كيف نُحسّن من إنصاتنا؟

عندما تفهم معوقات الإنصات ستكون قادراً على وضع خطة عملية لتحسينه، وكمتكلم تستطيع استخدام الكثير من الاقتراحات الواردة لاحقاً لتساعد مستمعيك في الإنصات وفي استذكار رسائلك، فمثلاً عندما تختار أفكارك بدقة وتنظمها بوضوح وتدعمها بالشواهد المقنعة وترتب كلماتك بشكل حيوي وتلقي أفكارك بقوة...... فستعزز قدرة متدربيك على الاستذكار. وكمنصت لا بد من أن تفهم وتتذكر رسالة المتكلم، ولتحسين إنصاتنا لابد أن نرغب بالإنصات أولاً ثم أن نركز على الرسالة وأن نستمع للأفكار الرئيسية وأن نفهم وجهة نظر المتكلم وأن نمتنع عن إصدار الأحكام، وأن نعزز الرسالة وأن نعطي التغذية الاسترجاعية ويكون أفضل لو استمعنا بواسطة جسدنا كله وأخيراً أن ننتقد.



أولاً لنرغب بالإنصات فموقفك هو من يحدد فعالية إنصاتك. سيتاح لك مستقبلاً الكثير من الفرص لحضور العديد من المحاضرات والدورات، وستشدك بعض المواضيع وتهمك، وهناك مواضيع لن تهمك أبداً، والمنصت الجيد سيفترض أنه يستطيع الاستفادة من كل المواضيع المطروحة، فبعض الكلمات التي ستسمعها سيكون قد تم إعدادها وإلقاؤها بشكل ممتاز، والبعض الآخر سيكون سيئاً، ومع هذا تستطيع أن تستفيد منها، وذلك بأن تحاول تحديد نقاط ضعف الكلمة، و تحديد ما سيفعله المتكلم ليُحسّن منها، وهذا ما سيساعدك على تحسين إلقائك أنت. وأحياناً تُتاح لك الفرصة كي تعطي تعليقات أو "تغذية راجعة" لبعض المتكلمين، ولهذا لا بد أن تنصت بدقة وتمعن حتى تستطيع تقديم تعليقات مهمة ومفيدة لهم، ومن هنا كان لا بد من وجود رغبة لديك في الإنصات. أتعرف؟ يستطيع المتكلم أيضاً تحسين إنصات مستمعيه عندما يعرض في بداية عرضه الفوائد التي سيحصل عليها مستمعيه.

ثانياً لنركّز على الرسالة فمن أهم مسؤوليات المنصت أن ينصت بانتباه، فقد يقوم المتكلم ببعض المشوشات أثناء كلامه، كأن يكون لباسه غير مناسب أو أن ينتقل من قدم إلى أخرى بعصبية واضحة، أو أن يستخدم لغة عدائية، أو أن يقول "أم" مرات عدة أثناء كلمته، كل هذا سيكون مُعيقاً للتواصل مع مستمعيه. فعلى سبيل المثال قد يقوم أحد المتدربين بإحصاء عدد الـ "أم" في كلام المتكلم، وبعد أن ينتهي المتكلم من كلمته، يقوم المتدرب بتقديم تغذية راجعة للمتكلم و يخبره بعدد الـ"أم" ألا وهو"25"، وبالرغم من قيمة هذا التعليق بالنسبة للمتكلم، ولكن على الأغلب سيكون تعلم المستمع مما سمعه قليلاً. قد لا تكون قادراً على تجاهل التشويشات بشكل كامل أثناء إنصاتك، ولكنك تستطيع أن تحاول تقليل أثرها.

إن الرسالة عادة ما تكون لفظية وغير لفظية، ومن هنا كان لا بد للمنصت أن ينصت بعينه مثلما ينصت بأذنيه، وعندما ندرك تعارضاً أو تناقضاً ما بين الرسائل اللفظية للمتكلم والرسائل غير اللفظية، فاننا نميل لتصديق الرسائل غير اللفظية، حيث أن الناس يستطيعون إخفاء مشاعرهم وراء كلماتهم أكثر من إخفاءها خلف لغة جسدهم، فلغة جسدهم تبين مشاعرهم أكثر من كلماتهم، فأنت عادة ما تستطيع أن تقرأ لغة جسد المتكلم وإشاراته الصوتية، وبالتالي تستطيع أن تقيّم من خلال هذه القراءة فيما إذا كان المتكلم يعتقد بأهمية ما يقول، أو موقفه الحقيقي مما يقول.

أتعرف؟ يستطيع المتكلم مساعدة مستمعيه في التركيز على الإنصات - وبالتالي التركيز على رسالته - من خلال الحد من المشوشات والمقيدات، من خلال تناغم تصرفاته غير اللفظية واللفظية التي تعزز الأفكار التي يريد إيصالها.

ثالثاً لنستمع للأفكار الرئيسية فعندما تقوم بالإنصات لابد أن تكون منتبهاً لتنظيم وترتيب المادة التي وضعها المتكلم، حيث يزود ترتيب المادة كلاً من المتكلم والمنصت، بإطار لترتيب النقاط الأساسية والمعلومات الداعمة. والمتكلمين الذين يسردون أفكارهم ويعيدونها مرات عدة أثناء كلامهم، يقدمون لمستمعيهم فرصة أفضل ليكونوا منصتين فعّالين.

رابعاً لنفهم وجهة نظر المتكلم فلدى كل منا معنى مختلفاً للكلمات التي يقولها أو يسمعها من الآخرين، لأنه لكل منا تجربته الخاصة بالحياة والتي تجعلنا نختلف في رؤيتنا للعالم من حولنا، وعندما يأتي المتكلمون والمنصتون من ثقافات مختلفة فإن فرص قلة الفهم - أو سوء الفهم - تتزايد، حيث أن كلاً من اختلاف اللغة والثقافة والعادات يتحدى المنصت لكي يبذل قصارى جهده ليفهم رسالة المتكلم وقصده. على المتكلمين القيام بشيئين لتوضيح وجهات نظرهم أثناء الإلقاء: أولاً: عليهم شرح سبب اختيارهم للموضوع باكراً في مقدمة كلمتهم، أو شرح مؤهلاتهم الخاصة للتكلم عن هذا الموضوع، فإذا اخترت التكلم عن هيئة الإذاعة لأنك تعمل في محطة إذاعية أو لأنك مختص في أفلام الإذاعة والتلفاز، فأعطِ الجمهور لمحة عن خلفيتك، وإذا كنت خبيراً بالمجوهرات وقررت التكلم عن الزمرد مثلاً فتأكد من إعلام الجمهور بمؤهلاتك الخاصة. ثم على المتكلمين الربط بين موضوعهم وبين المستمعين، قد يؤدي استخدام المتكلم للتعابير المعقدة إلى عدم قدرة الجمهور على سماعه بفاعلية، لذا فعلى المتكلم استخدام اللغة التي يمكن للجمهور فهمها.

لدى العديد من الناس مشكلة في الامتناع عن إصدار الأحكام المُبكرة ولكن هذا الكلام لا يجب أن ينطبق عليك، وهنا نصل إلى اللإرشاد الخامس وهو ضرورة أن نمتنع عن إصدار الحكم فنحن قد نسمع شيئاً ونصدر حكمنا مباشرة - بشكل صحيح أو خاطئ- والمشكلة هي أننا عندما نقوم بذلك فإننا سنتوقف عن الاستماع لبقية الرسالة بشكل موضوعي، وقد يكون من الصعب بالنسبة لك أن تمتنع عن إصدار حكمك، خاصة عندما تسمع خطاباً يدافع عن حالة أنت ترفضها بقوة فسوف تعارض المحاضر بشدة. وهذه بعض المواضيع التي يناقشها المدربون الجدد أحياناً وهي: عقوبة الإعدام، الإجهاض الذاتي والقتل الرحيم، ومن المؤكد أنه لديك آراء هامة حول هذه المواضيع، وقد تشعر بصعوبة في الإنصات  لخطاب مناقض لآرائك دون القدرة على مناقشة المتكلم، اعلم أنك حين تتحدى هذه الأفكار في ذهنك فإنك ستفقد الكثير مما يقوله المتكلم، لذا عليك أن تؤجل تقييمك إلى حين انتهاء عرض المتكلم من أجل الإنصات بشكل أفضل.

سادساً لنعزز الرسالة فالناس يتكلمون بمعدل 125-190 كلمة بالدقيقة، وعندما تحاول إيصال فكرة بسيطة بمعدل 120-170 كلمة بالدقيقة، فقد يعتقد مستمعيك بأنك مريض أو تواجه مشكلة ما. نحن بإمكاننا كمستمعين معالجة 400- 500 كلمة في الدقيقة، أي أنه لدينا القدرة على الاستماع بمعدل أسرع بأربع مرات من سرعة تدفق كلمات الشخص المتكلم، ونتيجة لذلك فإذا كان الموضوع بسيطاً و يتم طرحه ببطء، فإننا قد نشعر بالملل وقد نحول انتباهنا عن الشخص المتكلم إلى مشكلة شخصية تهمنا. وقد يأخذ منا التفكير في أمور أخرى وقتاً كبيراً. لذا ولكي تكون منصتاً أفضل، عليك استخدام هذا الوقت الإضافي بشكل أفضل، حيث يمكنك ملء بعض الوقت بالتركيز على الرسالة عن طريق تكرار وتلخيص ما يقوله المتكلم ذهنياً وبكلماتك الخاصة.

سابعاً لتعطِ تغذية راجعة حيث يمكن للمنصت أن يعزز عملية التواصل بإعطاء تغذية راجعة للمتكلم، وبالرغم من أن هناك فرصة كبيرة لتقديم تغذية راجعة لفظية في البيئات الفردية والجماعية، إلا أنها يمكن أن توجد أيضاً ضمن بيئة الخطاب الجماعي. يقوم المتكلم الفعّال بقراءة إشارات الجمهور غير اللفظية أثناء الإلقاء، فإذا فهمت فكرة المتكلم وقبلت بها فعندها سيتابع وينتقل إلى الفكرة التالية، وإذا لم تفهم فإن هذا سيدفع المتكلم لأن يشرح الفكرة من جديد قبل الانتقال إلى الفكرة التالية.

ثامناً لنستمع بواسطة جسدنا فنحن يمكننا أن ننصت بوسائل أخرى غير آذاننا، بمعنى أننا نستطيع أن ننصت بجسدنا كله. إن جزءاً من إنصاتك هو أن تكون جاهزاً جسدياً للاستماع، فيمكنك أن تجهز نفسك للإنصات بأن تجلس كاتباً مع النظر للأمام وإرخاء القدمين على الأرض، والنظر إلى المتكلم عند الإنصات له، وكما أن الرسالة التي تسمعها مهمة فإن الرسالة التي تشاهدها مهمة أيضاً، وتذكر أن عليك اكتشاف الرسائل غير اللفظية والتي تناقض رسالة المتكلم اللفظية.

أخيراً تستطيع أن تستمع وتنتقد فبالرغم من أنه عليك كمستمع فهم وجهة نظر المتكلم والامتناع عن إصدار حكمك، إلا أنه عليك اختبار أهلية ما تسمعه، فإذا قبلت بأفكاره ومعلوماته دون طرح الأسئلة عليه، فإنك ستكون مسؤولاً عن النتائج. فعندما يستخدم المتكلم شواهد تعليمية معينة دون ذكر مصادرها، فسيكون لديك الحق في الشك بها. يقوم المنصتون الناقدون باختبار ما يسمعوه من خلال طرح أسئلة عديدة منها:

·     هل الكلام صحيح؟

·     هل المصادر معروفة وموثوقة؟

·     هل وضع المتكلم خاتمة منطقية للمعلومات التي قدمها؟

·     هل أضاف المتكلم أو أهمل معلومات هامة؟

 

يساعد المتكلمون المستمعين في الإجابة عن هذه الأسئلة بعرض معلومات موثوقة وتحديد المصادر واستخدام براهين شرعية. أن الإنصات بشكل جيد لا يقل أهمية عن التحدث الجيد في أية عملية تواصل فعّالة، وإذا استخدمت هذه الاقتراحات التسعة فإنك ستصبح منصتاً أفضل إن شاء الله.