فيروس الكورونا أو الخوف: ما الأسوأ؟

لقد فقدت صوابيَّ اليوم، فمنذ شهرٍ تماماً، فَرَضْتُ رأيي العاري عن الصحة على أعزِّ أصدقائي أثناء الدردشة الجماعية اليوميَّة. تعرَّفت على هؤلاء الفتية خلال مرحلة الروضة، لذا كانت جلستنا خالية من الألفاظ المنمَّقة. ناقشت فكرة أنَّ تفشِّي فيروس كورونا ما هي إلَّا حالةٌ من حالات ترويج الشائعات ونشر الخوف والهلع، وهو أسلوبٌ رخيصٌ يهدف إلى زيادة نسبة المبيعات وزيارات المواقع الإلكترونية.



ملاحظة: هذا المقال عبارةٌ عن تجربةٍ شخصيةٍ للمدوِّن "مايكل بيترزاك" (Michael Pietrzak)، والذي يحدِّثنا فيه عن مخاطر الخوف من فيروس كورونا.

"في بادئ الأمر كان من المفترض أن يفْتِك بنا الإيبولا، ثمَّ بعد ذلك أتى السارس، ثمَّ عاد الإيبولا مجدَّداً، ثمَّ كان هناك الميرس في مكانٍ ما أيضاً"، ذلك ما كَتَبْت، وأضفت: "سيُخبرنا العلماء أنَّ الكورونا هي الإنفلونزا الإسبانية التالية التي جاءت في وقتٍ متأخِّر، ثمَّ سيموت الفايروس وننسى أمره فيما بعد". لقد ابْتَكَرْتُ لنفسي مثالاً عن أخطار المعلومات المضلِّلة.

تابع خبراء الصحة العامَّة جهودهم في حثِّ القادة على أخذ هذه المسألة على محمل الجد، لكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يجدر بنا أن نشعر بالقلق؟

هل يجب أن نشعر بالقلق أم لا؟

هذا هو السؤال؛ لذا لا تكترث بالأمر، ولننظر إلى بعض الوقائع.

بينما أكتب هذا الكلام، أصاب كوفيد-19 أكثر من مئةٍ وعشرين ألف، وفتك بأربعة آلافٍ وثلاثمئةِ شخصٍ، في مئةٍ وثلاثين بلداً. لكنَّ الإنفلونزا الموسميَّة التي تَقْتُلُ أكثر من ستمئةٍ وخمسين ألف شخص في مختلف أنحاء العالم كلَّ سنة، هي أمرٌ مثيرٌ للجدل، إذ لا يشعر أحدٌ بالذعر حيال هذا الرقم المرعب.

إذا اخترنا الشعور بالقلق حيال هذه المخاطر الفتَّاكة، ألا يجدر بمرض القلب أن يحتلَّ مركز الصدارة، كونه يَقْتُلُ كلَّ عام ٍستمئةٍ وخمسين ألف شخصٍ في الولايات المتحدة بمفرده؟ كما ويودي السرطان أيضاً بحياة ستمئة ألف سنوياً، وتحتلُّ حوادث السير المرتبة الثالثة. في حين أنَّ كوفيد-19 قد سبَّب وفاة أربعة آلافٍ وثلاثمئة شخصٍ، فهل يجدر بهذا الرقم المأساوي أن يثير هذه الزوبعة الإعلاميَّة العالمية؟

إقرأ أيضاً: أهم الأسئلة حول فيروس كورونا ونصائح للوقاية منه

ما مدى خطورة كوفيد-19؟

صَعَقَ مرض السارس العالم عام 2002، فقد بلغ معدَّل فتك هذا المرض 10%، وتسبَّب بقتل سبعمئةٍ وأربعةٍ وسبعين شخصاً، ولم يتوفَّر اللقاح المناسب له. وأصابت جائحة إنفلونزا الخنازير عام 2009 -في أعلى تقدير- واحداً وعشرين بالمئة من سكَّان العالم، وبالرَّغم من معدَّل الموت المنخفض، فقد قتلت ما يتراوح بين المئة وخمسين ألفٍ، وخمسمئةٍ وخمسٍ وسبعين ألفِ شخصٍ في السنة الأولى التي ظهرت فيها. ما هو وجه المقارنة بينه وبين فيروس كورونا؟ تبذل منظَّمة الصحة العالمية جهوداً لإخبارنا بما يلي: هناك الكثير من الأمور التي نجهلها، وهذا ما نحن على درايةٍ به:

  • ثمانون بالمئة من هؤلاء الذين أصيبوا بالعدوى، قد تماثلوا إلى الشفاء بشكلٍ تامٍ من دون تلقِّي أيِّ نوعٍ خاصٍّ من العلاج.
  • واحدٌ من بين خمسة أشخاص سوف يصاب بالمرض الخطير، وسيحتاج إلى تلقِّي العلاج الطبِّي.
  • لا يبدو هذا المرض ذا تأثيرٍ على أطفالنا (لحسن الحظ).
  • لقد كان مرض السارس مميتاً أكثر، لكن يعدُّ فيروس الكورونا ناقلاً للعدوى بشكلٍ أكبر.
  • بلغ معدَّل وفيَّات كوفيد 19 بين ثلاثةٍ إلى أربعةٍ بالمئة، مقارنةً بمعدَّل الإنفلونزا الموسميَّة البالغ حوالي 0.1 بالمئة.

هل هذا وقت الذعر؟

أعترف أنَّني نقلت جلسات الكتابة الصباحية التي كنت أقوم بها في مقهى ستاربكس إلى المنزل تحسُّباً؛ ذلك لأنَّ مشاهدة امرأةٍ مسنَّةٍ تسعل بشدَّة لمدَّة خمس دقائق في أثناء شرب الكراميل، قد شكَّل لي مشهداً أكثر رعباً من مقابلةً لمدَّة ساعةٍ من الزمن يجريها (جو روجان-Joe Rogan) مع اختصاصيي الوباء. من الممكن أن يكون تجاهل المخاطر المحتملة بشكلٍ كاملٍ لهذا الفايروس أمراً خطيراً، أمَّا بالنسبة إلى البيانات العارية عن الصحة التي صرَّح بها السياسيون حول أنَّ قدوم الحرارة المرتفعة سوف يمنع الفيروس من الانتشار -وهو ليس بالأمر الصحيح- تعدُّ تصريحاتٍ مؤذية. لكن دعنا نقرُّ أنَّ العكس -كالخوف والذعر- يمكن أن يكون الخطرَ الأعظمَ تنامياً في هذه الوضع.

إقرأ أيضاً: فيروس كورونا مقابل الإنفلونزا، أيهما يشكل الخطر الأكبر؟

إنَّ الخوف في هذه الحالة هو العدو الأكبر:

ماذا يحصل لأجسادنا عندما نختبر الشُّعور بالخوف؟ تطلِق الغدَّة الكظريَّة هرمون الكورتيزول، والذي يقلِّلُ قدرة الجهاز المناعي للجسم، والوقت الآن ليس مناسباً كي نفتح البوَّابات لحشدٍ من الغزاة؛ لذا دفعَ الخوف الناجم عن المعلومات المضلِّلة أصدقائي العقلانيِّين إلى شراء علبٍ من الكمَّامات ومعقِّمات اليدين. لم يخبرهم أحدٌ أنَّ هذه الكمَّامات غير مصمَّمة للحماية من الجراثيم، بل هي مصمَّمة لحماية الطواقم الطبية من السوائل في أثناء العمليات الجراحية. وإذا ازداد تفشِّي الفيروس، ستحتاج المشافي والعيادات إلى هذه الكمَّامات والمطهِّرات، ولهذا يجب ألَّا ندع حالة الطوارئ تتفاقم لتجعلنا نهرع إلى إفراغ المتاجر من محتوياتها.

عندما تطرأ أيُّ أزمة، يسعى الأشخاص الجهلة بالطبع إلى إيجاد كبش محرقة، لذلك نلاحظ أنَّ قصص التعنيف والعنصرية تستهدف الآسيوين. لقد تجاهلوا حقيقة أنَّ هذا ليس مرضاً خاصاً بعرقٍ دونَ غيره، وأنَّه يصيب الأعراق دونَ تحيُّز.

كيف يؤثِّر هذا الخوف على الاقتصاد العالمي؟ في التّاسع من آذار، انخفضت أرباح البورصة في الولايات المتَّحدة لتبلغ بشكلٍ كلِّي سبعةً بالمئة، والذي يُعدُّ أسوأ انخفاضٍ سُجِّل منذ الركود الهائل لعام 2008، وقدرَّت الولايات المتَّحدة التكاليف المترتِّبة على الاقتصاد العالمي بسبب فيروس كورونا بما يعادل واحداً إلى اثنين تريليون دولار.

إذاً، ما هي الطريقة المثلى لتزداد الأزمة سوءاً؟ الاستسلام للخوف والذعر. نعم، فالشعور بالقلق أمرٌ طبيعي في الحالات الطارئة، لكن يمكنك اختيار تجاوز الأمر بعقلانية.

كيف تتعامل مع هذه الأزمة؟

الدرس الأعظم الذي نستخلصه: ركِّز على الأمور التي يمكنك التحكُّم بها، وتجاهل ما لا يمكنك التحكُّم به.

وربَّما تتساءل: بماذا نستطيع التحكُّم؟ بالكثير حقيقةً، كأفكارنا، أو كلامنا، أو أفعالنا. فالأمر قيد سيطرتنا إذا ما أصبحنا مطَّلعين تمام الاطِّلاع عليه، أمَّا إذا سمحنا للفيروس الموازي للإعلام المروِّج للخوف أن يقودنا إلى تصرُّفاتٍ غير عقلانية، فلابدَّ أن نُصابَ بالجنون.

أغلب الأشياء المتواجدة داخلنا خارجةٌ عن سيطرتنا، إلَّا إذا كنت عاملاً تهتمُّ بمجال الصحة، فلا تستطيع التأثير على مدى انتشار هذه الجائحة. لكن لا يهمُّ من أنت، فلديك الفرصة للتصرُّف كشخصٍ مسؤول. في بعض الأحيان، قد تعني القيادة اتخاذ القرارات القاسية المريعة، وكما كتب القيادي الكاتب والمتحدِّث "جون ماكسويل" (John Maxwell): "هناك العديد من القرارات الصعبة التي يجب اتخاذها الآن، والتي تؤثِّر في خط الأرباح ومخطَّطات السّفر".

وماذا عن الخطوط الجوية؟ مع تجنُّب الناس للمطارات، لحق الضَّرر برحلات السفر، وكذلك بأرباح شركات الطيران. ردَّاً على ذلك، قام المدير التنفيذي لشركة خطوط الطيران الجنوبيَّة الغربية الأمريكية بخصم عشرةٍ بالمئة من مرتَّبه كنوعٍ من التطَّوع، كما علَّق كلٌّ من المدير التنفيذي ورئيس الاتحاد رواتبهم حتَّى شهر حزيران. يمكن أن تُعدَّ هذه الأفعال مبادراتٍ رمزيةً، لكنَّها أسلوبٌ آخر من أساليب القيَّادة، وذلك عن طريق تحمُّل أعباء هذه الأزمة، ليكونوا مثالاً يحتذي به الغير.

إقرأ أيضاً: مواجهة خطر فيروس كورورنا بمسؤولية

ما الذي أستطيع القيام به؟

ربَّما أنت لست مديراً تنفيذياً، لكن يمكنك أن تتخذ إجراءاتٍ فعَّالة. هنا الطرائق التي تستطيع من خلالها إظهار القيادة، مهما كانت صفتك. إليكَ أهمَّها:

1. ثقِّف نفسك:

تقود المعلومات المضلِّلة إلى نوعٍ من الخوف والذعر، والذي يكون في بعض الأحيان أخطر من الأزمة نفسها.

2. ركِّز على ما يمكنك التحكُّم به، وتجاهل ما تبقَّى:

ارفض الخوف، ارفض أن تصبح مهووساً بقصص الأخبار التي تثير المخاوف، وإذا أردت أن تعرف آخر التطوُّرات اليومية حول فيروس كورونا، فاحصل عليها من مصدرٍ موثوق.

3. اتَّبع النصائح الصادرة عن منظَّمة الصحة العالميَّة:

اغسل يديك، ابتعد مسافة ثلاثة أقدامٍ عن أيِّ شخصٍ يسعل، لا تلمس وجهك، واحرص أن تغطي وجهك في أثناء السعال والعطاس. وإذا شعرت بارتفاع درجة الحرارة، أو أصبت بالسعال الجَّاف؛ فاتصل بطبيبك.

إقرأ أيضاً: انفوغرافيك: 10 خطوات للوقاية من فيروس كورونا

فيروس كورونا ليس بالأزمة العالميَّة الأولى، أو الأسوأ، أو حتَّى الأخيرة؛ فقد واجهت الأجيال السابقة الإنفلونزا الإسبانية، واثنتين من الحروب العالمية، والتهديد المستمر من الرعب النووي. لذا، ليس بالأمر الهامِّ إن كنَّا نواجه الأزمة الآن، أو حتَّى كيف ستزداد الأمور سوءاً؛ لأنَّ ما يهمُّ حقاً كيف سيعالج هذا الجيل حالة الطوارئ هذه.

عندما يطرأ أيّ وضعٍ فالخيار بين أيدينا: إمَّا أن ندع الخوف يسلب منَّا القوَّة، أو أن نعمل سويَّاً كأشخاصٍ قيادييِّن في سبيل الصَّالح العام.

لندع طبيعتنا الإنسانيّة المُثلى تتغلَّب اليوم، ولنرِي هذا الفيروس أنَّهُ اختار محاربة الصنف الخاطئ من المخلوقات.

 

المصدر




مقالات مرتبطة