كيفية التعامل مع القلق

الأهمية لابدّ أن نكتسبها جميعا للعيش في زمان صعب كزماننا.

لقد أكّدت الدراسة في مجال الوقاية من الأمراض النفسية وأبحاث التطوير الشخصي على أهمية مهارات التعامل مع الهموم والضغوط بكل أنواعها وأشكالها، في سبيل تلافي آثارها المدمرة على الشخص المعني، من كثرة التفكير وتعكر المزاج وقلة النوم والشهية وغيرها.

ومما لا شكّ فيه أنّ الأوقات الصعبة التي نواجهها حينا بعد حين سواءً في العمل أو في البيت تعتبر المدرسة العملية والحقيقية لتنمية مثل هذه المهارات.



لا تتفاجأ..!!

هل حدث أن عشت فترةً من الزمن غارقاً في بحر من الهموم والهواجس عن عملك، أو دراستك، عن عائلتك، وحياتك الأسرية، عن صحتك، عن وضعك المالي ومستقبلك الوظيفي، عن وعن... لا تتفاجأ، فأنت واحد من عدة ملايين أقض مضاجعهم القلق وإنشغال البال.

هل أنا مصاب بإضطراب القلق؟

نعرف جميعا أنّ القلق الطبيعي ضرورة لحياة الإنسان وبقائه. فلو لم يقلق الطالب عند اقتراب الإمتحانات لما اجتهد في الدراسة. لكن المشكلة أنّ هذا القلق قد يتحول إلى إضطراب مزعج. فقد يقلق المرء بشكل يفوق الحدث الذي سيقدم عليه. وقد يعطل القلق الزائد قدراته على التركيز فيشله تماماً في لحظات حرجة، وقد يهاجم – وهذا الأسوأ – الإنسان في اللحظات العادية فيتحول عالمه إلى بحر من التوجس ويمتلئ عقله بخيالات مبتكرة لأسوأ ما قد يحدث على الرغم من قلة إحتمالاته.

دعوني أوضح أكثر. تخيل أنك كنت تقطع شارعاً عريضاً وإذا بسيارة كبيرة متجهة نحوك بسرعة كبيرة وقد فقد سائقها السيطرة عليها. ما الذي ستشعر به؟.

·         شعور بالتوجس والرهبة (شعور وكأنك على حافة الموت(

·         زيادة في التركيز لإتخاذ القرار المناسب.

·         ضخ عام للدم في جسدك مع خفقان.

·         إرتفاع في الضغط.

·         زيادة في التنفس.

·         رعشة عامة في الجسم.

·         تعرق.

·         برودة في الأطراف.

·         جفاف في الفم.

فيزيولوجياً، هذه الحالة ناجمة عن إفراز مادة (الأدرينالين) في الدم والتي تهيؤك للفرار في أحد الإتجاهات.. وهذا أمر في غاية الأهمية لسلامتنا في مثل هذه المواقف. لكن تخيل أن تستمر هذه الحالة بعد نجاتك لفترة طويلة، أو بشكل لا يمكن السيطرة عليه، أو تحدث نفس الأعراض عندما تقف أمام رئيسك في العمل وهو يوبخك على تأخرك هذا الصباح (حيث لا مجال للفرار!) أو عندما يتأخر ولدك عن البيت. وعندما نقول: إنّك مصاب باضطراب القلق العام.

مع مرور الوقت، يصبح القلق مزمناً ويعاني المريض من صعوبة التحكم بالهواجس والتي تدور حول خطر داهم مجهول سيحدث قريباً في أي لحظة أو أفكار حول الموت، وعادةً ما يشكو المرضى من:

·         التعب من أدنى مجهود.

·         العصبية الزائدة.

·         عدم تحمل الأصوات العالية ولعب الأولاد.

·         صعوبة التركيز وكثرة النسيان.

·         إضطراب في النوم (نوم خفيف وغير منعش(

·         الشعور بالحزن والضيق وتجنب ملاقاة الآخرين.

ولا تعجب – عزيزي القارئ – أني شهدت في عيادتي مجموعة من الرجال والنساء الذين فقدوا أعمالهم. وابتعدوا عن أصدقائهم، وانقلبت حياتهم رأساً على عقب بسبب هذه الحالة.

كيف تتغلّب على القلق؟

في سبيل العلاج، يلجأ الطبيب إلى الدواء خاصة بعد ظهور مجموعة من الأدوية التي تساعد على التغلب على هذه الحالة دون أن تسبب الإدمان. كما يُستخدم العلاج النفسي والذي ثبت أنّه ذو فعالية مثلى عند إستخدامه مع الدواء كما يمنع – بحد ذاته – معاودة المرض بعد إيقاف الدواء.

في البداية لابدّ أن نقرر أمران مهمان:

·         الأوّل: أنّ التحسن يحتاج إلى وقت لأن نشوء طريقة التفكير المغلوطة لدى مرضى القلق تمت خلال وقت طويل، لذا كان عملية تغييرها تتطلب بالمقابل وقتاً.

·         الأمر الثاني: أنّ المريض هو جزء فاعل في عملية العلاج. فهو يتحمل جزءاً مهماً من مسؤولية التحسن، وذلك بالتزامه بتعليمات المعالج، ومحاولته الجادة للإستفادة من المهارات التي يتعلمها.

والآن سأذكر عشرة وسائل مختلفة ستساعدك على التغلب على هذه الحالة المزعجة:

أولاً: لابدّ أن نذكّر أنفسنا دائماً بالتسليم بقضاء الله عزّ وجلّ في كل أحداث حياتنا.

ليس تسليماً سلبياً يدفعنا إلى الخمول والتبلد والإكتفاء بالبكاء والنواح.. لا بل هو قبول إيجابي قائم على مبدأ (خيرية) كل ما يقدر الله لنا. كما ورد في قول الرسول (ص): "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له".

ومن ثم نهوض وتوكل وعمل.

ثانياً: الحوار الداخلي:

وأقصد هنا ما نقوله لأنفسنا، وما يدور في أذهاننا في كل موقف. إذ ترتد إلينا نتيجة هذا الحوار ليؤثر على مشاعرنا ومزاجنا الخاص.

دعني أضرب لك مثلاً، دعوت أحد أصدقائك للعشاء الليلة، وتأخر هذا الصديق عن الموعد المحدد. لاحظ الآن كيف يمكن أن نجري عدداً من الحوارات الداخلية، ولاحظ كيف سيغير هذا من إحساسنا ناحية هذا التأخر.

·         "لماذا تأخر.. ألم نتفق بشكل واضح على الموعد.. إيه.. حتى لم يكلف نفسه أن يخبرني بتأخره.. هكذا هو دائماً يتعامل معي بكل استهتار وعدم تقدير.. مَن يظن نفسه.." وهكذا يتطور الحوار إلى أن تكسو نفسك بالحزن والإكتئاب.

·         "لماذا تأخر.. كان الإتفاق على الموعد واضحاً.. الله يستر.. ربّما وقع له حادث وهو في الطريق إلي.. وربّما.. يا الله تجيب العواقب سليمة.." وهكذا تحلل الموقف بأسوأ الإحتمالات وربّما تتصل بالشرطة أو المستشفيات للتأكد.

·         لماذا تأخر.. كان الإتفاق واضحاً.. جيِّد أن يعطيني وقتاً إضافياً لإعداد العشاء وترتيب الأمور!!.".. وهكذا تمضي وقتك بهدوء وطمأنينة أكثر، بعيداً عن القلق والهموم.

في سبيل مراقبة الحوار الداخلي والأفكار، الجأ دائماً لإثارة الأسئلة التالية كلما بدأ يساورك شعور بالضيق والقلق:

·         ما الذي أعتقد حدوثه؟

·         ما الذي أفكر به بالنسبة لنفسي؟

·         ما الذي يشغلني بالنسبة للآخرين؟

·         كيف أنظر إلى هذه الوضعية بشكل عام؟

·         كيف يمكنني أن أتغلب على الأمر؟ (لاحظ أنك سوف لن تتعامل مع القلق بل مع الحدث نفسه).

·         ما الذي يجب أن أفعله الآن؟

في المرّة القادمة، أرجوك أن تلاحظ كيف تدير حوارك الداخلي، وكيف أثّر ذلك في مشاعرك. ومن ثمّ وجه ذات الحوار توجيهاً جديداً كما فعل صاحبنا الثالث في المثال المذكور آنفاً. وسوف ترى ما أروع الهدية التي قدمتها لعالمك الداخلي.

ثالثاً: اختبر الأفكار المثيرة للقلق:

 بعد أن حددت الأفكار التي قادتك إلى القلق والتوجس (وهي عملية ليست بالبسيطة)، جاء الوقت لاختبار حقيقة هذه الأفكار.. هنا اسأل نفسك بعض الأسئلة الهامة:

·         ما الدليل على صحة الأفكار والنتائج التي وصلت إليها؟

·         هل يمكن أن يكون هناك تفسير بدليل أو إستنتاج آخر للحدث أو الموقف الذي تعرضت له؟

·         ما هو تأثير هذا التفكير على ما سأقوم به؟ بمعنى آخر ما حسنات أو عيوب هذا التفكير؟ هل سيدفعني للعمل أم سيثبط همتي؟

رابعاً: اكتشف أخطاء التفكير:

فعندما نلجأ إلى تحليل حدث ما وتقييمه، نستخدم مجموعة أساليب خاطئة في التفكير، ومن ثمّ نصل إلى النتيجة الخاطئة بالطبع. مما ينتهي بنا إلى المزيد من القلق والتوجس. أود منك دراسة هذه الأخطاء الفكرية، ومراقبة نفسك بدقة عندما تسلك أحدها:

·         التفكير الكارثي: أي التوقع الدائم لأسوأ السيناريوهات التي قد تسير إليها الأمور، والإنشغال الدائم بالتفكير بأسوأ الإحتمالات.. حيث كل ألم هو مرض خطير، وكل إنتقاد هو رفض كامل، وبسبب أي خطأ سأفقد وظيفتي وهكذا.

·         الميل الدائم إلى توقع المستقبل: وهذا من السبل الفكرية غير المساعدة التي يتعود إلى سلوكها مرضى القلق. حيث نعتقد أننا يمكن أن نتنبأ بالمستقبل بشكل صحيح دائماً. ومن ثمّ نبني عليه شعورنا بالقلق. دعونا نعترف أنّه بلا شكّ سيبقى في المستقبل زوايا خفيفة لا يمكن إستكشافها وما من بد سوى إسنادها لمشيئة الله وقبولها على عمومها بصدر رحب. (لا يمكن أن أنجح في عملي الجديد)، (قد يتعرض لحادث سيارة أثناء السفر(

·         ربط المستقبل بالماضي: حيث نلجأ إلى الماضي لتوفير الأدلة على ما يساورنا من هواجس أو للوصول إلى نتيجة ما.." لقد شعرت بالقلق في الإحتفال الماضي، لذا سوف لن أستمتع هذه المرّة"، "لقد تعرضت الطائرة لمطبات هوائية مرعبة في الرحلة الماضية، أكره إستخدام السفر بالطائرة، أشعر بالقلق عندما أضطر إليه".

·         توقع بلوغ الكمال: حيث نعتقد أنّ الأمور يجب أن تؤدي على أفضل وجه وإلا فلن نقبلها. (لم ينجح المشروع كما كنت أخطط، لقد فشلت). لنتذكر أنّه من طبيعة البشر إرتكاب الأخطاء وهذا لا يعني قبول مستوى متدنٍ من الأداء وإنّما يدفعنا إلى الإعتراف بالتقصير والتعلم منه بدل أن نُشل بكابوس الفشل.

·         أسلوب الكل أو العدم: حيث نحكم على الأمور يشكل جدي إما جيِّدة أو سيِّئة، خطرة أو آمنة وهكذا لا يوجد حل أو خيار وسط.

خامساً: البحث عن أفكار بديلة:

أفكار مثيرة للقلق

·         كل شيء يسير نحو الأسوأ.

·         هذه الأعراض تدل على أنني مصاب بمرض خطير.

·         أنا لست كفئا لعمل ذلك.

·         أفكر دائماً بأن شيئاً رهيباً سيحدث لأقرب المقربين إلي.

·         لا أستطيع أن أتحمل كل ما يحدث.

أفكار سليمة/ تفسيرات بديلة

من المستبعد أن يسير كل شيء بشكل سيِّئ. على كلٍ القلق سوف لن يغير شيئاً، دعني أتعامل مع الأشياء الأكثر إحتمالاً.

أشعر بأعراض القلق كما وضحها لي الطبيب. أعرف أنها لن تؤذيني. من المستبعد أن أكون مصاباً بمرض خطير ولم يكتشفه كل الأطباء الذين فحصوني.

أحب أن أنجز الأشياء بكفاءة لكن كأي شخص سأرتكب أحياناً بعض الأخطاء. سأحاول عمل كل ما بوسعي.

لا يوجد دليل أنّ شيئاً سيِّئاً سيحدث ولن أعيش على إحتمالات مستبعدة.

أنا لا أحب ما حدث لكن علي أن أتقبل الأشياء كما هي وأتعايش معها. وقد فعلت ذلك من قبل.

سادساً: فكر بالأكثر إحتمالاً:

عندما تبدأ بتحليل موقف ما وجّه إلى نفسك سؤالاً محدداً. كم هي إحتمالية أن يكون ذلك صحيحاً؟ ما هو الدليل على صحة النتيجة التي وصلت إليها؟ لو نظرت بكل تجرد ستجد أنك تشغل بالك بأمور نادرة الحدوث.

سابعاً: ذكر الله عزّ وجلّ هو مفتاح الطمأنينة.

قال تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28(

وما أعنيه هنا ليس ترديد محفوظات معيّنة من الأذكار المعروفة، بل ذكرٌ مع استشعار حقيقي وكامل لقرب الله عزّ وجلّ من عبده، وإعانته له في شدته، فهو خير مَن يستعان به سبحانه.

ثامناً: تغيير تركيز الوعي في موقف ما..

 كثيراً ما ندرب مرضانا على تغيير تركيزهم من الجانب المثير للقلق إلى الجزء العملي الصرف منه. فمثلاً عندما يتأخر ولدك عن البيت.. يمكن أن تشغل تفكيرك بأسلوب (الكارثة) ومثاله: (ربّما أصابه كذا أو تعرض لكذا..). وبدل ذلك، بالإضافة للمهارات السابقة، ما نود أن تفعله هو أن توجه تركيزك نحو الجزء العملي للموقف. وهنا اسأل نفسك بوضوح: ما هي الخطوة العملية التي يمكن أقوم بها الآن لأطمئن بها على سلامة ولدي؟ والتي قد تكون الإتصال بصديقه المقرب أو بابن عمه الذي اعتاد الذهاب إليه.

تاسعاً: تجنب بعض السلوكيات التي تؤكد القلق:

 ومنها الطمأنينة المفرطة على أفراد العائلة، أو زيارة الأطباء بشكل متكرر بسبب الأعراض الجسدية للقلق، وأجراء فحوصات طبية غير ضرورية. ومن هذه السلوكيات أيضاً تحاشي الأحداث التي تزيد القلق مثل قراءة أخبار الحوادث أو زيارة بعض الأماكن التي تسبب خوفاً غير مبرر وغير ذلك. ومنها التسويف، وتأجيل عمل بعض الأمور خوفاً من النتيجة النهائية غير المرضية مثل تأجيل المباشرة في مشروع ما خوفاً من نتيجة غير مرضية. ومنها أيضاً محاولة التحكم بالقلق بغية تقليله وعندما يستعصي ذلك يتزايد القلق أكثر.

عاشراً: ذكِّر نفسك بالثمن الفادح الذي يدفعه جسمك ثمناً للقلق، وكثرة التفكير، وإنشغال البال.

 ولدى أطباء القلب والأعصاب الكثير ليقولوه لك عن زيادة تعرض القلقين لخطورة الإصابة بالجلطة في القلب أو الدماغ والتي تشكل أكثر الأمراض فتكاً بالبشرية هذه الأيّام

 

المصدر: البلاغ.