كل ما تريد معرفته عن الشخصية الاعتبارية

لقد بات من المعروف أنَّ الإنسان لا يمكن أن يعيش وحده منعزلاً ووحيداً وبعيداً عن أبناء جنسه، فهو مدني بطبعه، وكنتيجة لمتطلبات الثورة الصناعية والتطور العلمي والتقني في العصر الحديث وكذلك نتيجة للحاجات البشرية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أن يتجمع مجموعة من الأشخاص ضمن أحد أشكال التجمع مثل شركة أو منظمة أو جمعية، أو تجتمع مجموعة من الأموال في شكل مؤسسة ما، وذلك بهدف القيام بدور محدد في المجتمع لا يمكن للفرد وحده القيام أو النهوض به.



يحتاج التطور الصناعي إلى تجميع رؤوس الأموال ودفعها للإنتاج، ومن أجل تحفيز أصحاب الأموال والمالكين للاشتراك في الإنتاج؛ عمل القانون على توفير الحماية القانونية لهذه الأموال كونها تمثِّل عصب الاقتصاد وحمايتها من أي عابث، وذلك بخلاف الأملاك الفردية التي يتولى الفرد نفسه حمايتها، كما عمل القانون على جعل مسؤولية الشركاء محدودة بحدود أموالهم التي ساهموا بها في الشركة، وذلك لحفظ أموال المساهمين الآخرين من التعدي، وبذلك يتشجع أصحاب الأموال على الدخول والمشاركة.

اعترف القانون لتجمعات الأشخاص أو الأموال بأنَّها كيان مستقل عن الأفراد المكونين لها، يستطيعون من خلالها اكتساب الحقوق والواجبات، وسُميت بداية بالشخصية القانونية، ولأنَّ الشخصية القانونية تُدرك فقط بالفكر وليس بالحس؛ فقد سُميت بالشخصية الاعتبارية أو الشخصية المعنوية، فهي قائمة على أساس اعتبار القانون لها.

تعريف الشخصية الاعتبارية:

عرَّف فقهاء القانون الشخصية الاعتبارية بتعريفات عدة تختلف في الشكل ولكنَّها تتفق من حيث المضمون، ونورد فيما يأتي أهم تلك التعريفات:

1. الدكتور العطار في كتاب (مدخل لدراسة القانون):

الشخص الاعتباري هو مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال يستهدف به تحقيق غرض معين ويعترف له القانون بالشخصية القانونية، ومن ثم يصبح قابلاً لأن تثبت له الحقوق وتجب عليه الواجبات وينظر إليه مجرداً عن الأشخاص المؤسسة له أو الأموال المكونة له.

2. الدكتور أنور سلطان في كتاب (المبادئ القانونية العامة):

الشخصية الاعتبارية هي مجموعة من الأشخاص أو الأموال تقوم لتحقيق غرض معين، ويمنحها القانون الشخصية القانونية لتحقيق ذلك.

3. الدكتور عمار بوضياف في كتاب (الوجيز في القانون الإداري):

الشخص المعنوي مجموع أشخاص أو مجموع أموال تتكاثف وتتعاون لمدة زمنية محددة لتحقيق هدف وغرض؛ بحيث تكون هذه المجموعة من الأشخاص أو الأموال مصلحة جماعية مشتركة مستقلة عن المصالح الذاتية والفردية لأفراد الجماعة.

الشخصية الاعتبارية مصطلح استحدثه القانون الوضعي، ويُقصد بها القابلية لامتلاك الحقوق وتحمُّل الواجبات، والهدف منها تحقيق سهولة التعامل مع تجمعات كثيرة من الأشخاص أو الأموال.

إقرأ أيضاً: أنواع الشخصيات وصفاتها

الشخصية الاعتبارية تتألف من عنصرين اثنين:

العنصر الأول:

العنصر الموضوعي؛ ويعني وجود مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال، وأن يكون هدف هذا المجموع تحقيق غرض محدد، ويشترط أن يكون هذا الغرض مشروعاً وممكن التحقيق ومستمراً.

العنصر الثاني:

العنصر الشكلي ويعني اعتراف الدولة بالشخصية القانونية لهذه المجموعة (الأشخاص أو الأموال)، وهذا الاعتراف قد يحدث عموماً كأن تقوم الدولة بوضع شروط إذا توفرت في مجموعة من الأشخاص أو الأموال تكتسب الشخصية القانونية الاعتبارية، كما يمكن أن يكون الاعتراف خاصاً كأن تصدر الدولة تشريعاً أو قراراً خاصاً تعترف الدولة من خلاله بقيام الشخصية الاعتبارية في حالة محددة بالذات.

متى تبدأ الشخصية الاعتبارية؟ ومتى تنتهي؟

تبدأ الشخصية الاعتبارية عند اعتراف الدولة بها اعترافاً عاماً أو خاصاً، وتختلف الدول في ذلك فبعض القوانين تذهب إلى القول إنَّ الاعتراف العام هو الأصل والاعتراف الخاص يمثل استثناء، وبذلك تنشأ الشخصية الاعتبارية إذا تم ورودها في نص في القانون، فهي تملك الشخصية القانونية بموجب القانون دون الحاجة إلى إذن خاص، وإذا لم يتم ذكرها في القانون فالأمر سوف يحتاج إلى ترخيص خاص من المقنن أو بالاستناد إلى إحدى مواد القانون.

تنتهي الشخصية الاعتبارية بأحد الأساليب الآتية:

  1. تنتهي بطريقة طبيعية بانتهاء الأمد المحدد لها.
  2. تنتهي بتحقيق الغرض الذي أُنشئت من أجله.
  3. تنتهي بموت جميع الأفراد الأعضاء المكونين لهذا الشخص.
  4. تنتهي بانقراض جميع المنتفعين بها.
  5. تنتهي بتناقص عدد الأعضاء عن العدد المطلوب توفره.
  6. تنتهي بطرائق إجبارية مثل حكم قضائي أو بمقتضى عمل من جانب الدولة.

يترتب على انتهاء الشخصية الاعتبارية تصفية كافة حقوقها والتزاماتها وتبقى من الوقت حتى تنتهي من كل ذلك.

معايير تحديد الشخصية الاعتبارية:

  1. طبيعة الغرض من إنشائها: هل الإدارة أو المؤسسة تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة أم مصلحة فردية؟
  2. طبيعة النشاط: النشاط الذي سوف تقوم به هل هو ذو طبيعة عامة أم طبيعة خاصة؟
  3. أصل النشأة: هل تم الإنشاء من قِبل الدولة أم من قِبل أشخاص خاصين؟
  4. القانون المطبق: هل يطبق عليها القانون العام أم القانون الخاص؟
  5. امتيازات السلطة العامة: هذه الامتيازات يتمتع بها أشخاص القانون العام دون الخاص.

الشخصية الاعتبارية

أنواع الشخصية الاعتبارية:

1. الدولة:

تمثل الشخص المعنوي الأم التي تتفرع عنها باقي الأشخاص المعنوية الأخرى، وينحصر وجودها ضمن إقليم معين، كما أنَّ الدولة ليست بحاجة إلى وجود نص قانوني داخلي أو خارجي، والفقهاء في القانون الدستوري والقانون الإداري يعترفون بالشخصية الاعتبارية.

2. الولايات أو المحافظات:

هي شخص معنوي تمارس صلاحياتها ضمن حيز جغرافي معين يمثل جزءاً من الدولة.

3. البلدية:

هي الجماعة القاعدية للإدارة المحلية وتتمتع بالشخصية الاعتبارية.

4. المؤسسات العامة:

هي المؤسسات التي تقوم الدولة بإنشائها وتشرف على نشاطاتها بنفسها وتسيِّر أعمالها.

5. الشركات:

التي تقوم على مبدأ الملكية الجماعية والمشتركة وتحظى بالشخصية الاعتبارية بالنظر إلى شكل نشأتها.

6. الجمعيات:

تنشأ الجمعية لتحقيق هدف غير مادي قد يكون ثقافياً أو علمياً أو خيرياً، ولا تمثل مصادر تمويل الجمعية مصدراً مالياً لأحد أعضائها؛ بل هدفها هو مساعدة الآخرين؛ إذ يجتمع مجموعة من الأشخاص ويسخِّرون معارفهم ووسائلهم، ويتعاقدون لفترة زمنية محددة ويمارسون نشاطات لتنمية المجتمع، قد تكون نشاطات اجتماعية أو ثقافية أو تعليمية أو رياضية أو بيئية أو إنسانية.

7. الوقف:

الأملاك الخاضعة للوقف تملك الشخصية الاعتبارية ويحميها القانون.

8. كل مجموعة من الأشخاص أو الأموال تثبت لها الشخصية الاعتبارية بموجب نص من نصوص القانون.

الآثار المترتبة على الاعتراف بالشخصية الاعتبارية:

يعني الاعتراف بالشخصية الاعتبارية تمتُّع هذه الشخصية بجميع الحقوق التي تترتب على ذلك، وأيضاً التزامها بجميع الواجبات المناطة بتلك الشخصية، وذلك ضمن الحدود التي يقرها القانون لها، ويكون لها:

1. الأهلية:

في الحدود التي يعطيها القانون لها أو الحدود التي يعنيها في عقد إنشائها، مثلاً يمكن لها التعاقد وإبرام العقود في إطار النشاطات التي تمارسها دون الحاجة إلى الحصول على موافقة خاصة للتعاقد.

2. موطن:

هو المكان الذي توجد فيه إدارتها، ويحدده المشرع بموجب مرسوم رئاسي وله أهمية خاصة؛ إذ يتم تحديد الحدود الإقليمية ورسم المجال الجغرافي من أجل ممارسة حق التقاضي أمام الجهات القضائية.

إقرأ أيضاً: الحرية الشخصية: مفهومها وفوائدها

3. نائب ينوب عنها:

الشخص الاعتباري ليس له وجود مادي ولذلك سمي بالاعتباري أو المعنوي؛ لذا كان من الواجب وجود شخص مادي يمثله وينوب عنه ويتحدث ويبرم العقود ويتقاضى باسمه.

4. حق التقاضي:

لا يمكن لأيَّة جهة فاقدة للشخصية الاعتبارية التقاضي أمام القضاء أو حتى الادعاء، بينما تملك الجهة الحاصلة على الشخصية الاعتبارية الحق في الادعاء والتقاضي أمام القضاء والمطالبة بحقوقها، فالاعتراف بالشخصية الاعتبارية يعني إمكانية أن تكون هذه الجهة مدعية أو مدعى عليها أمام القضاء.

5. الاستقلال المالي والاستقلال الإداري:

تملك الشخصيات الاعتبارية ذمة مالية مستقلة؛ أي تملك استقلالاً مالياً وكذلك استقلالاً إدارياً، بحيث تكون هذه الذمة وعاء لحقوقها والتزاماتها التي تترتب على ممارستها لنشاطاتها التي نشأت من أجلها، وينتج عن وجود ذمة مالية مستقلة وجود استقلال إداري، فتعمل الجهة بصورة منتظمة؛ إذ تستقل بأجهزتها.

في الختام:

إنَّ الإنسان مهما بلغ من القوة وامتلاك الثروة وامتد عمره لا يمكن أن يقوم بالأعمال الضخمة وحده، هذه الأعمال التي تحتاج إلى مال وجهد كبيرَين، ولأنَّ تطوُّر المجتمع وتحقيق رفاهيته في العصر الحديث بات يتوقف على هذه الأعمال؛ فكان من الضرورة إيجاد مجموعات من الأشخاص أو الأموال للقيام بهذا النشاط وتحقيق التقدم المنشود في المجتمع.

تبقى هذه الجماعات على مر الزمان ولا تتأثر بموت أحد أفرادها، والاعتراف لها بالشخصية هو ما يضمن حقوقها وكذلك يلزمها بواجباتها، فهذا الشخص له وجود مستقل بذاته ويستطيع أن يمتلك ويتعاقد وأن يكون دائناً ومديناً، فهو يمتلك ذمة مالية خاصة به لا تختلط بالذمم المالية للأشخاص المكونين له.




مقالات مرتبطة