كهلان أبناؤهما صغار... إحراج للفريقين

 

أم خليل كانت في الثالثة والستين يوم أبلغها الطبيب أنها حامل. ولم تعر للأمر انتباهاً، وكانت كمن يتوقّع حدوث ذلك، «لأن تعلّقي بأبي خليل لم يفتر، يوماً!»، قالتها أمام كل العيون الشاخصة على وسعها، حين وقع على أصحابها الخبر «المفرح مبدئياً». أبناؤها في المهجر، بعثوا برسائل تهنئة وعتاب. بناتها ثرثرن عليها أكثر مما فعلت نساء القرية. وحده زوجها ظل يسير مزهواً مختالاً أمام أصحابه، رجال القرية الذين انقطع حولهم... حتى تزوّجت ابنته هند، آخر العنقود.



 

تأجيل الإنجاب إلى العقد الثالث أو الرابع (أو أكثر) ينطوي على حسنات وسيئات، وأخطار في الحالتين، فزوجان وضعهما المهني والمادي يسير، ويمتلكان منزلاً أنهيا أقساطه، وشبعا من رؤية العالم، يشعران، في نهاية المطاف، بأنهما مستعدان للإنجاب ويخوضان تجربة الأمومة والأبوة. والذين لا قرار لهم في ذلك هم المطلقون الذين يحاولون تأسيس عائلة أولى أو يقدمون على إضافة ثانية...، والأزواج الذين يفشلون في الإنجاب وقتاً طويلاً ثم ينجحون. وهؤلاء يقعون في فئة المنجبين في سن متقدّمة ولكن ليس بمصادفة «متعمّدة» كالتي حصلت لأم خليل.

إلاّ أن حسابات الطبيعة لا تتطابق دائماً مع حسابات البشر، بدليل القصص التي تدور حول العقم بين الأزواج المتقدمين في السن. ويشير أطباء نسائيون وأطباء توليد، في غير مرجع طبي، إلى دور العقم في التسبب بالمشكلات التي تواجه هؤلاء الأزواج. والمرأة التي تؤجّل الإنجاب حتى الأربعينات، على الأقل، تتعرض لأخطار الإجهاض، والحمل العسير، وتوليد أطفال معتلين أو يعانون خللاً عضوياً... وللخبراء النفسيين والتربويين آراء مختلفة ومتضاربة أحياناً، تحكمها الحالات الخاصة.

لكن الإنجاب المتأخّر يبقى مسألة تثير الاستغراب في معظم المجتمعات، ولو في شكل متفاوت، وما إن يأتي المولود صحيحاً سليماً، حتى تتبدد المخاوف ليظهر التعب ويتصاعد اللهاث مع التقدّم في الأعمار. والد في الستين، يركب دراجة ويحاول إدراك طفله، وقد انقطع نفسه. وأم في السبعين تلحق بابنتها المخطوبة والمتطلّبة جداً، ويظهر الفارق بينهما واضحاً على زجاج واجهات المحال التي تقطعها الصبية سريعاً، بينما تستمهلها الأم الكهلة لكي تتمعّن في أشياء «تافهة»، ولكي تستريح قليلاً، بالطبع!

بيد أن هذه القصص والروايات ومثلها لم تنطبق على أم خليل.

المشوار بين كهل وابنه يكون صافياً كصفحة الماء أو معكّراً كقعرها.

موقع الأسرة السعيدة