كيف تذهب الحسنة السيئة؟ قراءة نفسية لآية قرآنية

إخوتي ، لم يترك القرآن جانبا من حياة الإنسان إلا وأشار إليه،ونعلم أن للآيات الكريمة تفاسير يختص بها أهل الفقه...إلا أن هذا لا يمنع أن نتدبر في القرآن ونتأمل بل هو محبذ...ومن هذا الباب أجتهد في قراءة الآيات قراءات من باب تخصصي وهو الجانب النفسي والتواصلي..فإن أصبت فمن فضل ربي وإن أخطأت فمن نفسي... الآية التي أقترحها في هذه المشاركة هي : باسم الله الرحمان الرحيم... وأقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"" ،واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " آية 114وآية 115 من سورة هود.
 



 لفت نظري في هاتين الآيتين الكريمتين عبارة " الحسنات يذهبن السيئات " وتأتي بعد ذلك في الترتيب الزمني للآية كلمة "الصبر".


كلمة يذهب تعني يزيل ( لسان العرب )

الحسنة: هي كل فكرة أو عمل حسنين.

السيئة: كل فكرة أو عمل سيئين

كيف تذهب الحسنة السيئة؟؟ قد نفهم فهمين :

الفهم الأول وهو التفسير الفقهي الذي يعطى للآية، وهو أن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة ( تفسير ابن كثير. جزء 2)

أما الفهم الثاني وهو القراءة النفسية للآية، وله علاقة بديناميكية تفاعل الإنسان النفسي الفزيولوجي والذي نشرحه كالتالي:


يقر علم النفس المعرفي وفرضيات البرمجة اللغوية العصبية بنظرية أن وراء كل سلوك فكرة وكلما ترسخ السلوك، تقررت العادة وبالتالي تتشكل سمة من الشخصية التي قد تساهم في تحديد المصير.
من هنا القول أن كلما تكرر السلوك كانت هناك برمجة في العقل الباطن عليه فيصبح تلقائيا ، فإن كان السلوك سيئا وترسخ أصبح بالتالي يشكل عادة سيئة ، والعادة تعني أن الإنسان ينقاد بسهولة وبطريقة لا واعية للقيام بهذا السلوك ،( ولك أن تدرج في هذا الإطار أي سلوك يومي تراه أنت سيئا ).
المراحل الأولى لاكتساب أي سلوك عموما ما تتخللها صعوبات تتفاوت حسب الأشخاص ( وهذا له علاقة بسلم التعلم ومستويات الوعي واللاوعي) فالبداية هي الأصعب ، وإذا تأملنا أي سلوك فسنجد له نفس الطريقة أو الإستراتيجية في اكتسابه والتعود عليه .
في حالة ما إذا قرر الإنسان تغيير سلوكه السيئ بسلوك حسن ،وعمل على القيام به وتكراره لترسيخه في اللاوعي فسبحان الله تصبح صيرورة التغيير تشمل الإنسان بكافة مستوياته مستوى الأفكار ومستوى الشعور ومستوى السلوك أي تغيير على النفس (العقل (الواعي واللاواعي) والقلب ) والجسد ، فيصبح السلوك الحسن الجديد يدفع السلوك السيئ القديم وتصبح أفكارا ومشاعر أخرى بالطبع حسنة تحل محل الأفكار والمشاعر القديمة والتي كان يعدها الشخص سيئة. ومن هنا القراءة النفسية لما تقوله الآية الكريمة أن "الحسنات يذهبن السيئات " بمعنى يزلنها أويمحينها...هناك عملية محو وإزالة في ذات الإنسان لشيء سيء وتعويضه بسلوك حسن.


هذا المستوى من التغيير من سلوك إلى سلوك آخر تتداخل فيه عمليات نفسية أخرى مثل الإرادة والعزيمة والمسئولية ودرجة القرار..وهذا مستوى أول.
أما المستوى الثاني فهو يتشكل في الاستمرارية والحفاظ على هذا التغيير ولا يكون ذلك إلا بالصبر.
الصبر عملية نفسية تساعد الإنسان في الحفاظ على السلوك الجديد، وتغذي عمله الحسن والطيب الذي يرجع بالنفع عليه وعلى محيطه، وللصبر أيضا شروط لا مجال لذكرها الآن.
الصبر يساعد الإنسان للوصول إلى درجة الإحسان والإتقان لأن الفرد منا حين يحافظ ويغذي السلوك الطيب يمر إلى درجة الارتقاء والإتقان ، والإتقان هو الإحسان ، والله عز وجل لا يضيع أجر المحسنين ، لأن المحسن يصل بإذن الله إلى درجة التحكم بصبره في سلوكه الحسن أكثر من المتذبذب الذي يكون في المستويات الأولى من سلم التعلم حيث يتأرجح بين الابتعاد عن السلوك السيئ وبداية اكتساب السلوك الحسن.


بقلم صليحة الطالب.