قصة نجاح أنيتا روديك مؤسسة علامة ذا بودي شوب The Body Shop

أنيتا روديك هي سيدة أعمال بريطانيّة، وناشطة في مجال حقوق الإنسان والبيئة، وهي التي أسّست علامة ذي بودي شوب The Body Shop الشهيرة في إنتاج منتجات العناية البشرة والجسم، وتعتبر هذهِ السيدة إمرأة ذات مواصفات خاصة لنجاحها في تأسيس المشاريع العملاقة بالرغم من أنّها لم تتعلّم عالم الأعمال والمشاريع عن طريق الكتب والدراسة، إنّما عن طريق الدخول المباشر في عالم الأعمال والتعلّم من خلال التجربة والخطأ، فيما يلي سنُسلط الضوء على قصة نجاح وحياة أنيتا روديك مؤسسة علامة ذا بودي شوب العالميّة.



أولًا: الميلاد والتعليم

ولدت أنيتا روديك في عام 1942م كإبنة ثالثة من أربعة لأبوين إيطاليين هاجرا إلى ليتل هامبتون في إنجلترا، وكانت أمها ككثير من السيدات الإيطاليات المكافحات تدير مقهى صغيرًا، وقد عملت أنيتا بعد أوقات الدراسة في هذا المقهى لعدة سنوات، وبسبب ظروف الحرب العالمية، تعلّمت أنيتا من أمها عدم التخلّص من أي شيء يمكن إعادة استخدامه.

وفي سنّ الثمانية من عمر أنيتا تطلّق والديها وتزوجت أمها من رجل آخر، ولكنّه توفي بعد مرور سنتين من هذا الزواج،  كانت أنيتا عندها قد بلغت العشر سنوات، وأكملت دراستها الابتدائيّة والإعداديّة والثانويّة بنجاح، وكانت مولعة بالقراءة، التحقت أنيتا بكليّة الآداب وتخرّجت بعد أن حصلت على شهادة في التربية والتعليم في اللغة الإنجليزيّة والتاريخ.

ثانيًا: المجالات والمهن التي عملت بها

عملت أنيتا روديك في العديد من المهن والوظائف البسيطة جدًا، ففي بداياتها عملت في مهنة التعليم، وعُرض عليها بعدها منحة دراسيّة خارج بلدها ولكنها لم تستمر فيها إلّا لفترةٍ قصيرة، حيث طُردت بعد مرور ثلاثة أشهر فقط لأنّها كانت تحبّ المزاح واللهو كثيرًا، وهذا ما لم يُعجب المدير الخاص الذي أمر بفصلها وطردها مباشرةً من العمل.

وتقول أنيتا بأنّ هذا الطرد لم يؤثر عليها بشكلٍ سلبي على الإطلاق، حيث أنّها تابعت البحث عن عمل آخر، فكانت مثلًا تبيع الجرائد في باريس، وعملت كذلك في مجال التعليم في أنجلترا وأمريكا، ونجحت في توفير المال الذي سمح لها بأن تسافر إلى العديد من البلدان مثل تاهيتي، استراليا، مدغشقر، موريشيوس، وجنوب إفريقيا.

وفي جنوب إفريقيا عملت في مهنة التدريس لكنّها تعرّضت للمرة الثانية للطرد نتيجة اختراقها للقوانين والأنظمة، حيث أّنها ذهبت إلى نادي غنائي خاص للسود، وهذا يُعتبرُ ذو قوانين عنصريّة في جنوب إفريقيا، وهذا التصرف الخاطئ عرّضها ليس فقط للطرد من الوظيفة وإنّما بترحيلها من البلد وذهابها إلى بلدها للمرة الثانيّة. وعن حادثة الطرد هذهِ تقول أنيتا في سيرتها الذاتيّة: (أنت تغيّر قيمك حين تغيّر مبادئك، فحين تقضي ستة أشهر مع أناس يفركون جلودهم بزبدة الكاكاو كل يوم، ويغسلون شعرهم كل يوم بالطين، ثم تجد أنّ هذه الأمور تجدي فعلًا وتأتي بالطيب من النتائج، فأنت حتمًا ستوقف كل معتقداتك السابقة، وإذا كنت مثلي، ستنمي حبًا جارفًا تجاه عِلم الأنثربولوجي) ويُقصد بهذا العلم علم الأجناس البشريّة.


اقرأ أيضاً:
6 دروس يجب أن تتعلمها من الفشل


ثالثًا: زواج أنيتا روديك

تعرّفت أنيتا على زوجها عن طريق أمها وهو جوردون روديك، الشاب والشاعر والرحالة الإسكتلندي الصغير، الذي أحبّته وتزوجته وحملت اسمه طوال حياتها، وهو الذي رافقها في رحلة كفاحها وعملها، ومعًا قاموا بتأسيس أوّل مشروع خاص لهما حيث فتحت مطعمًا وبعدها بفترةٍ قصيرة افتتحوا فندقًا متواضعًا يتكون من ثماني غرف، وهذا المشروع تطلّب منهما متابعةً شديدة وجهودًا كبيرة ممّا جعلهما يشعران بالضيق نتيجة عدم قدرتهم على العناية بطفلتهم الصغيرة، لهذا قرروا إغلاق المطعم.

وبعدها سافر الزوج الرحال بموافقة أنيتا ليُحقق حلمه بامتطاء ظهر حصان من مدينة بيونس آيرس في الأرجنتين إلى مدينة نيويورك الأمريكيّة.

أنجبت أنيتا من زوجها طفلتين هما سام وجاستين، ولكن وللأسف الشديد خلال ولادتها لطفلتها الصغيرة جاستين سنة 1971 احتاجت إلى نقل دم خلال عملية الولادة، وبعد فترة قصيرة تبيّن أنّ هذا الدّم الذي نُقل إليها ملوث بفيروس الإلتهاب الكبدي من نوع سي والذي تسبب لأنيتا بأمراض في الكبد وصلت خطورتها إلى تشمّع الكبد بشكلٍ تام ومُميت.

رابعًا: فكرة وبداية تأسيس مشروع علامة ذا بودي شوب

بعد أن أغلقت أنيتا مشروع المطعم والفندق قررت العمل في مجال لا يشغلها عن متابعة أمور بناتها وتربيتهم بشكلٍ جيد، وهذا ما دفعها سنة 1976 لافتتاح محل لبيع مواد التجميل المصنوعة من المواد الطبيعيّة، ولأنّها شبه مُعدمة قررت صنع مواد التجميل هذه من أي خامة سبق وخزنتها والتي جمعتها خلال أسفارها الكثيرة، وهي غالبًا ما كانت مواد استعملتها النسوة اللاتي قابلتهن في أسفارها في شعائرهن القبلية للتطهّر والتزيّن.   

وجاء موقع المحل الأول في مدينة برايتون بجانب دار جنازات، وكان عدد أصناف البضاعة المعروضة للبيع وقتها 15 صنفًا، وموّلت أنيتا ثمن هذه المغامرة التجارية برهنها لفندقها الصغير مقابل قرض قدره 6500 دولار.

ولعبت الأقدار دورًا مهمًا في مساعدة أنيتا على النجاح في هذا العمل، ففي الوقت الذي كانت تُروّج فيه للمواد التجميليّة المصنوعة من الطبيعة، كانت الدول الأوروبيّة تصحو صحوة اجتماعيّة تدعو لترك المواد الصناعيّة والاعتماد على المواد الطبيعيّة، وهنا فكرّت أنيتا بطلاء جدران محلها باللون الأخضر، وهو اللون الأساسي الذي اختارته هذه الحركة الصحويّة التي دعت للعودة إلى الطبيعة، وفي هذهِ الفترة قررت أنيتا أيضًا إعادة استخدام العلب البلاستيكيّة المستعملة وذلك للتقليل من التكاليف، وليست بنيّة التدوير لحماية البيئة.

خامسًا: التوسّع والحصول على حق الإمتياز

بدأت شهرة أنيتا تذيع وبدأ الناس يتعرفون أكثر على مشروع ومحل ذا بودي شوب وهذا ما دفعها إلى توسيع نشاطها وافتتاح محلها الثاني، إلّا أنّ البنك لم يمنحها القرض المطلوب لفتح هذا المشروع ممّا دفعها إلى مراسلة زوجها لتطلب الأذن منه لبيع نصف شركتها لصاحب محطة إعادة تمويل الوقود مقابل تمويل تكاليف المحل الثاني، وبعد مرور عدة أشهر كانت أنيتا قد افتتحت محلها الثاني وعاد زوجها من السفر سنة 1977 وشاركها هذا المشروع.

وبعد مرور عدة أشهر ازدادت نجاحات أنيتا في جميع أنحاء البلاد، وازداد تفاعل المشترين، حتى أنّ بعض المحلات التجارية المختصّة بالتجميل طلبت من أنيتا أن تسهم لهم ببيع منتجاتها الطبيعيّة في محلاتهم على هيئة فروع تحمل نفس الإسم.

حتى تلك الفترة كانت طريقة إدارة أي شركة لفروعها الكثيرة تعتمد على أفراد العائلة والأصدقاء، ولم يكن مصطلح منح حق الامتياز، بل يمكن الإدعاء بأنّ زوجها جوردون ابتدعه، وكان المبدأ بسيطًا، فهم لم يطلبوا مقابلًا ماديًا لاستخدام الاسم التجاري، بل قدّما التمويل اللازم لافتتاح كل فرع، مقابل استخدام اسم المحل ومنتجاتهِ، و قامت أنيتا بعمل مقابلات شخصية لكل من أراد الحصول على حق الامتياز لفتح فروع تحمل اسم محلاتها، وهي كانت تطرح أسئلة مثل: ما اسم زهرتك المفضلة، كيف تريد أن تموت، وذلك من أجل أن نجاحها لم يأتِ بسهولة بل من قصة كفاح طويلة ولاتريد أن تعطي حق الامتياز لشخص هدفه الربح فقط، ولذا لا عجب أنّ أكثر من نجحوا في الحصول على هذا الامتياز كان من النساء.

وفي سنة 1984 وصل عدد محلات ذا بودي شوب إلى أكثر من 2000 محل، يقومون بخدمة 80 مليون شخص في أكثر من 50 بلد، ووقتها قامت أنيتا بطرح أسهم شركتها في البورصة الأمر الذي جعل ثروتها تفوق ال200 مليون دولار.

سادسًا: إنسانيّة أنيتا ووفاتها

كان حلم أنيتا منذ صغرها أنّها لا تريد الموت وهي غنيّة، وأنّها تريد رد الظلم والاضطهاد في العالم، لهذا قررت سنة 2005 التبرع بجميع ثروتها التي جمعتها على مدار حياتها لرفع الظلم والاضطهاد عن البشر في كافة أنحاء العالم.

وفي سنة 2007، وبالتحديد في 10 سبتمر توفيت أنيتا في مدينة شيشستر في أنجلترا.

كما رأيت عزيزي، فإنّ أنيتا روديك واجهت في حياتها العديد من محطات الفشل ولكنها لم تستسلم ولم تشعر بالضعف، وتابعت طريقها إلى أن وصلت لكل هذا النجاح والشهرة في العالم.

 

المصادر:




مقالات مرتبطة