قتل الطفلة جوى جريمة هزت الإنسانية: ما هي بواعث قتل الأطفال بدم بارد؟

شغلت قصة قتل الطفلة "جوى" المجتمع السوري خلال الأسابيع الماضية، وتناقل الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي أخبار الجريمة، ويرون أنَّ قتل الطفلة "جوى" جريمة هزت الإنسانية جمعاء متسائلين عن بواعث قتل الأطفال بدم بارد، وقد فتحت جريمة قتل الطفلة "جوى" باب التساؤلات على مصراعيه، فما هي الأسباب التي تُجرِّد أي إنسان من إنسانيته وتحوله إلى وحش حقيقي يتصرف مدفوعاً بغرائزه ورغباته دون شفقة ولا رحمة؟ وهل هذه تبعات الحرب؟ وهل "جوى" الضحية الطفلة الوحيدة التي لاقت هذا المصير والنهاية الوحشية؟



في الحقيقة الإجابة هي "لا"، فليست "جوى" إلا واحدةً من عشرات الأطفال حول العالم الذين يلاقون مصيرهم بهذه الوحشية كل يوم، ويغادرون العالم ويتركون الدهشة مرسومةً على وجهونا والكثير من الأسئلة تنهش عقولنا، فجرائم قتل الأطفال والبواعث النفسية لقتلهم بدم بارد موضوع مقالنا لهذا اليوم، فإن كنت صاحب قلب ضعيف فلا تتابع القراءة.

أولاً: بعض جرائم القتل التي ارتُكبت بحق الأطفال حول العالم

قد تستغرب حقيقةً وتشكك في كون هذه الجرائم واقعية وليست من صنع كاتب سيناريو مهووس، وقد ترجِّح أنَّها من نسج الخيال ولم تحدث على أرض الواقع، لكن للأسف هذه الجرائم بحق الأطفال حدثت وتمَّ توثيقها، كما أنَّها سببت الكثير من الخوف والقلق ونشرت الذعر ليس في المدن التي حدثت بها فقط؛ بل في العالم أجمع، وسنذكر لكم فيما يأتي عدداً من جرائم القتل التي ارتُكبت بحق الأطفال وهزت الإنسانية في العالم كله:

  • خُطفت الطفلة "جوى اسطنبولي" من محافظة "حمص" التي لم تتجاوز بعد الأربع سنوات من أمام باب منزلها لتشغل الرأي العام العربي كله وليس السوري فقط، وبعد أيام عدة تم العثور على جثة الطفلة في إحدى حاويات القمامة في المدينة، وقد وصلت التحقيقات إلى المجرم الذي يقطن في الحي نفسه، وعلى الملأ قام بالاعتراف بجريمته الشنعاء وروى تفاصيل قتله للطفلة بكل وحشية.

أثار هذا غضب العالم كله وأدى إلى آلاف الأسئلة المتعلقة بكمية الشر الموجود لدى البشر، فكيف يعقل أن يقوم إنسان بمثل تلك الجريمة؟ وهل الاضطرابات النفسية والظروف الاجتماعية والضيق المادي وغيرها من العوامل يمكن بحال من الأحوال أن تبرر مثل هذا الفعل الوحشي؟

  • قام أحد المستأجرين عند عائلة بريطانية في عام 1973 في مدينة "ويستر" التابعة لمقاطعة "ويستيشر" البريطانية بقتل ثلاثة أطفال، ثم قام بالتمثيل بجثثهم، وقد أثارت هذه الجريمة استغراب أهل الأطفال؛ وذلك لأنَّ المستأجر اعتاد على مجالسة الأطفال في بعض الأوقات في أثناء فترة غياب الوالدين في العمل.

دمرت هذه الجريمة تلك العائلة ونشرت الذعر والخوف في أرجاء المدينة، ففي اليوم 13 من شهر نيسان/ أبريل من ذلك العام لم يكن مثل أي يوم عادي يمر بسلام على المدينة؛ إذ كان اليوم الأقسى والأكثر حزناً، فمن استطاع وقتها أن يتخيل انتهاءه بقتل ثلاثة أطفال بطريقة وحشية جداً من بينهم رضيع بعمر تسعة أشهر؟ لم يكشف المجرم عن دوافعه ولم يبح بالأسباب الحقيقية التي دفعته إلى ارتكاب جريمته تلك.

شاهد: 6 نصائح لحماية طفلك من التعرض للتحرش الجنسي

حاولت أم الأطفال الانتحار بعدها مرات عدة وانتقلت من المدينة، فهي كما قالت لم تعد قادرةً على التعايش مع تلك الذكريات المؤلمة، ولم تتمكن أيضاً من الإنجاب بعد تلك الحادثة وانهار زواجها، وحتى الآن ما زالت تلك الجريمة بتفاصيلها القاسية وطريقة القتل الوحشية التي قام بها المجرم تسكن في بال سكان هذه المدينة وتثير حزنهم وألمهم.

  • جريمة قتل الأطفال هذه المرة من "كينيا"؛ فقد هزت هذه الجريمة الرأي العام العالمي، وجعلت أهالي "كينيا" يعيشون رعباً حقيقياً حتى تم إلقاء القبض في نهاية المطاف على المجرم، الذي قتل 10 أطفال لا تتجاوز أعمارهم الـ 13عاماً بعد أن استدرجهم بوعوده لهم في مساعدتهم على دخول عالم كرة القدم على أنَّه لاعب ومدرب لكرة قدم.

كما في أغلب جرائم قتل الأطفال، عجز الأطباء والمتخصصون النفسيون عن معرفة الدوافع الحقيقية لارتكاب هذه الجرائم، فقد وصل الأمر بهذا المجرم إلى شرب دم الأطفال الضحايا.

  • في "العراق" أيضاً هزت قضية الطفلة "دلين" ضمائر العالم، تلك الطفلة التي اختطفها صديق والدها بينما كانت تلعب مع أقربائها وحاول الاعتداء عليها جنسياً، وحين بدأت بالصراخ قام بقتلها مباشرة خوفاً من كشف أمره، فلم تكن "دلين" قد تجاوزت العشر سنوات، وقد عُثر على جثتها مرمية بين الأشجار.
  • في حادثة قتل مروعة قامت أم بإلقاء طفليها من فوق جسر على نهر "دجلة" وسط "بغداد"، وعَدَّ العراقيون أنَّ هذه الجريمة بحق الطفلين لا تُغتفر وستبقى في ذاكرتهم إلى الأبد، وأنَّ اللوم الأول يقع على المجتمع في مثل هذه الجرائم وعلى قلة الوعي وقلة الثقافة التي تدفع أشخاصاً غير مؤهلين للزواج وإنجاب الأطفال.
  • في "العراق" أيضاً جريمة أخرى بحق الطفولة، فقد أقدم رجلان وامرأة على قتل طفل بعمر 13عاماً إثر خلاف مع أسرته بطريقة وحشية؛ إذ أقدم المجرمون على قطع رأسه ورمي جثته في حفرة.

ارتفع معدل قتل الأطفال خلال الأعوام الأخيرة ارتفاعاً كبيراً، فهذه الجرائم التي كان ضحيتها أطفالاً تم قتلهم والاعتداء عليهم والتمثيل بجثثهم عن سابق إصرار وتصميم، وتلك الجرائم التي قمنا بذكرها حقيقةً ليست إلا بعضاً من الأمثلة عن جرائم قتل الأطفال التي تحدث كل يوم حول العالم.

ثانياً: ما هي بواعث قتل الأطفال بدم بارد؟

من الجدير بالذكر أنَّ مقالنا هذا لا يتناول القتل غير المقصود للأطفال كما يحدث في أثناء الحروب أو الكوارث الطبيعية؛ بل يحاول البحث في أسباب وبواعث قتل الأطفال بدم بارد من قِبل المجرم، وتختلف حقيقةً الأسباب التي تدفع الشخص للقتل، فمنها ما يرجع إلى الظروف الاجتماعية، ومنها ما ينتج عن بواعث داخلية ترجع إلى مشكلات الشخص النفسية، ومنها ما يتعلق بالأوضاع المادية والأسرية للمجرم.

سنعرض فيما يأتي بواعث القتل عموماً حسب علم النفس الجنائي التي تنطوي تحتها بواعث قتل الأطفال:

1. بواعث بيئية:

تحدث نتيجةً لها الجرائم التي تحفزها البيئة، وترجع أسبابها إلى عوامل خارجية اجتماعية وبيئية، وغالباً لا يكون المجرم في هذه الحالة مصاباً بأي اضطراب شخصي أو نفسي، ومثال عن هذه الجرائم يمكننا ذكر جرائم قتل الأطفال التي تُرتكب للانتقام من الأهل، كما يحدث مثلاً عندما يُخطف أحد أطفال مسؤول فاسد ويُقتل انتقاماً منه.

2. بواعث ظرفية:

تحدث هذه الجرائم تحت تأثير التوتر والقلق الذي يؤدي إليه ظرف ما، والذي يوصل الشخص إلى الإحساس باليأس والعجز والاكتئاب والغضب، ومثال عن هذه الجرائم يمكن ذكر الجريمة التي قامت بها الأم برمي طفليها في نهر "دجلة"، فقد كشفت التحقيقات أنَّها قامت بذلك لأنَّ المحكمة أعطت حق الحضانة إلى الأب.

3. البواعث الانفعالية:

يقوم بهذه الجرائم أشخاص طائشون وعشوائيون لا هدف لحياتهم وانفعاليون ويسهل انقيادهم وتوجيههم، فلا يمكنك التكهن بردود فعلهم ولا بسلوكاتهم، وما يميز هؤلاء المجرمين عن الذين يرتكبون الجرائم تبعاً لبواعث ظرفية أنَّ سلوكاتهم لا ترتبط بظرف معين؛ بل إنَّ نمط حياتهم يكون بهذه الطريقة؛ إذ تتكرر نشاطاتهم المعادية للمجتمع، وغالباً ما يكونون من أصحاب السوابق.

تُرتكب جرائمهم دون تخطيط مسبق، كما تكون سيئة التنظيم ويسهل كشفها كما حدث في جريمة القتل التي حدثت في "بريطانيا" وتحدثنا عنها آنفاً، فقد ذكر المجرم في اعترافاته أنَّ الطفل استمر بالبكاء دون توقف وهذا ما أثار غضبه وتوتره ودفعه إلى قتله.

شاهد أيضاً: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

4. البواعث الإدراكية:

مثل هذه الجرائم لا يجد فيها المجرم أي تفسير منطقي لسلوكه ولا يعرف دوافعه الحقيقية؛ إذ يشعر المجرم بحالة من الصراع النفسي ولا يكون الحل برأيه إلا بموت الضحية، وعندما ينفذ جريمته يشعر بكثير من الراحة، وفي بعض الأحيان قد ينسى هؤلاء ارتكابهم الجريمة.

5. بواعث قهرية:

في هذه الحالة يكون القتل متعمداً ويقوم به المجرمون بقصد الاستمتاع كما يحدث عند الشخصيات السادية، ويكون القتل عادةً متسلسلاً ومخططاً له كما في جريمة قتل الأطفال في "كينيا" التي تحدثنا عنها والتي ظهرت فيها أفعال شيطانية ووحشية كشرب دم الأطفال الضحايا.

في بعض حالات الجرائم التي تُرتكب بسبب البواعث القهرية قد لا يتم التخطيط لها؛ وإنَّما تكون نتيجة للإصابة بأمراض واضطرابات نفسية أو أمراض عقلية، فمن منا ينسى قيام أم بقتل أطفالها ثم الانتحار بسبب إصابتها باكتئاب ما بعد الولادة؟

إقرأ أيضاً: الوقاية من الأمراض النفسية لدى الأطفال والمراهقين

في الختام:

تُرتكب الجرائم بحق الأطفال يومياً، وفي كثير من الحالات يعاني المجرمون من اضطرابات نفسية أو أمراض عقلية، لكن هل يمكن عَدُّ هذه الأمراض مسوِّغات للقتل؟ وهل يمكن تبرير هذه الجرائم وتخفيف العقوبات بتلك الحجج؟ وهل يستطيع الأهل الذين كانوا في انتظار الكلمات الأولى لأطفالهم أو لحظات تخرجهم من المدرسة أو يخططون بكل بساطة لشراء ملابس جديدة لهم ولم يتصورا للحظة واحدة أنَّ مصيراً أسود في انتظار أطفالهم أن يتقبلوا فكرة تخفيف عقوبة القاتل الذي حوَّل حياتهم إلى كابوس بحجة المرض النفسي؟

إقرأ أيضاً: العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال

في الواقع لا توجد إجابات واضحة لتلك الأسئلة، فالشيء الوحيد الواضح جداً في مثل هذه الحالات هو أنَّ الإنسان القادر على ارتكاب مثل هذه الجرائم والقادر على قتل الأطفال دون أيَّة رحمة هو شخص تجرَّد من إنسانيته وتحول إلى وحش لا يرحم، فهل يستحق هو الرحمة؟




مقالات مرتبطة