كيف تعمل مع من لا تطيقه ؟

ازدهرت كثيراً الكتب التي تعرض تجارب وأفكاراً عملية وتطبيقية في الحياة والإدارة والتربية، ولاقت ترجماتها العربية إقبالاً كبيراً، وخاصة الكتب التي تعرض تجارب عن العمل مع ذوي الطباع الصعبة وفي أجواء الخلافات والتوتر، وقال لي أحد الناشرين والموزعين في معرض للكتب إن هذه الكتب لا تتبقى منها نسخة بمجرد عرضها ويسأل عنها الناس، وقد جربت بنفسي أن أسأل عنها لدى البائعين وأتظاهر بأني لا أتذكر عنوان الكتاب، فيجيبني البائع مبتسماً: أنت تبحث عن كتاب "العمل مع ذوي الطباع الصعبة" أو "تسوية الخلافات في العمل" "ثم يتحدث عن هذه الكتب وطرافتها ويهز رأسه أسفا لأنها نفدت.



أحد هذه الكتب للجمعية الأمريكية للإدارة يقول مؤلفاه عن قصته أنهما نشرا إعلاناً في الصحف.. هل يتسبب بعض الأشخاص ذوي الطباع الصعبة في تدمير حياتك؟ هل تعاني من غضب أحد الأفراد وكراهيته؟ هل يعاني زميل لك من الشك الزائد عن الحد؟ هل يستهزئ المشرف بأفكارك ويسخر منها؟ هل الآخرون لا يستمعون إليك؟ هل يتعامل مديرك معك بلا مبالاة؟ هل ينتزع زميلك العدواني الذي يهوى المنافسة كل المكافآت والاهتمام؟

هل ترجع إلى بيتك مرهقاً ومحبطاً؟ سنقدم لك استشارات مجانية بشرط أن تؤدي التدريبات التي سنحددها لك، وفي اليوم التالي كانت حشود غفيرة تأتي إلى المكتب وكأن الإعلان كان عن رحلة سياحية مجانية. وربما كان جوهر الحياة هو تعلم العمل والتعامل مع ذوي الطباع الصعبة فكل إنسان هو صعب في جانب ما، أو يواجه هذه الفئة من الناس.

تُجمَل الصفات التي تسبب الصعوبات في العمل المشترك مع الناس في الغضب، والشك، والتشاؤم، والسخرية والتهكم، والخجل والهدوء، والنرجسية، والتطرف في المنافسة، والإفراط في السيطرة، والتملق. وتجعل هذه الصفات وتفاعلاتها أنماطاً من الزملاء ذوي الصفات الصعبة يمكن إجمالها في: بطيء الاستجابة، والسلبي، والمغرور، والمتردد، وكثير الشكوى، والجبان، وضعيف الاحتمال، والنفعي، والمناور، والمولع بالتأجيل، والمتراخي، وشديد العصبية، والمتهكم، وشديد الحساسية.

ثمة مشكلة أكثر انتشاراً وهي الخلافات في العمل والتعامل معها، والخلاف أمر طبيعي ومتوقع، بل هو الأصل، ولا يمكن تسوية جميع الخلافات، ولكن يمكن على الأقل الاستفادة من أغلبها، ولن يكون المدير والموظف والأب ناجحاً بدون القدرة على إدارة الخلاف.

الثقافة السائدة والقيم تساعد في تكوين بيئة محيطة بالعمل تعقد أو تبسط إدارة الخلافات والمشكلات، وهي مرتبطة بالطفولة المبكرة، والدراسة، والمراهقة، والرشد، والأحداث المهمة في حياة الإنسان، وعلى الأغلب فإن ثقافة الناس والمجتمعات تقدم خبرات تساعد في احتواء المشكلات والمواقف.

ومن أساليب إدارة الخلاف التنافس، بمعنى محاولة كسب الأغلبية والمراهنة عليها في مواجهة الخلاف، والاحتواء والتساهل، وذلك عندما يكون الحفاظ على العلاقات والمعنويات مهماً ويشكل أولوية، والانسحاب وتجنب المواقف الخلافية وبخاصة عندما يحتدم الجدال، أو إذا كان موضوع الخلاف أمراً تافهاً، والحلول الوسط والتوفيق بين الأشخاص ووجهات النظر، وهذا يفيد لتحقيق تسوية مؤقتة، أو للتوصل إلى اتفاق، أو للوصول إلى حل في ظروف صعبة، وهنا يكون الاتفاق ليس مهماً ولكن المهم هو تفهم مشاعر الشخص الآخر والاعتراف بها.

يندر أن يكون الرئيس في العمل شخصاً عظيماً يتمتع بكفاءة عالية، ويندر أيضاً أن يكون بائساً قليل الخبرة، ولكنه عادة ينتمي إلى الوسط الغالب من الناس، ويتوقع أن ينطبق عليهم الكثير مما يقع بين الزملاء ولكن الخلاف معهم أكثر صعوبة وتعقيداً، من المهم في هذه الحالة تحليل شخصية الرئيس وسلوكه وتحديد نقاط الخلاف والالتقاء والحلول الممكنة للمشكلة وطرق الوصول إليها، ويجب الأخذ في الاعتبار أن العلاقة الطيبة مع الرؤساء هي إنجاز في حد ذاته يجب السعي إليه (دون غش أو تملق) فهذه العلاقة تلعب دوراً رئيسياً في النجاح والفشل. وفي كثير من الأحيان تكون الطريقة التي يؤدي بها العمل لا تقل أهمية عن أداء العمل، فإذا لم يشعر الفريق بالرضا والانسجام فإن العمل حتى لو أنجز سيبقى مهدداً بالفشل وربما يكون فاشلاً بالفعل.

ومن أكثر الأساليب بعداً عن الصواب هو الانشغال بتعديل سلوك الآخرين دون الالتفات إلى الذات، حتى لو كان سبب المشكلة الآخرون وليس أنت، فمجال السيطرة والتحكم هو أنت وليس الآخرين، فلتفكر كيف تواجه المشكلة أو تخفف من أثرها عليك، أو تتفاداها، حتى لو كان القرار الصائب هو المواجهة والحزم فالأمر متعلق بك أنت، وفي جميع الأحول فإن المصارحة بهدوء وود تضع النقاط على الحروف، ويجب أن يشعر الرئيس والزميل والمرؤوس بقوتك الداخلية ويحسب حساب المواجهة معك، ولكن إذا ارتكبت خطأ فيجب أن تعترف بخطئك.

وتوضح الأبحاث والدراسات أن الأفراد المتشككين ومنعدمي الثقة والساخرين تقل أعمارهم عمن يتحلون بالثقة والتواضع، وأوضحت الدراسات أيضاً أن الشك يسبب الإصابة بالأزمات القلبية، وهذا ما يؤكده الخبراء الذين يدرسون العلاقة بين العواطف والانفعالات والصحة.

المصدر: شباب عنت