كيف تتخلص من الاكتئاب العرضي من خلال مساعدة الآخرين؟

إذا كان هناك عيبٌ أو ضعفٌ في مجال تنمية الذات وتطويرها فهو بلا شك أنَّه يعتمد أساساً على الإيجابيات، على الأقل هذه وجهة نظري القائمة على تجربتي؛ وما أعنيه هو أنَّنا نميل إلى التركيز على كيفية تطوير أنفسنا، وكيف نتمتع بالزخم وكيف نُحدِث التغيير الإيجابي فينا وفي الآخرين، ونحن محقِّين في ذلك؛ فهذه هي الأشياء التي يجب أن نركِّز عليها ونوجه طاقتنا إليها؛ لكنَّ الشيء الذي كافحتُ من أجل معرفته طوال هذا الوقت هو ما الذي يجب فعله عندما لا ينجح كل ما ذكرناه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوَّن "عادل رفاعي" (Adel Rifai)، ويحدثنا فيه عن تجربته في التخلص من الاكتئاب العرضي.

نحن نمر جميعاً بفترة من الاكتئاب ولا نعرف السبب، وبصرف النظر عن السبب من المنطقي أن نعيش المشاعر كلَّها في حياتنا؛ فمن دون ذلك من المستحيل أن نتعرَّف إلى النقيض؛ إذ من المستحيل أن نعرف الخير دون أن نعرف الشر، ومن المستحيل أن نشعر بالسعادة لو لم نشعر بالحزن، فكل التناقضات ما هي إلا وجهان لعملة واحدة.

دون المرور بأوقات عصيبة لا يمكن تقدير الطمأنينة التي ننعم بها:

لا يعني هذا أنَّنا يجب أن نبحث عن الاكتئاب كلَّما مررنا بأوقات عصيبة ونبرر ذلك بأنَّ هذا الشعور ضروري ويجب أن ننتظر حتَّى نخرج من هذه الحالة؛ بل يجب ألَّا ننسى بالطبع أنَّ بعضنا أكثر عرضة للتقلبات العاطفية.

خلال إحدى فترات الاكتئاب التي مررت بها منذ فترة كان مجرد النهوض من السرير عبئاً بالنسبة إلي، ليس لأنَّني كنت مُرهَقاً بَدَنياً أو بحاجة إلى مزيد من النوم؛ بل كان السبب هو التعب النفسي، وضعف ثقتي بنفسي، وانحطاط معنوياتي، حتى إنَّ النهوض من السرير وبدء النشاط اليومي كان أحياناً يستغرق منِّي ساعتين من التفكير في السرير.

في تلك اللحظة التي أصل فيها إلى قمة الإحباط كنتُ أتذكَّر التفكير الإيجابي وأحاول توسيع منظوري للأمور وذلك كله لم يكن نافعاً أحياناً؛ فعقلي يدرك تماماً أنَّني أمر بوقت عصيب وأنَّه يجب أن ألتزم بالمسار، وأعلم أنَّه عندما تسوء الأمور فمن الضروري الالتزام بعادات يومية تساعدني على الوصول إلى هدفي.

لكنَّ ذلك كله لم يحل أيَّاً من المشكلات التي واجهتها في تلك الفترة، وكنت أفكِّر أنَّه ربَّما يجب أن أذكَّر نفسي بهذه الأمور لعدة أيام، ولكن ماذا لو استمرَّ الإحباط لفترة أطول؟ هل يمكنني تحمُّل أسبوعين أو ثلاثة مع هذه المشاعر من الاكتئاب والإحباط؟ هذا إذا كنت أرغب بذلك أساساً.

الحقيقة هي أنَّني فعلاً لا أرغب في تحمُّل هذا كله، وخلال ذلك الوقت كنت أقوم بأنشطتي اليومية على أفضل وجه، كنت أذهب إلى الصالة الرياضية وأتدرب وأحاول أن أتناول طعاماً صحياً؛ لكنَّ ذلك كله لم يمنحني المتعة، ولم يحسِّن أيُّ شيءٍ مزاجي ولم يخفف من التفكير السلبي الذي استمر يتردد في ذهني على الرغم من المحاولات كلها.

ثمَّ فجأة في إحدى الليالي ودون أن أعرف السبب جربت شيئاً مختلفاً، كانت حالتي في تلك الليلة مزرية تماماً حتَّى إنَّني حاولت التخفيف من هذا الشعور الرهيب من خلال تعداد الإيجابيات في حياتي لكن دون جدوى، لا شيء ساعدني لأشعر بتحسُّن، ومن ثمَّ بدأت أفتقد شقيقي وشقيقتي اللذين يعيشان بعيداً عني؛ فقررت أن أرسل إليهما رسالة نصية، كانت رسالة بسيطة ذكرت فيها ما يأتي: "أنا أفكِّر بكما، وأردت فقط أن تعرفا أنَّني أحبكما، وأنَّني فخور لكونكما أخوتي".

كانت كلمات صادقة وعبَّرت عن مشاعر صادقة لطالما كنت أكنَّها لهما ولطالما حاولت التعبير لهما عنها، ومباشرةً بعد أن أرسلت الرسالة شعرتُ بتحسُّن بعض الشيء كما لو أنَّني استعدت شيئاً من حيويتي، ثمَّ سرعان ما ردَّ أخي على رسالتي، وكتب لي: "شكراً جزيلاً لك على هذه الكلمات اللطيفة".

بدا لي كأنَّه كان بحاجة إلى سماع هذه الكلمات، وربَّما لا، ولكن في جميع الأحوال أبدى تقديره لرسالتي، والحقيقة أنَّني شعرت بتحسُّن كبير بعدما قرأت رسالته، وفي الصباح التالي استيقظت لأجد رسالة من أختي تبادلني فيها المشاعر نفسها، وفي تلك اللحظة شعرت حقاً أنَّها بداية ليوم جيد شعرت بالطاقة والحماسة اللذين افتقدتهما لفترة.

شاهد بالفيديو: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

ما الذي حدث؟ ما السر فيما فعلته؟ وهل يمكنني فعله مجدداً؟

لم يكن مخططاً أن يحدث هذا، ولم أكن أتوقع هذه النتائج حتَّى، ولكن يُفهَم ما حدث على النحو الآتي: عندما كنت منهمكاً في محاولة إيجاد حل لمشكلاتي من المؤكَّد أنَّني كنت أنانياً ومركِّزاً على ذاتي فقط؛ لكنَّ الأمور لم تتحسن أبداً، وربَّما كانت ستتحسن في النهاية، ولكن حتماً ليس على الأمد القصير.

لكن عندما توقفت عن إرغام نفسي على الخروج من هذه المحنة وجدت أنَّني أحاول أن أساعد غيري على الشعور بتحسُّن، وهما أخي وأختي في هذا المثال، ومن خلال منحهما الحب والإيجابية قاما بمنحي إياهما أضعافاً مضاعفة في وقت قصير جداً، تلك المبادرة البسيطة أصلحت ما عجزتُ عن إصلاحه على الرغم من قضائي أسابيع من التفكير.

من أجل أن نعيش حياةً ناجحة فنحن بحاجة إلى مساعدة الآخرين، يجب أن نؤثِّر في الآخرين بطريقة إيجابية، وأنا أؤمن بأنَّ هذا صحيح أيضاً في نواحٍ صغيرة في الحياة مثلما هو صحيح في نواحٍ كبيرة وأكثر أهمية؛ لذلك عندما لا تسير الأمور بطريقة جيدة اترك أثراً إيجابياً في الآخرين، وتواصل معهم، وحاول أن تجعل أحدهم يشعر بالتحسُّن.

إقرأ أيضاً: الاكتئاب المعطِّل: أعراضه، وأسبابه، وطرق علاجه

عندما لا تسير الأمور كما نشتهي، نقع في حلقة من التفكير السلبي دون أن ندري:

الأدهى أنَّنا نظنُّ أنَّنا في هذه الحالة نكون إيجابيين وأنَّنا نساعد أنفسنا؛ لكنَّ أفكار التحفيز المستمر مثل: "هيا أنت أفضل، تستطيع فعلها، ما الذي دهاك؟"، ذلك كله ينطوي على توبيخ النفس ولا أحد يشعر بالرضى عندما يُوَبَّخ؛ لذلك عندما تقع في هذه الحالة من الإحباط ولا تدري ما السبب، توقف عن التفكير بنفسك وفكِّر بشخص آخر واجعله يعرف أنَّك تهتم به.

افعل ذلك ليس من أجل مصلحة؛ بل من أجل أن تكون صادقاً وتجعل شخصاً ما يشعر بالإيجابية، هذه هي الطريقة الأكثر فاعلية للخروج من حالة الاكتئاب العرضي.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

في الختام:

ما تحدثنا عنه في هذا المقال ليس الاكتئاب المشخص مرضاً نفسياً؛ بل هو الاكتئاب العارض الذي نمر فيه جميعاً بين فترة وأخرى، وهو مختلف كثيراً عن الاكتئاب السريري؛ إذ يحتاج الأخير إلى تدخُّلٍ من متختصِّص وطلب المساعدة.




مقالات مرتبطة