دوافع حب التعلم والمنافسة بين أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وأقرانهم، ورفع تحفيزهم لإنشاء الروابط الاجتماعية؛ وهذا يعزز من صحتهم النفسية، ويزيد من شعورهم بتقدير الذات، ويرفع من استحقاقهم.

كيفية دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع:

إنَّ خطوة دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع هي خطوة شاقة وليست سهلة أبداً في بعض المجتمعات التي تَعُدُّ هذه الفئة مُعاقبة بقصاص إلهي يملي عليهم ازدراءها والتقليل من شأنها، ولكنَّ المجتمعات الواعية هي التي تتقبل الإنسان على اختلاف صفاته الجسدية والنفسية وترى من اختلافه تنوعاً يزيد ثروتها وغناها، وتنظر بإيجابية إلى كل لون من ألوان الأفراد وتجمع بينها في قوس قزح مجتمعي يشمل كل الأطياف.

شاهد بالفديو: أساليب التعامل الناجح مع الطفل المتوحد

وعن كيفية دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة نجيب:

الأسرة أولاً:

إنَّ الأسرة هي العامل الأكبر في جعل الطفل ذي الاحتياجات الخاصة قابلاً للاندماج في المجتمع؛ وذلك لأنَّ عملية الاندماج هي حصيلة استعداد الطفل ذي الاحتياجات الخاصة لذلك، وتهيئة المجتمع للبيئة المحيطة به لإتمام هذه العملية؛ لذا فإنَّ دور الأسرة يكون عن طريق استكشاف نقاط القوة لدى الطفل، والنقاط التي يجب العمل عليها من أجل إتمام عملية تماهيه مع المجتمع.

الأطفال الذين يعانون من مشكلات في التواصل مثلاً، يكون من واجب أسرتهم تشجيعهم على عملية إنشاء صلات اجتماعية والانخراط مع الآخرين.

لعلَّ الخطوة الأولى في ذلك هي تقبُّل أفراد الأسرة لوجود طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بينهم، وعدم التعامل معه على أنَّه عالة تثقل كاهلهم، أو عبء يجب عليهم تحمُّله إلى الأبد؛ بل يجب عليهم تقبُّل اختلافه، وعدم النظر إلى ما لا يمكنه فعله؛ بل النظر إلى ما يمكنه فعله، والاعتماد عليه في تنفيذه.

مثلاً، عند ولادة طفل بمتلازمة داون، يكون واجباً على الأسرة إشراكه في جميع فعالياتها التي يستطيع المشاركة فيها، فالأطفال المصابون بهذه المتلازمة في سن معينة قادرون على نقل الأطباق من وإلى المائدة، وقادرون أيضاً على القيام ببعض الواجبات البيتية.

إنَّ ممارسة الطفل لهذه المهام التي تناسب عمره وقدراته، تعزز عنده الثقة بالنفس، وتزيد الأسرة هذه الثقة عن طريق تعاملها مع طفلها باحترام، وامتداح تصرفاته الحسنة، وتشجيعه دائماً، فينشأ مقدِّراً لقيمة نفسه، وغير حامل لأي مشاعر بالنقص والدونية عن أقرانه.

إنَّه ومن واجبات المنظمات المحلية توفير مراكز تأهيلية لذوي هؤلاء الأطفال تعلمهم أصول التعامل الصحيح معهم، وترشدهم إلى أفضل طرائق التواصل فيما بينهم ومع المحيط الذي ينظر نحوهم بشفقة أو استغراب، انطلاقاً من أهمية دور الأسرة في وضع اللبنة الأولى لعملية دمج أطفال الاحتياجات الخاصة مع مجتمعاتهم.

المعنيون ثانياً:

في عملية دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع المجتمع، تقع على كاهل المعنيين من مؤسسات حكومية أو أصحاب منشآت مهمة الأخذ في الحسبان وجود أفراد ذوي احتياجات خاصة من الممكن أن يرتادوا منشآتهم، فيوفروا بذلك بيئة آمنة لوجودهم مثل الممرات الواسعة، والمنحدرات البديلة عن الدرج للكراسي المتحركة، وغيرها من التسهيلات التي تجعل خروج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من المنزل أمراً غير مربك.

كما أنَّ نشر الوعي بين الأطفال المتعلق بوجود فئة مختلفة عنهم عن طريق البرامج التلفزيونية أو المجلات الموجهة لهم، أمر يصب في مصلحة دمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع.

إقرأ أيضاً: قصص نجاح مشاهير من ذوي الاحتياجات الخاصة ومقتطفات من حياتهم

المجتمع ثالثاً:

قد نصادف كثيراً في مركز الألعاب أماً مع طفلها من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى الرغم من أنَّ المكان قد يكون مهيَّأً لاستقبال هذه الحالات، إلا أنَّ الأم لا تبدو عليها علائم الراحة؛ والسبب في ذلك قلة معرفة الكادر البشري في المكان ورواده بكيفية التعامل مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهنا يبرز دور الوعي والتثقيف الذاتي المتعلق بكيفية التعامل مع هذه الفئة، أو على الأقل تقبُّل وجودها دون النظر نحوها باستغراب أو التعامل بشفقة معها ومع ذويها.

كما أنَّ لذوي الطفل في هذه الحالات دوراً فعالاً في أخذ زمام المبادرة، وإطلاع الناس على كيفية التعامل السليم مع الأطفال بدل الانزواء بهم، أو التوجه إلى المسؤولين عن المكان والمطالبة بوجود تسهيلات لهذه الفئة من الأطفال في حال لم تكن موجودة.

إقرأ أيضاً: قصة نجاح العالم ستيفن هوكينج

في الختام:

إنَّ الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة هم نسبة لا بأس بها من المجتمع، وهم ليسوا عالة عليه ولا عبئاً ثقيلاً؛ إنَّهم أفراد طبيعيون كغيرهم، لهم حقوق إنسانية مفروضة كسائر الأفراد دون منَّة، وإنَّ دمجهم في المجتمع يرتقي به نحو الأفضل، كونه نجح في استثمار مؤهلاتهم ومواهبهم وتوظيفها فيما يخدم قيم الحق والخير والجمال.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة