قل لي من تصاحب أقول لك من أنت.

يقال في الكلام العامي : " مع من رأيتك مع من شبهتك " ويقال في الأدبيات: " قل لي من تصاحب أقول لك من أنت "

 ويقال في الشعر: من خالط العطار نال من طيبه .....ومن خالط الحداد نال السوائدا

ويقال في علم الاجتماع ونظريات التواصل:  أي مجتمع تعيش فيه فإنك لا محالة مؤثر ومتأثر..

 

 



 كل هذه الأقوال تشترك في موضوع واحد مهم ألا وهو المصاحبة، فنطرح السؤال: من نصاحب ؟ وما قيمه و خلقه ومعتقداته ؟ ومن يصاحب أولادنا خاصة المراهقين الذين كثيرا ما يقرون أنهم لا يتأثرون بأصحابهم مهما كانوا بعيدين عن الخلق والدين ؟ الجواب الشافي نجده في الآيات الكريمة التي تلي :

 

يقول عز من قائل في القرآن الكريم : "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه وكان أمره فرطا " آية 28 من سورة الكهف.

وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" آية 29 من نفس السورة

 

إن تأملنا هذا الكلام العطر نستخلص نقاطا أو قوانين إنسانية جد مهمة :

 

1- أن الإنسان اجتماعي بطبعه..أي لا يستطيع إلا أن يعيش مع أخيه الإنسان وإلا آل إلى الموت..

 

2- الإنسان في تواصل دائم مع محيطه .

 

3- أنواع التواصل هي إما صحية وإما مرضية.

 

4- الإنسان يتأثر ويؤثر بنوعية التواصل وبالمحيط الذي يعيش فيه وخاصة بالأشخاص الذين يتعايش معهم.

 

هذه القوانين اتفقت و برهنت عليها جل النظريات الاجتماعية والنفسية والتواصلية وحتى الأنتربولوجية...

 

 

ونستخلص أيضا من الآية الكريمة أنه عموما هناك نوعان من الناس :

 

1-" الذي يدع ربه بالغداوة والعشي والذي يريد وجهه"... من هو ؟ هو الذي من صفاته الإيمان والتقوى والحلم والعفو والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل والإحسان والكرم والعمق في التعامل مع أحداث الحياة....والرؤيا المستقبلية الواضحة التي تقتضي أن تأخذ الحياة مأخذ المعبر للآخرة والوسيلة لها...

 

2- و"الذي اتبع هواه " ...وهو بالطبع الذي تقوده شهوات نفسه ، ويفتن بزينة الدنيا، والذي يرى الأمور بسطحية ، ويجعل من شبابه وماله ووقته...خالص متعة الحياة والنتيجة غفلة تحيط بالقلب تذهب به إلى أن يكون أمره فرطا.

 

أؤكد هنا على بعد عالمية الإنسان من أي جنس كان أو معتقد ...ففي أغلب الثقافات تجد أن السعادة الحقيقية للإنسان تأتي حين يتجاوز أهدافا تقتصر فقط على متعة النفس وهواها إلى أهداف أكثر انسجاما مع فطرته التي خلق عليها وهي خدمة الخير عموما والآخرين خصوصا.

 

والأمر هنا واضح ، هناك من الاستراتيجيات المهمة التي تعينك على الارتقاء بنفسك و الفوز بها :

 

" اصبر نفسك " قد تميل هذه النفس إلى مصاحبة النوع الثاني من الناس...فيقول لك عز من قائل : لا.. اصبر نفسك مع الفوج الأول لأن النفس تتأثر وتعتاد و نحن نعلم  علميا اشتغال اللاشعور وكيفية اكتساب العادة وتكوين الشخصية...أي اجبر نفسك على الصبر مع هؤلاء ...وهذا عمل نفسي كبير في تربية النفس وترويضها وصقلها و" حبسها " في مجتمع أو محيط يخول لها أن تسمو وترتقي إلى أعلى مستوى من هذه التربية..

 

" لا تعد عيناك عنهم " : بمعنى أنك إن قررت قرارا وهنا هو ضبط النفس على مصاحبة النوع الأول ..فقد تأتيك لحظات ابتعاد ...انتبه وغذ هذه المصاحبة بالعودة دائما لها .

 

" لا تطع " أن تكون لك القدرة على التمييز بين أنواع الشخصيات وبين ميولاتها لكي لا تتأثر بأي كان ولا تطع أيا كان خاصة غافلي القلوب.

 

استنادا على ما سبق ذكره لك الخيار أيها الإنسان..أن تختار مع من تتعايش ومع أي صحبة تكون وهذا ينطبق عليك وعلى أطفالك..

واعلم بأنك أولا وأخيرا صاحب القرار و"أنت جدير أن تكون مسئولا" فالإسقاطات لا تفيد ومواجهة النفس أفضل " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " ومن شاء فليتبع ومن شاء تخلى...ولكن ليتحمل الإنسان نتيجة اختياره. 

بقلم صليحة الطالب.