قوة التفاؤل

كم طالبٍ للعلم رسب فتشاءم واهتزت ثقته بنفسه وفقد الأمل في نجاحه؟ وكم من مريضٍ تسَرَّب اليأس إلى قلبه ولا أمل في شفائه بعد إصابته بمرض عضال؟ وكم من شابٍّ يئس من إتمام زواجه لضيق ذات اليد؟ وكم من حديث التخرج كَلََّ من البحث عن وظيفة محترمة وقد رفضه كثير من أرباب العمل لِقلَّة الخبرة؟ ووالدٍ فَقَدَ الأمل في احتواء وتقويم ابنه المراهق فنبذه إلى الشارع ليلقى مصيره مع أصحاب السوء؟ انظروا إلى كل هذه النماذج السابقة وقد عانت من داءٍ واحد هو: التشاؤم، فأصابها السأم والضجر، وفقدان الأمل، واستسلمت سريعاً لصوت الفشل!!

 


غَيِّر أسلوب تفكيرك

إنها نوعية التفكير وأسلوبه الذي ننتهجه والقناعات التي نؤمن بها؛ هذا ما يؤثّر علينا وعلى صحتنا النفسية وعلى اتجاهاتنا سلباً أو إيجاباً، كما تحدد مدى نجاحنا في الحياة؛ فالاختيار اختيارنا، والرغبة رغبتنا، وقد وهبنا الله إرادة حرة، ولنا مطلق الحرية في اتخاذ الأسلوب الملائم لحياتنا، ونحن المسؤولون عما إذا كنا نعيش متشائمين وتعساء أو متفائلين وسعداء!! إنّ الحياة كالنافذة، تعتمد تشكيل رؤيتك لها على نظرتك إليها.
لماذا التفاؤل؟
أثبتت الدراسات النفسية أنّ المتفائلين هم الأطول عمراً، وهم يتمتعون بصحة جيدة ويحتفظون بشباب دائم وجسد مفعم بالنشاط والحيوية والطاقة العالية، كما أنهم يحقِّقون نِسَبَ أداءٍ عُليا في العمل، ويُنجزون إنجازات فوق العادة، وبمعدلات ممتازة على الصعيد الشخصي والعملي؛ فالتفاؤل لَصِيق الإبداع والابتكار والإنتاجية العالية والتغلب على الصعوبات وتجاوز الأزمات والمِحَن ومواجهة التحديات... والتفاؤل ينبع من قوة الإيمان، إنه فيتامينُ الإقبال الفعَّال على الحياة.
التفاؤل علاج فعال للأمراض
يعتبر الأطباء أن التفاؤل ضروري لعلاج كثير من الأمراض، فهو علاج فعّال للإحباط واليأس والكآبة، يساعد على شفاء الأمراض العضوية ويعزِّز الصحة النفسية، يرفع درجة الحماس ويؤجِّج الدافعية المشتعلة للنجاح، ويرتقي بمعنويات المرضى إلى أعلى مستوياتها فتقهر المخاوف، وتكافح الأمراض المستعصية، فيستعيدون ثقتهم بأنفسهم، وتقديرهم لذواتهم.
التفاؤل وتحمُّل المسؤولية
اعتاد بعض الشباب أن يستبق النتيجة فيقول: أعرف أنني سأرسب. وبالفعل يرسب في نهاية العام! ذلك لأنه برمج عقله على الرسوب وتعامل مع هذه النتيجة الظالمة لقدراته ومواهبه وإمكاناته، ولم يفكر في النجاح!! قد نُخفق في امتحان ما، ربما لأننا لم نذاكر جيداً بالشكل المطلوب الذي يؤهلنا للنجاح، ولا يعني ذلك أننا فشلنا إلى الأبد، ولكن مهمتنا تكمن في التفكير بإيجابية في هذا الموقف، وتحمُّل المسؤولية كاملة، ومن الشجاعة أن نعترف بتقصيرنا، وأن نجتهد ونبذل أقصى ما في وسعنا حتى نحقق ما نصبو إليه؛ فالفشل أول خطوة من خطوات النجاح؛ لا تَقُِل: فِشلت، ولكن قُل خُضتُ تجربة واستفدتُ منها دروساً نافعةً للخطوة القادمة.
لا يأس مع التفاؤل
هناك كثيرون فقدوا وظائفهم لسبب أو لآخر فلم يَيْأسوا، ووجدوا فرص عمل في أماكن أخرى بعد فترة وجيزة، وآخرون فَقَدوا أموالهم وأعلنوا إفلاسهم، ثم بدأوا من الصفر في تجارتهم من جديد. كل ذلك ما كان ليتم لولا التفاؤل، ولو تشاءم أيٌّ منهم لما بحث هنا وهناك عن وظيفة تناسب مؤهلاته العلمية وقدراته ومواهبه.
ولا يعجِّل بشفاء المريض بإذن الله إلا التفاؤل والمواظبة على تناول الدواء في موعده.
ولو علم الذين يئسوا من تحقيق إنجازاتهم كم كانوا قريبين من النجاح لما يئسوا. انظروا إلى عظماء التاريخ: (توماس أديسون) قال عنه مدرِّسوه إنه غبيّ، وعندما أراد أن يخترع المصباح الكهربائي حاول 999 محاولة فاشلة حتى نجح أخيراً، فقال: تعلمتُ 999 طريقة لا تؤدي لاختراع مصباحٍ كهربائي! (ووالت ديزني) طُرِدَ من عمله عندما كان محرِّراً، وأعلن إفلاسه عدة مرات، ثم استطاع أن ينشئ «ديزني لاند» التي تقدَّر أرباحها السنوية بثلاثين مليون دولار! كما استطاع (بيل جيتس) أن ينشئ «مايكروسوفت» وعمره عشرون عاماً... والآن أصبح أغنى رجل في العالم! و(هنري فورد) مؤسِّس شركة «فورد» للسيارات أعلن إفلاسه 5 مرات قبل أن يُنشئ شركته التي تعتبر من أشهر شركات السيارات في العالم، و(أينشتاين) صاحب «النظرية النسبية» كان يقول عنه مدرِّسوه: إنه بطيء الفَهم وغير اجتماعي... فأصبح واحداً من أعظم العقول في القرن العشرين!
التفاؤل أساس الحياة
المؤمن متفائل ومتفوِّق في عمله وفي دراسته وفي مهنته وفي وظيفته وفي تجارته. ففي الحياة تفاؤل، وفي الموت تفاؤل... وقد تتساءلون: حتى في الموت؟ أقول: نعم، لأنه يحدث فيه شيئان عظيمان، هما: رؤية وجه الله تبارك وتعالى، ودخول درجات الجِنانالتي وعدنا بها ربنا سبحانه وتعالى.
فالتفاؤل أساس الحياة، ولا أبالغ حين أقول: إن التفاؤل أصل كل نجاح، ولولاه ما بادر المبادرون في مبادراتهم الإيجابية، ولا اخترع المخترعون اختراعاتهم، ولا شرع المبدعون في إبداعاتهم، ولا عكف المؤلفون على تأليف كتبهم، ولا رجال الأعمال على تنفيذ مشاريعهم. والتفاؤل هو توقُّع الخير، والاستبشار بالمستقبل الزاهر وتوقع النجاح والفوز.
كيف تكتسب قوة التفاؤل؟
·         كن من حزب البسمة والسعادة، وتوقَّع قدوم الخير ولو في قلب المِحَن، وقل: (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).
·         انظر إلى الجانب المشرق في جميع ما يصيبك من شدائد وكروب ومشكلات، وتأكد أنها شدة مؤقتة لا يَعقبُها إلا الفَرَج.
·         احترم ذاتك وقدِّر نفسك، وابتعد عن الأفكار والألفاظ السلبية واختر لغة إيجابية تتحدث بها مع نفسك ومع الآخرين.
·         اصنع لنفسك بيئة إيجابية؛ اتخذ أصدقاء إيجابيين حتى يُعينوك على استنشاق الهواء الصحي للإيجابية والتفاؤل والإقبال على الحياة.
·         برمج عقلك كل صباح على التفاؤل مهما واجهتك الصعاب، واجعل عملك كله خالصاً لوجه الله تعالى، وعش بالامتنان والعرفان لأصحاب الفضل والشكر لأَنعم الله صاحب الفضل العظيم.
·         توقع حدوث الأفضل، ففي الأثر: «تفاءلوا بالخير تجدوه».
·         لا تيأس؛ قال تعالى: (قُل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسِهم لا تقنَطوا من رحمةِ الله إنَّ اللهَ يَغفِر الذنوبَ جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) (الزمر: 53).

المصدر: الاتحاد الاسلامي