قصة نجاح جيمي ويلز مؤسس ويكيبيديا
مَن يُحقِّق الطفرات في حياته وحياة الآخرين هو إنسانٌ آمن بقدراته وأفكاره مهما بدت غريبة، وتحدَّى الصعوبات مهما عَظُمت، وقدَّس رغبته بشيءٍ مها بدا أنَّه مستحيل التحقيق، وسعى إلى إضافة القيمة إلى حياة الآخرين مهما بدت إمكانياته بسيطةً ومتواضعة.
سنتعرَّف من خلال هذا المقال على قصة نجاح شخصٍ صنع طفرةً في العالم وهو "جيمي ويلز" مؤسس الموسوعة الحرة ويكيبيديا.
من هو "جيمي ويلز" مؤسس ويكيبيديا؟
جيمي ويلز هو رجل أعمالٍ أمريكيٍّ مُبادِرٍ على الإنترنت، وشريكٍ في إنشاء ويكيبيديا؛ وهي موسوعةٌ غير ربحيةٍ عبر الإنترنت. صُنِّفت ويكيبيديا في عام 2013 على أنَّها الموقع السادس الأكثر زيارةً على هذا الكوكب، واكتسبت ويكيبيديا في عام 2010 أكثر من 365 مليون زائرٍ فريد، وتُستَخدَم بانتظامٍ من قبل 500 مليون مُستخدِمٍ حول العالم، حيث أحدثت ثورةً في مشاركة المعرفة الرقمية التي كانت السبب وراء نجاحها الهائل؛ وقد كان "جيمي ويلز" السبب وراء صعود ويكيبيديا إلى ظاهرةٍ عالمية.
نشأة جيمي ويلز:
وُلِد "جيمي ويلز" في 7 أغسطس 1966 في هانتسفيل - ألاباما، وبدأ تعليمه الخاصَّ مع أشقائه الثلاثة في مدرسة المنزل المكوَّنة من غرفةٍ واحدةٍ بإدارة والدته وجدته، وكان والده مدير متجرٍ للبقالة.
حصل "جيمي" على درجة البكالوريوس في التمويل من جامعة أوبرن، ومن ثمَّ انتقل إلى برنامج الدكتوراه في جامعة ألاباما.
لم يكن راضياً عن طرائق البحث الأكاديمي التقليديَّة، وكان لديه منذ تجربته في مدرسة العائلة فكرةٌ من شأنها أن تُغيِّر العالم، وأخيراً جعل الإنترنت هذه الفكرة حقيقة واقعة.
الحياة العملية لجيمي ويلز وتأسيس ويكيبيديا:
تولَّى "جيمي ويلز" في عام 1994 وظيفةً في شركةٍ تجاريةٍ تسمَّى "Chicago Options Associates"، وكان يقضي وقت فراغه في استكشاف الإنترنت وكتابة برامج الحاسوب. وعلى الرغم من الأداء الجيد في شركته المالية والآفاق التي تبدو مُشرقةً فيها؛ استقال "جيمي" من أجل إنشاء شركة إنترنتٍ خاصةٍ به، حيث سعى إلى جعل مشاركة المعرفة على الإنترنت حقيقةً واقعة، وكانت هذه خطوته الأولى نحو الهدف.
بدأ "جيمي" بشركةٍ تسمَّى "Bomis" مع اثنين من شركائه، وكان هذا موقعاً خاصاً لدعم اهتمامات الذكور، وانتهى الأمر بالسماح لمواد غير أخلاقيةٍ في الظهور على الموقع لفترةٍ من الزمن، حيث كان "ويلز" يتطلَّع إلى بدء مشروعه الحلم، وكان يحتاج إلى المال من أجل تمويله بشكلٍ مستقل. ساعد هذا الموقع "ويلز" في الحصول على الأموال وتمويل مشروع حلمه.
بدأ بفكرة امتلاك بوابةٍ إلكترونية، حيث يحمِّل الناس المحتوى ويحرِّرها الخبراء؛ لذلك بدأ بموقع "Nupedia" الذي يهدف إلى توفير جودة المحتوى المجانية، والتي تساوي في مستواها الموسوعات المهنية الموجودة في السوق. وبدأ يتطوَّع الكثير من الأشخاص حول العالم لكتابة المقالات، لكنَّهم توقَّفوا بشكلٍ كبيرٍ عندما استغرق الخبراء الذين يُراجِعون المقالات الكثير من الوقت لإجراء التعديلات.
أدرك "ويلز" فشل النموذج؛ لأنَّ شخصاً واحداً فقط كان قادراً على تقديم مقال، ويتمكَّن محررٌ واحدٌ فقط من تحريره؛ ممَّا يجعل العملية طويلةً جداً، وبالتالي تُعِيق نموّ بوابة الويب هذه. وسرعان ما توصَّل ويلز وفريقه إلى فكرة السَّماح بعددٍ أقصى من عمليات الإرسال لموضوعٍ واحد، والسماح أيضاً لأيِّ مستخدمٍ بإجراء التعديل؛ لكنَّهم تردَّدوا في جودة المحتوى الذي سينتج عن ذلك.
أدرك "ويلز" وفريقه أنَّ العثور على الأخطاء في المقال سهلٌ للغاية، ولكنَّ عملية جمع المعلومات أكثر أهميَّةً وصعوبة؛ لذلك بدأ "ويلز" مشروع ويكيبيديا على أمل أن تكون بوابةً يتراكم فيها مزيدٌ من المعلومات، وأُطلِقت في عام 2001 بعد مرورها على العديد من الاختبارات التقنية والمفاهيمية، وكان ويلز غارقاً في الاستجابة التي تلقَّاها في الموقع، حيث كانت أكبر بكثيرٍ ممَّا توقَّعه هو وفريقه.
لقد حقَّقت ويكيبيديا نجاحاً كبيراً في وقتٍ قصير، ومع مجموعةٍ صغيرةٍ من المُحرِّرين للتأكُّد من تصحيح الحقائق بانتظام، ونمت خلال 10 سنواتٍ بسرعةٍ فائقة، وأصبحت أكبر موسوعة إنترنتٍ في العالم، وقد حَرِص "ويلز" على جمع كلِّ المعرفة البشرية وجعلها مجانيَّةً لأيِّ باحثٍ في العالم، وبدون أيِّ إعلاناتٍ أو دعاياتٍ أو أغراضٍ تجارية، كيلا يجعل المعرفة تحت رحمة أيِّ شركةٍ أو وكالةٍ إعلانية. وأطلق في عام 2012 مشروعاً اسمه "ويكيبيديا صفر" (Wikipedia Zero) ليتمكَّن الفقراء في العالم الذين لا يستطيعون الدفع مقابل باقة الإنترنت، من الوصول المجاني لويكيبيديا من شركات الموبايل، وساعدت موسوعة "ويكيبيديا صفر" (Wikipedia Zero) أكثر من 400 مليون إنسانٍ في خط الفقر أو دونه بالحصول على المعرفة والثقافة مجاناً، ولكنّ المشروع تمّ إيقافه في عام 2018.
وصفة نجاح جيمي ويلز (أشهر أقوال جيمي ويلز):
- قال "جيمي ويلز" عندما سُئِل عن سِّر نجاحه: "كان فشل جيمي ويلز السبب في نجاحه"، حيث تسلسل في الكثير من الأعمال التجارية، من طلب الطعام عبر الإنترنت إلى محرك البحث، ومن ثمَّ الموسوعة الأولية عبر الإنترنت Nupedia، والتي فشلت في الإقلاع.
- يقول ويلز: "أنفقتُ حوالي 250 ألف دولارٍ على المقالات الاثنتي عشرة الأوائل، وأُبقِيها مطبوعةً بجانب سريري، وأقرؤها كلَّ يوم، وأقول بأنَّني سأحصل في يومٍ ما على قيمة أموالي. لقد كانت فكرة عملٍ فاشلةٍ ولم ينجح الأمر، وبعد ذلك كان لديَّ فكرةٌ غبيَّةٌ حقاً؛ موسوعةٌ مجانيةٌ للجميع، وما عليكَ إلَّا فتح الموقع والسماح لأيِّ شخصٍ بالذَّهاب وتعديله، ولا توجد إعلاناتٌ ولا خطة عملٍ معقولةٍ من أيِّ نوع". وتستمر الفكرة لتصبح الموقع الخامس الأكثر زيارةً في العالم، وتُغيِّر وجه المعرفة البشرية إلى يومنا هذا.
- يقول ويلز: "إنَّ قصص النجاح التي تسمع عنها في ريادة الأعمال، وأشهرها حالياً قصة "مارك زوكربيرغ"، تأخذ منحنى نموٍّ سريعاً للغاية، دون أيِّ عوائق على طول الطريق؛ لكنَّ الحقيقة أنَّ هذه ليست الطريقة التي يعمل بها معظم رجال الأعمال، فيعدُّ وجود الكثير من الفشل الحالة الطبيعية لسلوك طريق ريادة الأعمال، وعلى الشباب أن يعوا ذلك".
- ذكر "ويلز" أنَّ من أكثر التحديات التي تواجه الأعمال التجارية هيمنة العنصر الذكوري فيها، حيث أنَّ 85% من المساهمين لديهم هم من الذكور، وهذا يؤدِّي إلى بعض التحيُّز في المحتوى، وتشير دراسةٌ أكاديميةٌ إلى أنَّ تغطيتهم للمؤلفات النسائية ليست جيدةً مثل الروائيين الذكور.
- ويقول "ويلز": "يجب أن نجعل الطلَّاب مُهتمِّين بموضوعاتِ العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. درستُ الرياضيات والتمويل، ممَّا أعطاني منصَّةً قويَّةً للانتقال إلى التكنولوجيا والبدء بـ ويكيبيديا".
- قال "ويلز" بخصوص دوافعه في إنشاء ويكيبيديا: "تخيَّل عالماً يحصل فيه كلُّ فردٍ على هذا الكوكب على حريَّة الوصول إلى مجموع المعرفة البشرية".
- تمتلك ويكيبيديا اليوم أكثر من 54 مليون مقالٍ مكتوب بـ 314 لغة، وهي مجانيةٌ تماماً. حقَّق "ويلز" شيئاً أكبر من الثروة، وذلك بدءاً من كسب المال عن طريق إدارة موقعٍ غير أخلاقيٍّ إلى إدارة أكبر مركزٍ للمعرفة في العالم.
- تعدُّ ويكيبيديا واحدةً من أهمِّ موارد الإنترنت التي تجعل التعليم المنزلي مُمكناً للملايين في جميع أنحاء العالم، حيث كان التعليم مقتصراً على القنوات التقليديَّة، ولكن بفضل مشاركة المعلومات من خلال الموسوعات على الإنترنت، ومقاطع الفيديو التعليمية، وبرامج المدارس الإلكترونية؛ يستخدم المُعلِّمون المنزليون موارد أكثر تنوعاً من الفصول الدراسية التقليدية. ويعدُّ "ويلز" أحد آباء التعليم المنزلي الحديث، حيث فتح "التعليم غير المدرسي" الذي تلقَّاه أطفاله الصغار مستقبلاً لمنصات التعليم المنزلي في أمريكا وفي جميع أنحاء العالم، حيث تُقدِّم ويكيبيديا مواردها التعليمية بأكثر من 300 لغة.
- شارك "ويلز" في التأسيس للشركة الربحية "ويكيا إنك" (Wikia Inc) مع "أنجيلا بيسلي"، تعتبر "ويكيا" (Wikia) مزرعة "ويكي" (wiki)؛ مجموعةٌ من الويكي الفردي حول مواضيع مختلفة وكلُّها مُستضافةٌ على الموقع نفسه - الويكي مجموعةٌ من صفحات ويب المُصمَّمة لتمكين أيِّ شخصٍ من الوصول إليها للمساهمة أو تعديل المحتوى.
إنجازات جيمي ويلز:
- طوَّر "ويلز" كجزءٍ من عمله في "ويكيا إنك" (Wikia Inc) محرِّك بحثٍ مدعوماً من الإنسان سماه "Search Wikia"، والذي سيعتمد على المبادئ المُنفتحة والشفافة نفسها التي يقودها المجتمع من "ويكيا" (Wikia) و"ويكيبيديا" (Wikipedia).
- ساعد نجاح مشروع ويكيبيديا في تعميم توجه في تطوير الويب يُدعَى "ويب 2.0" (Web 2.0)، يهدف إلى تسهيل الإبداع والتعاون والمشاركة بين المستخدمين. ومع توسُّع ويكيبيديا وتنمية ملفِّها العام؛ تولَّى السيد "ويلز" دور المُتحدِّث باسم المشروع والمروِّج له، وذلك من خلال الارتباطات الحوارية والمظاهر الإعلامية، واختارته مجلة تايم في عام 2006 كواحدٍ من أكثر 100 شخصيةٍ مؤثِّرةٍ في فئة العلماء والمفكِّرين.
- اعترف المنتدى الاقتصادي العالمي بـ "ويلز" كواحدٍ من "القادة العالميين الشباب" لعام 2007، وتعترف هذه الجائزة المرموقة بأفضل 250 قائداً شاباً في جميع أنحاء العالم، لإنجازاتهم المهنية والتزامهم تجاه المجتمع، وقدرتهم على المساهمة في تشكيل مستقبل العالم.
- السيد "ويلز" عضوٌ في مركز "بيركمان" للإنترنت والمجتمع في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وهو يعمل في مجلس إدارة Social text، ومزوِّدٌ لتكنولوجيا الويكي للشركات والمنظمات غير الربحية Creative Common، وحصل "ويلز" على دكتوراه فخريةٍ من كلية Knox في إيلينويز، وحصل على جائزة Pioneer من مؤسسة Electronic Frontier Foundation في عام 2006.
الخلاصة:
كان باستطاعة "ويلز" أن يحصد المليارات من خلال منصته "ويكيبيديا" (Wikipedia) لو أنَّه سمح لقطاع صناعة الإعلانات باستخدامها، لكنَّه اتَّبع مبدأً في حياته وغايةً مُثلَى لنشر المعرفة وجعلِها مُتاحةً ومجانيَّةً لأيِّ باحثٍ في العالم وللأبد، وذلك من دون التخطيط لأهداف تجاريَّة.
يستحقُّ هكذا إنسانٌ الكثير من الاحترام والتقدير، وتستحق مبادرته الكثير من الوقوف والتمعن.