كيف تتمتع بقوة إرادة غير محدودة؟

تتبعت إحدى الدراسات عدداً من العوامل المختلفة في أربع مجموعات مختلفة من الطلاب الجامعيين خلال فترات مختلفة، سألهم الباحثون أسئلة مثل: "كم عدد الوجبات غير الصحية التي تناولتها مؤخراً؟"، و"كم مرة تشاهد التلفاز، بدلاً من أن تدرس؟"، ثم راقبوا الإجابات طيلة فصل دراسي كامل مر فيه الطلاب بفترات من الضغط والراحة والقلق والملل وغيرها.



كان الباحثون يحاولون تحديد نمط في إجابات الطلاب الذين لم يواجهوا مشكلة في الالتزام بأهدافهم، مثل تناول الطعام الصحي والدراسة وغيرها من العادات الجيدة؛ أي كانوا يدرسون الأفراد الذين يتمتعون بقوة عزيمة خارقة.

يتعارض ما وجدته الدراسة مع أبحاث سابقة تعود إلى عقود من الزمن؛ لكنَّ نتائجها كانت مثيرة للاهتمام؛ إذ يبدو أنَّ هؤلاء الطلاب الذين يتمتعون بقوة عزيمة هائلة على الرَّغم من الضغوطات الكبيرة فعلوا شيئاً واحداً مختلفاً عن أقرانهم الذين واجهوا صعوبة في الالتزام بتحقيق أهدافهم، ويمكن لأيِّ شخص تطبيق ذلك الشيء، ويمكنك أنت تدريب نفسك على فعله أيضاً، وحصد نتائج العزيمة القوية.

كيف تؤثِّر معتقداتك في قوة إرادتك؟

هل مررت بيوم شعرت فيه بأنَّ إنجاز أيِّ شيء يتطلب طاقة كبيرة، وبعد إنجاز أيِّ شيء مهما كان صغيراً تحتاج إلى استراحة على الفور؟ تسير بين الغرف دون وجهة وتفعل أيَّ شيء لتتجنب العمل؟ بحلول نهاية اليوم تكون قضيت معظمه بالتكاسل وبالكاد أنجزت شيئاً.

الآن، قارن ذلك اليوم بيوم كان يجب عليك فيه إنجاز كمية العمل نفسها؛ لكنَّك بطريقة ما تمكنت من الحفاظ على تركيزك طوال اليوم وتجنب مشتتات الانتباه، وأنجزت كلَّ مهامك، كان شعورك حينها رائعاً بالتأكيد.

قد تعتقد أنَّ قوة إرادتك خارجة عن سيطرتك، ولعقود من الزمن كان من المتعارف عليه أنَّ قوة الإرادة تكون في أعلى درجاتها في الصباح وتتلاشى خلال اليوم، وأظهرت معظم الأبحاث أنَّ قوة الإرادة محدودة، وأنَّك إذا استهلكتها على شيء واحد سيصعب عليك العثور على المزيد منها لفعل شيء آخر، وأطلقوا على هذه الفكرة اسم "استنزاف الأنا" (ego depletion)؛ لذا كانت النصيحة المعتادة بأن تنجز الأشياء التي تتطلب كثيراً من قوة الإرادة في الصباح، وتسترخي في المساء، معتقدين أنَّه لن يكون لديك خيار آخر.

لكن ربما كانوا مخطئين، تُظهر المزيد والمزيد من الأبحاث الجديدة أنَّ ما يحدد قدرتك على العمل على أهدافك هو مخزونك من قوة الإرادة؛ لكنَّك أنت من يحدد كمية هذا المخزون، ويمكنك أن تقرر أنَّه لديك ما يكفي حتى نهاية اليوم أو ما يكفي للفترة الصباحية فقط.

بالعودة إلى الدراسة، أجرى الباحثون مجموعة من الاختبارات قسموا فيها المشاركين إلى مجموعتين، الأولى مؤلفة من الأشخاص الذين اعتقدوا أنَّ قوة الإرادة محدودة، والثانية من الأشخاص الذين اعتقدوا أنَّ لا حدود لقوة الإرادة وأنَّهم يتمتعون بالقدر الذي يريدونه منها.

أولاً سألوا الناس ماذا يعتقدون ثم طلبوا منهم إنجاز مجموعة من المهام الصعبة والسهلة، وعند تقييم أدائهم وجدوا أنَّ الناس الذين اعتقدوا أنَّه بإمكانهم تقديم أداء جيد بصرف النظر عن الضغط والتعب قدموا أداءً أفضل بكثير من أقرانهم الذين اعتقدوا أنَّ قوة إرادتهم محدودة.

شاهد بالفيديو: 10 طرق فعّالة لتعزيز قوّة إرادتك

يمكنك أن تزيد قوة إرادتك عبر تغيير معتقداتك:

في المرحلة الثانية، أجرى الباحثون استطلاعاً استخدموا فيه أسئلة منحازة، كانت أسئلة النسخة الأولى من الاستطلاع مصممة لتوجيه مجموعة من المشاركين نحو الاعتقاد بأنَّ قوة الإرادة محدودة، وأنَّك كلَّما استهلكت أكثر أصبح أداؤك أسوأ.

في النسخة الثانية فعلوا العكس، صمموا الأسئلة ليقنعوا مجموعة ثانية من المشاركين بأنَّ قوة الإرادة غير محدودة، وأنَّهم يمكنهم تقديم أداء جيد بصرف النظر كم استهلكوا منها، ثم طلبوا من المشاركين جميعهم أداء المهام نفسها التي تتطلب قوة الإرادة، وقيَّموا أداءهم، وتوصلوا إلى النتائج نفسها، بصرف النظر عمَّا كانوا يعتقدونه في البداية.

كان أداء مجموعة المشاركين الذين خدعهم الاستطلاع للاعتقاد بأنَّ قوة الإرادة غير محدودة أفضل بصرف النظر عن الضغط ومدى تعبهم، وللتأكد من النتائج أجرى الباحثون اختباراً آخر للتحكم بالمتغيرات التي قد تؤثر في النتائج، مثل:

  • هل استهلك الأشخاص الذين اعتقدوا أنَّ قوة الإرادة محدودة مخزونهم مبكراً، فتعبوا قبل إنجاز بقية المهام؟ كانت النتيجة لا.
  • هل شعر الأشخاص الذين اعتقدوا أنَّ قوة الإرادة غير محدودة بالتعب عند استخدامها؟ كانت النتيجة لا أيضاً.

يعني هذا أنَّك تستطيع خداع نفسك للتمتع بكميات أكبر من قوة الإرادة طوال اليوم، وكل يوم بصرف النظر عن كمية قوة الإرادة التي تحتاج إليها، وأنَّك تستطيع اتخاذ قرارات جيدة حتى عندما تكون متعباً.

إقرأ أيضاً: إدارة الذات واتخاذ القرارات في المواقف الضاغطة

كيف تغير معتقداتك لامتلاك قوة إرادة غير محدودة؟

إذاً كيف تطبق هذه النتائج العلمية في حياتك العملية، على سبيل المثال:

  • ربما تحاول خسارة الوزن؛ لكنَّك تواجه صعوبة في الالتزام بتناول الطعام الصحي أو ممارسة الرياضة حين تكون متعباً.
  • ربما تريد عملاً إضافياً في وقت فراغك؛ لكنَّك تكون متعباً جداً في مساء كل يوم، وتؤجل ذلك.
  • ربما تريد تعلُّم العزف على آلة موسيقية؛ لكنَّك تستسلم بعد التمرن قليلاً فقط كل مرة.

في هذه الحالات الحل هو تغيير معتقداتك عن قوة الإرادة وإقناع نفسك بأنَّ قوة الإرادة غير محدودة، وبمجرد فعل ذلك سيسهل فعل أيِّ شيء آخر.

لتغيير معتقداتك ابدأ تدريجياً، أنجز مهمة صغيرة ثم انتقل مباشرة إلى التي تليها دون التوقف والتفكير في الأمر، إنَّ تغيير طريقة تفكيرك بعد إجراء تعديلات على سلوكك أسهل من تغيير سلوكك بعد إجراء تعديلات على طريقة تفكيرك.

إقرأ أيضاً: 7 أسباب تجعل قوة الإرادة ضرورية لاتخاذ القرارات

في الختام:

غيِّر معتقداتك عن قوة الإرادة بالطريقة نفسها التي تتبعها عندما تريد اكتساب عادة جيدة؛ أي شيئاً فشيئاً، لست مجبراً على تغيير معتقداتك بالكامل فوراً، يكفي أن تغيرها قليلاً كلَّ يوم طيلة أشهر، وحتى هذه السرعة تُعدُّ مقبولة مقارنة بمعظم الناس الذين يتبنون معتقداتهم في مرحلة مبكرة ولا يغيرونها طوال حياتهم.




مقالات مرتبطة