قصة نجاح أسد البحار جاك سعادة مؤسس شركة الحاويات CMA CGM
"أنا أعمل يومياً 18 ساعة منذ ثلاثين عاماً، وأؤمن بأنَّ حياة الإنسان تقاس بالزمن الذي يقضيه بالعمل ومحاولة إيجاد الحلول لمشاكل الحياة على كافة الأصعدة، وأتفهم أنَّ الكمال في العمل هو من المحال، ولكنَّني على يقين أنَّ الأهمية تكمن في أن نعمل كل ما يمكن لأن يكون عملنا أقرب إلى الكمال، في فرنسا بدأنا بالملاحة، وأنا أول من ذهب للباب الصيني، فبدأنا بالشحن من الصين إلى فرنسا".
هذا ما قاله أسد البحار وملكها جاك سعادة، ولكن كيف استطاع سعادة أن يبني أسطوله العظيم، وأن يخط قصة نجاحه؟ هذا ما سنقدمه لكم في هذا المقال، فتابعوا معنا في السطور القليلة التالية.
ولادة جاك سعاده ونشأته وتحصيله العلمي:
ولد جاك سعادة في بيروت في الجمهورية اللبنانية، وذلك بتاريخ 7 فبراير من العام 1937 ميلادي، وهو ابن العائلة السورية التي هاجرت من مدينة اللاذقية السورية إلى لبنان خلال فترة الاحتلال الفرنسي لكلٍّ من سوريا ولبنان.
درس جميع المراحل الدراسية في بيروت، ثم سافر إلى لندن لدراسة الاقتصاد وتخرج من كلية لندن للاقتصاد حاصلاً على شهادة البكالوريوس في العام 1957 ميلادي، وبعد ذلك سافر سعادة إلى مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية للتعرف على مجال الشحن.
الحياة العملية والمهنية:
بعد وفاة والد جاك سعادة في العام 1957 ميلادي، استلم إدارة أعمال والده الذي كان يدير شركات في سوريا، وكانت هذه الشركات تختص بإنتاج التبغ وزيت الزيتون، وبذور القطن والمثلجات وغيرها من المشاريع التي كان يستثمرها ويديرها الأب، وفي العام 1978 ميلادي وبعد الحرب الأهلية اللبنانية انتقل سعادة إلى مدينة مرسيليا في فرنسا وقرر أن ينشىء شركته الجديدة CMA مع شقيقه جوني، وذلك في 13 من شهر سبتمبر من العام ذاته، وكان عدد الموظفين العاملين معه في هذه الشركة أربعة فقط ويمتلك سفينة واحدة.
كانت خدمات هذه الشركة في البداية مقتصرةً على تشغيل خدمات ما بين مرسيليا وسوريا ولبنان، وبعد ذلك حدث ما لم يكن بالحُسبان، وبدأت التوترات العائلية تظهر بين جاك وشقيقه جوني، والتي انتهت بأن تولى جاك قيادة الشركة بمفرده، وتمكن من قيادتها بنجاحٍ باهر؛ ففي عام 1983 ميلادي قام جاك بتوسيع نشاط الشركة والشحن حيث مدد خطوط الشركة إلى ميناء قابوس في خليج عُمان، كما عبرت سفنه قناة السويس، ولم يتوقف عند ذلك؛ ففي العام 1986 ميلادي اتخذ سعادة قراراً بتمديد خطوط الشحن التابعة لهيئة السوق المالية لتشمل كافة دول آسيا بما فيها اليابان، وفي العام 1992 ميلادي سافر سعادة إلى الصين وافتتح أول مكتب إقليمي لشركته في مدينة شنغهاي، وكلف جون وانغ وهو أستاذ في جامعة شنغهاي البحرية بتطوير الشركة وأعمالها في دول آسيا.
تمكن جاك من تعزيز وجود الشركة في الأسواق الرئيسة وذلك من خلال النمو الداخلي القوي، والاستحواذات الاستيراتيجية، فقد تمكن من الاستحواذ على شركة CGM وذلك في العام 1996 ميلادي، وفي العام 1998 ميلادي تم الاستحواذ على شركة ANL، وشركة دلماس "Delmas" في العام 2005 ميلادي.
وفي العام 2006 ميلادي تمكنت شركة CMA من أن تصبح ثالث أكبر مجموعة شحن للحاويات في العالم، وفي هذا العام قام جاك بتشييد برج "CMA CGM" كمقر جديد للمجموعة، وذلك بهدف إرساء أواصر العلاقة القوية مع مدينة مرسيليا؛ ويصل ارتفاع البرج إلى نحو 147 متراً ومكون من 33 طابقاً، وقامت بتصميمه المعمارية زها حديد، ويعمل في هذا البرج 2400 موظفاً.
كان جاك يعمل بشكلٍ دائم ويبذل الجهود المستمرة لتعزيز الروابط بين فرنسا ولبنان، وفي شهر يونيو من العام 2013 ميلادي، التقى سعادة برئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك "فرانسوا هولاند" الذي قام بافتتاح أحد مشاريع الشركة الجديدة، ولم يكن هذا اللقاء هو اللقاء الوحيد بل التقى به ثانيةً في العام 2015 ميلادي لافتتاح مشروعٍ آخر للشركة في ميناء لوهافر.
ومن الجدير بالذكر هنا أنَّه وفي ذروة الأزمة المالية في عام 2009 تأثرت صناعة الشحن بقوة، واقترح عليه أبناؤه بيع الشركة وألحوا في طلبهم هذا، ولكنَّه رفض بشدة، وذلك لقناعته المطلقة بأنَّ قطاع نقل الحاويات سوف يتحسن وينتعش.
وفي العام 2012 ميلادي وصل عدد أسطول الشركة نحو 414 سفينة، تخدم أكثر من 400 ميناء في مختلف أنحاء العالم، ووصل عدد وكالاتها نحو 650 وكالة متوزعة في 150 دولة حول العالم، يعمل بها 18 ألف موظف؛ بينهم 4700 موظفاً في فرنسا وحدها، ووصلت إيراداتها في هذا العام نحو 15.9 مليار دولار أمريكي.
في العام 2017 ميلادي عيَّن جاك ابنه رودولف سعادة في منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة "CMA CGM" ثم عيَّنه رئيساً لمجلس الإدارة في 24 فبراير من العام نفسه.
الأوسمة والتكريمات التي حصل عليها جاك سعادة:
- حصل على أحد الأوسمة في مدينة هامبورغ الألمانية وهو وسام "Admiralitäts-Portugaleser" وذلك في العام 2013 ميلادي.
- حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في لبنان.
- حصل على وسام الأَرْز القومي اللبناني.
- حصل على جائزة اتحاد غرف التجارة والصناعة المتوسطية ASCAME وذلك لدوره في تحفيز التنمية الاقتصادية ونقل صورة إيجابية عن حوض البحر الأبيض المتوسط وتعزيز السلام والتسامح في جميع أنحاء العالم.
- حصل على لقب قائد فيلق الشرف الفرنسي (Commandeur de la Légion d'Honneur) من قِبل الرئيس الفرنسي وذلك في العام 2015 ميلادي.
- حصل على وسام الاستحقاق البحري الفرنسي وذلك في العام 2016 ميلادي.
حياة جاك سعادة الشخصية:
تزوج جاك سعادة من السيدة نايلة سعادة وأنجب منها ولدين وابنة (تانيا، ورودولف، وجاك جونيور)، ولديه عدد من الأحفاد وهم: (كارل أنطوان، وإيستيل، وليزا ماري، وجاك وغبريال)، كان جاك مرتبطاً عاطفياً ارتباطاً كبيراً مع مدينته السورية اللاذقية، لدرجة أنَّ السوريين لقبوه بأسد البحار السوري، توفي جاك سعادة في 24 يونيو من العام 2018 ميلادي.