كيف تتعامل مع المعلومات بوعي وتثري حياتك

في عصرٍ تنتشر فيه المعلومات انتشاراً أشبهَ بالوباء، لا يقدر الناس مطلقاً على تنظيم المعلومات بفعالية مثلما يفعلون مع طعامهم وشرابهم، وفي الوقت الذي تُعَدُّ فيه المعلومات أمراً هاماً للبقاء، مثلها مثلُ الطَّعام والشراب الذي نستهلكه، تكون المسؤولية الشخصية في عصر "المعلومات المجانية" الذي نعيش فيه، أمراً بالغ الأهميَّة لصحتنا الفردية والاجتماعية. فإن أردنا أن نزدهر على المستوى الشَّخصي، وتزدهر معنا مجتمعاتنا وأوطاننا؛ فنحن بحاجةٍ إلى حميةِ معلوماتٍ صحيَّة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن مقال للكاتبة الصحفية الشهيرة ماريا بوبوفا، والذي تستند فيه إلى كتاب للمؤلف كلاي جونسون بعنوان: "The Information Diet: A Case for Conscious Consumption".

"أنت عبارةٌ عمَّا سمحتَ له بدخول حياتك" -أوستن كليون، متحدث ومؤلف.

تلخص هذه المقولة الفلسفة التي استندت عليها عملية (الانتقاء العقلي - Brain Pickings)، وهي عبارةٌ عن آليةِ فلترةٍ تتيح لك إدخال أشياء تكونُ محفزة ومثيرة للاهتمام وذات مغزىً إلى حياتك.

لهذا شعرت بحماسةٍ بالغة عندما أصدر كلاي جونسون كتاب "حمية المعلومات: دعوةٌ للاستهلاك الواعي". والذي هو بمثابة بيان ذكي لتحسين ما مقداره 11 ساعة ننفقها وسطياً على استهلاك المعلومات بشكلٍ يومي، بطريقةٍ تخدم صحتنا الفكرية والإبداعية والنفسية.

وفيه يربط الكاتب ما بين عملية التصنيع التي أُدخلت على القطاع الغذائي -والتي أضفت إليه كفاءةً متزايدة وساعدت في إبطاء انتشار وباء السُّمنة- وبين ما أسماه "عملية تصنيع المعلومات - The industrialization of information". قائلاً أنَّ إلقاء اللوم على وفرة المعلومات، هو أمرٌ سخيف مثله مثل تحميل وفرة الطعام المسؤولية عن انتشار السُّمنة.

لذا يقترح بدلاً من ذلك حلاً يكمن في تأسيس علاقةٍ صحيِّةٍ مع المعلومات عبرَ تَبَنِّي عاداتٍ أكثرَ ذكاءً، وأن نصبح انتقائيين فيما يتعلق بالمعلومات التي نستهلكها؛ تماماً كما نفعل مع الطعام الذي نتناوله. ومن هنا أتت تسمية "حمية المعلومات - The Information Diet".

ولتوضيح ذلك، لنتمعّن فيما قاله ستيف جوبز بهذا الصدد:

"لعلَّك عندما كُنتَ صغيراً قد نظرتَ إلى التلفاز وقلت: "لا بد وأنَّ هناك مؤامرة تُحاك من شبكات التَّلفزة لجعلنا أغبياء". لكن ومع مرور الأيامِ والسنينِ تدرك أنَّ هذا الأمر غيرُ صحيح. إذ إنَّ شبكات التلفاز تزدهر بعملها لأنَّها تعرض للناس ما يرغبون بمشاهدته. وهو أمرٌ تجده إن تمعنت به قليلاً، فكرةً كئيبة إلى درجةٍ تجعل فكرة المؤامرة تفاؤليةً أكثر. إذ يمكنك مع فكرة المؤامرة أن تختلق لنفسك أعداءً تثور عليهم وتُرديهم بنيرانك. لكنَّ الحقيقة هي أنَّ من جعل التلفاز على ما هو عليه؛ هم النَّاس أنفسهم".

يستند مؤلف هذا الكتاب بتشبيه المعلومات بالغذاء من خلال القول المأثور الذي نعرفه جميعاً: "نحن نتاج ما نأكل"، لذا يقول أنَّه يصبح لزاماً علينا أن نفهم كم نحن "نتاجُ المعلومات التي نستهلكها"، ومن ثمّ نقوم باستهلاكها وفقاً لذلك.

ومع ذلك، فإنَّ هذا الكم الهائل من المعلومات المتاحة لنا، والتي تبلغ "80000" بيتا بايت (البيتا بايت الواحد يعادل مليون غيغابايت) في عالم تخزين البيانات لوحده، و3.6 زيتا بايت (الزيتا بايت يعادل مليون بيتا بايت) من البيانات التي تستهلكها الأُسَرُ يومياً في دولةٍ مثل أمريكا مثلاً؛ هي كميَّةٌ مرعبة. مع العلم بأنَّه من المتوقع أن تتضاعف كمية المعلومات تلك بمقدار 44 ضعفاً بحلول العام 2020.

وباستخدام خدمة "Google's n-gram viewer"، التي تعرض مدى تكرار عبارة معينة ضمن مجموعة من الكتب الإنجليزية منذ 150 عاماً لحدِّ الآن، نجد أنَّ مصطلح "فيضَ المعلومات" -"الإغراق المعلوماتي" إن أردت أن تدعوه بهذا- أصبح شائعاً في حقبة الستينيات، حيث ارتفع بنسبة 50% بحلول عام 1980، ليعاود ارتفاعه بنفس تلك النِّسبة بحلول عام 2000.

فيض المعلومات information overload

إلا أنَّ جونسون قد حرص في كتابه على الإشارة إلى أنَّ هذا المصطلح المذكور لا يَصِحُّ من النَّاحية الدلالية (semantically broken)، إذ يقول في ذلك الصدد:

"إنَّ مفهومَ فيض المعلومات لا يصح، لأنَّهُ وبقدر ما نرغب في تشبيه أدمغتنا بمحركات الأقراص الصُّلبة التي نجدها في الحواسيب، إلا أنَّ البشر كائنات حية وليست آلات، وأدمغتنا لها سعة محدودة مثلها مثل محيط خصرنا. وعلى الرَّغم من أنَّ الناس قد يستمرون بتناول الطعام إلى الحدِّ الذي يجعلك تعتقد أنَّهم على وشك الإصابة بنوبة قلبية، إلا أنَّهم لا يموتون في الواقع من الاستهلاك المفرط، فنحن لا نرى الكثير من الأشخاص يتناولون لقمتهم الأخيرة في إحدى المطاعم، ويتجاوزون طاقتهم الاستيعابية القصوى وينفجرون!! فلا أحد منّا لديه سعة تخزينية قصوى للدهون، ومن غير المرجح أن يكون لدينا أيضاً سعةٌ قصوى للمعرفة. إلا أنَّنا ومع ذلك، نسعى لأن نحل هذه المشكلة ميكانيكياً. قِس ذلك على المقلب الآخر وسترى كم أنَّ الأمر سخيف. فمحاولة التَّعامل مع علاقتنا بالمعلومات كما لو كنَّا أشبه بأجهزة رقمية، هي أقرب ما تكون لمحاولة زيادة كفاءة حواسيبنا عبر إضافة الأسمدة إليها".

إذاً نحن ننظر إلى المشكلة من منظورٍ خاطئ. فبدلاً من النَّظر إليها من ناحية الإنتاجية والكفاءة، والتي أصبحت بمثابة كنزٍ زائفٍ تفرضها علينا ثقافة مهووسة "بالانتاجية لِغرضِ الانتاجية"؛ يجب أن ننظر إليها بنفس الطريقة التي نُقيِّم بها ما نستهلكه بيولوجياً: ألا وهي "صحتنا". ذلك لأنَّ المسألةَ الآن باتت أكبرَ من مجرد إنجاز الأمور:

إنَّها مسألةٌ تتعلق بالصحة والبقاء؛ فالمعلومات والسُّلطة هما أمران مترابطان جذرياً، وقدرتنا على معالجة المعلومات وإبلاغها هي ميزة تطورية مثلها مثل بنيتنا الجسدية. ومع ذلك، نحن مبرمجون بأن نحب أنواعاً معينة من المعلومات، وأبرزها المعلومات التأكيدية (affirmation)، لذا تجدنا نبحث عن معلومات تؤكد معتقداتنا الحالية، بدلاً من أن تتحداها.

وكما تعلّمت شركات الأغذية أنَّه إن أرادت أن تنجح في بيع الكثير من الأطعمة الرخيصة التكلفة فعليها أن تضيف إليها الملح والدهون والسُّكر، وهي الأشياء التي يحبها الناس، تعلمت شركات الإعلام بدورها أنَّ "التَّأكيد" يعود عليها بربحٍ أفضلَ بكثير من "المعلومات".

فمن ذا الذي يرغب في أن يسمعَ الحقيقة إن كان كُلُّ ما يريد سماعه هو "أنَّه على حق"؟!

وأخيراً:

تكمن في صُلبِ "حمية المعلومات" تلك الضرورة الملحة بالاعتراف والتصرف بناءً على فكرةٍ ندركها جميعاً، لكنَّنا نواجه صعوبة بإقرارها، وهي: مثلها مثل أيَّةِ حميةٍ غذائيَّةٍ جيدة، فإنَّ حمية المعلومات تعمل بشكل أفضل إن نحن لم ننظر إليها من مبدأ حرمان أنفسنا من المعلومات؛ بل من مبدأ استهلاك الكثير من الأمور الصحيحة وتطوير عاداتٍ صحية.

المصدر




مقالات مرتبطة