كيف تحمي صحتك العقلية والنفسية في مواجهة فيروس كورونا؟

أتَت جائحة فيروس كورونا، وحصدَت معها أرواح الملايين من البشر حول العالم، وأحدثَت آثاراً دائمة عند الكثير من الناس أيضاً، ولكن هناك أشياء أخرى مرتبطة بالفيروس ارتباطاً مباشراً، أثَّرت تأثيراً بالغاً في الناس جميعهم، حتى من حالفه الحظُّ ممن لم يُصَب بفيروس كورونا. إنَّه العامل النفسي الذي لم يترك أحداً من شرِّه، فكم من معركة حُسِمَت، وكم من مدينة سقطت قبل دخوله! كلُّ ذلك بتأثير خبر كاذب أو إشاعة مفبركة، لها تأثير كبير وقوي (أقوى من الرصاص)، ويفعل هذا الخبر ما عجزت عنه كل المدافع والصواريخ والدبابات والطائرات.

 



أدى التفشي السريع والغريب، الذي أربك حتى أكثر الدول تقدُّماً من النواحي الصحية والطبية والتقنية، إلى إصابة جميع سكان الكوكب بحالة من الشكِّ وعدم اليقين؛ إذ تدفَّقَت الأخبار تدفُّقاً غزيراً، بطريقة لم يعودوا قادرين معها على تمييز الأخبار الكاذبة من الحقيقية؛ وهذا أصابهم بحالة من الترقُّب والتوجُّس. تطوَّرَت عند بعضهم إلى حالة من القلق المستمر؛ ما له تداعياته السلبية على الصحة العقلية، وخاصةً المرضى الذين يعانون مسبقاً من اضطرابات القلق والوسواس القهري، أو من لديهم تأهُّب نفسي أو جيني للإصابة بهذه الأمراض النفسية أو غيرها.

القلق حيال الوباء مُضِرٌّ أم مفيدٌ؟

إنَّ شعور الإنسان بحالة القلق عند مشاهدته لنشرة الأخبار التي تتحدث عن تفاصيل الوباء، الذي يكون مفيداً بحكم ما تقدمه القنوات من مواد إخبارية مفيدة عن طرائق الوقاية، وكيفية انتشار الفيروس، وما وصلت له آخر الأبحاث والدراسات عن طرائق انتشاره، وفاعلية اللقاحات الجديدة. على الرغم من كلِّ هذه الأمور المفيدة، قد يكون هذا القلق الناجم عن متابعة تفاصيل الوباء، سبباً في تدهور الاضطرابات النفسية الموجودة مسبقاً عند المريض.

إنَّ السلوك القلقي قد يتحول إلى أشياء أخرى خارجة عن سيطرة الفرد، مثل: المتابعة اللصيقة لكل نشرات الأخبار، أو التعقيم بشكل مبالغ فيه وزائد عن الحد، أو قد يقع الإنسان في حالة شكٍّ مفرطة بأنَّه مصاب بالفيروس، وتفسير كل عرض يسير على أنَّه إصابة بالمرض.

كلُّ هذه الأمور هي من الأعراض الشائعة لاضطراب القلق التي تكثر مشاهدتها في فترة الوباء؛ لذلك لا بدَّ لنا من أن نتفهَّم معاناة هؤلاء الأشخاص الذين لديهم أمراض فعلية عند مواجهة التحديات والصعوبات التي نمر بها الآن؛ إذ إنَّ القلق في الأساس، هو خوف مجهول السبب غالباً، أو يمكن القول إنَّه خوف من المجهول، مع ترقُّب حدوث شيء ما، لا نستطيع أن نتكهَّن به، وهذه مواصفات تنطبق على فيروس كورونا؛ إذ إنَّه شيء غير مرئي بالعين المجرَّدة؛ أي إنَّ الناس ستخاف منه خوفاً كبيراً، فيمكن أن يتخيله كل شخص بصورة مختلفة. قد يتخيله أحدهم على شكل وحش أو مسخ أو شيطان، ودائماً ما تكون الأشياء التي لم يسبق للبشر اختبارها مصدراً للخوف والقلق أكثر من غيرها.

ما هي أهم الأمور التي يجب علينا فعلها من أجل حماية صحتنا العقلية في فترة الوباء؟

  • من الهام جداً، أن نقلل من متابعة الأخبار؛ لأنَّ الأخبار ستضخِّم حجم المشكلة، وهذا ما يفعله الإعلام في كثير من الأحداث.
  • في حال كنتَ مهتماً في الحصول على أخبار ومعلومات صحيحة دون تهويل عن الفيروس، فيوجد كثير من الأرقام التي تخصصها المنظمات أو المؤسسات الصحية، من أجل الإجابة عن أسئلة المتصلين، وإعطائهم معلومات طبية دقيقة وصحيحة.
  • إنَّ المعلومات الخاطئة عن فيروس كورونا، تملأ كثيراً من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي؛ لذا من الهام اعتماد المواقع الحكومية والمنظمات الصحية الرسمية.
  • الابتعاد عن قراءة المنشورات والتعليقات التي يكتبها جيرانك أو أصدقاؤك غير المختصين بالشأن الطبي؛ لأن معلوماتهم عن الوباء هي معلومات خاطئة غالباً أو مهوَّلة.
  • إن كانت لديك صفحات أو حسابات تسبب لك القلق أو المتاعب أو الضغوطات النفسية، فمن الأفضل أن تقوم بإلغاء متابعة هذه الحسابات، وغادر مجموعات الواتساب التي تبثُّ في نفسك القلق.
  • من الهام جداً، غسل اليدين من أجل حماية نفسك ومن حولك من الإصابة بفيروس كورونا، ولكن تجنَّب الإفراط أو المبالغة في غسل اليدين؛ لأنَّ هذه المبالغة في الغسيل ستصبح مع الوقت عادةً تقوم بتطبيقها على أشياء أخرى، ومن ثمَّ يصبح تضخيم الأمور عادة لديك؛ وهذا ما يقودك حتميَّاً نحو هاوية القلق.
  • بالنسبة إلى مرضى الوسواس القهري، يكون من الصعب أن يقلِّلوا من عادة غسل اليدين بشكل مفرط، وهؤلاء بطبيعة الحال يحتاجون إلى طبيب نفسي مختص، إلى جانب المعالج النفسي.
  • إنَّ مرضى الوسواس القهري عموماً يعانون من عدم القدرة على مغادرة المنزل؛ لذلك فإنَّ فترة الحجر هي فترة صعبة بالنسبة إليهم، وهي قد تؤدي بنسبة كبيرة إلى تفاقم الحالة لديهم أو نكسها؛ لذا يجب البقاء على تواصل مع الطبيب النفسي وإخباره بأهم المتغيِّرات التي تطرأ على حالة المريض.
إقرأ أيضاً: مواجهة أزمة كوفيد-19 بشكل جماعي تؤدي إلى النمو على الصعيد النفسي

ما هي النشاطات التي نستطيع القيام بها في فترة الحجر من أجل الحفاظ على صحتنا النفسية والعقلية؟

في فترة الحجر الصحي، قد نضطر إلى الالتزام في المنزل؛ وهذا يعني أنَّ لدينا كثيراً من وقت الفراغ. هذا الفراغ هو العدو الأول للصحة النفسية والعقلية؛ إذ يمثِّل بيئةً حاضنة، وأرضاً خصبة، تُحِبُّها الاضطرابات النفسية المختلفة؛ إذ إنَّ الفراغ يجذب فرط التفكير، وما أدراك ما هو فرط التفكير؟ إنَّه استحضار لجميع الأخطاء والزلَّات والمشكلات والمآسي التي حدثت في الماضي؛ أي إنَّه اجترار لألم الماضي، وإعادة اختباره وتضخيمه؛ وهذا يؤدي إلى زيادة فرصة الوقوع في حفرة الاكتئاب.

لا يقتصر فرط التفكير على اجترار الماضي؛ بل يتخطَّاه إلى الخوض في تكهُّنات مبالغ بها عن المستقبل، والتخطيط في أدق التفاصيل، ووضع السيناريوهات المتتالية من أجل تجنب الفشل، وتوقُّع الأسوأ؛ وهذا يقود في نهاية الأمر إلى الإصابة بالقلق.

من أجل الحفاظ على صحتكم النفسية سنقدِّم لكم أهم النشاطات المفيدة التي يمكنكم القيام بها خلال فترة الحجر، وهي:

1- الإبقاء على تواصلك مع الأقارب والأصدقاء الذين تحبهم:

إنَّ عدد الأشخاص الخاضعين للحجر الصحي، يزيد مع الوقت، فالجائحة ستمرُّ على جميع المناطق؛ وهذا يؤدي إلى الدخول في مرحلة الحذر؛ لذا يكون هذا الوقت المناسب لمراجعة أرقام هواتف الأصدقاء القدامى، وعناوين بريدهم الإلكتروني، من أجل إعادة التواصل معهم.

2- التنظيم وجدولة الوقت:

من الأفضل أن تضع جدولاً لِما تريد فعله خلال اليوم، أو على الأقل خطوطاً عامةً لما تودُّ إنجازه، وحقق قدر الإمكان نوعاً من التوازن بين الأعمال اليومية الروتينية، مع مراعاة إدخال التغييرات، ولو كانت هذه التغييرات يسيرة أو محدودة، ولكن كسر الرتابة أو الروتين هو أمرٌ في غاية الأهمية، بلا شكٍّ.

3- الإنجاز والعمل في أي مجال، درع قوي على صدر توازنك النفسي:

قد تتفاجأ بحجم الإنجاز الذي قمت به بعد أسبوعين مثمرين في فترة الحجر الصحي، قد تكون قرأت كتاباً كنتَ تودُّ قراءته منذ زمن، أو قد تكون أنهيت دورة تعليم عن بعد في مجال ما. يبقى الإنجاز أمراً جميلاً على أي حال، فهو يبعث في نفسك الثقة والسعادة، وهذا أكثر ما يحصِّن صحتك النفسية والعقلية؛ إنَّه الإنجاز والعمل.

4- احرص على تجنب الإرهاق:

قد يبقى الوباء مستوطناً في منطقتك لفترة تطول لأسابيع أو حتى أشهر، هنا لا بدَّ من أخذ قسطٍ كافٍ من الراحة. ومن أهم الأمور التي تعزِّز صحتك النفسية: الخروج في نزهةٍ في الطبيعة، وتعريض الجسم لأشعة الشمس، والمواظبة على أداء بعض التمرينات الرياضية، ولا ننسَ الحرص على تناول الطعام الصحي الغني بالألياف والخضار الطازجة.

إقرأ أيضاً: 7 أنشطة لتحافظ على صحة ونشاط الأطفال في الحجر الصحي

نصائح نفسية لمواجهة القلق حيال فيروس كورونا:

  1. أقِرَّ، وهو أن تنتبه إلى حالة عدم اليقين التي أصابَتك، وتعترف بها.
  2. توقَّف بشكل مؤقَّت، ولا تتفاعل؛ بل جمِّد تفاعلاتك وانفعالاتك، وخذ نفساً قوياً وعميقاً.
  3. انسحب من التفكير المفرط، وأَقنِع نفسك بأنَّه لن يعطيك أي فائدة؛ بل سيُعقِّد من مشكلاتك أكثر، ومن الهام أن تقتنع من أعماقك أنَّ حاجتك الملحَّة إلى اليقين، هي حاجة غير مفيدة؛ بل تكون ضارة أحياناً.
  4. لا تصدِّق كلَّ الأفكار التي تراودك، فالشكوك التي تأتيك من حين إلى آخر ليست حقائق ولا وقائع. إنَّ كلَّ ما تشعر به، هو مجَّرد مشاعر أو أفكار ليس بالضرورة أن يكون لها وجود خارج كيانك.
  5. تجاهل ما يزعجك من أفكار وأحاسيس ومشاعر سيئة، لا حلَّ لها سوى أن تتخيَّلها وهي ترتفع كفقاعة، وتطير في الهواء بعيداً مثل الغيوم، واحذر من الاستجابة لها بأي شكل.
  6. راقب أحاسيسك ومشاعرك وطريقة تنفُّسك، فإنَّ أثمن ما يملك الإنسان اللحظة الراهنة؛ فإذا راقبتَ أحاسيسك ومشاعرك وطريقة تنفُّسك وشعرتَ بالسطح الذي تدوس عليه، أو لو أخذتَ نظرة شاملة لِما حولك، ثمَّ تمعَّنتَ تمعُّناً متأنياً بما يقع تحت ناظريك، وبما يتردَّد إلى أذنيك من أصوات، أو تحسَّستَ الأشياء من حولك بواسطة لمسها، أو من خلال حاسة الشم، فإنَّك تستطيع بكل سهولة أن تعيش داخل اللحظة الحالية فقط لا غير.
  7. فكِّر - عندما تنتابك حالة القلق - بآخر شيء كنتَ تفكِّر به قبل أن تنتابك مشاعر القلق، أو اصرف انتباهك إلى أمر آخر، وانغمس به بكامل حواسك.

شاهد بالفيديو: 10 نصائح للموازنة بين الحياة والعمل

في الختام:

إنَّ كلَّ ما ذكرناه آنفاً، هو مجموعة نصائح وآراء يَنصَح بها الأطباء النفسيون؛ من أجل التخلص من القلق عموماً، وقلق الإصابة بفيروس كورونا خاصةً. لكن يجب الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أنَّك في حال فقدتَ السيطرة على حياتك من جرَّاء القلق، فيجب عليك اتخاذ القرار الصحيح الذي سيغيِّر حياتك، وهو زيارة الطبيب النفسي، ولابدَّ أن نعلم جيداً أنَّ من يتخذ القرار بالذهاب إلى طبيب نفسي، هو في أغلب الحالات أحسن بكثير ممن حوله.




مقالات مرتبطة