كيف نتغلب على ندمنا؟

هل سبق لك أن وجدت نفسك تفكر في "ما كان سيحدث لو...؟"، هذا الصوت في رؤوسنا الذي يرسم سيناريوهات مختلفة للأحداث الماضية، مثل: ماذا كان ليحدث لو قلت شيئاً مختلفاً في المقابلة؟ أو ماذا كان ليحدث لو قلنا لمديرنا رأينا بصدق عندما واجهنا بتعليق فظ؟



عندما نعود إلى الأحداث الماضية نجد أنفسنا في المكان نفسه الذي كنا فيه، لكن هذه المرة مع تغيير في الأحداث، وفجأة يمكننا تخيل قصة جديدة بالكامل، وممَّا لا شكَّ فيه كان من المفترض أن يتفاجأ القائم بإجراء المقابلة بنا، وكان مديرنا سيتوقف على الفور مدركاً مدى ذكائنا وثقتنا.

يسمي علماء النفس هذه القدرة المعرفية؛ التفكير المخالف للواقع (Counterfactual thinking)، ولقد اكتشفوا أيضاً أنَّنا وسطياً نفكر أكثر في المواقف البديلة الإيجابية أكثر من السلبية؛ إذ نريد إعادة كتابة الماضي لجعل مستقبلنا أفضل، لكن إذا تمكنا من العودة بالزمن، فهل يجب أن نغير أيَّ شيء؟ فماذا لو أدَّى تعديل طفيف إلى تغييرات هائلة؟

أوضح أحد علماء الرياضيات والأرصاد الجوية هذه الفكرة بمفهوم تأثير الفراشة (Butterfly effect) الشهير، وذكر أنَّ الاختلاف في رفرفة جناحي الفراشة في البرازيل يمكن أن يكون كافياً لتحويل النسيم إلى إعصار في ولاية تكساس (Texas) في أمريكا، ومثال على ذلك، حاول البطل الرئيسي في رواية الكاتب ستيفن كينج (Stephen King) تحسين العالم بمنع اغتيال الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي (John Kennedy)، ممَّا أدَّى في النهاية إلى حرب نووية.

لذا إذا لم يكن تغيير الماضي مفيداً، فهل توجد فائدة من التفكير المخالف للواقع؟ وفقاً للعلماء التفكير فيما يمكن أن يكون أفضل يثير مشاعر سلبية، وخاصة مشاعر الندم؛ إذ يشير التأثير السلبي إلى أنَّه لا ينبغي لنا تكرار هذا السلوك من أجل مصلحتنا، لكن إذا استخدم استخداماً صحيحاً، يمكن أن تكون له ميزة استثنائية.

شاهد بالفيديو: 10 أسباب وراء شعورك بالندم

ثمة شرط للاستفادة من سيناريوهات "ماذا لو":

يجب ألا نتأمل لمدة طويلة في الاحتمالات التي أضعناها، وإلا فإنَّنا سنعلق بحلقة مفرغة من أفكارنا، وبدلاً من ذلك علينا أن نفهم العلاقة بين التفكير في ماضينا، واتخاذ إجراءات من أجل مستقبلنا، وموازنة التفكير والعمل، فهذه هي الطريقة التي ننمو بها ونزدهر، وتتمثل إحدى مزايا التفكير في "ماذا لو" في تصور الحقائق البديلة، وهذه القدرة العقلية يمكن أن تكون قوية جداً.

أجرى الدكتور باسكوال ليون (Pascual-Leone) أستاذ علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard Medical School) دراسة بتصوير طبي لأدمغتنا، والتي حققت نتائج مذهلة؛ إذ طلب فريقاً من مجموعتين لممارسة تمرين البيانو بيدهم اليمنى، وكانت إحدى المجموعات تتدرب جسدياً، بينما تصور الآخرون أنفسهم وهم يؤدُّون النغمات على لوحة المفاتيح، وتدربت المجموعتان كلتاهما لمدة خمسة أيام كلَّ يوم لمدة ساعتين.

أظهر تصوير الدماغ للطلاب الذين تمرنوا جسدياً توسعاً في القشرة الحركية، وهذا الجزء من الدماغ مسؤول عن التحكم بأصابع اليد اليمنى، وهذه النتيجة تطابق تجربتنا الخاصة؛ إذ تجعلنا الممارسة أفضل، ومع ذلك كان الجزء الأكثر إثارة للدهشة هو أنَّ الطلاب الذين مارسوا التمرين ذهنياً، حصلوا على نتائج مماثلة في تحسين أدائهم، وتوسيع مجالاتهم الحركية.

في ظل هذه الظروف، ليس من المستغرب رؤية كثير من الرياضيين ذوي الأداء العالي يتبنون تقنيات التخيل لتحسين أدائهم؛ فقد أوضح مايكل فيلبس (Michael Phelps) - وهو السباح الأولمبي الأكثر حصولاً على الميداليات التي يبلغ عددها 28 ميدالية - في مقابلة معه أنَّ نظارته الواقية بدأت تمتلئ بالماء في أحد سباقاته ممَّا جعله أعمى تقريباً، وسبح 175 متراً بما في ذلك منعطفين دون رؤية جدران المسبح؛ فقد يظن المرء أنَّ ذلك سيؤثر في أدائه، ولكنَّه لم يؤثر، وبدلاً من ذلك انتهى به الأمر بالفوز بالميدالية الذهبية وتحطيم الرقم القياسي العالمي.

عندما سُئل كيف فعل ذلك، أوضح أنَّه اعتمد على تصوراته للسباق، فإذا كان التفكير يوفر مزايا فيجب أن نتوخى الحذر عند استخدامه، فمثل الأطفال الذين يتعلمون أنَّهم يجب ألا يقتربوا كثيراً من اللهب لأنَّه يحرق، يمكن أن تعلمنا هذه الرحلات الذهنية دروساً قيمة، وبمجرد أن نفهم أنَّ النار يمكن أن تؤذينا، فإنَّنا نحتفظ بهذه المعرفة الجديدة ونحافظ على بعدنا عنها، لكن عندما نسافر في ماضينا ونتخيل هذه الاحتمالات المختلفة كلِّها التي كان من الممكن أن تحدث، يمكننا أن نقع في حلقة دائمة؛ فنفكر في ماضينا، ولا نستطيع التوقف عن الشعور بالندم.

إقرأ أيضاً: كيف تتغلب على الشعور بالندم؟

في الختام:

إنَّ التفكير في كيفية تجنب التعرض للحرق لا يكفي؛ أي يعد الابتعاد عن النار جزءاً نشطاً من رحلتنا التعليمية، فقد لا يكون إشعال النار هو الحلُّ الوحيد إذا شعرنا بالبرد؛ بل يمكننا أيضاً إغلاق النوافذ أو تشغيل المدفأة أو ارتداء سترة إضافية، ولمعرفة ما يناسبنا بصورة أفضل لا نحتاج فقط إلى أن نكون قادرين على التفكير في هذه الاحتمالات المختلفة؛ بل إلى تجربتها، وهذه خطوة أساسية لتحويل تركيزنا مما فُعِل إلى ما يمكن فعله.

المصدر




مقالات مرتبطة