في عيد الحب.. أو في غيره!

يقولون أن الأحمر هو لون الإثارة والإغراء، وهو لون الحب أيضاً، والدارج أنك كلما اقتربت من منطقة تتحدث عن إثارة أو إغراء أو حتى حب، كانت المرأة تنتظرك.



فمن يستحق أن يحب أكثر من المرأة. فلا عجب أن تكون هي، المرأة الأم، الحبيبة، الزوجة، الأخت، والإبنة، ملكة متوجة على عرش الحب، أو عروشها، ولا عجب أن تكون المستفيد الأول، أو المتضرر الأول من مناسبة نعيشها هذا اليوم، الرابع عشر من فبراير، عيد الحب، أو الفالنتين.

درجت مجتمعاتنا العربية منذ سنوات على الاحتفال بمناسبة عيد الحب في هذا اليوم، كتقليد تم استهجانه كثيراً من مناسبة غربية يحتفل فيها بميلاد القديس فالنتين، الذي حارب قرار كنيسته بمنع الزواج، بمساعدته الشباب على الفرار من أجل من يحبون.

المناسبة التي تعتبر يوم عطلة في بعض الدول ومنها الولايات المتحدة الأميركية، والتي يحتفل العشاق فيها بكل ما هو أحمر، لا تنفك تشهد جدلاً واسعاً ومكرراً. فالمناسبة غربية غير مرتبطة بمجتمتعاتنا، والاحتفال بالحب مطلوب في كل يوم من أيام السنة وليس في هذا اليوم بالذات، والمناسبة إرهاق مادي إضافي على الأزواج "رجالاً ونساء" ليثبتوا "حبهم" بهدايا قيمة، ولكنها مرهقة للميزانية. والمناسبة أيضاً فرصة تجارية عظيمة لا تتكرر إلا مرّة واحدة في العام لأصحاب المحلات لبيع كل ما هو أحمر ولطيف بأضعاف سعره الأصلي.

نعم، لا يستفيد من وراء تشجيع الاحتفال بعيد الحب "الفالنتين" أكثر من أصحاب المحلات التجارية الذين يتفننون في صف القلوب والورود الحمراء على أرفف محلاتهم، وتزيين الدببة وقطع الشوكولاتة بكل ما هو أحمر. فهذا هو عيد الحب، عيد اللون الأحمر، يوم يمكن استغلاله للتخفيف من الركود الاقتصادي الذي تعاني منه الحركة التجارية في المنطقة منذ فترة الآن، ناهيك عن سوق المجوهرات التي ستنتعش قليلاً قبل أن تعود لسباتها العميق.

لطالما تسائلت، كيف يمكن أن تختزل مشاعرعاطفية في تعبير مادي، كيف يمكن أن يتم قياس مقدار الحب بقيمة الهدية ؟ وهل يمكن للمرأة أن تقبل بطقم من الألماس مثلاً بديلاً عن مشاعر حقيقة؟ لماذا تلجأ المرأة إلى هذا الخيار أحياناً؟ وهل هي بالفعل كما يتهمونها مخلوق مادي، وهي أرقى مخلوقات الله تعالى عاطفة؟

هل تعرفون أن الاحتفال بعيد الفالنتين أو عيد الحب هو صناعة مقدارها 14 بليون دولار أميركي في الولايات المتحدة فقط، فما بالك بالعالم أجمع؟ هل يعني ذلك أن العالم مليء بالحب؟ أما أننا نشتريه مثلما نشتري القلوب الحمراء وباقات الورود والدببة الملونة؟

هل يعني ذلك أن نقف ضدّ الاحتفال بالحب كمفهوم في حياتنا، قطعاً لا، يجب أن نحتفل بالحب وبمن نحب في أي يوم من أيام السنة، أو حتى في يوم الرابع عشر من فبراير، لا يهم. فقيمة الاحتفال المعنوية هي الأهم.

غير أن المشكلة أننا أغرقنا أنفسنا بأنفسنا في عصر مادي استهلاكي بغيض، أصبحت فيه المشاعر سلعة تباع وتشترى. وحتى الكلمات التي تعبر عن الحب، أصبحت معلبة جاهزة على أغلفة البطاقات. يمكنك أن تختار أجمل القصائد الشعرية لمحبوبتك، لا داعي لأن تتحوّل إلى قيس بن الملوّح أو أبو فراس الحمداني، فقط اتجه إلى أقرب محل هولمارك، واختر أجمل بطاقة تحمل أجمل الكلمات.

منذ سنوات قليلة قام محل هولمارك الشهير لبيع بطاقات المعايدة بحصر مبيعاته من البطاقات، واكتشف أن بطاقة واحدة كانت على رأس قائمة المبيعات لمدة سنة كاملة حول العالم أجمع. البطاقة بسيطة، تحمل وردة رقيقة على غلافها، وعبارة شاملة "إلى من أحب". الملايين حول العالم أرسلوا هذه البطاقة بالذات إلى من يحبون، الملايين حول العالم لم يجدوا ما يقولونه لذلك الشخص المميز جداً الذي يحبون، غير ما كتب في هذه البطاقة غير المميزة على الإطلاق، التي تسلمها أكثر من الملايين حول العالم.

هل هي دعوة لإراحة الأزواج من عناء شراء هدايا غالية الثمن في عصر تحول رغماً عنا جميعاً إلى المادية؟ هل هي دعوة لكتابة قصائد الغزل القديمة ونسج أبيات الشعر الخيالية؟ ليست كذلك طبعاً، بل هي نظرة أعمق لهذه المناسبة التي تمرّ علينا مرور الكرام، فإمّا أن نهملها بداعي شعورنا بأن الرومانسية انتهت من حياتنا، أو لأننا ببساطة لا نؤمن بهذا التقليد الغربي. وإما أن نقوم بالاحتفال بها بطريقة تفيد أصحاب المحلات التجارية.

إنها دعوة لتخفيف المادية والاستهلاكية التي تسربت إلى حياتنا فطغت عليها، دعوة إلى البحث عن مشاعر يمكننا أن نعيد إحيائها دون حاجة إلى رصيد بنكي كبير. دعوة للمرأة إلى عدم تسطيح مشاعرها بهدية مهما كانت قيمتها، ودعوة للرجل إلى النظر أبعد قليلاً من تلك الهدية. يمكنهما معاً أن يلونا حياتهما باللون الأحمر، في عيد الحب، أو في غيره.

المصدر: بوابة المرأة