كيف تتغلب على الشكِّ الذاتي وتطلق العنان لإبداعك؟

من الصعب التغلب على الشك الذاتي، ولكن يمكن أن يفعل ذلك أيُّ شخص يعرف الخطوات التي عليه اتخاذها؛ لذا اتبع هذا الدليل لمنع مخاوفك من إعاقة طريقك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب تايلر تروفرن (Tyler Tervooren)، ويُخبرنا فيه عن تجربته في التغلب على المخاوف والشك.

الشك الذاتي هو نوع خاص من الجحيم؛ وذلك لأنَّ فشلاً بسيطاً يمكن أن يجعلك تشكك في قدراتك، وكلُّ ما تعرفه بعد ذلك هو شعورك بأنَّك لست جيداً بما يكفي أو ذكياً بما يكفي لفعل أيِّ شيء؛ لذا فإنَّك تتوقف عن المحاولة.

لقد مررنا جميعاً بهذه الحالة، لكن لا يتعامل الجميع مع الأمر بالطريقة نفسها، وأريد أن أخبركم قصة شاب عبقري تعلَّم مشاركة مواهبه مع العالم على الرَّغم من وجود كلِّ الأسباب التي تجعله يشعر بالعجز بسبب الشك الذاتي:

طفل يبلغ من العمر أربع سنوات يجلس في المنزل ويلعب بألعابه، يجوع ولكنَّه لا يخبر أحداً، ويتعب ولكنَّ حالته هي التي تكشف ذلك فقط؛ أربع سنوات وهو لا يستطيع (أو لا يريد) الكلام وتتساءل عائلته كلَّ يوم: "ما خطب هذا الصبي؟ هل هو معاق؟".

اعتقد أساتذته وزملاؤه عندما بدأ بارتياد المدرسة أنَّه غبي، وكانوا يحاولون تعليمه الفن واللغات؛ ولكنَّه لم يتعلم مثل باقي الأطفال فقد تعلم ما يكفي من اللغة الألمانية ليتمكن من تدبر أموره فقط.

كان في المدرسة الثانوية يكرر جمله لنفسه واعتقد الجميع أنَّه بطيء، تقدم إلى الكلية؛ ولكنَّه فشل في امتحانات القبول، وفي النهاية حصل على شهادته؛ ولكنَّه لم يتمكن من الحصول على وظيفة التدريس التي يريدها؛ لذلك قضى أيامه في العمل في مكتب براءات الاختراع الممل.

لكن في السنوات العديدة التي نشأ فيها واعتقد أنَّه شخص لا يقدر على فعل شيء، روى الشاب لنفسه قصة مختلفة؛ كان يعلم أنَّه كان جيداً في شيء ما وأنَّ هذا الشيء كان علماً.

هذا الشاب كان العالم ألبرت أينشتاين (Albert Einstein)، وفي عام 1905 شارك بأربع أفكار من شأنها أن تصبح أساس الفيزياء الحديثة، وكان أينشتاين عبقرياً نعلم جميعاً ذلك اليوم؛ ولكنَّ ذلك لم يكن واضحاً في سنوات نموه.

هل أحدث تأثيراً في العالم لمجرد أنَّه كان ذكياً؟ وهل يلمع الذكاء على الرَّغم من الصعاب؟ على الأغلب لا؛ فكثير من الأشخاص اللامعين لا يتغلبون أبداً على عقبات الشعور بعدم الارتياح، فقد كان التألق أحد المكونات الأساسية في شخصية أينشتاين؛ ولكنَّ العنصر الذي لا يقل أهمية هو قدرته على التغلب على شكوكه الذاتية ومواصلة العمل.

اليوم يوجد دليل مقنع على أنَّ مدى جودة أدائك في الحياة تعتمد كثيراً على مدى اعتقادك أنَّك تستطيع التحسن عندما يبدو أنَّك لا تحقق أيَّ شيء.

شاهد بالفيديو: طرق تنمية الانضباط الذاتي

كيف يؤدي الشك الذاتي إلى تدمير أدائك؟

كشفت دراسة مدعومة من جامعة ستانفورد (Stanford) أُجريت على 643 طالباً من طلاب المدارس الثانوية الأسترالية عن بعض البيانات المثيرة للاهتمام المتعلقة بكيفية تأثير الاعتقاد الذي تعتنقه عندما تكون في دوامة الشك في قدرتك في الأداء وتحقيق الأهداف.

نظرت الدراسة في ثلاثة معتقدات مميزة لدى الطلاب تتعلق بذكائهم وهي:

  1. الذكاء سمة ثابتة؛ لدي قدر معين منه ولا يمكنني فعل كثير لتغييره.
  2. يمكن لبعض الناس زيادة ذكائهم، ولكن لا يمكنني زيادة ذكائي.
  3. الذكاء عامة مرن ومدى ذكائي اليوم لا يشير إلى مدى ذكائي في المستقبل.

كانت البيانات واضحة؛ فالأطفال الذين اعتقدوا أنَّ ذكاءهم يمكن أن يتغير حققوا درجات أعلى في الاختبار، وحصلوا على درجات أفضل وكانوا متعلمين أكثر حماسة وانخراطاً؛ أي إنَّ الأطفال الذين اعتقدوا أنَّهم يمكن أن يصبحوا أكثر ذكاءً فعلوا ذلك حقاً.

لم يكن هذا هو الحال بالنسبة إلى أولئك الذين لم يؤمنوا بأنفسهم؛ وللأسف لم يكن الأمر كذلك أيضاً بالنسبة إلى أولئك الذين اعتقدوا أنَّ الذكاء يمكن أن يتغير؛ ولكنَّهم لا يستطيعون تغيير ذكائهم.

إذا كنت قد عايشت دوامة الشك الذاتي المروعة، فأنت تعلم كيف يبدو ذلك أيضاً؛ إذ يتحسن كلُّ من حولك تحسناً أفضل وأنت عالق في المكان نفسه (أو تزداد سوءاً)؛ فالقلق والرهبة التي تأتي معها هي عذابٌ خاص.

إذاً ما العلاج؟ قرر فقط أنَّك ذكي وقوي ويمكن أن تكون أينشتاين القادم أيضاً وبالكاد عندما تكون عالقاً في خوف من الشك الذاتي، تعلَّم مثل أيِّ شخص أنَّك لا تستطيع ببساطةٍ التخلص من هذا الخوف.

استراتيجيات للتغلب على الشك الذاتي:

القاسم المشترك بين المحادثات التحفيزية جميعها هي أنَّها جميعاً لا تنفع، فتلك المواعظ التي ترفع سقف الطموحات مثل: "كن أفضل ما لديك، يمكنك أن تفعل ذلك أيُّها الشاب الوسيم"، تعدُّ خطباً ملهمة ورائعة للأشخاص الذين يتمتعون بتقدير كبير لذاتهم، وهي فقط ما تحتاجه عندما تؤمن بنفسك وتحتاج إلى تلك الدفعة الصغيرة لتحسين أدائك، إنَّها مثل الكلمات التي تنشط طاقة مخفية في خلاياك والتي تلهمك للانطلاق في العمل.

لكن عندما تكون عالقاً في مأزق وثقتك تتهاوى، يصبح الأمر أشبه بأن يخبرك شخص تعرف بأنَّه كاذب عن مدى روعتك.

ما أظهرته الدراسات هو أنَّنا سيئون جداً في الخروج من المأزق (ولكن يمكننا أن نتحسن ببعض المساعدة)، إذاً ما المفيد فعلاً؟ مثل أينشتاين والطلاب في الدراسة أعلاه، كيف تجعل نفسك تعتقد أنَّك قادر على المزيد ومن ثَمَّ تعزز أداءك بالفعل لتتوافق مع هذا الاعتقاد؟

توجد ثلاثة أشياء هامة يمكنك القيام بها، ولا يُعَدُّ أيٌّ منها بديهياً بشكل خاص ولا سيما عندما تُضطر إلى التعاطف مع شخصٍ ما:

1. اتخاذ إجراء بدلاً من محاولة إقناع نفسك بالتغيير:

من الأسهل أن تتصرف بطريقة جديدة في التفكير بدلاً من التفكير في طريقة جديدة للتصرف، وأحد المبادئ الأساسية لعلماء النفس الذين يساعدون الأشخاص ممن يعانون الاكتئاب هو حملهم على التقليل من أهمية كلِّ ما يفكرون فيه وإقناعهم بالبدء في تنفيذ الأشياء وإن لم تكن هذه الأشياء جيدة في البداية.

بدلاً من محاولة إقناع نفسك أنَّك تستطيع القيام بعمل أفضل، أعط نفسك فرصة فقط، حتى إذا فشلت فإنَّ العمل يحفزك ويشجعك على المحاولة مرة أخرى، وهو ما يزيد بالطبع من احتمالات نجاحك ويوجه أفكارك إلى الاتجاه الصحيح أيضاً.

شاهد بالفيديو: 8 طرق فعالة لجعل القرارات الصعبة أكثر سهولة

2. التركيز على النجاحات السابقة:

اكتشف علماء النفس أنَّ الطريقة التي تتذكر فيها ماضيك تحدد شعورك تجاه نفسك في الوقت الحاضر، فهل تركز على الجانب السلبي؛ أي الإخفاقات التي مررت بها، أو الجانب الإيجابي؛ أي النجاحات التي أحرزتها؟

لإجابتك تأثير كبير في الإجراءات التي ستتخذها بعد ذلك ومدى نجاحها بالنسبة إليك.

غالباً ما أستيقظ صباح يوم الإثنين وأجد صعوبة في الكتابة قد أمتلك فكرة جيدة، ولكن لا أمتلك مساراً واضحاً لكيفية كتابتها؛ إنَّه أمرٌ محبط، ولكن غالباً ما أمتلك طريقة مضمونة تقريباً لمعالجة هذا الأمر؛ إذ ألقي نظرة على مقال آخر كتبته منذ فترة وكنت سعيداً به، فهو يذكرني أنَّني قادر على العمل بجودة عالية حتى عندما أواجه صعوبة، وأعلم أنَّه صحيح لأنَّ الأدلة أمامي مباشرة، وهذا بالضبط ما أحتاجه لإنجاز المهمة الآن.

إقرأ أيضاً: 4 خطوات لاكتساب عقلية مرنة تؤمن بالنجاح

3. بناء الزخم من خلال الاحتفاء بالمكاسب الصغيرة:

عندما تكون عالقاً في هوة الشك الذاتي، فإنَّ ذلك يستهلك انتباهك وإن لم يكن ذلك صحيحاً ولا يُعدُّ مشكلة كبيرة، إلا أنَّك تجعله حقيقياً وتحوله إلى مشكلة كبيرة في رأسك، وأنت من تصنع الوهم، ومثلما استغرق الأمر سلسلة من الإجراءات الصغيرة الهامة للوصول إلى هذا المستوى، يتطلب الأمر إجراءاتٍ صغيرة ولكنَّها هامة للانطلاق.

المكاسب الصغيرة محفزة لأنَّك ترى تقدماً حقيقياً يُحرز والزخم الذي أُنشئ بواسطة تلك التغييرات الصغيرة يتراكم بسرعة.

إقرأ أيضاً: 4 أسباب للاحتفاء بالإنجازات الصغيرة

في الختام:

الشك الذاتي هو الجحيم الذي يجب التغلب عليه، ولكن يمكن أن يتغلب عليه إلى حدٍ كبير أيُّ شخص يعرف الخطوات التي عليه اتخاذها:

  1. عليك أن تؤمن أنَّك تستطيع فعل ما بوسعك لأداءٍ أفضل بالفعل، ولكن من السهل للغاية أن تنسى عندما تكون في مأزقٍ ما.
  2. للاعتقاد بأنَّك قادر على الأداء أداء أفضل عليك أن تستمد حافزك من القرار الصحيح.
  3. يعني "القرار الصحيح" في الغالب التركيز على الإجراءات التي تحقق نتائج وتحفز مزيداً من الإجراءات.

يعود الأمر حقاً إلى وضع نفسك في الظروف المناسبة حتى عندما لا تشعر بذلك؛ إذ يعتمد الخروج من تحت وطأة الشك الذاتي على إيجاد إجراء صغير يمكنك اتخاذه ويمكنك النجاح فيه والاعتماد على الإجراء التالي، وعندما تفعل ذلك يصبح من الصعب إيقافك ويصبح النجاح مسألة وقت وليس مجرد احتمال.

يتمتع أينشتاين بالاحترام الذي يتلقاه اليوم لأنَّه كان عبقرياً دؤوباً، ولكن خلال الطريق للوصول إلى العبقرية كانت احتمالات تلاشيها قائمة في ظل النقد والشك الذاتي.

إذا كان على أيِّ شخص منا التخلص من هيمنة الشك الذاتي لدينا لفترة كافية لتحقيق حتى جزء بسيط ممَّا فعله، فيجب أن نعدَّ أنفسنا حققنا نجاحاً كبيراً.




مقالات مرتبطة